أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


تعريف بطبعة مركز نجيبويه لكتاب التنبيهات المستنبطة للقاضي عياض

بعد طول انتظار صدر في خمس مجلدات كتاب "التنبيهات المستنبطة على كُتُب المدوَّنة والمختلطة" للقاضي أبي الفضل عياض بن موسى اليحصبي المتوفى سنة 544هـ، عن مركز نجيبويه للمخطوطات وخدمة التراث، بتحقيق الأستاذ الدكتور أحمد بن عبد الكريم نجيب، الذي قال في مقدمة التحقيق:

لمَستُ أهمية كتاب «التنبيهات» أثناء عملي في تحقيق كتب مذهب إمام دار الهجرة بعامة، وتلك المتعلِّقة بمدونة سحنون ومختصراتها بخاصة، فما من كتاب متأخر عن عصر القاضي عياض إلا و«التنبيهات» مصدرٌ رئيسٌ من مصادره، وما من كتاب متقدِّم عليه إلا وفي «التنبيهات» ما يحُلُّ كثيراً من مُشكِله.
وقد لمست ذلك - على وجه الخصوص - أثناء اشتغالي بتحقيق تقييد الزرويلي على تهذيب البراذعي للمدونة، والمختصر الفقهي الكبير لابن عرفة الورغمِّي، وحاشية ابن غازي المكناسي على هذين الكتابين التي عنونها بتكميل التقييد وتحليل التعقيد، ففي هذه الكتب الثلاثة من الاقتباسات والنقول عن مؤلَّفات القاضي عياض - وأخَصُّها تنبيهاته - الكثيرُ والكثيرُ، وقد رمز له في ثالثها بحرف الضاد (ض)، واعتمده ابنُ غازي رابعَ أربعة مصادر أساسيَّة أقام عليها بنيان التكميل والتحليل.
أمام هذه الأهمية للتنبيهات، وحاجتي إلى الرجوع إليه في أعمالي الأخرى؛ عقدتُ العزم على تحقيقه ونشره، ولما جَدَّ مني العزم على ذلك استشرتُ أهل الفنِّ في الأمر، فشدَّ عامَّةُ من استشرته على يديَّ، إلا أني تردَّدت في الشروع في العمل، وبدأتُ أقدِّم رجلاً وأؤخِّر أخرى بعد أن علمتُ من الأخ الكريم والخل الوفيِّ الحميم حسن تقيّ الدين بن الطالب السوسي أن الكتاب سبقني إلى تحقيقه أستاذان جليلان حصل كلُّ منهما بتحقيق شطره على الدرجة العالمية (الدكتوراه) من فرع جامعة القرويين بأَيْت ملُّول جنوبي المغرب، وأنَّهما عازمان مُقدِمان على طباعته ونشره.
هاتفت يومَها -قبل عامين من يومنا هذا- الدكتور محمد الوثيق -وهو أحدُ المحقِّقَين- أَعرِضُ عليه نشر عملهما في مركز نجيبويه للمخطوطات وخدمة التراث، فأفادني بأن الكتاب يوشك أن يُنشَر بعناية إحدى دور النشر البيروتيَّة الكبرى، فقد أُبرِم العقدُ معها، وروجع الكتاب وقدِّم إليها.
صرفتُ يومذاك النظر عن تحقيق الكتاب – تقديراً لسبق أهل السبق – ودأبتُ أبحث عنه مطبوعاً في المكتبات ومعارض الكتاب طيلة عامَين كاملَين لم أجده خلالَهُما، ولم أقف له على أثَر، ولم أُخبَر بما يَبعثُ على طمأنينة النفس بأن الكتاب سوف يرى النور قريباً، فدبَّت الهمَّة على تحقيقه في نفسي من جديد، وطويت صفحة الانتظار، وسارعتُ إلى جمع مخطوطات الكتاب، استعداداً للشروع في العمل.
في البداية توجَّهتُ إلى خزانة سيدي حمزة بن أبي سالم العيَّاشي (الخزانة الحمزية) - الواقعة في إقليم الرشيدية بجنوب المغرب - في طلب نسخةٍ زعم واضعو الفهرس الوصفي لمخطوطات هذه الخزانة بأنها للتنبيهات، وأنها تنتهي بقول ناسخها :: «وكان الفراغ من ذلك في يوم السبت الثالث والعشرين من جمادى الأولى عام إحدى وخمسمائة، قال هذا وخطَّهُ بيده الفانية عبيد الله الفقير إلى رحمته الغني بنعمته أحمد بن عبد الرحمن بن يوسف بن يحيى بن إسماعيل بن عبد الجبار ... غفر الله ذنوبه».
