صفحة 6 من 13 الأولىالأولى ... 4 5 6 7 8 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 76 إلى 90 من 183

الموضوع: (ملف)..خير الناااس.الصحب الأطهار رضي الله عنهم

  1. #76
    مراقبة سابقة الصورة الرمزية سـامـيـه
    تاريخ التسجيل
    Dec 2009
    الدولة
    ~ الـود و الأشـواق ~
    المشاركات
    6,775

    رد: (ملف)..خير الناااس.الصحب الأطهار رضي الله عنهم

    يعطيك العافيه ماقصرت

  2. #77
    ~ [ نجم ماسي ] ~
    تاريخ التسجيل
    Jul 2010
    المشاركات
    860

    رد: (ملف)..خير الناااس.الصحب الأطهار رضي الله عنهم



    <H1 class=contentheading>أبي بن كعب </H1>





    مقدمة

    هو أُبيّ بن كعب بن قيس الأنصاري الخزرجي، له كنيتان: أبو المنذر؛ كناه بها النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو الطفيل؛ كناه بها عمر بن الخطاب بابنه الطفيل، وأمه صهيلة بنت النجار وهي عمة أبي طلحة الأنصاري، وكان أُبيّ رضي الله عنه أبيض الرأس واللحية لا يخضب.
    إسلامه:
    كان رضي الله عنه ممن أسلم مبكرًا، وقد شهد بيعة العقبة الثانية، وبعد الهجرة آخى الرسول صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل.


    أثر الرسول صلى الله عليه وسلم في تربيته:

    خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا أناس في رمضان يصلون في ناحية المسجد فقال ما هؤلاء فقيل هؤلاء ناس ليس معهم قرآن وأبي بن كعب يصلي وهم يصلون بصلاته فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أصابوا ونعم ما صنعوا"، وكانت هذه الكلمة من رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثابة الدافع الذي جعل أُبي رضي الله عنه أحد المجتهدين وأحد علماء الصحابة وقرّائهم، ومع اجتهاده إلا أنه كان دائما يستأذن من رسول الله صلى الله عليه وسلم فعن أبي بن كعب قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم مصدقا على بلى وعذرة وجميع بني سعد بن هديم من قضاعة قال: فصدقتهم حتى مررت برجل منهم وكان منزله وبلده من أقرب منازلهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة قال: فلما جمع لي ماله لم أجد عليه فيه إلا ابنة مخاض قال: فقلت له: أد ابنة مخاض فإنها صدقتك فقال: ذاك مالا لبن فيه ولا ظهر وإيم الله ما قام في مالي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا رسول له قبلك وما كنت لأقرض الله من مالي مالا لبن فيه ولا ظهر ولكن خذ هذه ناقة فتية عظيمة سمينة فخذها فقلت: ما أنا بآخذ ما لم أؤمر به وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم منك قريب فإما أن تأتيه فتعرض عليه ما عرضت علي فافعل فإن قبله منك قبله وإن رد عليك رده قال: فإني فاعل فخرج معي وخرج بالناقة التي عرض علي حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: يا نبي الله أتاني رسولك ليأخذ صدقة مالي وأيم الله ما قام في مالي رسول الله ولا رسول له قط قبله فجمعت له مالي فزعم أن ما على فيه ابنة مخاض وذلك ما لا لبن فيه ولا ظهر وقد عرضت عليه ناقة فتية عظيمة سمينة ليأخذها فأبى علي وهاهي ذه قد جئتك بها يا رسول الله فخذها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذلك الذي عليك وإن تطوعت بخير آجرك الله فيه وقبلناه منك، قال: فها هي ذه يا رسول الله قد جئتك بها فخذها قال: فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبضها ودعا له في ماله بالبركة.
    وكان دائما ما يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد روي عنه رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله ما جزاء الحمى قال: تجري الحسنات على صاحبها ما اختلج عليه قدم أو ضرب عليه عرق قال أبي: اللهم إني أسألك حمى لا تمنعني خروجا في سبيلك ولا خروجا إلى بيتك ولا مسجد نبيك قال: فلم يمس أبي قط إلا وبه حمى.
    الرسول صلى الله عليه وسلم يضرب في صدره فيفيض عرقًا:
    روى مسلم بسنده عن أبي بن كعب قال كنت في المسجد فدخل رجل يصلي فقرأ قراءة أنكرتها عليه ثم دخل آخر فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه فلما قضينا الصلاة دخلنا جميعا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت إن هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه ودخل آخر فقرأ سوى قراءة صاحبه فأمرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ فحسن النبي صلى الله عليه وسلم شأنهما فسقط في نفسي من التكذيب ولا إذ كنت في الجاهلية فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قد غشيني ضرب في صدري ففضت عرقا وكأنما أنظر إلى الله عز وجل فرقا فقال لي يا أبي أرسل إلي أن اقرأ القرآن على حرف فرددت إليه أن هون على أمتي فرد إلي الثانية اقرأه على حرفين فرددت إليه أن هون على أمتي فرد إلي الثالثة اقرأه على سبعة أحرف فلك بكل ردة رددتكها مسألة تسألنيها فقلت اللهم اغفر لأمتي اللهم اغفر لأمتي وأخرت الثالثة ليوم يرغب إليَّ الخلقُ كلهم حتى إبراهيم صلى الله عليه وسلم.
    الرسول يعلمه:
    عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على أبي بن كعب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبي وهو يصلي فالتفت أبي ولم يجبه وصلى أبي فخفف ثم انصرف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال السلام عليك يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليك السلام: "ما منعك يا أبي أن تجيبني إذ دعوتك" فقال يا رسول الله: إني كنت في الصلاة قال: "أفلم تجد فيما أوحي إلي (اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ)" قال: بلى ولا أعود إن شاء الله...
    وروى الإمام أحمد بسنده عن أبي هريرة عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أعلمك سورة ما أنزل في التوراة ولا في الزبور ولا في الإنجيل ولا في القرآن مثلها" قلت: بلى قال: "فإني أرجو أن لا أخرج من ذلك الباب حتى تعلمها" ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقمت معه فأخذ بيدي فجعل يحدثني حتى بلغ قرب الباب قال فذكرته فقلت: يا رسول الله السورة التي قلت لي، قال "فكيف تقرأ إذا قمت تصلي" فقرأ بفاتحة الكتاب قال: "هي هي، وهي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيتُ بعد"


    أهم ملامح شخصيته:

    عميد قرّاء الصحابة وأحد علمائهم:
    الله عز وجل يأمر رسوله العظيم صلى الله عليه وسلم أن يقرأ القرآن على أبي بن كعب:
    روى البخاري بسنده عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُبَيٍّ: "إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ "لَمْ يَكُنْ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ" قَالَ: وَسَمَّانِي قَالَ: "نَعَمْ" فَبَكَى.
    فكان رضي الله ممن جمعوا القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي البخاري بسنده عن قتادة قال: سألت أنس بن مالك رضي الله عنه: من جمع القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: أربعة كلهم من الأنصار أبي بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبو زيد.
    وقد شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه أقرأ الأمة فعن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أرحم أمتي بأمتي أبو بكر وأشدهم في أمر الله عمر وأصدقهم حياء عثمان وأقرؤهم لكتاب الله أبي بن كعب وأفرضهم زيد بن ثابت وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل ألا وإن لكل أمة أمينا وإن أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح"
    بل وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم الصحابة أن يستقرأوا القرآن عليه ففي البخاري بسنده عن عبد الله بن عمرو قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول استقرئوا القرآن من أربعة من عبد الله بن مسعود فبدأ به وسالم مولى أبي حذيفة وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل قال لا أدري بدأ بأبي أو بمعاذ بن جبل.
    وعند الإمام أحمد بسنده عن سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي الْفَجْرِ فَتَرَكَ آيَةً فَلَمَّا صَلَّى قَالَ: "أَفِي الْقَوْمِ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ" قَالَ أُبَيٌّ يَا رَسُولَ اللَّهِ: نُسِخَتْ آيَةُ كَذَا وَكَذَا أَوْ نُسِّيتَهَا قَالَ: "نُسِّيتُهَا"
    ويشهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسعة علمه:
    ففي صحيح مسلم بسنده عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله: "يا أبا المنذر أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم" قال: قلت: الله ورسوله أعلم قال: "يا أبا المنذر أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم" قال: قلت: "الله لا إله إلا هو الحي القيوم" قال: فضرب في صدري وقال: "والله ليهنك العلم أبا المنذر".
    قال النووي في شرح مسلم: قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( لِأُبَيِّ بْن كَعْب لِيَهْنِكَ الْعِلْم أَبَا الْمُنْذِر ) فِيهِ مَنْقَبَة عَظِيمَة لِأُبَيٍّ وَدَلِيل عَلَى كَثْرَة عِلْمه. وَفِيهِ تَبْجِيل الْعَالِم فُضَلَاء أَصْحَابه وَتَكْنِيَتهمْ ، وَجَوَاز مَدْح الْإِنْسَان فِي وَجْهه إِذَا كَانَ فِيهِ مَصْلَحَة ، وَلَمْ يُخَفْ عَلَيْهِ إِعْجَاب وَنَحْوه ; لِكَمَالِ نَفْسه وَرُسُوخه فِي التَّقْوَى.
    وقد أخذ عن أُبي قراءة القرآن ابنُ عباس وأبو هريرة وعبدُ الله بن السائب وعبدُ الله بن عياش بن أبي ربيعة وأبو عبد الرحمن السلمي، وحدث عنه سويد بن غفلة وعبد الرحمن بن أبزى وأبو المهلب وآخرون...
    فقد عرف الصحابة رضوان الله عليهم جميعًا له حقه، وأنزلوه المنزلة التي يستحقها وعرفوا له علمه وفضله، وكان يسألونه عما لا يعرفون، روى البخاري بسنده عن ابن عباس أنه تمارى هو والحر بن قيس بن حصن الفزاري في صاحب موسى قال ابن عباس هو خضر فمر بهما أبي بن كعب فدعاه ابن عباس فقال إني تماريت أنا وصاحبي هذا في صاحب موسى الذي سأل موسى السبيل إلى لقيه هل سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يذكر شأنه قال نعم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بينما موسى في ملإ من بني إسرائيل جاءه رجل فقال هل تعلم أحدا أعلم منك قال موسى لا فأوحى الله عز وجل إلى موسى بلى عبدنا خضر فسأل موسى السبيل إليه فجعل الله له الحوت آية وقيل له إذا فقدت الحوت فارجع فإنك ستلقاه وكان يتبع أثر الحوت في البحر فقال لموسى فتاه أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره قال ذلك ما كنا نبغي فارتدا على آثارهما قصصا فوجدا خضرا فكان من شأنهما الذي قص الله عز وجل في كتابه.
    ويكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم:
    أول من كتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم مقدمه المدينة أبي بن كعب وهو أول من كتب في آخر الكتاب: وكتب فلان قال: وكان أبي إذا لم يحضر دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن ثابت فكتب.
    وعن زرّ بن حبيش قال: سألت أبي بن كعب رضي الله عنه فقلت: إن أخاك ابن مسعود يقول: من يقم الحول يصب ليلة القدر فقال: رحمه الله أراد أن لا يتكل الناس، أما إنه قد علم أنها في رمضان وأنها في العشر الأواخر وأنها ليلة سبع وعشرين ثم حلف لا يستثني أنها ليلة سبع وعشرين، فقلت: بأي شيء تقول ذلك يا أبا المنذر؟ قال بالعلامة أو بالآية التي أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها تطلع يومئذ لا شعاع لها.
    وكان رضي الله عنه أول من أمّ الناس في صلاة التراويح فعن عبد الرحمن بن عبد القارىء أنه قال: خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليلة في رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط فقال عمر إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم قال عمر نعم البدعة هذه والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون يريد آخر الليل وكان الناس يقومون أوله.
    وعن أبي بن كعب قال: أما أنا فأقرأ القرآن في ثماني ليال.
    وعن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب أتى على هذه الآية "الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ" فأتى أبي بن كعب فسأله: أينا لم يظلم؟ فقال له: يا أمير المؤمنين إنما ذاك الشرك أما سمعت قول لقمان لابنه: "يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ".
    المستدرك...الحاكم
    إلى بيته يُؤتى الحكم:
    عن ابن سيرين قال: اختصم عمر بن الخطاب ومعاذ بن عفراء فحكما أبي بن كعب فأتياه فقال عمر بن الخطاب إلى بيته يؤتى الحكم فقضى على عمر باليمين فحلف ثم وهبها له معاذ.
    جاءت امرأة إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقالت له:إني وضعت بعد وفاة زوجي قبل انقضاء العدة فقال عمر: أنت لآخر الأجلين، فمرت بأبي بن كعب فقال لها: من أين جئت؟ فذكرت له وأخبرته بما قال عمر فقال: اذهبي إلى عمر وقولي له إن أبي بن كعب يقول قد حللت فإن التمستيني فإني ها هنا فذهبت إلى عمر فأخبرته فقال: ادعيه فجاءته فوجدته يصلي فلم يعجل عن صلاته حتى فرغ منها ثم انصرف معها إليه فقال له عمر: ما تقول هذه؟ فقال أبي: أنا قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم"وأولات الأحمال اجلهن أن يضعن حملهن" فالحامل المتوفى عنها زوجها أن تضع حملها فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم نعم فقال عمر للمرأة: اسمعي ما تسمعين.
    وخطب عمر بن الخطاب رضي الله عنه الناس فقال: من أراد أن يسأل عن القرآن فليأت أبي بن كعب ومن أراد أن يسأل عن الحلال والحرام فليأت معاذ بن جبل ومن أراد أن يسأل عن المال فليأتني فإن الله تعالى جعلني خازنا. المستدرك للحاكم


    بعض المواقف من حياته مع الرسول صلى الله عليه وسلم:

    روى البخاري بسنده عن سويد بن غفلة قال لقيت أبي بن كعب رضي الله عنه فقال: أخذت صرة مائة دينار فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال عرفها حولا فعرفتها حولا فلم أجد من يعرفها ثم أتيته فقال عرفها حولا فعرفتها فلم أجد ثم أتيته ثلاثا فقال احفظ وعاءها وعددها ووكاءها فإن جاء صاحبها وإلا فاستمتع بها فاستمتعت فلقيته بعد بمكة فقال لا أدري ثلاثة أحوال أو حولا واحدا.
    الرسول وأُبي وابن صياد:
    في البخاري بسنده أيضًا عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أبي بن كعب قبل ابن صياد فحدث به في نخل فلما دخل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم النخل طفق يتقي بجذوع النخل وابن صياد في قطيفة له فيها رمرمة فرأت أم ابن صياد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا صاف هذا محمد فوثب ابن صياد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو تركته بَيَّنَ"
    ويصاب يوم الأحزاب فيعالجه النبي صلى الله عليه وسلم:
    في صحيح مسلم بسنده و حدثني بشر بن خالد حدثنا محمد يعني ابن جعفر عن شعبة قال سمعت سليمان قال سمعت أبا سفيان قال سمعت جابر بن عبد الله قال رمي أبي يوم الأحزاب على أكحله - هو عرق في وسط الذراع - فكواه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    وعن جابر بن عبد الله قال جاء أبي بن كعب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله كان مني الليلة شيء في رمضان قال: وما ذاك يا أبي؟ قال: نسوة في داري قلن إنا لا نقرأ القرآن فنصلي بصلاتك قال: فصليت بهن ثماني ركعات ثم أوترت قال:
    فكان شبه الرضا ولم يقل شيئا. صحيح ابن حبان
    وعن الطفيل بن أبي بن كعب عن أبيه رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب ربع الليل قام فقال يا أيها الناس اذكروا الله يا أيها الناس اذكروا الله يا أيها الناس اذكروا الله جاءت الراجفة تتبعها الرادفة جاء الموت بما فيه جاء الموت بما فيه فقال أبي بن كعب: يا رسول الله إني أكثر الصلاة عليك فكم أجعل لك منها؟ قال ما شئت قال: الربع قال: ما شئت وإن زدت فهو خير لك قال: النصف قال: ما شئت وإن زدت فهو خير لك قال: الثلثين قال: ما شئت وإن زدت فهو خير قال: يا رسول الله أجعلها كلها لك قال: إذا تكفي همك ويغفر لك ذنبك. قال الحاكم في المستدرك: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.


