أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم
أما بعد أعزائي الكرام هذا هو الجزء الثالث والأخير من مقالة شيخنا أبي عبد الله النائلي الجزائري حفظه الله عن شهر شعبان والتي نشرها في جريدة الشرق القطرية أنقلها إلى هذا الملتقى المبارك حتى تعم الفائدة سائلا المولى عز وجل أن يجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر ويوفقنا لما يحبه ويرضاه


بسم الله الرحمن الرحيم
(3) تنبيه عباد الرحمن ببعض ما لا يصح من أحاديث في شعبان
أيها الأحبة إن مما ابتليت به الأمة الإسلامية خاصة في هذا العصر ، انتشار الأحاديث الضعيفة و الموضوعة بين أفرادها ، وللأسف قد لقيت عند بعض الناس رواجا وقبولا و الله المستعان ، بل أصبح الكثير منهم يسعى في نشرها بين وسائل الإعلام و الاتصال المختلفة، وهذا اتباعا لهواه أو جهلا منه ، قال العلامة المحدث الشيخ الألباني –رحمه الله- :" من المصائب العظمى التي نزلت بالمسلمين منذ العصور الأولى انتشار الأحاديث الضعيفة و الموضوعة بينهم ...، وقد أدى انتشارها إلى مفاسد كثيرة ، منها ما هو في الأمور الاعتقادية الغيبية ، ومنها ما هو من الأمور التشريعية ".السلسلة الضعيفة(1/47)باختصار.
لكن الله تبارك وتعالى ، سخر لهذه الأحاديث طائفة من الأئمة النقاد فبينوا بعون الله ما يعتريها من فساد ، فكشفوا عُوارَها ،وأوضحوا وضعها ،ولذلك قيل للإمام عبد الله ابن المبارك : " هذه الأحاديث المصنوعة ؟" فقال : " يعيش لها الجهابذة – جمع جِهبذ وهو الناقد بغوامض الأمور-" . الجرح و التعديل لابن أبي حاتم ( 1/3)
وقال ابن الجوزي –رحمه الله- :" لما لم يمكَّن أحدا أن يُدخل في القرآن ما ليس منه ، أخذ أقوام يزيدون في حديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم- ، ويضعون عليه ما لم يقل ، فأنشأ الله علماء يذبُّون عن النقل ، ويوضحون الصحيح ، ويفضحون القبيح، وما يخلي الله منهم عصرا من الأعصار، غير أن هذا الضرب قد قل في هذا الزمان". الموضوعات ( 1/10)
قال الشيخ الألباني –رحمه الله-:"فإذا كان الأمر كذلك في عهد ابن الجوزي (ت597هـ)، فكم يكون العلماء الذَّابين عن الحديث في هذا العصر ؟! لا شك أنهم أقل من القليل" . السلسلة الضعيفة ( 1/42)
و إذا كان الشيخ يشتكي من هذا في زمن وجد فيه ابن باز و ابن عثيمين ، وغيرهم من العلماء الربانين ، عليهم رحمات رب العالمين !فماذا نقول عن وقتنا،الذي قل فيه العلم و فش فيه الجهل ، وانتشرت فيه البدع ،والله المستعان
أيها الأحبة علينا أن نحرص على تصفية ديننا الحنيف مما يدخله أهل الأهواء و الجهل ، و إذا بلغ مسامعنا حديث نبوي فعلينا أن نتأكد من صحته بعرضه على أهل الاختصاص الربانيين .
و على من تصدر لتعليم الناس ووعظهم أن يحرص على التمييز بين الصحيح و السقيم ،و أن يتقي الله فيمن يُعلِم ولينشر بينهم ما صح وثبت و يترك ما لم يثبت ، قال الشيخ الألباني – رحمه الله –: "و اعلم أن التعرف على الحديث الضعيف أمر واجب وحتم لازم على كل مسلم يتعرض لتحديث الناس وتعليمهم ووعظهم ، وقد أخل به جماهير المؤلفين و الوعاظ و الخطباء ، فإنهم كثيرا ما يروون من الأحاديث ما لا أصل لها غير مبالين بنهيه صلى الله عليه وسلم عن التحديث عنه إلا بما صح " . ضعيف الأدب المفرد ( ص6)
أيها الكرام الأفاضل إن مما ينبغي معرفته و الحذر منه ما وضعه بعض أهل الأهواء و الجهلة من الناس من أحاديث في فضل شهر شعبان، والحث على العمل فيه ، و الناظر لصنيع هؤلاء يجد أن أهدافهم مختلفة و أغراضهم متباينة من وراء ذلك ،فمنها للإفساد في الدين و اتباع الأهواء،ومنها بداعي التقرب إلى الله بزعمهم ،و الله المستعان
و لذا أحببت أن أذكركم في هذا المقال بطائفة من الأحاديث المكذوبة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، مع نقل كلام العلماء فيها ، عسى الله أن ينفعني و ينفعكم بالعلم بها لنجتنبها ونحذر الناس منها، بإذنه سبحانه و تعالى ، فمنها :