وعلَّق واضعو الفهرس على ما تقدَّم بقولهم في وصف هذه النسخة: «نسخة مبتورة الأول، عارية عن اسم المؤلِّف والمؤلَّف، وقد ثبت بعد البحث أنها قطعة من كتاب التنبيهات المستنبطة للقاضي عياض السبتي».
غمرتني الفرحة بهذه المعلومة؛ لأنَّ التاريخ المذكور يشير إلى أنَّها منسوخة في حياة القاضي عياض :، بل وهو في عنفوان الشباب، ما يعطيها أهمية خاصَّة ترقى بها إلى الذروة في سُلَّم الجودة والضبط.
ولكني فوجئتُ بأن ما في الفهرس لا علاقة له بالواقع البتة، فقد أخطأ المفهرسون في قراءة الثمانمائة – الواردة في آخر النسخة - فجعلوها خمسمائة، ووقعوا في خطأ آخر حينما زعموا أنَّها للتنبيهات، مع أنَّها ليست كذلك، فهذان خطآن جسيمان؛ أحدُهُما في النقل، والآخر في الفهم، والله المستعان.
ومع ما لحقني من الإحباط بعد وقوفي على حقيقة هذه النسخة، بحثت في الخزانة المذكورة نفسِها عن نُسخٍ أُخر للكتاب، فوجدتُ فيها اثنتين؛ إحداهما لشطرِه الأول، وهي عالية الجودة والإتقان، وثانيتهما لشطره الثاني، مع نقصٍ وبتر فيها وخلل في ترتيبها، وهي دون الأولى في الجودة والاتقان، ولكنها صالحة للإفادة منها إذا ضُمَّ إليها غيرها أو ضُمَّت إليه، فرجعت بصورتَي هاتين النسختين مغتبطاً، والحمد لله.
وكنتُ أثناء مشاركتي في تحقيق كتاب «عون المحتسب فيما يُعتمَد من كُتُب المذهَب»، للعلامة محمد عبد الرحمن ابن السالك الشنقيطي : – وكان ذا علم ودراية بمصنفات السادة المالكية ومخطوطاتها وأماكن وجودها – أفدتُ منه أنَّ للتنبيهات نسخة في خزانته، فطلبتها من الشيخ محمد فال (أبَّاه) ابن عبد الله، فأذن لي أو لمن ينوب عني بالمقابلة عليها شرط عدم الخروج أو السفر بها بعيداً عن الخزانة، عملاً بشرط محبِّسها :، كما أخرج لنا الشيخ أبَّاه - حفظه الله - من مكتبته صورة النسخة التي يُحفظ أصلُها في الخزانة الحسنية بالرباط تحت رقم (534)، فاعتمدناها، وقابلنا عليها، وعلى نسخة تامة للكتاب - بجزأيه - وردتنا من ثقة صوَّرها من حيثُ تُحفَظ في مدينة ميونيخ بألمانيا الغربية، إضافة إلى نسختَين واضحتَين متقنتَين للشطر الأول من الكتاب حصلنا على صورة إحداهما من مكتبة الأزهر الشريف، وعلى صورة ثانيتهما من مكتبة أهل الشيخ سيديا، وقد جلبها لنا وساهم في مقابلتها الشيخ الفاض لأحمد ولد محمد يحيى، رئيس قسم المخطوطات في المعهد الموريتاني للبحث العلمي.
وبمجموع ما حصلتُ عليه من نُسَخ «التنبيهات» توفَّرت لي آلة العمل وأدواته، فشرعتُ فيه مستعيناً بالله تعالى، ومتكئاً على يد العون التي بذلها لي إخواني وأعواني العاملون في مركز نجيبويه للمخطوطات وخدمة التراث بفروعه في مصر والمغرب وموريتانيا.
ولم يكن الأمر سهلاً، بل كان في غاية الصعوبة بسبب ضيق الوقت وكثرة الإشكالات التي ظهرت في النسخ الخطية بين سقط وطمس وفوارق جوهرية في النصوص والألفاظ، ربَّما أغلِق علينا في حلِّ بعضها اللياليَ ذوات العدد، وتطلب – لرفع ما فيه من إشكال – سؤال ذوي الخبرة والفقه والدين، أو الغوص في أعماق ما لم يطوه النسيان، أو يغيِّبه الإهمال من كتب المذهب.