    بعض المواقف من حياته مع الصحابة:

    مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
    عن ابن عباس قال: قال عمر بن الخطاب: اخرجوا بنا إلى أرض قومنا قال: فخرجنا فكنت أنا و أبي بن كعب في مؤخرة الناس فهاجت سحابة فقال أبي: اللهم اصرف عنا أذاها، فلحقناهم وقد ابتلت رجالهم فقال عمر: ما أصابكم الذي أصابنا؟ قلت: إن أبا المنذر دعا الله أن يصرف عنا أذاها فقال عمر: ألا دعوتم لنا معكم؟
    وعن ابن عباس قال: كان للعباس دار إلى جنب المسجد وفي المسجد ضيق فأراد عمر أن يدخلها في المسجد فأبى فقال: اجعل بيني وبينك رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلا بينهما أبي بن كعب فقضى للعباس على عمر فقال عمر: ما أحد من أصحاب محمد أجرأ علي منك فقال أبي: أو أنصح لك مني قال: يا أمير المؤمنين أما بلغك حديث داود أن الله عز وجل أمره ببناء بيت المقدس فأدخل فيه بيت امرأة بغير إذنها فلما بلغ حجز الرجال منعه الله بناءه قال داود: يا رب منعتني بناءه فاجعله في عقبي فقال العباس: أليس قد صارت لي وقضى لها بها؟ قال: فإني أشهدك أني قد جعلتها لله عز وجل.
    وعن ابن سيرين قال: تسلف أبي بن كعب من عمر بن الخطاب مالا قال: أحسبه عشرة آلاف ثم إن أبيا أهدى له بعد ذلك من تمرته وكانت تبكر وكان من أطيب أهل المدينة تمرة فردها عليه عمر فقال أبي: ابعث بمالك فلا حاجة لي في شيء منعك طيب تمرتي، فقبلها، وقال: إنما الربا على من أراد أن يربي وينسىء.
    مع أبي موسى الأشعري وأبي سعيد الخدري:
    روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري يقول: كنا في مجلس عند أبي بن كعب فأتى أبو موسى الأشعري مغضبا حتى وقف فقال أنشدكم الله هل سمع أحد منكم رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الاستئذان ثلاث فإن أذن لك وإلا فارجع قال أبي وما ذاك قال استأذنت على عمر بن الخطاب أمس ثلاث مرات فلم يؤذن لي فرجعت ثم جئته اليوم فدخلت عليه فأخبرته أني جئت أمس فسلمت ثلاثا ثم انصرفت قال قد سمعناك ونحن حينئذ على شغل فلو ما استأذنت حتى يؤذن لك قال استأذنت كما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فوالله لأوجعن ظهرك وبطنك أو لتأتين بمن يشهد لك على هذا فقال أبي بن كعب فوالله لا يقوم معك إلا أحدثنا سنا قم يا أبا سعيد فقمت حتى أتيت عمر فقلت قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذا
    مع أبي ذر:
    في سنن ابن ماجة بسنده عن أبي بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ يوم الجمعة تبارك وهو قائم فذكرنا بأيام الله وأبو الدرداء أو أبو ذر يغمزني فقال متى أنزلت هذه السورة إني لم أسمعها إلا الآن فأشار إليه أن اسكت فلما انصرفوا قال سألتك متى أنزلت هذه السورة فلم تخبرني فقال أبي ليس لك من صلاتك اليوم إلا ما لغوت فذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له وأخبره بالذي قال أبي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صدق أبي".
    مع سعد بن الربيع:
    عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم أحد: من يأتيني بخبر سعد بن الربيع فإني رأيت الأسنة قد أشرعت إليه؟ فقال أبي بن كعب: أنا وذكر الخبر وفيه: أقرأ على قومي السلام وقل لهم: يقول لكم سعد بن الربيع: الله الله وما عاهدتم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة فوالله مالكم عند الله عذر إن خلص إلى نبيكم وفيكم عين تطرف، وقال أبي: فلم أبرح حتى مات فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال: رحمه الله نصح لله ولرسوله حيا وميتا.
    مع جندب بن عبد الله البجلي:
    وعن جندب قال: أتيت المدينة لأتعلم العلم فلما دخلت مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا الناس فيه حلق يتحدثون قال: فجعلت أمضي حتى انتهيت إلى حلقة فيها رجل شاحب عليه ثوبان كأنما قدم من سفر فسمعته يقول: هلك أصحاب العقد ورب الكعبة ولا آسي عليهم يقولها ثلاثا هلك أصحاب العقد ورب الكعبة هلك أصحاب العقد ورب الكعبة هلك أصحاب العقد ورب الكعبة قال: فجلست إليه فتحدث ما قضي له ثم قام فسألت عنه فقالوا: هذا سيد الناس أبي بن كعب قال: فتبعته حتى أتى منزله فإذا هو رث المنزل رث الكسوة رث الهيئة يشبه أمره بعضه بعضا، فسلمت عليه فرد علي السلام قال: ثم سألني: ممن أنت؟ قال: قلت من أهل العراق قال: أكثر شيء سؤلا وغضب قال: فاستقبلت القبلة ثم جثوت على ركبتي ورفعت يدي هكذا ومد ذراعيه فقلت: اللهم إنا نشكوهم إليك، إنا ننفق نفقاتنا وننصب أبداننا ونرحل مطايانا ابتغاء العلم فإذا لقيناهم تجهموا لنا وقالوا لنا قال: فبكى أبي وجعل يترضاني ويقول: ويحك أني لم أذهب هناك ثم قال أبي: أعاهدك لأن أبقيتني إلى يوم الجمعة لأتكلمن بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أخاف فيه لومة لائم قال: ثم انصرفت عنه وجعلت أنتظر يوم الجمعة فلما كان يوم الخميس خرجت لبعض حاجتي فإذا الطرق مملوءة من الناس لا آخذ في سكة إلا استقبلني الناس، قال، فقلت ما شأن الناس؟ قالوا: إنا نحسبك غريبا قال: قلت أجل قالوا: مات سيد المسلمين أبي بن كعب قال: فلقيت أبا موسى بالعراق فحدثته فقال: هلا كان يبقى حتى تبلغنا مقالته؟ قال في المستدرك: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.
    موقفه مع الجني:
    عن أبي بن كعب: أنه كان له جرن فيه تمر فكان يتعاهده فوجده ينقص فحرسه ذات ليلة فإذا هو بداية شبه الغلام المحتلم قال: فسلمت فرد السلام فقلت: ما أنت جني أم إنسي؟ قال: جني قلت: ناولني يدك فناولني فإذا يده يد كلب وشعره شعر كلب فقلت: هكذا خلق الجن؟ قال: لقد علمت الجن أن ما فيهم من هو أشد مني قلت ما حملك على ما صنعت؟ قال: بلغني أنك رجل تحب الصدقة فأحببنا أن نصيب من طعامك فقال له أبي: فما الذي يجيرنا منكم؟ قال هذه الآية آية الكرسي التي في سورة البقرة من قالها حين يمسي أجير منا حتى يصبح ومن قالها حين يصبح أجير منا حتى يمسي - فلما أصبح أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال: "صدق الخبيث" فتح القدير للشوكاني


    أثره في الآخرين:

    روى البخاري بسنده عن ابن عباس أنه تمارى هو والحر بن قيس بن حصن الفزاري في صاحب موسى قال ابن عباس هو خضر فمر بهما أبي بن كعب فدعاه ابن عباس فقال إني تماريت أنا وصاحبي هذا في صاحب موسى الذي سأل موسى السبيل إلى لقيه هل سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يذكر شأنه قال نعم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بينما موسى في ملإ من بني إسرائيل جاءه رجل فقال هل تعلم أحدا أعلم منك قال موسى لا فأوحى الله عز وجل إلى موسى بلى عبدنا خضر فسأل موسى السبيل إليه فجعل الله له الحوت آية وقيل له إذا فقدت الحوت فارجع فإنك ستلقاه وكان يتبع أثر الحوت في البحر فقال لموسى فتاه أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره قال ذلك ما كنا نبغي فارتدا على آثارهما قصصا فوجدا خضرا فكان من شأنهما الذي قص الله عز وجل في كتابه.
    وكان رضي الله ممن جمعوا القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي البخاري بسنده عن قتادة قال: سألت أنس بن مالك رضي الله عنه: من جمع القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: أربعة كلهم من الأنصار أبي بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبو زيد.
    وقد أخذ عن أُبي قراءة القرآن ابنُ عباس وأبو هريرة وعبدُ الله بن السائب وعبدُ الله بن عياش بن أبي ربيعة وأبو عبد الرحمن السلمي، وحدث عنه سويد بن غفلة وعبد الرحمن بن أبزى وأبو المهلب وآخرون...
    وعن زرّ بن حبيش قال:سألت أبي بن كعب رضي الله عنه فقلت: إن أخاك ابن مسعود يقول: من يقم الحول يصب ليلة القدر فقال: رحمه الله أراد أن لا يتكل الناس، أما إنه قد علم أنها في رمضان وأنها في العشر الأواخر وأنها ليلة سبع وعشرين ثم حلف لا يستثني أنها ليلة سبع وعشرين، فقلت: بأي شيء تقول ذلك يا أبا المنذر؟ قال بالعلامة أو بالآية التي أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها تطلع يومئذ لا شعاع لها.
    وعن أسلم المنقري قال: سمعت عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى يحدث عن أبيه قال: لما وقع الناس في أمر عثمان رضي الله عنه قلت لأبي بن كعب: أبا المنذر ما المخرج من هذا الأمر؟ قال: كتاب الله وسنة نبيه ما استبان لكم فاعملوا به وما أشكل عليكم فكلوه إلى عالمه.


    بعض ما رواه عن الرسول صلى الله عليه وسلم

    في سنن أبي داود عن عن أبي بن كعب قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما الصبح فقال " أشاهد فلان؟ " قالوا لا قال " أشاهد فلان؟ " قالوا لا قال " إن هاتين الصلاتين أثقل الصلوات على المنافقين ولو تعلمون ما فيهما لأتيتموهما ولو حبوا على الركب وإن الصف الأول على مثل صف الملائكة ولو علمتم ما فضيلته لابتدرتموه وإن صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل وما كثر فهو أحب إلى الله عز وجل وحسّنه الألباني
    وعنه رضي الله عنه قال: كان رجل لا أعلم أحدا من الناس ممن يصلي القبلة من أهل المدينة أبعد منزلا من المسجد من ذلك الرجل وكان لا تخطئه صلاة في المسجد فقلت لو اشتريت حمارا تركبه في الرمضاء والظلمة فقال ما أحب أن منزلي إلى جنب المسجد فنمي الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن قوله ذلك فقال أردت يا رسول الله أن يكتب لي إقبالي إلى المسجد ورجوعي إلى أهلي إذا رجعت فقال " أعطاك الله ذلك كله أعطاك الله جل وعز ما احتسبت كله أجمع. قال الألباني: صحيح
    عن أبي بن كعب قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم في الوتر قال "سبحان الملك القدوس" قال الألباني: صحيح
    بعض كلماته:
    من أقواله رضي الله عنه: تعلموا العربية كما تعلمون حفظ القرآن.
    وقوله: لا تسبوا الريح فإنها من نفس الرحمن قوله تعالى: "وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ" ولكن قولوا: اللهم إنا نسألك من خير هذه الريح وخير ما فيها وخير ما أرسلت به ونعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به. هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
    وقوله رضي الله عنه: الشهداء في قباب من رياض بفناء الجنة يبعث لهم حوت وثور يعتركان فيلهون بهما فإذا اشتهوا الغداء عقر أحدهما صاحبه فأكلوا من لحمه يجدون في لحمه طعم كل طعام في الجنة وفي لحم الحوت طعم كل شراب.
    وقوله رضي الله عنه: الصلاة الوسطى صلاة العصر.
    وقوله رضي الله عنه: ما ترك عبد شيئا لا يتركه إلا لله إلا آتاه الله ما هو خير منه من حيث لا يحتسب، ولا تهاون به فأخذه من حيث لا ينبغي له إلا أتاه الله بما هو أشد عليه.
    وقال رضي الله عنه: إن مطعم ابن آدم ضرب للدنيا مثلا وإن قزحه وملحه فقد علم إلى ما يصير
    وعن أبي العالية قال: قال رجل لأبي بن كعب: أوصني قال: اتخذ كتاب الله إماما وأرض به حكما وقاضيا؛ فإنه الذي استخلف فيكم رسولكم شفيع مطاع، وشاهد لا يتهم، فيه ذكركم وذكر من قبلكم وحكم ما بينكم، وخبركم وخبر ما بعدكم.
    وفاته رضي الله عنه:
    ثبت عن أبي سعيد الخدري أن رجلا من المسلمين قال: يا رسول الله أرأيت هذه الأمراض التي تصيبنا مالنا فيها؟ قال: كفارات فقال أبي بن كعب: يا رسول الله وإن قَلّت؟ قال: وإن شوكة فما فوقها، فدعا أبي ألا يفارقه الوعك حتى يموت، وألا يشغله عن حج ولا عمرة ولا جهاد ولا صلاة مكتوبة في جماعة، قال: فما مس إنسان جسده إلا وجد حره حتى مات.
    عن جندب قال: أتيت المدينة... خرجت لبعض حاجتي فإذا الطرق مملوءة من الناس لا آخذ في سكة إلا استقبلني الناس، قال، فقلت ما شأن الناس؟ قالوا: إنا نحسبك غريبا قال: قلت أجل قالوا: مات سيد المسلمين أبي بن كعب.
    وقد اختلف في سنة وفاته رضي الله عنه وأرضاه فقيل توفي في خلافة عمر سنة تسع عشرة وقيل سنة عشرين وقيل سنة اثنتين وعشرين، وقيل إنه مات في خلافة عثمان سنة اثنتين وثلاثين، قال في المستدرك: وهذا أثبت الأقاويل لأن عثمان أمره بأن يجمع القرآن.
    من مراجع البحث:
    أسد الغابة..................... ابن الأثير
    الإصابة في تمييز الصحابة........ ابن حجر
    تذكرة الحفاظ.................. الذهبي
    الوافي في الوفيات............... الصفدي













  3. #78
    ~ [ نجم ماسي ] ~
    تاريخ التسجيل
    Jul 2010
    المشاركات
    860

    رد: (ملف)..خير الناااس.الصحب الأطهار رضي الله عنهم

    حياك الله ياساميه والله يعااافيك













  4. #79
    ~ [ نجم ماسي ] ~
    تاريخ التسجيل
    Jul 2010
    المشاركات
    860

    رد: (ملف)..خير الناااس.الصحب الأطهار رضي الله عنهم

    النعمان بن بشير

    هو النعمان بن بشير بن سعد بن ثعلبة بن جلاس بن زيد الأنصارى الخزرجى ويكنى عبد الله.
    ولم يدرك النعمان الجاهلية فقد كان أول مولود ولد في الإسلام من الأنصار بعد الهجرة بأربعة عشر شهرا.
    وهو أول مولود ولد للأنصار بعد الهجرة رضي الله عنه. (1)

    وكان النعمان أول مولود ولد بالمدينة بعد الهجرة للأنصار في جمادى الأول سنة ثنتين من الهجرة فأتت به أمه تحمله إلى النبي (صلي الله عليه وسلم) فحنكه وبشرها بأنه يعيش حميدا ويقتل شهيدا ويدخل الجنة.(2)
    من مواقفة مع الصحابة:
    كان النعمان ذا منزلة من معاوية( رضي الله عنه ) وكان معاوية يقول يا معشر الأنصار تستبطئونني وما صحبني منكم إلا النعمان بن بشير وقد رأيتم ما صنعت به وكان ولاه الكوفة وأكرمه.(3)
    من مواقفه مع التابعين:
    قيل إن أعشى همدان قدم على النعمان بن بشير وهو على حمص وهو مريض فقال له النعمان ما أقدمك قال لتصلني وتحفظ قرابتي وتقضى ديني فقال والله ما عندي ولكني سائلهم لك شيئا ثم قام فصعد المنبر ثم قال يا أهل حمص إن هذا ابن عمكم من العراق وهو مسترفدكم شيئا فما ترون فقالوا احتكم في أموالنا فأبى عليهم فقالوا قد حكمنا من أموالنا كل رجل دينارين وكانوا في الديوان عشرين ألف رجل فعجلها له النعمان من بيت المال أربعين ألف دينار فلما خرجت أعطياتهم أسقط من عطاء كل رجل منهم دينارين.(4)