1-سبب تسمية الشهر بشعبان:روي عن أنس -رضي الله عنه-مرفوعا –أي عن النبي صلى الله عليه وسلم- : "تدرون لم سمي شعبان ؟ لأنه يشعب فيه خير كثير،وإنما سمي رمضان لأنه يرمض الذنوب أي : يدنيها من الحر".،وفي رواية عنه -رضي الله عنه: "إنما سمي شعبان لأنه يتشعب فيه خير كثير للصائم فيه حتى يدخل الجنة" . رواه الرافعي في تاريخ قزوين ( 1/153) من طريق زياد بن ميمون الثقفي عن أنس –رضي الله عنه-قال الشيخ الألباني –رحمه الله- : "وهذا موضوع ، زياد بن ميمون-وهو الثقفي الفاكهي- كذاب " .السلسلة الضعيفة حديث رقم (3223)
2- ما جاء في فضل شعبان : عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه – مرفوعا -: "رجب شهر الله، وشعبان شهري، ورمضان شهر أمتي، فمن صام من رجب يومين فله من الأجر ضعفان ووزن كل ضعف مثل جبال الدنيا...". رواه ابن الجوزي في الموضوعات (2/117 ) وقال بعده : هذا الحديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم" ، و قال الشوكاني: "وهو حديث موضوع، وفي إسناده أبو بكر بن الحسن النقاش وهو متهم، والكسائي مجهول، وقد رواه صاحب اللآلىء عن أبي سعيد الخدري . الفوائد المجموعة (1/100)
-عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال النبي e :"خيرة الله من الشهور شهر رجب وهو شهر الله من عظم شهر رجب فقد عظم أمر الله ومن عظم أمر الله أدخله جنات النعيم وأوجب له رضوانه الأكبر، وشعبان شهري فمن عظم شعبان فقد عظم أمري ومن عظم أمري كنت له فرطا وذخرا يوم القيامة ، وشهر رمضان شهر أمتي فمن عظم شهر رمضان وعظم حرمته ولم ينتهكه وصام نهاره وقام ليله وحفظ جوارحه خرج من رمضان وليس عليه ذنب يطلبه الله تعالى به" . رواه البيهقي شعب الإيمان (3/374) ثم نقل عقبه قول الإمام أحمد –رحمه الله- حيث قال : " هذا إسناد منكر بمرة " .
-حديث أنس-رضي الله عنه-مرفوعا:"فضل شهر شعبان كفضلي على سائر الأنبياء " ، رواه الديلمي في الفردوس (4351)، قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله- :" إنه موضوع " تبيين العجب ( ص13)
ما جاء في نصف من شعبان : عن علي بن أبي طالب مرفوعا :"إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها!".هذا الحديث لا يصح ، فقد رواه ابن ماجة (1388) ومن طريقه ابن الجوزي في العلل المتناهية (2/561)من طريق ابن أبي سبرة عن إبراهيم بن محمد عن معاوية بن عبد الله بن جعفر عن أبي عن علي بن أبي طالب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال الحافظ ابن رجب–رحمه الله-:"إسناده ضعيف".لطائف المعارف(ص143)وقال العلامة الألباني-رحمه الله-: "وهذا إسناد مجمع على ضعفه، وهو عندي موضوع لأن ابن أبي سبرة – أبو بكر بن عبد الله-رموه في الوضع كما في التقريب " .السلسلة الضعيفة (2132)
- حديث علي – رضي الله عنه- مرفوعا : " ياعلي من صلى ليلة النصف من شعبان ، مئة ركعة بألف (قل هو الله أحد) قضى الله له كل حاجة طلبها تلك الليلة ". رواه ابن الجوزي في الموضوعات (2/50) ، قال الشوكاني في الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة (1/51) : " هو موضوع ".
- حديث عائشة –رضي الله عنها – مرفوعا : "أتاني جبريل عليه السلام فقال : هذه ليلة النصف من شعبان ولله فيها عتقاء من النار بعدد شعور غنم كلب " . رواه البيهقي في شعب الإيمان (3/384) ، قال العلامة الألباني - رحمه الله- في ضعيف الترغيب ( 620) :" ضعيف جدا " .
فهذه أيها الأحبة بعض الأحاديث المكذوبة التي تروى في فضل هذا الشهر ، فينبغي أن نعلمها ونَحذر منها ، وننصح غيرنا بمعرفتها و الابتعاد عنها .
فالله الله في التحري من صحة الحديث قبل روايته ونشره بين الناس ، حتى لا ندخل في وعيد قوله صلى الله عليه وسلم : "من حَدَّثَ عَنِّي بِحَدِيثٍ يُرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ " .صحيح مسلم (1/8)
ثبتنا الله و إياكم على السنة وجنبنا البدع وشرورها ،ورزقنا العلم النافع و العمل الصالح .
وصلي اللهم وسلم على نبينا محمد و على آله وصحبه أجمعين .
أبو عبد الله النايلي