هذا، وإنَّ تحقيق كتابٍ للقاضي عياض – لكونه من تصنيف القاضي عياض وحسب - أمرٌ في غاية الصعوبة؛ إذ إنَّ من حق شيخ المحققين الالتزام بالقواعد التي وضعها بنفسه للتحقيق، خاصة وأنَّه : سَبَق إلى وضع هذه القواعد، والعملِ بمقتضاها في مؤلَّفاته قبل قرون طويلة من ظهور حركة التحقيق على أيدي المستشرقين في عصر الطباعة.
فقد أصَّل القاضي : لتحقيق النصوص بغاية الإبداع في كتابه «الإلماع»، حيث تناول هذا الفن من كافة الجوانب، فروى في أهمية المقابلة عن هشام بن عروة بن الزبير قوله:
قال لي أبي: أكتبتَ؟
قلت: نعم.
قال: أقابلتَ؟
قلت: لا.
قال: لم تكتب يابُنَيَّ.
وفصَّل : القول في المقابلة بين نُسَخ الكتاب، فقال: «أمَّا مقابلة النسخة بأصل السماع ومعارضتها به فمتعينة لابد منها، ولا يحل للمسلم التَّقي الرواية ما لم يقابل بأصل شيخه، أو نسخة تحقق ووثق بمقابلتها بالأصل، وتكون مقابلته لذلك مع الثقة المأمون».
وفيما جرى عليه عملنا اليوم نُقدِّم على مقابلة النسخة بغيرها مطابقة ما تمت كتابته مع نفس المصدر الذي كُتِبَ منه، في مرحلةٍ نسميها بمرحلة المطابقة، وعن هذه المرحلة يؤكد عياض - وإن لم يسمِّها مرحلة المطابقة كما نسميها نحن - فيقول: «فليقابل نسخته من الأصل بنفسه حرفاً حرفاً، حتى يكون على ثقة ويقين من معارضتها به، ومطابقتها له، ولا ينخدع في الاعتماد على نسخ الثقة العارف دون مقابلة، ولا على نسخ نفسه بيده، ما لم يقابل ويصحح، فإن الفكر يذهب، والقلب يسهو، والنظر يزيغ، والقلم يطغى».
وقد ألفينا في كلام القاضي عياض في ضبط النصوص والعناية بها رأياً سديداً، وهدياً رشيداً، فعضضنا عليه بالنواجذ، واعتمدناه في تحقيق «تنبيهاته» وغيرها مما عنينا بتحقيقه.
ومن التحديث بنعم الله تعالى وفضله علينا الإشارةُ إلى أن خبرتنا المتراكمة في تحقيق تراث المذهب المالكي أتاحت لنا الوصول - مباشرةً - إلى مصادر ومراجع لم يُتَح لغيرنا الوصول إليها إلا بوسائط لا تخلو من أخطاء في الطباعة وقصور في الضبط، ومن تلك الكتب ما ليس عند غيرنا؛ كمختصرَي ابن عبد الحكم الكبير والصغير، وأحكام ابن حبيب، والزاهي لابن شعبان، واختصار ابن أبي زيد للمدونة، وتبصرة أبي الحسن اللخمي، وجامع ابن يونس الصقلي، وهذه كلها مما وفقنا الله لتحقيقها؛ فمنها ما تم طبعه، ومنها ما تجري وما تُنتَظَر طباعته، وهي من عيون مصنَّفات المذهب وأمهات كتبه ودواوينه المتقدمة – في التأليف – على «التنبيهات».
ومن الدواوين - المتأخرة عن «التنبيهات» - والتي انفردنا بحيازتها والعمل على تحقيقها، وأفدنا منها في تحقيق «التنبيهات» ومن «التنبيهات» في تحقيقها تقييدُ أبي الحسن الزرويلي على تهذيب البراذعي للمدونة، والمختصر الفقهي الكبير، لابن عرفة الورغمي، وتكميل التقييد، لابن غازي المكناسي، وكتُبٌ أخرى نسأل الله التوفيق والسداد لإتمام العمل فيها ونشرها.
وجرياً على عادة أهل التحقيق نقدِّم - فيما يلي - بين يدي النص المحقَّق للتنبيهات تعريفاً بعملنا في تحقيقها وما اعتمدناه من نسخها فنقول ولالله التوفيق:
اعتمدنا في تحقيق «التنبيهات» على سبع نسخ خطية - من بينها نسختان كاملتان - فيما يلي وصفُها على سبيل الإيجاز.