    وقال أبو مخنف (وهو شيعي ) بعث يزيد بن معاوية إلي النعمان بن بشير الأنصاري فقال له ائت الناس وقومك فافثأهم عما يريدون فإنهم إن لم ينهضوا في هذا الأمر لم يجترئ الناس على خلافي وبها من عشيرتي من لا أحب أن ينهض في هذه الفتنة فيهلك.
    فأقبل النعمان بن بشير فأتى قومه ودعا الناس إليه عامة وأمرهم بالطاعة ولزوم الجماعة وخوفهم الفتنة وقال لهم إنه لا طاقة لكم بأهل الشأم فقال عبد الله بن مطيع العدوي ما يحملك يا نعمان على تفريق جماعتنا وفساد ما أصلح الله من أمرنا فقال النعمان أما والله لكأني بك لو قد نزلت تلك التي تدعو إليها وقامت الرجال على الركب تضرب مفارق القوم وجباههم بالسيوف ودارت رحا الموت بين الفريقين قد هربت على بغلتك تضرب جنبيها إلى مكة وقد خلفت هؤلاء المساكين يعني الأنصار يقتلون في سككهم ومساجدهم وعلى أبواب دورهم فعصاه الناس.(5)
    من الأحاديث التي رواها عن النبي صلى الله عليه وسلم
    عن النعمان بن بشير قال: بينا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في مسير له إذ خفق رجل على راحلته فأخذ رجل من كنانته سهما فانتبه الرجل مذعورا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يحل لمسلم أن يروع مسلما "
    عن النعمان بن بشير أن أباه نحله غلاما وأنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم ليشهده فقال: أكل ولدك نحلته مثل هذا؟ قال: لا قال: فاردده.(6)
    وعن الشعبي قال سمعت النعمان بن بشير يقول سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول وأومأ النعمان بإصبعيه إلى أذنيه إن الحلال بين والحرام بين وبين ذلك مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس فمن اتقى المشتبهات فقد استبرأ لدينه ولعرضه ومن وقع في المشتبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى أوشك أن يقع فيه ألا إن لكل ملك حمى وإن حمى الله محارمه.
    عن الشعبي عن النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم قال مثل المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضو منه تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر.(7)

    وعن النعمان بن بشير قال صلى بنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ذات يوم ثم أقبل علينا بوجهه فقال" سووا صفوفكم ولا تختلفوا فيخالف الله عز وجل بينكم يوم القيامة ".
    فلقد رأيتنا وإن الرجل منا ليلتمس بمنكبه منكب أخيه وبركبته ركبة أخيه وبقدمه قدم أخيه.(8)
    كلماته.
    عن سماك بن حرب قال سمعت النعمان بن بشير يقول ألستم في طعام وشراب ما شئتم لقد رأيت نبيكم وما يجد من الدقل ما يملأ بطنه.
    الوفاة:
    وبعد موت يزيد بن معاوية بايع النعمان لإبن الزبير فتنكر له أهل حمص، فخرج هارباً فتبعه خالد بن خليّ الكلاعي فقتله سنة خمس وستين للهجرة.
    المصادر:
    1- البداية والنهاية [ جزء 3 - صفحة 230 ]
    2- البداية والنهاية [ جزء 8 - صفحة 244 ]
    3- طبقات فحول الشعراء [ جزء 2 - صفحة 463 ]
    4- البداية والنهاية [ جزء 8 - صفحة 245 ]
    5- تاريخ الطبري [ جزء 3 - صفحة 351 ]
    6- كنز العمال [ جزء 16 - صفحة 820 ]
    7- الأربعون الصغرى [ جزء 1 - صفحة 150 ]
    8- الفوائد [ جزء 2 - صفحة 129 ]













  5. #80
    ~ [ نجم ماسي ] ~
    تاريخ التسجيل
    Jul 2010
    المشاركات
    860

    رد: (ملف)..خير الناااس.الصحب الأطهار رضي الله عنهم

    د. راغب السرجاني
    مقدمة


    الصحابة والإخلاص
    المقصود من هذا البحث أن نكون عمليين، وكيف يكون ممكنًا أن نقلد جيل الصحابة؟
    كيف نسلك نفس الطريق الذي سلكه هؤلاء الصحابة ونقتفي أثرهم ونسير على دربهم؟
    في هذه الفصل نحاول أن نضع أيدينا على أول الطريق الذي سار فيه الصحابة، وهذا هو الفصل الرابع من (كن صحابيا) تحدثنا في الفصول الثلاثة السابقة عن جيل صحابة رسول الله، تحدثنا في الفصل الأول عن صفة هذا الجيل العظيم، خير الناس خير القرون، تحدثنا عن هذا الجيل الذي رأى رسول الله صلى اله عليه وسلم، وعاش معه، وتحدث إليه، وتعلم منه مباشرة، ثم نقل الرسالة بأمانة إلى من بعده بعد ذلك بعد وفاة رسول الله، وما زلنا إلى اليوم ننعم بنقل صحابة رسول الله للدين إلينا، وتحدثنا في الفصل الثاني عن إمكانية تقليد جيل الصحابة، بعض الناس تحبط من تقليد جيل الصحابة؛ لأن مستوى هذا الجيل عالي جدا، نحن نقول:
    إن هذا الجيل جيل قدوة، ونستطيع أن نقلد هذا الجيل.
    نعم الذي يقلده هو الذي يعمل بسيرته كأنه يقبض على الجمر، لكنه في المقابل كما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ مثل أجر خمسين من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيكون من الممكن تقليد هذا الجيل. والفصل الثالث تحدثنا فيه عن صناعة الإنسان، صناعة الإنسان في الإسلام ماذا يعني إنسان في الإسلام؟ وكيف يتحول الصحابي من إنسان ليست له أية طموح في الدنيا غير ملذاته الشخصية، وغير حياته الخاصة إلى إنسان يحمل هَمّ هذا الدين على عاتقه، يحمل هذه الدعوة إلى كل ربوع الأرض؟
    تحدثنا عن أمثلة الصحابة الكرام، كيف أسلموا؟
    وكيف انتقلوا من ظلمات الجاهلية إلى نور الإسلام؟
    وذكرنا أن بدايات الصحابة كانت صعبة، بل هي أصعب من بداياتنا بلا شك، الصحابة كانوا يعبدون إله غير الله عز وجل، ونحن بحمد الله وُلدنا مسلمين، الأب والأم عند الصحابة كانوا كفارا، والحمد لله الآباء والأمهات عندنا من المسلمين المؤمنين، وانتقال الصحابة من الكفر إلى الإيمان اختبار صعب جدا، الحمد لله نحن لم نُعَرّض لهذا الاختبار، فبالتبعية انتقالنا من عدم الالتزام بهذا الدين إلى الالتزام به، لا شك أنه أسهل من انتقال الصحابة مما كانوا عليه إلى ما وصلوا إليه، نحن سنتحدث الآن ونبين كيف نكون عمليين؟ وكيف نقلد هذا الجيل الفريد من الصحابة؟
    في الفصل الرابع، وما يستجد بعد ذلك من فصول، سنتكلم في كل فصل عن صفة من صفات الصحابة، أو معنى من المعاني التي عاشها الصحابة، ومارسوه في حياتهم، وسنعرف كيف كان فهمهم، وتحركهم في حياتهم بهذا المعنى، وهذا هو الطريق الذي سلكه الصحابة ووصلوا فيه إلى ما وصلوا إليه من علم الله عز وجل في الآخرة، كما قال الله عز وجل [وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الفَوْزُ العَظِيمُ] {التوبة:100} في هذا الفصل نعرف كيف نكون عمليين، وبهذا الفصل نضع أيدينا على أول طريق سلكته الصحابة، وساروا فيه، حتى وصلوا إلى ما وصلوا إليه.
    سنتكلم على صفة من أهم صفات الصحابة، أمر هام جدا كان يميز جيل الصحابة، وأعتبر هذا الشيء هو أهم شيء في حياة الصحابة مطلقا، لا يمكن أن يكون هناك مؤمن بغير هذه الصفة، لا يمكن أن يُقبل عمل بغير هذه الصفة، هذا يدل على أن هذه الصفة فعلا خطيرة، هذه هي صفة الإخلاص لله عز وجل.
    أعرف أن كثير منا ممكن أن يطلق على نفسه لقب مخلص، أو يعتقد اعتقادًا جازما بأنه مخلص تمام الإخلاص، لكن كيف كان مفهوم الصحابة عن الإخلاص؟
    كيف استوعب الصحابة هذه الصفة؟
    وكيف مارسوا هذه الصفة في حياتهم؟



    من أهم القضايا في حياة المسلم

    وقبل أن أبدأ في وصف فهم الصحابة لصفة الإخلاص، أحب أن أذكر لكم أن هذا الفصل، وبكل صدق أعتبره من أهم الفصول في حياة المسلمين، ومن أخطر الدروس فعلا، لذا أريد منكم فهم هذا الدرس بعمق، فهذه القضية خطيرة، بل من أخطر القضايا، فمن يرسب في امتحان الإخلاص يكن مصيره لا محالة إلى النار، ومن ينجح فيه فهو الفائز الذي زُحْزِح عن النار وأُدخل الجنة، فالقضية فعلا خطيرة، يقول سبحانه وتعالى في كتابة عن قضية الإخلاص آية في منتهى الخطورة يقول ويخاطب رسول الله صلى الله عليه وسلم:

    [وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ]
    {الزُّمر:65} لو لم يوجد إخلاص [لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِينَ] {الزُّمر:65} .


    قضية خطيرة جدا، هذا الكلام يوجه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ومفهوم أن الرسول مستحيل أن يشرك بالله عز وجل، ولكن هذا لتعظيم الجرم؛ لتقبيح الفعل، والشرك هو عكس الإخلاص، فمن أشرك بالله عز وجل ما أخلص لله عز وجل، نعلم أن معنى الإخلاص أن يكون العمل خالصًا تماما من كل شائبة، والشوائب هي الشركاء، فلو أشركت مع الله عز وجل شريكًا آخر أيَّ شريك بنسبة 25% مثلا، فهل سيكتب لك خمسة وسبعين في المائة من الأجر، ويضيع عيك خمسة وعشرون في المائة، أم سيذهب العمل كله؟
    هل سيحبط العمل كله لنسبة بسيطة من الإشراك؟
    الله يقول:

    [وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِينَ]
    {الزُّمر:65} .


