أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


أحكام حراك السُّود في بلاد الحرمين
تشهد بلاد الحرمين في هذه الأيام حراكا مُنظَّما فيما يبدو للتسلُّل والنزوح في مناطق واسعة ولأهداف غير مُحدَّدة . وقد ترتب على هذا الحراك أمران هما : الاختطاف والاختطاب .
والمقصود بالاختطاف : الاعتداء على الناس ونهب أموالهم وتهديد أعراضهم، بدعوى الفقر والجوع .
والمقصود بالاختطاب : المناداة باهدار دماء هؤلاء السُّود من الناس والإذن بقتلهم والترصُّد لهم بدون العودة إلى القضاء وأهل الولاية .

وكلاهما من المصالح الملغاة شرعا كما قرر الأصوليون .
وتداعي السُّود الى أرض الحرمين كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها، ليس مُحرَّما لذاته ، فإن الملايين من البِيض والسُّود يتداعون إلى بلادنا في كل يوم وفي كل عام ،من أنحاء المعمورة لأغراض شتى ، وإنما التحريم لأمور متعدية بعضها شرعيُّ والبعض الآخر يتعلق بصيانة النفس عن الهجرة الى بلد يُذُّل فيه الانسان .

ولا يخفى أن الهجرة غير النظامية إلى بلد لم يُؤذن للانسان بدخولها سبب لإذلال النفس وركوب لمخاطر لا طاقة للجسد على تحمُّلها ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم :" لا ينبغي للمسلم أن يُذلَّ نفسه ، قالوا : وكيف يُذلُّ نفسه ؟ قال : يعرض نفسه من البلاء لما لا يطيق ". أخرجه الترمذي بإسناد صحيح .

وثبت في المرفوع :" من أعطى الذِّلة من نفسه طائعاً غير مكره ، فليس مِنا ". أخرجه الطبراني باسناد حسن .

• وهذه بعض الفوائد والقواعد لأحكام حراك السُّود في بلاد الحرمين :
1- السود الأحباش ليسوا على طبقة واحدة . فمنهم الفُسَّاق والمجرمون ومنهم دون ذلك . بل منهم مؤمنون وأهل خير لكن شبح الفاقة والمجاعة والتصارع في بلادهم ، أجبرتهم على التسلُّل والهجرة والتشرُّد في الأرض .قال الله تعالى : " اعدلوا هو أقرب للتقوى " ( المائدة : 8 ) .

2- هجرة هؤلاء الأحباش بدعوى الفقر لا مُبرِّر شرعي لها ، فقد يتعرضون للضياع في البحر أو في الصحراء أو يتردَّون من الجبال ،أو تأكلهم السِّباع ، وقد يهلكون أو يعتقلون ويضيع بهلاكهم من خلفهم من أهاليهم وأسرهم ، قال تعالى : وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ (البقرة: 195) وقال سبحانه : وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (النساء: 29) ، ولهذا فإنها تحرم الهجرة غير النظامية لهذه التعليلات .

3- لا يجوز قتل هؤلاء السُّود إلا بقضاء الشرع ومعرفة الحاكم . وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد نهى عن أكل الصيد الذي وقع في الماء بقوله : " وإن وجدته غريقا فلا تأكله، فإنك لا تدري الماء قتله أو كلبك " متفق عليه .فكيف بآدميِّ يهيم في الأرض لا يُعرف حاله ويُقتل ابتداءاً ؟! . ولهذا قال الأصوليون : الاستصحاب حجة إلى أن يرد ما يُغيِّره .

4- هؤلاء السُّود فيهم مسلمون مُوحِّدون ،وجنايتهم ليست كجناية العجماء التي توجب الهدر .بل لهم حقوق مضمونة شرعاً، حتى ولو كان بعضهم نصارى .
ويجب على الدولة محاسبتهم أو اعادتهم إلى بلادهم احساناً وإغاثة للملهوف .

5- القصاص من هؤلاء السُّود دون القتل ،جائز شرعاً إذا ظهرت أذيتهم وبان شرهم ،ويكون هذا من باب دفع الصائل .ودفعه بالقتل يُورِّط المسلم فيما هو غنيُّ عنه .

6- حمل السلاح من الجماعات والقبائل بدعوى الحماية الجماعية للقبيلة ،من الأسباب التى تفتح أبواب الجريمة وذريعة للتعصُّب القبلي وخروج من وحدة الصف والكلمة ، ومنازعة لأهل الولاية بغير موجب شرعي .

7- يجوز تطبيق أحكام الظَّفر في مسألة حراك السُّود ، بشرط عدم الاسراف في العقوبة . فإن أحكام الظَّفر تختلف باختلاف الحق المراد أخذه . فمن ظفر بحقِّه مع إنسان ، فله أخذه بدون تعدِّي أو احداث فتنة .

8- المعاملة بالمثل جائزة ما لم يترتب عليها مُحرَّم . ومن الناس من يتأوَّل بعض الآيات الكريمات على غير وجهها الصحيح ، كما في قول سبحانه : " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم"( البقرة : 19 ) وقوله : "وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عُوقبتم به " (النحل : 126) وقوله : " وجزاءُ سيئةٍ سيئةٌ مثلها " (الشورى : 40) . قال المفسرون : هذه الآيات فيمن أصيب بظلامة لا ينال من ظالمه إذا تمكن منه إلا مثل ظلامته ، لا يتعدَّاها إلى غيرها .

9- من وقع عليه اعتداء من هؤلاء السُّود الأحباش فهو مُخيَّر بين ثلاثة أُمور :
الأول:أن يعفو ويصفح، لينال أجر المتقين الصابرين ومعية الله وعونه، كما قال تعالى: "وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين "(آل عمران : 133) .
الثاني: الإمساك عن العفو والصفح ، ليلقى المذنب ربَّه بما اقترف من الإثم. لكن كما قال بعض السلف :" ما يفيدك أن يُعذِّب الله أحداً لأجلك؟ مع ما يفوتك من أجر العفو، لو عفوت" .
الثالث: القصاص بشروطه ، أو الدية المُقدَّرة شرعاً، والقصاص والدِّية إنما يكون لدى القاضي الشرعي، ولا يستوفي القصاص آحاد الناس ، مجنيَّا عليه أو غيره .

10- هذه الفتن سببها الظلم وعدم اعطاء الناس حقوقهم . وقد كتب عامل إلى عمر بن عبد العزيز(ت: 101هـ) رحمه الله تعالى: أن مدينتنا قد تشعَّث سورها فأرسِل لنا مالًا نُرمِّمُها، فردَّ عليه رحمه الله بقوله: "حَصِّنها بالعدل ونقِّ طرقها من الظُّلم ، فتلك مرمتها والسلام " .

وقد أعجبتني عبارة البروفيسور البنجلاديشي الفائز بجائزة نوبل للسلام "محمد يونس" وفقه الله تعالى حين قال : " الفقر خطر على السلام " وقوله "ما ينجم عن الفقر المشين من إحباط وحقد وغضب، لا يمكن أن يضمن السلام في أي مجتمع ".
وهو مفكر ذكي ، له برنامج اقتصادي لانقاذ الفقراء عبر القروض الصغيرة ، بدأ تطبيقه في البلاد الغربية الكبرى .
فأين التجار والمفكرون من الافادة والتخطيط لانقاذ الناس من شبح الجوع ؟! .
هذا ما تيسر تحريره ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .


أ/أحمد بن مسفر بن معجب العتيبي
عضو هيئة التدريس بقوات الأمن الخاصة
http://lojainiat.com/main/Author/2083