* النسخة الأولى، المرموز لها بالرمز (ح):
يحفظ أصلُها تحت رقم (534) في الخزانة الحسنيَّة بالقصر الملكي العامر في الرباط، وهي نسخة قريبة من التمام تشمل جميع كتب «التنبيهات»، إلا ما سقط من لوحات في مواضع متأخرة منها، وتقع في مائتي لوحة ولوحة من القطع الكبير، في كل منها اثنان وثلاثون سطراً في الغالب، عدد كلمات السطر الواحد منها في المتوسط سبع عشرة كلمة، وخطها مغربي مقروء بصعوبة في بعض المواضع، وفي كثير من صفحاتها طمسٌ وبياضاتٌ متكررة، وفي ختامها يقول الناسخ ما نصُّه: «نجزت النسخة بحمد الله وحسن عونه ... وكان فراغ الناسخ منه في أواسط قعدة عام ستة وثمانين ومائتين وألف، وهو الفقيه الخيِّر السيد محمد بن الفقيه المرحوم السيد الهادي ... الصنهاجي».
* النسخة الثانية، المرموز لها بالرمز (ر1):
يحفظ أصلُها تحت رقم (331) في خزانة سيدي حمزة بن أبي سالم العياشي الواقعة في إقليم الرشيدية بالمملكة المغربية، وهي للشطر الأول من كتاب «التنبيهات»، وعلى غلافها الأول ما نصُّه: «السفر الأول من كتاب التنبيهات المستنبطة على كُتُب المدونة والمختلطة وتقييد مهملاتها، وشرح غريب كلماتها، وبيان اختلاف رواياتها، وإصلاح الوهم والغلط الواقع في بعض رواياتها، تأليف القاضي أبي الفضل عياض بن موسى بن عياض اليحصبي ط»، ويليه ما نصه: «ملكه أبو عبد الله بن محمد بن عبد الله بن عبد الجليل الأموي ثم التنسي ثم التلمساني - لطف الله به».
تقع هذه النسخة في (176) لوحة، في كل منها ثلاث وعشرون سطراً في الغالب، عدد كلمات السطر الواحد منها في المتوسط ست عشرة كلمة، وخطها مغربي جميل واضح، وتتخللها بعض الخروم في أثنائها، وفي ختامها يقول الناسخ ما نصُّه: «تم السفر الأول من التنبيهات المستنبطة على المدونة، والحمد لله رب العالمين يوم الأربعاء الخامس من شهر ربيع الأول من عام ثلاثة وخمسين وستمائة، والحمد لله وحده، على يد العبد الفقير إلى رحمة ربِّه أحمد ابن سعيد بن أحمد الأنصاري بمدينة فاس - حرسها الله».
* النسخة الثالثة، المرموز لها بالرمز (ر2):
يحفظ أصلُها تحت رقم (102) في خزانة سيدي حمزة بن أبي سالم العياشي الواقعة في إقليم الرشيدية بالمملكة المغربية، وهي للشطر الثاني من كتاب «التنبيهات»، وعلى غلافها الأول ما نصُّه: «السفر الثاني من كتاب التنبيهات المستنبطة على كُتُب المدونة والمختلطة، وتقييد مهملاتها، وشرح غريب كلماتها، وبيان اختلاف رواياتها، وإصلاح الغلط الواقع من بعض رواتها، تأليف الفقيه القاضي أبي الفضل عياض بن موسى بن عياض اليحصبي - رضي الله عنه وغفر له» ويليه برنامج محتويات هذا السفر كتاباً كتاباً «من بيوع الآجال إلى كتاب الديات»، وبأسفله ما نصه: «تملكه بالشراء الصحيح عبيد الله سبحانه محمد بن محمد عُرف بـ ... المديوني - لطف الله به بمنه وكرمه وبجميع المسلمين».
تقع هذه النسخة في (150) لوحة، في كل منها ثلاث وعشرون سطراً في الغالب، عدد كلمات السطر الواحد منها في المتوسط سبع عشرة كلمة، وخطها مغربي واضح لا يعرف تاريخ نسخه، وفي ختامها سقط، حيث ينتهي القدر الموجود منها بقول المؤلف في أول كتاب الجنايات: «واعلم أن العبيد - عندنا - في القصاص فيما بينهم، ذكورهم وإناثهم، كأحكام الأحرار فيما بينهم، كانوا لمالك واحد أو لملاك مختلفين، وقد نبه في المدونة في كتاب الرجم على خلاف فيه لبعض».
* النسخة الرابعة، المرموز لها بالرمز (ز):
يحفظ أصلُها تحت رقم (95392) في مكتبة الجامع الأزهر الشريف بالقاهرة المحروسة، وهي للشطر الأول من كتاب «التنبيهات»، وقد ذهب البتر في أولها باللوحتين الأوليين منها، ويبدأ القدر المتوفر بقول المؤلف :: «المسألة الأولى، وأما على ظاهرها في الطعام فلا معنى للباء، والغَمَر -بفتح الغين المعجمة وفتح الميم- هو: الودَك».