    واقرأ هذا الحديث الذي يفسر هذا الموضوع، روى الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه، قال: قال رسول الله:
    قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكِهِ.
    يحبط العمل كله.
    وحديث يوضح هذا المعنى بصورة أكبر، روى البخاري، ومسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن أعرابيا آتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:
    يا رسول الله، الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل للذكر- حتى يشتهر أمره بين الناس- والرجل يقاتل ليرى مكانه- لكي يقال عنه شجاع، ويسأله الرجل- من منهم في سبيل الله؟
    الرجل يسأل الرسول صلى الله عليه وسلم، فمن من هؤلاء الثلاثة قاتل في سبيل الله؟
    الرسول صلى الله عليه وسلم أعرض عن كل هؤلاء الثلاثة، حتى لم يناقش قضيتهم، وقال:
    مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
    أما هذه الأغراض الثلاثة، أوغيرها من الأغراض، فليست في ميزان الله عز وجل، ولا يصح أن توضع في جانب الإخلاص، فكلها إشراك بالله عز وجل، غرض واحد هو الذي يوضع في جانب الإخلاص، هو من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله، إن الغنيمة ليست حراما، بالعكس الله عز وجل شرع في كتابه أن توزع أربع أخماس الغنيمة على الجيش، فالمغنم ليس حراما إذًا، والذكر بالخير ليس حراما، وصفة الشجاعة ليست حراما، لكن هذا للعبد، هذا للنفس، وليس لله عز وجل، فلو أنت قاتلت لهذه الأغراض، ومن أجلها، فهذا حظ نفسك، وقد حصلت عليه في الدنيا، فلا يحسب عند الله عز وجل، لكن من يقاتل لإعلاء كلمة الله عز وجل في الأرض، فهو المقاتل في سبيل الله.
    وحديث آخر أخطر من هذا الحديث يوضح المعنى بصورة أكبر، وأكبر، روى النسائي بإسناد جيد أن أبا أمامة رضي الله عنه وأرضاه قال:
    جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:
    أرأيت رجل غزى يلتمس الأجر والذكر.
    هذا الرجل يريد الأجر من الله سبحانه وتعالى، فهو خارج في سبيل الله عز وجل، لكن إلى جانب هذا الخروج هو يلتمس أيضا الذكر حتى يقول عليه الناس فلان الذي قاتل، وحارب، وانتصر، إلى غير ذلك من صفات المجاهدين، فهو يريد الاثنين: الأجر والذكر.
    أرأيت رجل غزى يلتمس الأجر والذكر، ما له؟
    الرجل يسأل الرسول صلى الله عليه وسلم: ما له؟ يقصد من الأجر، كم له من الأجر عند الله عز وجل؟
    فقال صلى الله عليه وسلم كلمة في منتهى الخطورة، قال:
    لَا شَيْءَ.
    سبحان الله، لا شيء، حتى نسبة الأجر خمسين في المائة، ولا خمسة وسبعون في المائة، ولا خمسة وتسعون في المائة، أُحْبط كل العمل، فأعادها عليه ثلاثا، الرجل يستعجب، ورسول الله كما يقول أبو أمامة يرد عليه في كل مرة:
    لَا شَيْءَ.
    ثم قال صلى الله عليه وسلم لكي يوضح له الصورة، قال:
    إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ إِلَّا مَا كَانَ خَالِصًا وَابْتُغِيَ بِهِ وَجْهَهُ. سبحانه وتعالى.
    وحديث آخر من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث فعلا شديد الخطورة، وفيه معنى عميق جدا، روى مسلم، والنسائي، وأحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
    سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
    إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ.
    وأول ما تقرأ أول هذا الحديث تظن أنه من أهل الجنة وسيدخلها بغير حساب.
    فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا.
    ظل يقول له أعطيتك كذا وكذا من النعم الضخمة الكثيرة التي لا تحصى من الله عز وجل.
    فقال: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:
    مَا عَمِلْتَ فِيهَا؟
    قَالَ: قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتَ.
    فقد بلغ أقصى الأعمال رفعة عند الله عز وجل، ذروة سنام الإسلام، الجهاد في سبيل الله.
    قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ.
    قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لِأَنْ يُقَالَ: جَرِيءٌ، فَقَدْ قِيلَ.
    هذا الرجل كان يقاتل للذكر، كان يقاتل من أجل أن يشتهر بين الناس بأنه مقاتل جريء شجاع، لِأَنْ يُقَالَ: جَرِيءٌ، فَقَدْ قِيلَ.
    الناس قالت ما تريده، وقد أخذت حظك من الدنيا.
    ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ.
    هذا أول من قُضي عليه يوم القيامة، الرجل الثاني الذي يقضى عليه يوم القيامة:
    وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ، وَعَلَّمَهُ، وَقَرَأَ الْقًُرْآنَ، فَأُتِيَ بِهِ، فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ، فَعَرَفَهَا، فَقَالَ: مَا عَمِلْتَ فِيهَا؟
    قَالَ تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ، وَقَرَأْتُ الْقُرْآنَ فِيكَ.
    قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِأَنْ يُقَالَ: عَالِمٌ. وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِأَنْ يُقَالَ هُوَ قَارِئٌ فَقَدْ قِيلَ.
    ما كنت تعمل من أجل وجه الله سبحانه وتعالى، بل فعلتها للناس؛ ليقول الناس: عالم وقارئ. وقد قيل، أخذت ما تمنيت، وما أردت.
    ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ.
    الرجل الثالث:
    وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ، فَأُتِيَ بِهِ، فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ، فَعَرَفَهَا، فَقَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟
    قَالَ: مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلَّا أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ.
    فَقَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ: هُوَ جَوَادٌ. فَقَدْ قِيلَ.
    تحدثت الناس بما أردت فعلًا، وقالوا عنك جواد، وكريم، وأخذت حظك من الدنيا.
    ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ، ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّارِ.
    لا بد من وقفة مع هذا الحديث الخطير، كان من الممكن أن يسعر الله عز وجل جهنم أول ما تسعر بزانٍ، أو قاتل، أو مرتكب لكبيرة من الكبائر، أو لمعصية ضخمة من المعاصي، كان من الممكن ذلك، ولكن أراد الله أن يسعرها أولا بهؤلاء لإثبات أن عملهم الذي أشركوا فيه غير الله عز وجل قد أحبط تماما، كأنه لم يعمل، وكل هذا لأجل تعظيم قدر الإخلاص لله عز وجل.
    والصحابة أدركوا هذا الأمر، وفهموه جيدًا؛ لهذا عاشوا حياتهم كلها لله عز وجل، عاشوا حياتهم بكاملها مخلصين لله عز وجل، وبإدراكنا لهذه الأحاديث والآيات، ومعرفة فهم الصحابة لهذه الآيات، نستطيع أن نفهم مواقف غريبة جدا في حياة الصحابة.
    إن تصدق الله يصدقك
    موقف عجيب لصحابي من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم رواه النسائي عن شداد بن الهاد رضي الله عنه وأرضاه وشداد بن الهاد من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
    جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فآمن به، واتبعه، ثم قال: أهاجر معك.
    ولنتعلم الإخلاص من هذا الأعرابي البسيط الذي ما زال حديث عهد بالإسلام، وبإيمانه بالرسول صلى الله عليه وسلم ينال لقب صحابي لتحقيقيه شروط الصحابي، والصحابي هو من آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته، ورآه، أو اجتمع به، ومات على هذا الإيمان، فهذا الاعرابي يدخل في نطاق الصحابة مع أنه حديث عهد بالإسلام، فالرسول صلى الله عليه وسلم أوصى به بعض أصحابه حتى يعلموه الدين، وعلموه بعض أمور دينه، ثم جاءت غزوة مباشرة بعد هذا التعليم البسيط لأمور الدين، جاءت غزوة، فلما كانت هذه الغزوة غنم النبي صلى الله عليه وسلم سبيا فقسمه، والسبي هو النساء، وقسم لهذا الأعرابي الجديد الذي أسلم حديث، لكنه دخل في الموقعة، وانتصر، وقسمت الغنيمة على الناس، فقسم السبي على الصحابة، وهذا الصحابي لم يكن موجودًا، فالأعرابي كان في مكان بعيد، فلما قسم صلى الله عليه وسلم الأقسام على الصحابة جعل له قسما، وقال لأصحابه لما يأتي هذا الرجل أعطوا له قسمه، فجاء الرجل، فدفعوه إليه، فقال: ما هذا؟ قالوا: قسم قسمه لك النبي صلى الله عليه وسلم.
    والرسول هو الذي يقسم هذا يعني أنه حلال خالص, وما قسمه له النبي صلى الله عليه وسلم هو سبي، يعني نساء، فهناك ميل فطري له، ومع ذلك انظر إلى رد فعل الصحابي الأعرابي البسيط الذي أسلم منذ أيام قلائل، يا ترى ماذا كان رد فعله؟
    وماذا فعل؟
    أخذ السبي وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقال له:
    ما هذا؟
    من يقرأ الحديث يظن أن هذا الصحابي قد استقل هذا العطاء.
    قال: قَسَمْتُهُ لَكَ.
    الرسول صلى الله عليه وسلم يقول:
    قَسَمْتُهُ لَكَ.
    قال: مَا عَلَى هَذَا اتَّبَعْتُكَ وَلَكِنِّي اتَّبَعْتُكَ عَلَى أَنْ أُرْمِى إِلَى هَا هُنَا.
    وأشار إلى مكان في رقبته مكان في الحلق مكان مميت لو ضرب فيه بسهم قتل لا محالة.
    وَلَكِنِّي اتَّبَعْتُكَ عَلَى أَنْ أُرْمَى إِلَى هَا هُنَا بِسَهْمٍ فَأَمُوتَ فَأَدْخُلَ الْجَنَّةَ.
    نريد أن نقف وقفة طويلة هنا في هذا الموقف، هذا الفعل من الصحابي قد يستغربه البعض، يعتقد أن هذه مبالغة، وهي فعلا مبالغة، لكن لا مبالغة في الخير، وهذا الصحابي مع أن عمره في الإسلام قليل جدا جدا، لكن فهمه عميق جدا، رؤيته واضحه جدا، الجنة عظمت في عينه، أصبح الجهاد عنده يساوي الدنيا كلها، يخاف أن يأخذ شيئًا يشغله عن الجهاد، ومن ناحية أخرى يخاف أن تتغير نيته، أحيانًا يبدأ أحدنا عملًا بنية خاصة لله عز وجل، وبعد أن تكثر أمواله، ومنافعه من العمل تتغير نيته، مثل من يقيم مدرسة مثلا بنية أن هذا مشروع تربوي إسلامي سيفيد به الأمة الإسلامية كلها، عمل جليل جدا، وبعد أن تزداد الأموال يبدأ في تغيير نيته، وتكون الدنيا هي همه، يرفع أسعار المدرسة، يعمل رحلات بأسعار عالية، ويكسب من ورائها، يُغَير لبس المدرسة كل سنة؛ ليضطر أولياء الأمور شراء الملابس كل عام، يبدأ في زيادة عدد الطلاب في كل فصل، بدلًا من عشرين أو خمسة وعشرين حتى تسير الأمور التربوية في مسارها، يكونون ثلاثين، أو أربعين، وخمسين؛ لتزداد أمواله، وهو يعرف أنه لن يستطيع أن يقوم بمثل هذه الأبعاد التربوية التي كان سيقوم بعملها في الفصل مع العدد الكبير، وتغيرت النية، الصحابي الأعرابي البسيط لم يرد أن يدخل في كل التجربة، يريد أن يعيش حياة مخلصة لله عز وجل، وإن قصرت هذه الحياة، لهذا رفض المغنم الحلال، وقرر أن يشتغل لله عز وجل بدون أجر، وطبعا هذا وإن لم يكن فرضا فهو من فضائل الأعمال، والرسول صلى الله عليه وسلم لم ينكر عليه ذلك، ولم يذكر أن هذا تشدد منه، بل قال:
    إِنْ تَصْدُقِ اللَّهَ يَصْدُقْكَ.
    وفعلا لو أنت صادق في نيتك، سيحقق لك الله كل ما تريد، لهذا السبب لا بد وأن يكون لكل واحد منا أعمال خير كثيرة، ولا يأخذ عليها أجرًا من أحد، ويثبت إخلاص نيته لله عز وجل، فالمدرس من الممكن أن يدرس من غير أموال يأخذها لمن يحتاج، والطبيب يعالج من غير تقاضيه أجرًا للمحتاجين، المحامي بإمكانه أن يترافع عن مظلوم محتاج من غير مال يأخذه، هو محامي يعمل لله عز وجل، هذا ليس فرضًا، لكن هذه وسيلة لإثبات الإخلاص لله عز وجل.
    ما الوسيلة التي من الممكن أن تعرف بها أنك مخلص تماما لله عز وجل، في عملك كلنا نقول: إننا مخصلين لله عز وجل.
    لكن أحيانًا يكون هناك أجر على عملك، فهل كل من أخذ أجرًا على العمل يصبح غير مخلص؟
    بالطبع لا، فالصحابة أخذوا أجرًا على أعمالهم، وبقية الصحابة في نفس الغزوة أخذوا الغنيمة، وأخذوا السبي، فأين تكمن المشكلة إذًا؟
    وإخلاصهم عالي جدا، فكيف تفهم أنك مخلص أو غير مخلص؟
    المقياس الحقيقي في الإخلاص: أن تعمل العمل بصرف النظر تقاضيت أجرًا أم لا، أما إذا ربطت عملك بالأجر، فهذا يدل على ضعف الإخلاص، أو غيابه أصلا، ولنرجع لقصة الصحابي الأعرابي، الصحابي الذي لم يأخذ شيئًا من السبي، وقال أنا لم أدخل معك في الإسلام إلا لأُقْتل في سبيل الله، فقال له صلى الله عليه وسلم:
    إِنْ تَصْدُقِ اللَّهَ يَصْدُقْكَ.
    فلبثوا قليلا كما يقول شداد بن الهاد رضي الله عنه وأرضاه راوي الحديث: فلبثوا قليلا، ثم نهضوا في قتال العدو، في غزوة ثانية، فأتي به النبي صلى الله عليه وسلم يُحمل، وهو مقتول شهيد رضي الله عنه وأرضاه، الأعرابي قد أصابه سهم حيث أشار فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
    أَهُوَ هُوَ؟
    حتى الرسول صلى الله عليه وسلم يستعجب، جاء له السهم في نفس المكان الذي أشار إليه، قالوا: نعم.
    قال: صَدَقَ اللَّهَ فَصَدَقَهُ اللَّهُ.
    هذا الصحابي وقف على حقيقة الإخلاص، ثم كفنه النبي صلى الله عليه وسلم في جبته، ثم قدمه، فصلى عليه فكان فيما ظهر من صلاته:
    اللَّهُمَّ إِنَّ هَذَا عَبْدُكَ خَرَجَ مُهَاجِرًا فِي سَبِيلِكَ، فَقُتِلَ شَهِيدًا، أَنَا شَهِيدٌ عَلَى ذَلِكَ. هل هناك مكافأة أفضل من تلك، لعلك تعمل عملا خالص لله عز وجل تماما وتكون النهاية في هذا العمل فتموت على هذا الإخلاص، فيكون هذا العمل هو سبب السعادة في الدنيا والآخرة، هذا الاخلاص هو ما نريده.
    وسيجنبها الأتقى
    ولنرى الصديق رضي الله عنه وأرضاه، وهو يعتق العبيد في بدء الدعوة كان يشتري العبيد بكميات كبيرة، ويدفع أموالا ضخمة في شراء العبيد، وكان يشتري العبيد ضعفاء فقراء بسطاء من الرجال، ومن النساء على السواء، فقال له أبوه أبو قحافة، وكان ما زال مشركا، قال له:
    يا بني أراك تعتق رقابًا ضعافًا، فلو أنك أعتقت رجال جلدًا يمنعونك.
    فقال الصديق رضي الله عنه وأرضاه:
    يا أبتي، إنما أبتغي وجه الله عز وجل.
    لا أريد غير رضا ربنا سبحانه وتعالى: إنما أبتغي وجه الله عز وجل.
    هذه حقيقة الإخلاص، فأنزل الله قوله: [وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى] {الليل:17}
    هذه من أعظم مناقب الصديق رضي الله عنه وأرضاه الله عز وجل يشهد له بأنه الأتقى:

    [وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى(17)الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى(18)وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى(19)إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى(20)وَلَسَوْفَ يَرْضَى]
    {الليل:17: 21}.


    هذه نيتجة الإخلاص أن يرضى الله عنه عز وجل.


    كيف تغرس الإخلاص في قلبك

    قد يقال:
    إن الكلام سليم وسهل، لكن التطبيق صعب، بل عسير.
    هذا الكلام في منتهى الصدق والحق، فعلا شيء صعب، أحد التابعين يقول: ما عالجت شيئا أشد عليَّ من نيتي.
    أكثر شيء في شدة الصعوبة هو النية، هو الإخلاص، لكن لا بد أن تكون هناك طريقة لغرس الإخلاص، لن يطلب الله منا أمرًا، إلا وهو يعرف أننا نقدر على فعله، قد يطلب أحدنا طريقة عملية للإخلاص، يقول: اذكر لي أمرًا واحدًا إذا فعلته زرعت الإخلاص في قلبي.
    أقول له: أعط لله قدره تكن مخلصًا له.
    ولتضع هذه الكلمة في مخيلة عقلك، فحتى تكون مخلصًا لله عز وجل أعط لله قدره تصبح مخلصًا له، والله لو عرفتم قدر الله عز وجل لن تشتغلوا لغيره، مستحيل أن يأتي الإشراك، وعندما لا تعطي لله عز وجل قدره يقول سبحانه وتعالى وفكر في كل كلمة في هذه الآية:

    [وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ]
    {الزُّمر:67}


    هذا هو المرض، فالناس لم تعط لله عز وجل قدره

    [وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ]
    {الزُّمر:67} .


    وهذه بعض علامات قدرة الله عز وجل [وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ] {الزُّمر:67} وهو المفروض أن نقوم به، وهو تعظيم وتقدير وإجلال لله عز وجل [سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ] {الزُّمر:67} فمن هم الذين أشركوا، الذين لم يعطوا لله عز وجل قدره [وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ] {الزُّمر:67} .
    يأتي الإشراك عندما لا يعطي العبد لله عز وجل قدره، الصحابة عرفوا هذا القدر لله عز وجل، ولذلك علموا أن من يعمل لإرضاء غير الله عز وجل فهو سفيه، هذا نوع من السفة، نوع من الحماقة أن تعرف قدر الله عز وجل، ثم تعمل لغيره، وكيف نعطي لله عز وجل قدره أكثر من النظر والتدبر في كتاب الله عز وجل المقروء، وفي كتاب الله عز وجل المنظور، ما هو كتاب الله المقروء؟
    وما هو كتاب الله المنظور؟
    الكتاب الأول، الكتاب المقروء القرآن الكريم، واقرأ أي سورة، أو أي آية لابد أنك ستتعرف على قدره سبحانه وتعالى، أي آية، تدبر في كل آية، وقف على كل كلمة، الرسول صلى الله عليه وسلم كان أحيانا يقوم الليل كله بآية واحدة، يصلى طول الليل بآية، قام ليلة كاملة بقوله سبحانه وتعالى:

    [إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ]
    {المائدة:118} .


    لو فكرت في الآية لن تُشْغَل بغير الله سبحانه وتعالى، إن كل شيء بيده فكيف الاشتغال بغيره؟
    مع أن الرزق بيد الله سبحانه وتعالى، وقلوب العباد بيده سبحانه وتعالى، والمقادير كلها بيده سبحانه وتعالى، والحياة بيده، والموت بيده، والجنة بيده، والنار بيده، ولن يحاسبك أحد غيره يوم القيامة، فلماذا تشتغل بغيره سبحانه وتعالى؟
    وهو الأول، وهو الآخر، هو المحيي، وهو المميت، هو النافع، وهو الضار، هو المبدئ، وهو المعيد، هو الملك الذي يملك كل شيء، إن أي ملك من ملوك الأرض ملكه نسبي غير مطلق، وإن كان يطلق عليه لقب ملك، لكن في النهاية هو ملك نسبي يملك أشياء، ولا يملك أشياء أخرى، قد يعتريه الفقر، قد يعتريه المرض، قد يعتريه الضعف، قد يعتريه الألم، وسيعتريه الموت لا محالة، لا يستطيع أن يسعد نفسه، ولا يملك سعادة الناس، ولا حب الناس، ولا أعمار الناس، ولا أرزاق الناس، ملكه نسبي، ملك بسيط حقير تافه، وفي نهايته سيتركه، فإما يزول الملك، وإما هو نفسه يموت، ويترك الملك، فكل هذا ملك نسبي، لكن الله سبحانه وتعالى ملكه مطلق، فكيف تشتغل لغيره؟
    اقرأ في كتاب الله عز وجل:

    [وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ]
    {الأنعام:13} .


    هذا كتاب الله عز وجل المقروء القرآن الكريم

    [وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ(13)قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ المُشْرِكِينَ]
    {الأنعام:14} .


    وهذا هو الإخلاص أتسألني أن أتخذ وليًا غير الله سبحانه وتعالى
    [قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ] {الأنعام:14} هذا سبب الإخلاص غيره سبحانه وتعالى يُطْعَم ولا يُطِعم رئيس المصلحة، مدير المدرسة، الملك، السلطان، الشرطي، أي فرد يُطْعَم ولا يُطِعم، إن الله عز وجل يُطِعم سبحانه وتعالى ولا يُطْعم [قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ المُشْرِكِينَ] {الأنعام:14}
    إن من يشرك بالله عز وجل هو الذي يتخذ وليا غير الله عز وجل

    [قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ]
    {الأنعام:15}


    وهذا سبب آخر للإخلاص، كل الناس تملك أشياء بسيطة في الدنيا، لكن لا تملك شيئا مطلقا في الآخرة، الله عز وجل يملك الآخرة بكاملها، يقول سبحانه:

    [مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الفَوْزُ المُبِينُ(16)وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ]
    {الأنعام:16،17} .


