أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


قال ابنُ القيم: «وهاهنا أمرٌ ينبغي التفطن له: وهو أنَّ الكبيرة قد يقترن بها –من الحياء والخوف والاستعظام لهاما يلحقها بالصغائر، وقد يقترن بالصغيرة –من قلةِ الحياء وعدمِ المبالاة وتركِ الخوف والاستهانةِ بهاما يلحقها بالكبائر؛ بل يجعلُها في أعلى رتبها، وهذا أمرٌ مرجعه إلى ما يقوم بالقلب، وهو قدرٌ زائدٌ على مجرد الفعل، والإنسانُ يعرفُ ذلكَ من نفسه ومن غيره، وأيضاً فإنه يُعْفى للمحب ولصاحب الإحسان العظيم ما لا يعفى لغيره ويسامح بما لا يسامح به غيره، وسمعتُ شيخَ الإسلام ابنَ تيمية –قدس الله روحه –يقول: انظر إلى موسى –صلوات الله وسلامه عليه –رَمَى الألواحَ التي فيها كلام الله الذي كتبه بيده فكسرها، وجرَّ بلحيةٍ نبي مثله، وهو هارون، ولطم عين ملك الموت ففقأها، وعاتب ربه ليلة الإسراء في محمد ورفعه عليه، وربه تعالى يحتمل له ذلك ويحبه ويكرمه ويدنيه([1])، لأنه قام لله تلك المقامات العظيمة في مقابلة أعدى عدو له، وصدع بأمره، وعالج أمتي القبط وبني إسرائيل أشد المعالجة، فكانت هذه الأمور كالشعرة في البحر، وانظر إلى يونس بن مَتّى حيث لم يكن له هذه المقامات التي لموسى غاضب ربه مرة فأخذه وسجنه في بطن الحوت، ولم يحتمل له ما احتمل لموسى، وفرقٌ بين من إذا أتى بذنب واحد، ولم يكن له من الإحسان والمحاسن ما يشفع له، وبين من إذا أتى بذنبٍ جاءت محاسنه بكل شفيع كما قيل:
وإذَا الحبيبُ أتى بِذَنْبٍ وَاحدٍ جَاءتْ مَحَاسِنُه بأَلْفِ شَفِيعِ»




مدارج السالكين (1/ 328).