تقع هذه النسخة في (137) لوحة، في كل منها واحدٌ وثلاثون سطراً في الغالب، عدد كلمات السطر الواحد منها في المتوسط خمس عشرة كلمة، وخطها مغربي حديث لا يعرف تاريخ نسخه، وفي ختامها سقط، حيث ينتهي القدر الموجود منها بقول المؤلف في كتاب السلم الأول: «وقوله: إن كان يحصده ولا يؤخره فلا بأس، فهذا يدل أنه معين إلا أن يريد».

* النسخة الخامسة، المرموز لها بالرمز (م):
يحفظ أصلُها تحت رقم (arab.339) في مكتبة ولاية بافاريا (BSB) الكائنة في ميونيخ (عاصمة الولاية) بجمهورية ألمانيا، وهي نسخة تامة تشمل جميع كتب «التنبيهات»، وعلى غلافها الأول ما نصُّه: «كتابٌ فيه التنبيهات المستنبطة على كتاب المدونة والمختلطة، وتفسير مهملاتها، وشرح غريب كلماتها، وبيان اختلاف رواياتها، وإصلاح الغلط الواقع من بعض رواتها، تأليف الشيخ الفقيه القاضي الإمام أبي الفضل عياض بن موسى بن عياض اليحصبي ط» ويليه: تسمية ما فيه من كتُب كتاباً كتاباً «من كتاب الوضوء والطهارة إلى كتاب الجراحات والديات».
تقع هذه النسخة في (235) لوحة، في كل منها ثلاثون سطراً في الغالب، عدد كلمات السطر الواحد منها في المتوسط ست عشرة كلمة، وخطها مغربي جميل واضح، وفي ختامها يقول الناسخ ما نصُّه: «تم كتاب الجراحات والديات بحمد الله وحُسن عونه ويُمنِه، وبتمامه تم الكتاب المسمى بكتاب التنبيهات المستنبطة على كُتُب المدونة والمختلطة وتقييد مهماتها، وشرح غريب كلماتها، وبيان اختلاف رواياتها، وإصلاح الغلط الواقع من بعض رواتها، تأليف الفقيه القاضي الإمام أبي الفضل عياض بن موسى بن عياض اليحصبي المراكشي ط، وذلك في الثاني عشر لشهر رمضان المعظم المبارك المغتفَر من عام ثلاثة وتسعين وسبعمائة، وكتبه بخط يده الفانية بمدينة تونس - حرسها الله تعالى - العبدُ الفقيرُ المعترفُ بالذنب والتقصير، الراجي في عفوه، الطامع في مغفرته محمد بن يوسف بن محمد بن أحمد بن محمد القيسي ثم الصفاقسي المشتهر بالعطار - لطف الله به وغفر له ولوالديه ولأخيه ولمن نظر خطَّه هذا وتصفَّحَه ودعا له بما نطق الله على لسانه، ولجميع المسلمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه».
* النسخة السادسة، المرموز لها بالرمز (ش1):
يحفظ أصلُها بمكتبة آل الشيخ سيديا في (بوتلميت) بالجمهورية الإسلامية الموريتانية، وهي للشطر الأول من كتاب «التنبيهات»، وعلى غلافها الأول ما نصُّه: «السفر الأول من كتاب التنبيهات المستنبطة على الكُتُب المدونة والمختلطة، وتقييد مهملاتها، وشرح غريب كلماتها، وبيان اختلاف رواياتها، وإصلاح الوهم الواقع من بعض رواتها، تأليف الفقيه القاضي أبي الفضل عياض بن موسى بن عياض اليحصبي - رضي الله عنه ورحمه».
ويليه قول الناسخ: «يشتمل هذا السفر على كتبٍ وهي ...»، ثم عدَّد محتويات السفر كتاباً كتاباً؛ «من كتاب الوضوء والطهارة إلى كتاب البيوع الفاسدة».
وعلى الغلاف بعد برنامج هذا السِّفر قول الشاعر:
مشارق أنوارٍ تبدَّت بسبتةٍ
وذا عجبٌ كون المشارق بالغربِ

وترعى [خصيباً] في جدوب ربوعها
ألا فاعجبوا من مخصبٍ موضِعَ الجدبِ

تقع هذه النسخة في (164) لوحة، في كل منها ثلاث وعشرون سطراً في الغالب، عدد كلمات السطر الواحد منها في المتوسط خمس عشرة كلمة، وخطها مغربيٌ جيد، وتتخللها مواضع مطموسة في أطراف لوحاتها، وفي ختامها يقول الناسخ ما نصُّه: «كمل السفر الأول من كتاب التنبيهات المستنبطة على كتب المدونة والمختلطة، والحمد لله رب العالمين، وصلواته على سيدنا محمد خاتم النبيِّين، وسلامه عليه كثيراً».