    سبب ثالث للإخلاص: لن ينفعك غير الله عز وجل، فهو الذي يُطْعِم ولا يُطْعَم، فالرزق كله من عنده، يملك يوم القيامة ولا أحد من البشر أو الخلق يملك هذا اليوم إلا الله عز وجل، هو الذي ينفع ويضر سبحانه وتعالى،
    هو القاهر فوق عباده، فإن لم يكن بإرادتك سيكون رغمًا عنك أخلصت أم لم تخلص، ما أراده الله سيكون [وَهُوَ القَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الحَكِيمُ الخَبِيرُ] {الأنعام:18}.
    فكيف تقرأ هذه الكلمات في كتاب ربنا سبحانه وتعالى، ولا تخلص لله عز وجل.
    اقرأ ما يقوله سبحانه وتعالى:

    [للهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِنَّ اللهَ هُوَ الغَنِيُّ الحَمِيدُ(26)وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ]
    {لقمان:26،27} قف لحظة، وتدبر هذه الآية، كل أشجار الأرض تخيل كل الغابات التي سمعت عنها في أمريكا، وفي أوربا، وفي مصر، سبحان الله أشجار لا نهائية، تخيل إن كل هذه الأشجار أقلام، [وَالبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ] {لقمان:27} البحر عبارة عن حبر، مداد ليكتب آيات الله عز وجل، الشجر أقلام، والبحر مداد، ومع ذلك [مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللهِ] {لقمان:27} ما نفدت آيات الله في الأرض



    [وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(27)مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ]
    {لقمان:27،28} لا شيء صعب عند الله سبحانه وتعالى، خلق البشر كخلق إنسان واحد، لا يوجد شيء صعب وآخر سهل، شيء ممكن وآخر غير ممكن، كله كن فيكون [مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ(28)أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ] {لقمان:28،29}


    هذه آية نراها كل يوم، كل يوم الكون كله يسير بنظام معين، لو أن الأرض غيرت من سرعتها بدرجة بسيطة جدا، أو الشمس غيرت من سرعتها بدرجة بسيطة جدا لن ترى الليل في ميعاده، ولا النهار في ميعاده، لكن ما حدث هذا يوما، وما تأخر الليل، وما تأخر النهار

    [أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ(29)ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ البَاطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ العَلِيُّ الكَبِيرُ]
    {لقمان:29،30} .


    هذا هو الإخلاص، [وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ البَاطِلُ] {لقمان:30} هذا هو الإشراك [وَأَنَّ اللهَ هُوَ العَلِيُّ الكَبِيرُ] {لقمان:30} .
    اقرأ القرآن بتدبر، اقرأ، وقف على كل كلمة، وكل آية، اقرأ كلام ربنا سبحانه وتعالى:

    [قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ]
    {سبأ:22} يخاطب أولئك الذين لا يعملون لله عز وجل، يخاطب من يقول أنا عبد المأمور، ويمارس المنكر، ويمارس الظلم، ويمارس الخطيئة؛ لأن هناك من البشر من أمرهم بذلك



    [قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ]
    {سبأ:22} ثم يُظْهر ضعف هؤلاء الذين يُدْعَوْن من دون الله عز وجل [قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الأَرْضِ] {سبأ:22}


    أول أمر لا يملكونه مثقال ذرة، سبحان الله انظر إلى مدى هذا الضعف

    [لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الأَرْضِ]
    {سبأ:22} أول أمر [وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ ] {سبأ:22} لا يشركون في حكم أي جزء في السموات، ولا في الأرض، ولا له سبحانه وتعالى، [وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ] {سبأ:22} لا يوجد مساعد، أو معين، ولا حتى يساعد الله سبحانه وتعالى في حكم الله عز وجل في السموات والأرض، الأمر الآخر [وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ] {سبأ:23} فهؤلاء يوم القيامة لن يستطيعوا أن يشفعوا، حتى إن لم يحكموا، ولا يملكوا، ولا يساعدوا في الحكم، لن يستطيعوا الشفاعة لأحد يوم القيامة، لا يملكون شيئا في المقدمة، ولا يملكون شيئا في المؤخرة، لا يملكون شيئا في الدنيا، ولا شيئا في الآخرة [قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ(23)وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الحَقَّ وَهُوَ العَلِيُّ الكَبِيرُ] {سبأ:23} وتمر الآيات وراء الآيات، ويأتي قول الله:



    [قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ كَلَّا بَلْ هُوَ اللهُ العَزِيزُ الحَكِيمُ]
    {سبأ:27} .


    واقرأ مثلا قول الله عز وجل:

    [وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ العَلِيُّ العَظِيمُ]
    {البقرة:255} تخيل الكرسي الذي وسع السموات والأرض، روى البيهقي، وقال: صحيح. وكذلك قال ابن كثير عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه وأرضاه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

    وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا السَّمَاواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُونَ السَّبْعُ عِنْدَ الْكُرْسِيِّ إِلَّا كَحَلَقَةٍ مُلْقَاةٍ بِأَرْضٍ فَلَاةٍ.


    السموات السبع، تخيل السموات السبع، وكل ما نراه في الكون، ولم نصل للسماء الدنيا، تخيل السموات السبع، والأرضون السبع، عند الكرسي كحلقة في فلاة، كحلقة ملقاة في فلاة، حلقة حديد ملقاة في صحراء واسعة، هذا الكرسي، فكيف يكون العرش عرش الرحمان سبحانه وتعالى؟
    يقول صلى الله عليه وسلم:
    وَإِنَّ فَضْلَ الْعَرْشِ عَلَى الْكُرْسِيِّ كَفَضْلِ الْفَلَاةِ عَلَى تِلْكَ الْحَلَقَةِ.
    يا سبحان الله العرش بالنسبة للكرسي مثل الصحراء بالنسبة للحلقة الصغيرة الملقاة، يعني كل السموات، وكل الأرض، كلها لا تساوي أي شيء في كرسي الله عز وجل، وفي عرش الله عز وجل، وهذا ما دلنا عليه ربنا، وعرفناه في القرآن الكريم، فكيف تتجرد من الإخلاص لربنا سبحانه وتعالى، وكيف تبيح لك نفسك أن تطلب من غيره، ولا تطلب منه؟
    كيف تخاف من غيره، ولا تخاف منه؟
    كيف يكون ممكنًا أن تتوكل على غيره، ولا تتوكل عليه؟
    كيف تلجأ إلى غيره ولا تلجأ إليه؟
    كل ما قيل إلى الآن سبع أو ثمان آيات، تخيل إلى أي مدى سنكون مخلصين لو قرأنا كتاب الله كله بتدبر وبفهم وبوعي، يكفي أنك تفكر فقط في أن هذا الكلام هو كلام الله عز وجل، شيء مهول، القرآن رسالة من الله عز وجل إليك، فاهتمامك بقراءة الرسالة بتدبر، يكون تعظيم وتقدير للذي أرسل إليك الرسالة، وبالتالي لكي نبحث عن الإخلاص لا بد من قراءة الرسالة القادمة، نقرأ من الله سبحانه وتعالى، نقرأ كتاب الله المقروء.
    وهذا هو الكتاب الأول، أما الكتاب الثاني فهو كتاب الله المنظور، وكتاب الله المنظور، هو الكون، هو الخلق، تفكر في خلق السموات والأرض، خلق مِنْ خلق الله عز وجل يقول فيه سبحانه:

    [لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ]
    {غافر:57} .


    هذا الكون الفسيح جدا لدرجة يتوه العقل فيها تماما، ولن يستطيع أن يتخيلها، وتفكر في الكون، وتخيل أن هناك طائرة خيالية لم تُخْتَرع بَعْدُ، طائرة خيالية تسير بسرعة 300000 كيلو متر في الثانية الواحدة، ترى كم من الوقت تحتاج للتجول في أرجاء الكون؟
    تحتاج لألف مليون سنة، وفي النهاية لن تسطيع؛ لأن الكون يتمدد ويتوسع، كما قال الله عز وجل:

    [وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ]
    {الذاريات:47} .


    وفكر معي، الأرض تبعد عن الشمس مسافة 150 مليون كليو متر، تخيل، وهي تدور، أي الأرض، تدور في محورها بسرعة ألف وستمائة كيلو متر في الساعة، الدائرة التي تدور الأرض فيها قطرها 300 مليون كيلو متر، تخيل الأرقام، وتكمل الدورة في سنة كاملة، الأرض مع ثمان كواكب أخرى مع الشمس، المجموعة الشمسية كما تعرفون تسع كواكب، أبعد كوكب فيها هو كوكب بلوتو، يدور في دائرة قطرها 12 مليون مليون كيلو متر، يدور حول الشمس في الدائرة 12 مليون مليون كيلو متر، كل هذا في المجموعة الشمسية، والشمس نفسها ليست ثابتة، الشمس نفسها تدور في فلك، ومعها كل الكواكب التي من حولها، ومنها الأرض، سرعة دوران الشمس 960000 كيلو متر في الساعة، وهذه الشمس أحد الشموس في مجرة هائلة اسمها مجرة درب التبانة، الشمس معها كم شمس مثلها، وحولها كواكب مثل الأرض، وأكبر، وأصغر حولها أيضًا، كم شمس في مجرة درب التبانة؟ أربعمائة ألف مليون شمس مثل شمسنا في مجرة درب التبانة، أكيد الكون كله عبارة عن مجرة درب التبانة، أبدا، بل مجرة درب التبانة واحدة من مجرات هائلة في الكون، يبلغ عدد المجرات في الكون مائتي ألف مليون مجرة، تشبه مجرة درب التبانة.
    ارجع، راجع هذه المعلومات، وتلك الأرقام، وهل هذا ملكوت ربنا سبحانه وتعالى، أو جزء من ملكوت ربنا سبحانه وتعالى؟
    كل هذا جزء من الكون الذي رأيناه بالتلسكوبات، وكل ما يُخْترع تلسكوب أكبر، كل ما نرى أكثر، كل هذه المليارات تدور في الكون دون تصادم، وبعض المجرات تدخل مجرات أخرى كاملة، دون أن تصطدم، هذا الكون عظيم من صنع الله عز وجل، [هَذَا خَلْقُ اللهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ] {لقمان:11} .
    فكيف بك بعد معرفة كل هذه المعلومات، وتلك الحقائق، ولا تعبده سبحانه وتعالى حق العبادة، ولا تعمل لله عز وجل، أو تعمل لغيره، أو تشرك بالله عز وجل شيئا.
    ما سبق كان أكبر ما في الكون، السموات والأرض، فلنتدبر شيئا صغيرا جدًا في الكون، نتدبر في الذرة، سبحان الله، الذرة صغيرة جدا في الحجم لدرجة إننا لا نستطيع بالمناظير الكبيرة جدا التي تكبر ملايين المرات، لا نستطيع أن نرى هذه الذرة، هذه الذرة العجيبة تحتوي على نفس نظام الكواكب السيارة حول الشمس، نفس نظام النجوم الدائرة في المجرة، سبحان الله، هذا يثبت أن خالق هذا الكون هو خالق واحد؛ لأن الكون متشابه، كل الكون فيه أشياء متشابهة جدا، هذه الذرة الدقيقة جدا تحتوي على إلكترونات تدور حول برتون، مثل الأرض والكواكب تدور حول الشمس، هذه الإلكترونات التي تدور حول البرتون، فكم حجم الإلكترون في الذرة؟
    نسبة الإلكترون إلى الذرة تساوي- لقد قلنا إن الذرة لا نستطيع رؤيتها لأنها صغيرة جدا جدا- واحد على ألف مليون من حجم الذرة، يا سبحان الله، واحد على ألف مليون من حجم الذرة، الإلكترون يدور حول البرتون بلايين المرات، بلايين المرات في الثانية الواحدة، الإلكترون أصغر من الذرة بكثير لهذا نستطيع أن نفهم كلام ربنا سبحانه وتعالى:

    [وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ]
    {سبأ:3} .


    العلماء السابقون كانوا يعتقدون أن هذه صيغة مبالغة [وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ] {يونس:61} لأن في اعتقادهم أنه لا يوجد شيء أصغر من الذرة، يعني سبحان الله هذا بعض ما مّن الله به علينا من العلم، العلم يثبت أن الإلكترون أصغر من الذرة ألف مليون مرة، ولا ندري ماذا يحدث غدًا، مؤكد سيكتشف العلم بعد ذلك أن الإلكترون هذا الجسيم الصغير جدا داخل الذرة، بداخله عالم ضخم جدا من الأحداث لا نعرفها بعد.
    لو نفكر في أنفسنا، في حياتنا نفسها [وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ] {الذاريات:21} الإنسان قد ينبهر بنظام الاتصالات، اتصالات العصر الحديث: التليفونات، وأقمار صناعية، أشياء كثيرة، لكن سبحان الله، تعالى انظر في جسدك، وانظر لنظامك العصبي، لنظام الاتصالات داخل النظام العصبي في الإنسان يضم ألف مليون خلية عصبية بداخل الطفل، والشاب، والشيخ الكبير، ألف مليون خلية عصبية داخل نظام الاتصالات الرهيب الذي خلقه ربنا سبحانه وتعالى داخلنا، من كل خلية تخرج أسلاك تنتشر في أنحاء الجسم المختلفة؛ لكي تتحكم في كل وظائف الجسم، فتوجد خلايا ذاهبة للرئة، خلايا للعين، للقلب لكل عضو في الجسم، الأخبار تمشي في الأسلاك بسرعة أكبر من مائة كيلومتر في الساعة داخل جسمك، تخيل الأخبار تمشي بسرعة أكبر من مائة كيلو متر في الساعة، لكي تتدوق يوجد لديك عشرة آلاف شُعَيرة في لسانك للتذوق سبحان الله، لكي تسمع عندك في كل أذن عشرة آلاف خلية سمعية، عندك في كل عين مائة وثلاثون مليون خلية ملتقطة للضوء؛ لكي تبصر، مائة وثلاثون مليون خلية في العين الصغيرة، في العين الواحدة، عندك 3 مليون غدة عرقية تفرز لك عرقا باردا لتلطف حرارة الجسم، عندك ربع مليون خلية تلتقط الأشياء الباردة، وترسلها للمخ فينتج عن ذلك توسيع الشراين؛ ليكثر الدم، والحرارة تزداد في الجسم، هذا جزء من الجسم، جزء من الجهاز العصبي، ويوجد الجهاز الهضمي، والبولي، والتنفسي، والدوري، وغيره ،عالم ليست له نهاية، وكل هذا داخل جسمك [سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ] {فصِّلت:53} .
    هذا هو الإله الذي نعبده، هذا هو الإله الذي يجب أن نخلص له، فكيف نطلب رضا غيره بسخطه؟
    كيف نخشى غيره؟
    سبحان الله، هؤلاء المتكبرون المتجبرون الظالمون، ما هم إلا أجسام بسيطة جدا لا ترى على وجه الأرض، الأرض فقط، فكيف إذا تخيلت الكون الفسيح كيف يخشى المؤمن رجل يعلم أنه خلق لفترة مؤقتة ثم هو حتما سيموت؟ وكيف لا يخشي المؤمن الله الحي الذي لا يموت؟
    كيف يحب المؤمن أحد ينهاه أن يسير في طريق هذا الإله العظيم الجليل القدير سبحانه وتعالى؟
    هذا هو إلهنا الذي من المفروض أن نخلص له، ونتجرد من كل شيء لأجله، سبحانه ما أسهل أن يفني الله الخلق أجمعين إلى فئة من الناس اغترت وأعتقدت أنها ملكت شيئا، فإذا بهم يناطحون الله عز وجل في ملكه، ويحاربونه في شرعه، ويعذبون أولياءه ويتقربون إلى أعدائه، إليهم أهدي قول الله عز وجل:

    [أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ(19)وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ]
    {إبراهيم:20} .


    يا أهل الأرض أجمعين، والله لو أبطأت الكرة الأرضية من سرعتها قليلا، لقُذِفَ الخلق كلهم أجمعون من فوق سطحها، ولقُذِفت معهم أبنيتهم، وأدواتهم، وأسلحتهم، وكل ما يملكون، لكنه سبحان وتعالى يؤخرهم إلى أجل مسمى

    [وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ]
    {النحل:61} .



    الصحابة رضوان الله عليهم عرفوا قدر الله عز وجل، عرفوا قدر الله بمعطيات أقل بكثير من المعطيات التي معنا، لم يكن عندهم كل هذه العلوم التي تعطي كل هذه التفاصيل، لكن أي تفكر في خلق الله عز وجل يقود إلى الإيمان به والإخلاص له، أي تفكر، حتى ولو كان بسيطا، يقول الله في كتابه: [أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ] {الغاشية:17} .
    فقط انظرعلى الإبل من غير أن تعرف تفاصيل الجهاز التنفسي، والدوري، والهضمي، والبولي، وكل هذه التفاصيل التي قلناها [أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ(17)وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ] {الغاشية:17،18} بدون الدخول في تفاصيل الأرض وحجمها، والسموات وحجمها، والشمس وحجمها، والمجرات، [وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ(18)وَإِلَى الجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ(19)وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ] {الغاشية:20} سطحت هذه أمور معجزة نحن تعودنا على هذه الأمور، لكن هذا التعود لا يمنع هذا الإعجاز الرهيب في هذه الأشياء إن تدبرت فيها على ضحالة العلوم، فإنك لا شك ستعظم الله عز وجل الذي خلق هذه الأشياء، فما بالك لو تبحر الناس في علومهم.
    @1التفكر عامل من عوامل تثبيت الإخلاص
    التفكر شيء في غاية الأهمية؛ لتثبيت الإخلاص في نفس المؤمن؛ لذلك سئلت أم الدرداء رضي الله عنها وأرضاها، قالوا لها:
    ما كان أكثر شأن من أبي الدرداء؟
    أكثرعمل كان يعمله، قالت:
    كان أكثر شأنه التفكر.
    قيل لأبي الدرداء:
    أفترى التفكر عملا من الأعمال؟
    قال: نعم هو اليقين في الله عز وجل.
    إذا تفكرت في خلق الله عز وجل لا شك أنك ستخلص له، لذلك كان الحسن البصري رحمه الله يقول:
    تفكر ساعة خير من قيام ليلة.
    الأعرابي الذي عرف وجود ربنا سبحانه وتعالى بمعلومات بسيطة جدا، قال: البَعْرة تدل على البعير.
    بمعني لو رأيت روث بعير فمن المؤكد أن بعيرا مر من هنا.
    البعْرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير.
    أثر الأقدام يدل على سير أحد في هذا المكان.
    أفسماء ذات أفلاك، وأرض ذات فجاج، ألا تدلاني على العليم الخبير.
    سبحانه وتعالى، الأعرابي بمعلومات بسيطة جدا عرف ربنا سبحانه وتعالى، فما بالك بمن عرف كل هذه المعلومات التي ذكرنا طرفا قليلا منها في هذا الفصل.


    من عرف الإخلاص صغرت الدنيا في عينيه

    عندما فقه الصحابة قدر الله عز وجل عن طريق القراءة في كتابي الله عز وجل المقروء والمنظور استصغروا كل ما دون الله عز وجل، عملوا لله عز وجل، ولم يعملوا لغيره، خافوا منه، ولم يخافوا من غيره، اعتصموا به، ولم يعتصموا بغيره، والكلام يفسر لنا مواقف كثيرة جدا في حياة الصحابة نتعجب لها كثيرا، ولنرى موقف عبد الله بن حذافة رضي الله عنه وأرضاه أمام هرقل، عبد الله بن حذافة وقع أسيرا في يد هرقل ملك الروم في سنة 19 من الهجرة، وهرقل سمع كثيرًا عن ثبات أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسمع عن عزوفهم عن الدنيا، وسمع عن استهانتهم بكل قوى الأرض سواء الفرس، أو الرومان، أو غيرهم، فهرقل يريد أن يختبر هذا الأمر بنفسه، يريد معرفة طبيعة هؤلاء الناس الذين هزموا كل جيوش الأرض بهذه الصورة الغريبة جدا، فهرقل أُحضر عنده عبد الله بن حذافة، وبدأ يسأله، قال:
    إني أعرض عليك أمرا.
    فقال عبد الله: ما هو؟
    فقال هرقل:
    أعرض عليك أن تتنصر.
    ولكن ما هو ثمن أن أترك هذا الدين؟
    قال هرقل:
    فإن فعلت خليت سبيلك، وأكرمت مسواك.
    فقال عبد الله في ثبات وإخلاص لربنا سبحانه وتعالى قال عبد الله:
    هيهات إن الموت لأحب إلي ألف مرة مما تدعونني إليه.
    فلم ييأس هرقل، وقال له:
    إني لأراك رجلا شهما، فإن أجبتني إلى ما أعرضه عليك- يعني النصرانية- أشركتك في أمري، وقاسمتك سلطاني.
    سأعطيك نصف الإمبراطورية الرومانية، تخيلوا حجم العرض، عرض رهيب جدا، إننا نتكلم في دولة ملكت نصف الأرض، يعني عبد الله بن حذافة في لحظة سيكون عنده ربع الأرض، وكم من أناس تبيع دينها في أشياء تافه حقيرة لا تساوي واحد على ألف مليون مما عرض على عبد الله بن حذافة رضي الله عنه وأرضاه!
    ويرد عليه عبد الله، وهو يبتسم ابتسامة سخرية سخرية كبيرة جدًا من هرقل ملك الروم:
    والله لو أعطتيتني جميع ما تملك، وجميع ما ملكته العرب على أن أرجع عن دين محمد صلى الله عليه وسلم طرفة عين ما فعلت ولو للحظة واحدة، ثم بعد ذلك أرجع للإسلام مرة أخرى.
    لن أترك هذا الدين بكل ملك الأرض، فهرقل استخدم معه السلاح الأخير الذي عنده، قال:
    إذن أقتلك.
    آخر سلاح في يد هرقل، فقال عبد الله في منتهى البساطة:
    أنت وما تريد.
    افعل ما تريد، فأمر به هرقل، فصلب، ثم أمر القناصة الرومان، فقال:
    ارموه قريب من يديه ورجليه.
    نوع من الإرهاب، لا نريد موته، هرقل يريد أن يكسر إرادته، ويكسر إخلاصه لله عز وجل، وهو لا يستطيع كل ذلك، وهو يعرض عليه النصرانية، الجنود يرمونه عن يمينه، وعن شماله، قريب من يديه، وقريب من قدميه، وفي كل مرة يعرضوا عليه النصرانية، وهو يرفض، ويقول لهم: أنتم وما تريدون، لن أرجع عن دين الإسلام.
    فانتقل هرقل إلى خطوة إرهابية أعظم من ذلك، طلب قِدْرًا كبيرة، ثم فرغ فيها الزيت، ورفعت على النار، حتى أخذ الزيت يغلي، ثم أحضر اثنين من أسارى المسلمين أمام عبد الله بن حذافة، ورمى واحدا منهما في الزيت المغلي، وعبد الله بن حذافة رضي الله عنه وأرضاه يقف، ويرى كل هذه الأحداث، يقول:
    فإذا بعظامه عارية- عظام هذا الأسير الذي ألقي في الزيت المغلي- فإذا بعظامة عارية، وقد تفتت لحمه.
    ثم عرض هرقل على عبد الله بن حذافة النصرانية من جديد، فكان عبد الله رضي الله عنه أشد لها رفضا، لما يأس هرقل من عبد الله بن حذافه أمر رجاله أن يلقوه في القدر المملوء بالزيت المغلي، فلما ذهبوا بعبد الله بن حذافة دمعت عيناه، ففرح رجال هرقل، وقالوا إنه قد بكى، بدأ يتأثر، فظن هرقل أنه قد جزع من الموت، فقال هرقل:
    ردوه إليَّ.
    فلما جاءه عرض عليه النصرانية من جديد، فأبى عبد الله بن حذافة من جديد فقال هرقل:
    ويحك فما الذي أبكاك إذن.
    فقال عبد الله:
    أبكاني أني قلت في نفسي الآن في هذه القدر، فتذهب نفسك، وقد كنت أشتهي أن يكون لي بعدد ما في جسدي من شعر أنفس، فتلقى كلها في هذا القدر، في سبيل الله.
    يا خسارة سأموت مرة واحدة، كنت أتمنى أن أعيش مرة ثانية لأموت في سبيل الله عز وجل، هذا هو الإخلاص لله سبحانه وتعالى، هو لا يرى هرقل بالمرة، هو يرى عمله لربنا سبحانه وتعالى، أحبط هرقل تماما، فعرض على عبد الله حذافة عرضًا جديدا، عرضا يبين مدى الإحباط الذي وصل إليه هرقل ملك الروم قال:
    هل لك أن تقبل رأسي وأخلي عنك؟
    فقال عبد الله بن حذافة ويشترط في هذا الموقف، ويقول:
    وعن جميع أساري المسلمين أيضا؟
    سأقبل رأسك، وتطلق سراحي، وسراح كل أسارى المسلمين، فقال هرقل: وعن جميع أسارى المسلمين أيضا.
    فقال عبد الله:
    فقلت في نفسي عدو من أعداء الله، أقبل رأسه فيخلي عني، وعن أساري المسلمين جميعا، لا ضير في ذلك عليّ، فقمت، فقبلت رأسه، فأطلق هرقل عبد الله بن حذافة، وأطلق معه جميع أسارى المسلمين.
    عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه لما سمع بهذه القصة سُرَّ أعظم السرور، وقال:
    حق على كل مسلم أن يقبل رأس عبد الله بن حذافة، وأنا أبدأ بذلك.
    وقام بنفسه أمير المؤمنين رضي الله عنه وأرضاه يقبل رأس عبد الله بن حذافة.
    في هذا الموقف إن عبد الله بن حذافة فقه قدر الله عز وجل، وجلال الله عز وجل، فلم ير هرقل إلى جوار الله عز وجل، لم يهتم بجيوش هرقل، ولا قناصة هرقل، ولا وزراء هرقل، ولا أمراء هرقل، ولا سهام هرقل، ولا الزيت المغلي عند هرقل، كل هذه الأشياء لم يرها.
    بيت القصيد أن تعرف لله قدره، فإن عرفت ذلك لم تشرك بالله شيئا، وهكذا يا إخواني فإن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، عرفوا قدر الله عز وجل، فأخلصوا، ولم يطلبوا إلا منه، ولم يرجوا إلا إياه، ولم يعتمدوا إلا عليه، ولم يلجأوا إلا إليه، هكذا وَحَدّوا الله عز وجل التوحيد الكامل، وأخلصوا له الإخلاص الصادق، ولذلك وصلوا.
    الإخلاص طريق هام جدا من طرق الوصول إلى الله عز وجل، نسأل الله عز وجل أن يبصرنا بمعالم الطريق المستقيم، وأن يطهر نوايانا من أي شائبة، وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل، وأن يعظم قدره في قلوبنا، حتى لا نرى أحدا سواه، إنه ولي ذلك والقادر عليه.













  6. #81
    ~ [ نجم ماسي ] ~
    تاريخ التسجيل
    Jul 2010
    المشاركات
    860

    رد: (ملف)..خير الناااس.الصحب الأطهار رضي الله عنهم

    الصحابه والعلم

    راغب السرجاني
    ما زلنا نبحث عن إجابة السؤال الهام: كيف سبق الصحابة؟ وكيف نلحق بهم؟!

    في المقال الماضي تعرفنا على علامة مهمة جدًا من علامات طريق الصحابة، وهي علامة الإخلاص، وحديثنا الآن عن نقطة هامة جدًا في بناء جيل الصحابة، وهامة جدًا في بناء أي جيل يريد أن يصل إلى ما وصلوا إليه، هذه النقطة هي العلم، وكما ذكرنا أن العمل لا يقبل دون إخلاص، فكذلك لا يمكن أن يقبل العمل دون علم.إن الكثير من الناس يعبد الله عز وجل بنية صادقة، لكن بطريقة خاطئة، وبدون علم، فمثل هذا يضر، ولا ينفع إن وجد في أي مجال من مجالات الحياة، ليس فقط في مجال الدين، فالطبيب الجاهل يضرّ مرضاه، ولا ينفعهم، وكذلك المهندس الجاهل، والنجار الجاهل، وأي وظيفة يعمل فيها الإنسان دون علم، وأيضا في مجال العبادة، فإن العابد الجاهل يضر نفسه، ويضر غيره، ويضر مجتمعه، فقضية العلم قضية محورية في حياة الأمة المسلمة.

    ولا شك أن صحابة النبي صلى الله عليه وسلم لاحظوا أن أول آية نزلت من القرآن الكريم الذي هو دستور الحياة بكاملها كانت {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}[العلق:1].

    وهذا شيء غريب حقًا فإن الزمن الذي نزلت فيه هذه الآيات لم تكن الأميّة منتشرة في جزيرة العرب فحسب، بل في أطراف المعمورة كلها، ومن بين كلمات القرآن الكثيرة كانت أول كلمة هي {اقْرَأْ} [العلق:1]، وليست أول كلمة فحسب، بل أول خمس آيات من القرآن الكريم تتحدث كلها عن قضية العلم {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ*خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ*اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ*الَّذِي عَلَّمَ بِالقَلَمِ*عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}[العلق:1-5].

    قضية العلم هي القضية الأساسية التي بُنِي عليها الدين، وهذا النزول لكلمة {اقْرَأْ}[العلق:1] ، إنما هو إيذان، وبيان، وإيضاح لطبيعة هذا الدين، وأنه لا يقوم على الخرافات، أو الأوهام والضلالات، ولا يقوم على الجهل، والتخبط، وإنما يقوم على أسس علمية ثابتة، ومعروفة، فهذا الدين يشجع أبناءه على أن يكونوا علماء سابقين، ليس مجرد العلم، بل السبق فيه، والريادة، والتفوق، لنتأمل الفرق بين الدنيا إذا كانت بعلم، والدنيا إذا كانت من غير العلم، ولنتدبر هذا الحديث بألفاظه التي ربما تكون غريبة علي آذاننا، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يلفت النظر إلى هذا المعنى الدقيق، روى الترمذي وقال: حسن. وكذلك قال ابن ماجه وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"أَلَا إِنَّ الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ، مَلْعُونٌ مَا فِيهَا".

    أيُّ شئٍ في الدنيا ملعون، هكذا على إطلاقها، الدنيا كل الدنيا، كل ما فيها ملعون، ومَن الذي يلعن هذا؟ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو لا ينطق عن الهوى، هذا وحي من الله عز وجل، كل شيء في الدنيا ملعون، ليس له قيمة، وإنما هو تافه، وحقير، حتى لو كان مُلْكًا، ولو كان سُلْطَانًا، لو كان سلاحًا، لو كان قوةً إلا أربعة أشياء استثناها الرسول صلى الله عليه وسلم من هذه اللعنة:"إِلَّا ذِكْرَ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا وَالَاهُ".

    أي ما أحبه الله عز وجل من أعمال في الدنيا، أو ما والى الذكر، أي ما قارب الذكر من أعمال الطاعة، والبر، وغيرها، فأعمال الطاعة المحببة إلى الله عز وجل هذه أيضا خارجة من اللعنة، وماذا أيضًا؟الثالثة والرابعة وَعاَلِمًا، وَمُتَعَلِّمًا.

    هذين الاثنين أيضًا فيهم استثناء من اللعنة، فهذه العملية التعليمية التي تدور بين العالم، والمتعلم عملية عظيمة جدًا في ميزان الله عز وجل، ومن كان خارج نطاق هذه العملية، فهو على خطر عظيم جدًا، إنه ملعون بنص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، لذلك فَطِنَ الصحابة أن القيمة الحقيقية التي تصلح للمفاضلة بين الناس هي العلم، التفاضل بين الناس لا يكون بمالٍ، ولا سلطانٍ، ولا جندٍ، ولا سطوٍ، ولا مظهرٍ، المهم هو كم تعرف من العلم؟ قد يقول قائل: ولكن الله عز وجل قال:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات:13]. فالأتقى هو الأفضل.
    أقول له، ومن الذي يتق الله عز وجل؟ أليس العالم به عز وجل وبصفاته سبحانه وتعالى؟ أليس العالم بشرعه؟ أليس العالم بخلقه؟ هذا هو من يتقي الله عز وجل، أليس الله عز وجل يقول في كتابه العزيز: {إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} [فاطر:28].

    والخشية هي التقوى، فمن يخش الله إنما هو يتقيه، وكلما ازداد العالم علمًا كلما ازداد خشية لله عز وجل.ولست أقصد بالعالم هنا كبار هيئة العلماء، وكبار الفقهاء، لا، فكل من عرف معلومةً واحدة أصبح بها عالمًا، وكلما عرف الإنسان أكثر كلما ارتفعت قيمته، وأعظم الناس قيمةً إنما هم العلماء، ليس في ميزان الناس فحسب، بل في ميزان الله عز وجل أيضًا.

    فهذه المعلومات في غاية الأهمية، ومن ثَمّ كان من يصرف وقته في تعلم العلم أفضل ممن يصرف وقته في العبادة، لا أقول أفضل ممن يضيع وقته في اللعب، أو المعاصي، أو المنكرات، بل أفضل ممن يصرف وقته في العبادة.

    تأمل معي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه الترمذي وابن ماجه أيضا عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"فَقِيهٌ وَاحِدٌ أَشَدُّ عَلَى الشَّيْطَانِ مِنْ أَلْفِ عَابِدٍ".