وفي ذيل هذه النسخة تمليك جاء فيه ما نصُّه: «هذا الجزء الأول من التنبيهات قد ملَّكه الله تعالى عبدَه سيديّ ابن المختار بن الطيب، كان الله للجميع بمنِّه وكرمه ولياً ونصيراً. آمين».
* النسخة السابعة، المرموز لها بالرمز (ش2):
يحفظ أصلها في مكتبة الشيخ محمد فال (أبَّاه) بن عبد الله بمحظرة النباغية في الجمهورية الإسلامية الموريتانية، وهي مما حبَّسه الشيخ العلامة محمد عبدالرحمن بن السالك العلوي :، وتقع في مائة لوحة ولوحتين، مكتوبة بخط مغربيٍّ واضح في الغالب، وفي كلٍّ لوحة من لوحاتها ثمان وعشرون سطراً في المتوسط، وعدد كلمات السطر الواحد يتراوح بين اثنتي عشرة وخمس عشرة كلمة، ومع أنَّها تبدأ ببداية الشطر الأول من الكتاب، فقد وقع اضطراب بعد اللوحة الأولى منها؛ حيث اختلطت أوراقها واضطرب ترتيبها، وكثر فيها الطمس والتأثر بعاديات الزمن، ثم عاد فاستقام حالُها عند قول المؤلف : -في مسألة الصلاة على السقط - من كتاب «الجنائز»: وقال سَحنون: (إنما تترك الصلاة عليهم أدبا لهم، فإن خيف أن يضيعوا غسلوا، ويصلي عليهم من حضرهم أو أولياؤهم)، كما قال في اللصوص بعد هذا, وقد قال نحوه غير واحد من أئمتنا».
وينتهي هذا السفر بنهاية كتاب «البيوع الفاسدة»، حيث ختمه الناسخ : بقوله: «تم السفر الأول من كتاب التنبيهات. انتهى على يد كاتبه لشيخه وابن عمه بابا بن أحمد بيب، والكاتبُ محمد سالم بن أحمد فال بن الأمين ابن عثمان العلوي».
وفيما يلي نبيِّن أهم معالم
عملنا ومنهجنا في تحقيق الكتاب
التزمنا في تحقيق «التنبيهات» أموراً نرجو أن تزيد تحقيقَه رصانةً، وضَبْطَه اتقاناً، ومن ذلك:
- أثبتنا عنوان الكتاب على ما توافق عليه أكثر المترجمين للقاضي عياض :، وما تواطأت عليه أكثرُ النسخ، ومنها نسخة ميونيخ، ونسختا الخزانة الحمزيَّة، ونسخة بوتلميت بشنقيط؛ فكان كما أثبتناه على الغلاف: (التنبيهات المستنبطة على كُتُبِ المدونة والمختلطة).
- قدَّمنا بين يدي الكتاب مقدمةً تحقيقيَّةً عرَّفنا فيها بمدونة سحنون الكبرى، وتنبيهات عياض المستنبطة، وختمناها بالتعريف بمنهجنا وعملنا في التحقيق بعد التعريف بما اعتمدناه من النسخ الخطيَّة للكتاب، ولم نفرد في المقدمة ترجمة للقاضي عياض؛ لأن عَلَميَّتة محل إجماع، وسيرته العطرة تملأ الأصقاع، وترجمته – لمن أرادها – وافرة في المطبوعات والمخطوطات والرقاع.
- نسخنا الكتاب من نسخة ميونيخ، وقدَّمناها على غيرها؛ لكونها أتمَّ النُّسَخ التي وقفنا عليها، ثمَّ طابقنا ما تم نسخه على الأصل المنسوخ منه، وبعد ذلك قابلنا الكتاب بتمامه على نسخة الخزانة الحسنيَّة، ثم على النُّسَخ الناقصة للكتاب؛ وهي نسخة المكتبة الأزهرية لجزئه الأوَّل، ونظيرتها التي يحفظ أصلها في خزانة الشيخ سيديا، ونسختا خزانة سيدي حمزة في الرشيدية –وهما لجزأيه – وأخيراً على النسخة التي حبَّسَها العلامة محمد عبد الرحمن بن السالك على محظرة النبَّاغية بشنقيط.