    انظروا إلى أي مدى وصلت قيمة العلم، ليس العالم أشد على الشيطان من ألف عاص، أو لاعب، بل من ألف عابد، وذلك؛ لأن العالم أشد معرفة لمداخل الشيطان، وأكثر قدرة على التصدى له، ولست أقصد بالعلم العلم الشرعي كعلم التفسير، والفقه، والحديث، والعقيدة فحسب، لا، بل علوم الحياة كلها، ومما لا شك فيه أن العالم الذي يدرس تركيب الخلية مثلًا أكثر تقديرًا لله عز وجل من الذي يعلم وجودها إجمالًا، فالخلية مع صغرها تمثل عالَمًا ليس له نهاية، وفيها قيادة، وإدارة، ومراكز طاقة، ومراكز تغذية، ومراكز دفاع، ومراكز بناء، ومراكز هدم، تتحرك، وتتكاثر، وتقوم بوظائف لا تحصى ولا تُعد، ولا شك أن من يعرف كل هذه التفاصيل سيكون أشد خشية لله ممن لا يعرفها، أو أنه يعرف فقط أن هناك شيءٌ اسمه خلية، كذلك العالم الذي يدرس تفاصيل حياة النبات، ونشأته، وتركيبه، ليس كمن يعلم فقط أن النبات شيءٌ معجز، والعالم الذي يدرس الأفلاك واتساعها، والنجوم وأعدادها، والمجرات وصفتها، ليس كالذي يعلم فقط أن هناك نجومًا في السماء، وقس على هذا كل العلوم؛ الكيمياء، والفيزياء، والجولوجيا، وعلوم البحار، والطب، والأحياء، علوم لا تنتهي وصدق الله عز وجل القائل:{وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ العِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء:85] .

    فكل هذه العلوم علوم الشرع، وعلوم الحياة تقود إلى خشية الله عز وجل، ومن ثَم تقود إلى تقواه، ومن ثَم تقود إلى رضى الله عز وجل، وهذا هو ما نبحث عنه.هذه الحقائق كانت واضحة كالشمس في عيون الصحابة، وقد رفع الصحابة جدًا من قدر كل عالمٍ، وحرصوا على العلم في كل لحظة من لحظات حياتهم، فلا بد كل يوم من تعلم الجديد، وقد رفع الله عز وجل من قيمة العلم من أول يوم خلق فيه آدم عليه السلام، انظر إلى أي مدى رفع الله قيمة العلم.لماذا أَسْجَد الله عز وجل الملائكة لآدم عليه السلام؟ وبماذا تميّز هذا الخلق الجديد (آدم) على الملائكة؟ هل بكثرة التسبيح؟ أم بطول القيام؟ أم بالطاعة المطلقة لله تعالى؟أم بالقوة الخارقة؟الملائكة تتفوق في كل هذه الأمور، ولكن الله عز وجل مَنّ على آدم عليه السلام بنعمة رفعت من قدر آدم إلى الدرجة التي جعل الملائكة يسجدون له تكريمًا له، هذه القيمة وهذه الدرجة هي العلم، قال تعالى: {وَعَلَّمَ آَدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى المَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ*قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ العَلِيمُ الحَكِيمُ} [البقرة:31-32]، ونلاحظ تكرار كلمة العلم ومشتقاتها {قَالَ يَا آَدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ*وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الكَافِرِينَ} [البقرة:33-34].

    لماذا سجد الملائكة لهذا الخلق الجديد؟! لأنه يعلم ما لا تعلمه الملائكة، فرفع قدره لأجل أنه يعلم، فهو عليه السلام مستخلف في الأرض، وكذلك ذريته مستخلفة في الأرض لأجل العلم، فإذا فقد أبناء آدم هذه الصفة، فقدوا المبرر لكونهم خلفاء في الأرض، فتصبح حياتهم بلا قيمة، فغاية الخلق إذن هي هذا العلم، وإذا لم تتحقق هذه الغاية فكأنك لم تخلق أصلًا، وهذا ما يجعل العلم في منزلة عالية جدًا في الإسلام.العلم إذن هو أساس الاستخلاف في الأرض، ومن غير العلم لا نستحق أن نكون خلفاء في الأرض، وما حدث مع آدم عليه السلام حدث مع جميع من أتى بعده من الأنبياء، ولم يذكر الله عز وجل نبيًا من الأنبياء إلا وذكر في حقه أنه كان عالمًا، وأنه أُوتي علمًا، وأنه فُضل بالعلم. يقول الله عز وجل في كتابه الكريم على لسان إبراهيم عليه السلام:{يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ العِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا} [مريم:43] .

    فالذي يُتّبع هو الذي عنده علم، الذي يكون سببًا في هداية الناس هو العالم. الصحابة رضي الله عنهم كانوا ينظرون إلى العلم نظرة خاصة جدًا، ونظرة معظمة جدًا، نظرة تُجلّ العلم، وتُجلّ كل من حمل العلم، وتعالوا بنا نرى كيف كان صحابة النبي صلى الله عليه وسلم يقدرون قيمة العلم.

    زيد بن ثابت رضي الله عنه

    ما هي قصته مع العلم وكيف بدأ؟ ذهب زيد بن ثابت رضي الله عنه وهو لم يتم الثالثة عشرة من عمره ليلتحق بجيش المسلمين المشارك في بدر، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ردّه لصغر سنه، فرجع إلى أمه رضي الله عنها، وأرضاها يبكي من الحزن، ولكنه لما رجع أخذ يفكّر كيف يخدم الإسلام بطريقة أخرى، وهل يمكن أن يخدم الإسلام بطريقة غير الجهاد الذي لم يتيسر له الآن؟

    الكثير منا عندما يفشل في أحد مجالات الدعوة، أو أحد مجالات الإسلام، أو يغلق أمامه أحد أبواب العمل للإسلام دون إرادته، فهو مثلا يريد الجهاد، لكن لم تتوفر الفرصة لذلك، أو هو يريد الإنفاق وليس معه ما ينفقه، أو عنده الرغبة للعمل لدين الله عز وجل، لكن يظن أن ليس عنده إمكانيات، وربما يُصاب بالإحباط، أو يظن أن الدنيا ضاقت عليه، لكن في الحقيقة الإمكانيات مختلفة، وكل واحد منّا يستطيع أن يعطي للإسلام كلٌّ في مجاله، وهذه هي عظمة الإسلام، وعظمة التكامل، والتكافل، والتعاون في الإسلام، فزيد بن ثابت رضي الله عنه إن لم يكن يصلح أن يشارك في الجهاد الآن لصغر سنه، فيمكن أن يشارك في مجالات أخرى يخدم بها الإسلام، وينفع بها المسلمين.

    زيد بن ثابت رضي الله عنه وأرضاه ذكر أنه يتميز بملكة الحفظ، فهو يحفظ جيدًا، ويتميز كذلك بملكة القدرة على التعلم، وبملكة القراءة، والقراءة في هذا الوقت كانت شيئًا نادرًا، وقد أخبر بذلك أمه، وأقاربه، وطلب منهم أن يذهبوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليعرضوا عليه أن يوظف طاقاته العلمية هذه في خدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي خدمة الإسلام، وبالفعل ذهبت أمه النوار بنت مالك رضي الله عنها وأرضاها، ذهبت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولنتأمل عرضها الرائع لما يتمتع به ابنها من مواهب وقدرات عظيمة، تقول:يا نبي الله، هذا ابننا زيد بن ثابت يحفظ سبعة عشرة سورة من كتاب الله، ويتلوها صحيحة كما أنزلت على قلبك، وهو فوق ذلك حاذق- ذكي- يجيد الكتابة والقراءة.
    وهذه فعلًا إمكانيات عالية جدًا في هذا الوقت، الذي لا تعرف فيه الغالبية العظمى من الناس القراءة ولا الكتابة.

    وتكمل السيدة النوّار بنت مالك وتقول: وهو يريد -أي زيد- أن يتقرب بذلك إليك، وأن يلزمك، فاسمع منه إذا شئت.

    وهذا الكلام أحب أن أذكّر به دائمًا شباب المسلمين، زيد بن ثابت رضي الله عنه وأرضاه بدأ رحلته في خدمة الإسلام وعمره 13 سنة، فكما كان بعض المسلمين يسدّ ثغرة القتال، والجهاد في سبيل الله، فإن زيد بن ثابت يريد أن يسد ثغرة أخرى في غاية الأهمية، فكل حسب إمكانياته، وقدراته، والشباب لديهم قدرات، ومهارات عالية جدًا، بعض الشباب لديهم مهارة في الكمبيوتر، وبعضهم لديه مهارة في الخطابة، والبعض لديه مهارة في الرياضة المفيدة، وبعضهم لديه مهارة في الكتابة والبحث والدراسة، وبعض الشباب عنده مهارة في الترجمة، وبالتأكيد فإن كل إنسان لديه مجال ما قد تفوق فيه، ومتى وُجدت الرغبة في خدمة الإسلام، وُجد معها المجال الذي يمكن أن تخدم من خلاله الإسلام.

    تعالوا بنا نعود مرة أخرى لزيد بن ثابت، وقد استمع له الرسول صلى الله عليه وسلم، واختبره وقدّر مواهبه، وأُعجب به، ثم أراد أن يستفيد منه على نطاق أوسع، فعرض عليه فرعًا جديدًا من فروع العلم، النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل له تعلم الفقه، أو تعلم العقيدة، أو تعلم الحديث، بل قال له: تعلم اللغات الأجنبية، تخيّل في هذا العمق التاريخي رسول الله صلى الله عليه وسلم مهتم بتعلم اللغات الجنبية، ويعرف أهميتها جيدًا في تكوين الأمة المسلمة، فهو علم في غاية الأهمية، قال له صلى الله عليه وسلم: تعلم اللغة العبرية، لكن ليس على حساب اللغة العربية، والمسلمون كانوا في حاجة ماسة إلى هذه اللغة في هذا الزمن، قال له صلى الله عليه وسلم:"يَا زَيْدُ تَعَلَّمْ لِي كِتَابَةَ الْيَهُودِ- العبرية- فَإِنِّي لَا آمَنُهُمْ عَلَى مَا أَقُولُ".


    ولا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم لو كان يعيش معنا في هذا الزمن لأمر من يتعلم اللغات الإنجليزية، والفرنسية، والألمانية، والصينية، وغيرها، كم هو مهم أن يكون من شباب المسلمين من يتعلم اللغات الأخرى غير اللغة العربية- وليس على حسابها بالطبع- كم هو مفيد أن يتعلم الشباب هذه اللغات المختلفة، وكم يكون خدمة الإسلام، والأمة الإسلامية من خلال تعلم هذه اللغات، كم من الحيل والألاعيب والخطط يمكن أن يكشفوا، وكم من الوسائل يمكن أن يدعوا بها إلى الله، وكم من الشبهات يستطيعون الرد عليها، إنه عمل عظيم، وكبير بالفعل، يمكن أن يقوم به من تعلموا اللغات الأخرى وأجادوها.

    سيدنا زيد بن ثابت رضي الله عنه وأرضاه بهذه الحمية، وهذا الإخلاص لدين الله عز وجل، وهذه الرغبة في خدمة هذا الدين يذهب، ويتعلم اللغة العبرية، تُرى ما المدة التي استغرقها في تعلم هذه اللغة؟ سنة أم اثنين؟ وبكم كلية التحق؟ وكم أخذ من الدورات المتخصصة؟ يقول رضي الله عنه وعمره 13 سنة فقط: فتعلمتها في سبع عشر ليلة، فكنت أتكلمها كأهلها.انظر إلى هذه البركة، فمن كان عنده الرغبة، فما من شك أن الله عز وجل يساعده، المهم أن يكون تعلمه لخدمة دين الله عز وجل، لكي يثبت دين الله في الأرض، ثم تعلم اللغة السريانية في وقت يسير كذلك، وصار بذلك ترجمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا يعني أن مترجم الدولة الإسلامية في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عمره 13 سنة فقط، الصف الأول الإعدادي، وبدأ زيد يترقى في مناصب العلم، بدأ في تخصصه، يبرع وينبغ رضي الله عنه وأرضاه، صار كاتبًا للوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ليس مترجمًا فحسب؛ لأنه يقرأ ويكتب جيدًا، بدأ يكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم سار حافظا لكتاب الله عز وجل، وقد كان هذا شيئًا نادرًا في الصحابة رضي الله عنهم، أن يكون الواحد منهم يحفظ الكتاب كاملًا في زمان رسول اله صلى الله عليه وسلم، فقد وجد من الصحابة من كان حافظًا للكتاب كاملًا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن لم يكن كثير منهم يحفظه كاملا والرسول صلى الله عليهم وسلم حيا، ومن القليل الذي كان يحفظه زيد بن ثابت رضي الله عنه.

    ولمّا توفي الرسول صلى الله عليه وسلم، كلف أبو بكر رضي الله عنه زيدًا بجمع القرآن بعد وفاة الكثير من حفاظه في موقعة اليمامة المشهورة، ومهمة جمع القرآن من أعظم المهمات، مهمة من أخطر المهمات، إنه يجمع القرآن الكريم؛ لكي يظل مجموعًا ومحفوظًا إلى يوم القيامة، هذه المهمة الصعبة العظيمة كُلّف بها زيد رضي الله عنه وأرضاه، وهو لم يبلغ الثالثة والعشرين من عمره، وقد أوكلت هذه المهمة الصعبة العظيمة إلى الشاب الصغير زيد بن ثابت -23 سنة- في وجود عمالقة الصحابة، في وجود أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وسعد، وغيرهم في وجود كل هؤلاء، لماذا ؟!
    إنه العلم الذي رفع من قدر زيد بن ثابت رضي الله عنه وأرضاه، العلم الذي يرفع أقوامًا ويضع آخرين، العلم الذي هو ميراث الأنبياء، من أخذه أخذ بحظ وافر.لننظر ما يقوله سيدنا عمر بن الحطاب رضي الله عنه وأرضاه، وهو أحد عمالقة الصحابة، وأحد شيوخهم، يقول في حق هذا الشاب:من أراد أن يسأل عن القرآن، فليأت زيد بن ثابت.هذا تعظيم وتبجيل لقيمة العلم.عبد الله بن عباس رضي الله عنهما حبر الأمة، وكانوا يطلقون عليه أيضا البحر لسعة علمه، فهو البحر، وهو الحبر رضي الله عنه وعن أبيه، روي أن زيد بن ثابت ركب يومًا، فأخذ ابن عباس بركابه.الاحترام، والتعظيم، والتبجيل لزيد بن ثابت رضي الله عنه وأرضاه مع أن الفرق بينه وبين زيد بن ثابت ليس كبيرا، ثمان سنوات فقط فرق العمر بينهما، زيد بن ثابت أكبر من عبد الله بن عباس بثمان سنوات فقط، يقول له زيد بن ثابت حياءً منه: دع عنك يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    يقول عبد الله بن عباس بفهم عميق: هكذا أُمِرْنا أن نفعل بعلمائنا. هذا هو احترام العلماء في الإسلام، انظر إلى هذا الجمال في التعامل بين الصحابة، فقال له زيد رضي الله عنه: أرني يدك. فأخرج ابن عباس يده، فمال عليها زيد وقبّلها، ثم قال: هكذا أمرنا أن نفعل بآل بيت نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

    ما هذا المجتمع الرائع؟! ليتنا نقرأ هذا الكلام ليكونوا قدوة لنا، هذا هو المجتمع الصالح الذي نريد أن نبني مثله.ولما مات زيد بن ثابت رضي الله عنه وأرضاه قال أبو هريرة: اليوم مات حبر الأمة.وقد مات رضي الله عنه سنة 45 هجرية، وكان عمره 56 سنة، ثم قال أبو هريرة:وعسى أن يجعل الله في ابن عباس خلفًا له.

    وصدق أبو هريرة كان عبد الله بن عباس نعم الخلف لنعم السلف رضي الله عنهم جميعًا.