- اعتمدنا في ضبط متن الكتاب منهج النص المختار، فاخترنا مما اختلفت فيه النسخ ما بدا لنا أرجَح من غيره، وأقرب إلى مراد المؤلف :، وأثبتنا في الحواشي السفليَّة ما يفيد القارئَ الوقوفُ عليه من اختلاف عبارات وألفاظ النُّسَخ، وضربنا صفحاً عن كثير من الفوارق التي لا تؤثر في المعنى، ولا تعكِّر على سياق الكلام.
- نظراً لأن الإشارة إلى المؤلف : اختلفت من نسخة إلى أخرى، وقد تختلف في النسخة الواحدة فتارة يشار إليه بـ (القاضي) وتارة بـ (المؤلف)، وفي بعض الأحيان يرمز له بـ (ض)؛ وخروجاً من هذا الخلاف الذي لا يؤثر في المعنى اعتمدنا الإشارة إليه بـ (القاضي) في الكتاب كاملاً دون الإشارة إلى فوارق النسخ في هذا الشأن.
- نظراً للاختلاف في ترتيب الكتب بين النسخ، اعتمدنا ترتيب النسخة الأتم، وهي نسخة ميونيخ، ولم نشر إلى ما يخالفها في الترتيب تقديماً أو تأخيراً.
- أثبتنا أرقام لوحات المخطوط اعتماداً على نسخة ميونيخ المرموز لها بالرمز (م) وأشرنا إلى أوجه اللوحات بالحرف (أ) مسبوقاً برقم اللوحة، وإلى ظهورها بالحرف (ب) مسبوقاً برقم اللوحة، وبينهما خط مائل.
- لم نشر إلى تجزئة النسَّاخ لما نسخوه؛ لاختلافهم فيه كثيراً، فبعضهم يقسم الكتابَ إلى أسفار وبعضهم يقسمه إلى أجزاء، وبعضهم يزيد في عدد الأسفار أو الأجزاء وبعضهم ينقص، وقد استعضنا عن ذلك بتقسيم الكتاب إلى أجزاء متقاربة في الحجم.
- لم نشر إلى ما يتصدر صفحات بعض النسخ - وخاصة عند بدايات الكتب - من إضافات النسَّاخ تكرار البسملة والصلاة والسلام على النبي غ، وكذلك ما تُختم به الكتب من مثل ذلك.
- التزمنا قواعد الرسم الإملائي المعاصر وحلَّينا النص بما يُحتاج إليه من علامات الوقف والترقيم، وضبطنا بالشكل ما قد يُشكِل من ألفاظه وعباراته.
- كتابة الآيات القرآنية وأجزائها بالخط العثماني، وعزوها إلى مواضعها في كتاب الله تعالى بذكر اسم السورة ورقم الآية التي وردت فيها، بدءاً بالسورة ضمن معكوفتين، هكذا: [السورة: رقم الآية]، وجَعلنا ذلك عقب ذكر الآية مباشرةً، وليس في الحواشي.
- خرّجنا جميع الأحاديث الواردة التي أوردها المؤلف في النص، أو أحال عليها أو أشار إليها دون إيراد نَصِّهَا، وسُقنا أدلةً لما أغفل المؤلف ذكر دليله بقدر المستطاع، وخرَّجْنا ذلك كله من دواوين السنة المعتمدة مع التزام ما يلي في التخريج:
أ- إذا كان الحديث في الصحيحين أو أحدهما، فلا نتوسع في تخريجه، ونكف عن بيان درجته، اكتفاءً بما تفيد رواية أحد الشيخين له من الجزم بصحته.
ب- إذا لم يكن الحديث في أيٍّ من الصحيحين فنخرّجه من غيرهما من دواوين المحدثين المعتبرة بتقديم السنن الأربعة، ثم بقية المصادر مرتبةً حسب الأقدم تصنيفاً، ونورد كلام العلماء فيه، مع التفصيل في بيان حال رجال الإسناد المُتكلَّم فيهم، وعلله إن وُجدت، وتوثيق ذلك كلِّه، وما أنا في الحكم على الحديث إلاَّ ناقلٌ عن المُتقدِّمين، أو مُستأنسٌ بآراء المُتأخِّرين.
ج- أثناء العزو إلى الكتب الستة نذكر الكتاب والباب الذي ورد فيه الحديث، مع ما يسهل الرجوع إليه من رقم الحديث التسلسلي، أو رقم الجزء والصفحة، أو جميع ما تقدم.
د- عند عزو الحديث أو الأثر إلى غير الكتب الستة نكف عن ذكر اسم الكتاب والباب اكتفاءً بالإشارة إلى موضع النص بالجزء والصفحة أو الرقم التسلسلي أو هما معاً.
- عرَّفنا بأكثر الأعلام المذكورين في الكتاب، وخاصَّة أعلام المذهب المالكي؛ لكونهم المقصودين أصالةً في الكتاب بضبط أسمائهم وألقابهم، وذِكر بعض أخبارهم وآثارهم، ووثَّقنا التراجم بالإحالة إلى كتب الطبقات وأعلام المذهب.
- عزونا أغلب النُّقول والأقوال التي أوردها القاضي في «تنبيهاته» إلى مصادرها، بالرجوع إلى المصنَّفات المخطوطة والمطبوعة، وأكثرُها - كما أسلفنا- لا يسهل الوصول إليه من الحريصين، فضلاً عن غيرهم، حيثُ ظلَّ - إلى عهد قريب - كثيرٌ من أمهات ومصادر الفقه المالكي - وبعضها لا يزال - مفقوداً يتعذر الوقوف عليها مخطوطاً ومطبوعاً، حتى وفقنا الله لاستخراج دَفينِه من مَعينِه، والعمل على تحقيقه وطباعته ونشره، كما هو الحال بالنسبة لتبصرة اللخمي، وجامع ابن يونس، واختصار ابن أبي زيد، وزاهي ابن شعبان، ومختصر ابن عبد الحكم، وأحكام ابن حبيب، وكثيرٌ غيرُها.
- نظراً للعلاقة الوثيقة بين «تنبيهات» عياض و«مدونة» سحنون - رحمهما الله - ولتوقف الإفادة من التنبيهات على الوقوف على المواطن التي يراد التنبيه عليها في المدونة، ولما يعتري المدونة في طبعاتها المنشورة من خلاف وفوارق وسقط، فقد حرصنا على توثيق ألفاظها ونصوصها من الطبعات الثلاث التي يرجِع إليها طلاب العلم عادة؛ وهي ما نشرته دار صادر مصوراً عن طبعة مكتبة السعادة بمصر، وطبعة دار الكتب العلمية، وطبعة الإمارات التي نشرت على نفقة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وأعقبنا العزو إلى هذه الطبعات جميعاً بتوثيق النصوص من تهذيب البراذعي، كما في المثال التالي:
قال عياض في «التنبيهات»: ومعنى: [(هل وقَّتَ مالك في الوضوء؟)]؛ أي: هل قدر فيه مالك عدداً يقتصر عليه ويوقَف عنده؟
- أثبتنا ألفاظ المدونة في هوامش «التنبيهات» حيثما وقع بينهما خلافٌ؛ قلَّ أو كثُر، كما أوردنا النصوص بتمامها في حال اختصار القاضي عياض لها، أو اقتصاره على بعض ألفاظها، كلما اقتضى المقام إيرادها بتمامها لفهم المقصود منها في موضعه، كما في المثال التالي:
قال عياض في «التنبيهات»: [(قول سحنون: وقد كان أجاز أن يجمع الرجلان سلعتيهما فيبيعانهما جميعاً، وقال أَشْهَب: ذلك جائز)].
- ميَّزنا نصوصَ المدوَّنة عن غيرها ممَّا نقله عياضٌ في كتابه، بوضع نصوصها ضمن معكوفات بداخلها أقواس، كهذه [(مسألة)]، وهو ما لم نفعله مع نقول عياض من غير المدوَّنة.
- ألحقنا بالكتاب زُبدَة ما جاء فيه من ضَبطِ وتراجم الأعلام، وشرح غريب الألفاظ والمصطلحات، والتعريف بالأماكن والمواضع؛ لأن عنصرَي الضبط وحل المشكلات يشكلان - معاً - دعامتين هامَّتين من دعائم الكتاب، وعلى صنيع عياض فيهما اعتماد المتأخرين عنه، ونقلهم منه.
- ذيَّلنا الكتاب بثبتٍ بمراجع التحقيق ومصادر التوثيق التي رجعنا إليها أثناء العمل، وأردفناها بفهارس تقريبية للآيات، والأحاديث، والآثار، والأعلام، والمواضع، وغريب الألفاظ، والمواضيع، ثم فهرس الفهارس.
هذا، والله نسأل أن يوفِّقنا لخيرَي القول والعمل، وأن يعصمنا من الفتنة والضلالة والزلل، وأن يختم لنا بالصالحات عند بلوغ الأجل.
والحمد لله الذي بحمده تتم الصالحات.

دبلن (أيرلندا)
في التاسع من رجب 1432 هـ.
الموافق للعاشر من حزيران (يونيو) 2011 م.