    معاذ بن جبل رضي الله عنه

    أسلم رضي الله عنه وعمره 18 سنة، شهد العقبة، وشهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، شهد بدرًا، وأحدًا، والأحزاب، وفتح مكة، وتبوك، وخرج في الفتوحات الإسلامية في الشام أيام أبي بكر، وعمر رضي الله عنهما، وكان في وقت من الأوقات أميرًا للشام، وسبحان الله مع كل هذه الحياة الجهادية إلا أنه كان متفوقا جدًا في مجال العلم، فهو رضي الله عنه من يوم أن أسلم، وهو مهتم بقضية العلم، وقد كان رضي الله عنه وأرضاه موسوعة علمية متحركة، وقد بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن ليعلم أهلها جميعًا الإسلام، وقد عاد رضي الله عنه من اليمن بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وخرج بعدها إلى الشام، فالجهاد، وطلب العلم يسيران معه جنبًا إلى جنب. أبو إدريس الخولاني رحمه الله، وهو أحد التابعين يقول في حق معاذ بن جبل: أتيت مسجد دمشق، أيام فتوحات الشام، فإذا حلقة فيها كهولٌ من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.
    أي أن هذا اللقاء في هذا المسجد كان يحضره كبار صحابة النبي صلى الله عليه وسلم وشيوخهم، يقول أبو إدريس الخولاني رحمه الله: وإذا شابٌ فيهم أكحل العينين، براق الثنايا، كلما اختلفوا في شيء ردوه إلى الفتى.كل هؤلاء الشيوخ يعودون في الرأي إلى هذا الفتى.
    فقلت لجليس لي: من هذا؟!تعجب أبو إدريس الخولاني من هذا الأمر، فقال:معاذ بن جبل، رضي الله عنه وأرضاه.

    أرأيتم قيمة العلم، وقيمة تحصيله من لحظات الشباب الأولى، فمعاذ رضي الله عنه ومنذ لحظات شبابه الأولى، وهو يبذل جهده في تحصيل العلم، ومن ثَمّ وصل إلى هذه المنزلة العالية بين الناس، وعرف الناس له قدره، وقدر العلم الذي يحمله.ويروي يزيد بن قطيب رحمه الله، وهو أيضًا من التابعين، يقول: دخلت مسجد حمص، فإذا أنا بفتى جعد الشعر، واجتمع حوله الناس، فإذا تكلم، فإذا تكلم كأنما يخرج من فِيهِ نور ولؤلؤ، فقلت من هذا؟! فقالوا: معاذ بن جبل، رضي الله عنه.إنه رضي الله عنه وأرضاه موسوعة علمية فعلًا، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم في حقه كلمة عجيبة للغاية قال:أَعْلَمُ أُمَّتِي بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ.
    إذن فمعاذ رضي الله عنه لا يقارن بطلبة في معهد إسلامي، أو كلية شرعية، بل هو يقارن بعمالقة الصحابة رضي الله عنهم جميعًا، حيث شهد له الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم هذه الشهادة العظيمة.لأجل هذا كان الصحابة رضوان الله عليهم مع علو قدرهم، وغزارة علمهم، كانوا إذا تحدثوا، وفيهم معاذ بن جبل نظروا إليه هيبة له، وتعظيمًا لعلمه، ما الذي رفع قدره؟ما الذي أعزّ منزلته؟ إنه العلم، وقد فقه ذلك معاذ رضي الله عنه وأرضاه، فظل إلى آخر لحظات حياته طالبًا للعلم، وظلّ إلى آخر لحظات حياته، معلمًا لغيره رضي الله عنه وأرضاه، قال في آخر لحظات حياته، وهو على فراش الموت، قال:اللهم إنك كنت تعلم أني لم أكن أحب الدنيا، وطولَ البقاء فيها لغرس الأشجار وجري الأنهار.
    هو يفهم حقيقة الدنيا جيدًا، إذن فما الذي كان يجعله سعيدًا في الدنيا، يقول رضي الله عنه:ولكن لظمأ الهواجر- أي الصيام في الأيام الشديدة الحرارة- ومكابدة الساعات -أي القيام بين يدي الله كثيرا-، ومزاحمة العلماء بالركب عند حلق الذكر.فمتعته رضي الله عنه في الدنيا الصيام، والقيام، وتحصيل العلم، وهو يعيش في الدنيا لأجل هذا، ومع هذا كله عندما توفي سيدنا معاذ كان عمره 37 عامًا فقط، سنة 18 هـ في طاعون عمواس في الشام، أعلم الأمة بالحلال والحرام، وكل هذا العلم، وكل هذا الفهم، ومع هذا 37 سنة فقط، رضي الله عنه وأرضاه.

    عبد الله بن عباس رضي الله عنه

    البحر والحبر، من أفضل علماء الإسلام، ووصل إلى هذه الدرجة العالية من العلم مع كونه كان طفلًا أيام النبي صلى الله عليه وسلم، فقد توفي النبي صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن عباس لم يتجاوز 14 سنة من عمره، ولكنه رضي الله عنه لم يصل إلى هذه المنزلة من فراغ، بل إنه سعى سعيًا حثيثًا لكي يصبح عالمًا من علماء الإسلام.

    يصف عبد الله بن عباس حاله في طلب العلم وكيف وصل إلى هذه الدرجة يقول: كان إذا بلغني الحديث عند رجل من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أتيت باب بيته في وقت قيلولته؛ حتى يكون متأكدًا من وجوده ببيته، وقد ينتظر ساعة، أو اثنين حتى يخرج الصحابي، فيسأله عن الحديث، يقول: وتوسدت ردائي عند عتبة داره، فتسفي عليه الريح من التراب ما تسفي.

    والمدينة كما نعرف بلد صحراوي، فيأتي التراب على وجه عبد الله بن عباس، وهو متوسد رداءه أمام بيت الصحابي؛ ليسأله عن الحديث، يقول: ولو شئت أن أستأذن عليه لأذن لي.

    فهو ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وله منزلة عالية في قلوب جميع الصحابة، وجميع المسلمين، يقول: وإنما كنت أفعل ذلك لأطيّب نفسه، فإذا خرج من بيته رآني على هذه الحالة، فيقول: يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما جاء بك؟ هلا أرسلت إليَّ فآتيك.فأقول: أنا أحق بالمجيء إليك، ثم أسأله عن الحديث.لأجل هذا أصبح عبد الله بن عباس حبر هذه الأمة، كان يبذل مجهودًا كبيرًا، وعظيمًا لأجل أن يحصل العلم، فما كان ليصبح هكذا من فراغ.

    قد يتكاسل بعضنا أن يذهب إلى المكتبة في الحجرة المجاورة ليعرف حديثًا من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، بينما عبد الله بن عباس ينام في الريح، والتراب لكي يعرف هذا الحديث، ومن دون هذا التعب، وهذا الجهد، وهذا العناء لم يكن عبد الله بن عباس ليصل إلى ما وصل إليه.وليتنا نقرأ هذا الكلام للقدوة، والاعتبار، واقتفاء الأثر، وحتى نسير في نفس الطريق الذي سار فيه الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.فهذا هو مجهود الصحابة في تحصيل العلم، واحترام الصحابة لقيمة العلم.

    ضوابط تحصيل العلم عند الصحابة

    بعض الناس يبذل جهودًا ضخمة، وكبيرة في تحصيل العلم، ومع هذا كله لا يصل إلى ما وصل إليه الصحابة من العلم، والسبب في ذلك أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يتعلمون العلم وفق ضوابط وقوانين معينة، وقد حافظ جيل الصحابة كله على هذه الضوابط، ومن ثَم تعلم هذا الجيل، ووصل إلى هذه الدرجة من العلم.فما هي إذن هذه الضوابط؟في الحقيقة هذه الضوابط كثيرة جدًا وفي نفس الوقت هي مهمة جدًا جدًا، وقد حرص عليها الصحابة تمامًا في تحصيل العلم، ونوجز بعض هذه الضوابط في الصفحات القادمة:

    الضابط الأول: وحدة المصدرفالمصدر الرئيس والأول لعلم الصحابة هو الكتاب والسنة، ولأن جميع الصحابة أخذوا من هذا المصدر، فقد تكوّن لديهم ما يعرف بوضوح الرؤية.

    لقد أخذوا علمًا نقيًا طاهرًا مضمون الصحة والصواب، إن أيّ علمٍ في الدنيا قد يكون صحيحًا، وقد يكون خطأ، وبالتجربة نستطيع أن نحدد ما إذا كان صوابًا أو خطأ، ونحاول مرة بعد مرة، لكن العلم الذي جاء في القرآن الكريم، أو في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم علم صحيح، تمام الصحة وبنسبة مائة في المائة، وهذا هو ما نقيس عليه غيره، وليس في كلام الله عز وجل، ولا كلام رسوله صلى الله عليه وسلم -إن صح عنه- أي أخطاء، فهو بلا ريب منهج صحيح تمامًا، وإذا اعتمد عليه المسلمون فلن يضلوا أبدا.

    روى الإمام مالك في موطأه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّتِي.

    فهذا هو أول الضوابط، أن يكون المصدر الرئيسي للعلم هو الكتاب والسنة، سواء في العلوم الشرعية، أو غير العلوم الشرعية.كيف يمكن أن يكون القرآن، والسنة هما الضابط في علوم الحياة؟ في القرآن الكريم، وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم وضعت الضوابط، والأسس التي تنظم عملية التحصيل، والاستفادة من العلوم في كل المجالات، ولا بد أن يعرف هذه الأصول كل العلماء من أطباء، ومهندسين، وفلكيين، وجيولوجين، وغيرهم، حتى لا يخترعوا شيئا أو يبتكروا أساليب، أو يؤمنوا بنظريات تتعارض مع القرآن والسنة، لا يصح أن يقول من يدعي العلم أن أصل الإنسان قرد، مدعيًا أنه أحد علماء الأحياء، لا يصح أن يقول ذلك من يعلم أن الله عز وجل أخبرنا في القرآن الكريم أن آدم عليه السلام هو أول إنسان، وأنه لم يكن قردًا أو حشرة كما يدعي علماء التطور، وإنما خلقه الله إنسانًا.

    وأي علم يتعارض مع الكتاب والسنة، فليس له أي قيمة، وليس له أي وزن، ولا يصح لعالم مسلم أن يسير في طريق هذا العلم؛ لأنه تعارض مع المصدر الرئيس.

    عندما كان الصحابة رضي الله عنهم، وفي أحيان قليلة جدًا يخرجون عن هذا الضابط، كان الرسول صلى الله عليه وسلم يغضب غضبًا شديدًا، ولنتدبر هذه الرواية في سنن الدارمي، وعند الإمام أحمد، عَنْ جَابِرٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنُسْخَةٍ مِنْ التَّوْرَاةِ، فَقَالَ:يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذِهِ نُسْخَةٌ مِنْ التَّوْرَاةِ.فَسَكَتَ فَجَعَلَ يَقْرَأُ وَوَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ يَتَغَيَّرُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ:ثَكِلَتْكَ الثَّوَاكِلُ مَا تَرَى مَا بِوَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَنَظَرَ عُمَرُ إِلَى وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ، وَغَضَبِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَضِينَا بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا.

    فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"أَمُتَهَوِّكُونَ فِيهَا يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً، لَا تَسْأَلُوهُمْ عَنْ شَيْءٍ فَيُخْبِرُوكُمْ بِحَقٍّ فَتُكَذِّبُوا بِهِ، أَوْ بِبَاطِلٍ فَتُصَدِّقُوا بِهِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ أَنَّ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلَّا أَنْ يَتَّبِعَنِي".

    فهم الصحابة رضوان الله عليهم من هذا الموقف ومن غيره، أنه لا شيء يُقدم على هذين المصدرين، ولا تصح قاعدة، أو قانون، أو مفهوم يتعارض مع هذين المصدرين العظيمين: الكتاب والسنة.حبر الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنه وعن أبيه، تعلم هذا الدرس جيدًا، وكان يعلمه للأمة، في البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ:يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، كَيْفَ تَسْأَلُونَ أَهْلَ الْكِتَابِ وَكِتَابُكُمْ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْدَثُ الْأَخْبَارِ بِاللَّهِ؟ تَقْرَءُونَهُ لَمْ يُشَبْ -أي لم يخلط ولم يحرّف- وَقَدْ حَدَّثَكُمْ اللَّهُ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ بَدَّلُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ، وَغَيَّرُوا بِأَيْدِيهِمْ الْكِتَابَ، فَقَالُوا: هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا.

    أَفَلَا يَنْهَاكُمْ مَا جَاءَكُمْ مِنَ الْعِلْمِ عَنْ مُسَاءَلَتِهِمْ؟ وَلَا وَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا مِنْهُمْ رَجُلًا قَطُّ يَسْأَلُكُمْ عَنِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْكُمْ.كان هذا هو مفهوم عبد الله بن عباس رضي الله عنه، ومفهوم الصحابة جميعًا حول وحدة المصدر، فهذا هو الضابط الأول في تحصيل العلم.

    الضابط الثاني:
    العلم النافع وهو أن يكون ما يتعلمه الإنسان نافعًا، فالعلم المرغوب فيه شرعًا يوصف بكونه نافعًا، وقد روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ، إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ".
    فلا يصح إذن أن يصرف الإنسان عمره ووقته وجهده في تعلّم علمٍ لا يعود بالفائدة والنفع على أمته، بل على البشرية بصفة عامة.

    لا يصح أن يضيّع الإنسان عمره ووقته في تفصيلات لا قيمة لها، أو لا ينبني عليها عمل في قصص الأنبياء والسابقين، كمن يبحث عن طول سفينة سيدنا نوح عليه السلام، وكم ظل الطوفان، وكم ظل هابيل بعدما قتله قابيل قبل أن يدفنه؟! فهذه تفصيلات لا ينبني عليها أي عمل، وليس لها أي معنى.أيضًا في علوم الحياة، لا يصح أن يضيّع الإنسان وقته في أشياء لا تنفع، بل ربما تضر، مثل بعض العلوم الفلسفية، وتضييع الأوقات في قراءة القصص والروايات غير النافعة، وكتابة، أو قراءة الشعر الإباحي، وغير هذا من العلوم التي لا تقبل الفطرة السليمة أن يعيش الإنسان حياته، وعمره لكي يدرسها.وهذا الأمر يعود بنا إلى قضية المناهج التعليمية في المدارس والجامعات، لا بد أن يكون المنهج معدّا لينفع الطالب، ومن ثَم ينفع أمته بعد ذلك، فلو أحس الطالب أن ما يدرسه من علوم إنما هي مجرد حشوٍ يملأ فراغ السنة الدراسية، فهو بلا شك لن يستفيد مما يدرسه على الإطلاق، ولن يستطيع أن يحصّل علمًا.لو لم يتوفر عند الطالب النية الصالحة والصادقة والمخلصة لتعلم العلم لنفع نفسه وأمته، فلن يستفيد أيضًا من هذا العلم.لا بد إذن أن يكون العلم نافعًا، ولا بد أن أتعلمه بنية نفع الأمة، والبشرية كلها، والعلم الذي لا تتحقق فيه صفة النفع هذه هو علم ضارّ، وشر يجب الاستعاذة منه، ومن هنا نستطيع أن نفهم الحديث اللطيف، والدعاء الجميل للنبي صلى الله عليه وسلم، فقد روى الإمام مسلم بسنده عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ:لَا أَقُولُ لَكُمْ إِلَّا كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:... اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ، وَمِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ، وَمِنْ دَعْوَةٍ لَا يُسْتَجَابُ لَهَا.فالنبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله تعالى من أن يضيع وقته في علم لا ينفع.

    الضابط الثالث:
    أن ينقل كلُّ متعلّمٍ العلمَ إلى غيرهالعلم لا يقف عند المتعلم فحسب، بل لا بد من نقله إلى الغير، يقول معاذ بن جبل رضي الله عنه وأرضاه:وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة.تعليم العلم لمن لا يعلمه صدقة، فنقل العلم النافع مهم جدًا لخير الأرض كلها، فلو أن كل عالم سواء من علماء الشرع، أو من علماء الحياة كتم ما عنده من العلم، ولم ينقله إلى غيره، لكانت كارثة عظيمة في الأرض، ولصارت الأرض مدمرةً بلا محالة.لأجل هذا لا يصح أن يقال على إنسان ما أنه عالم دون أن يعلم غيره، ودون أن يبذل علمه للناس، فالعلم الحقيقي هو الذي يقضي حياته ين التعلم والتعليم، خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ.

    ولننظر ونتأمل كلام جابر بن عبد الله أحد صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، ونرى مدى فهمه، وحكمته، وهو يقول:إذا لعن آخر هذه الأمة أولها، فمن كان عنده علم فليظهره.وهذا يعني أنه إذا جاء في القرون التي تلي الصحابة رضي الله عنهم من يسبهم، أو ينتقص من قدرهم، أو يشوّه التاريخ الإسلامي بصفة عامة، فلا بد أن يتكلم من عنده علم، ولا يحتفظ بالمعلومات التي عنده لنفسه، ويكتفي أنه يعلم أن الصحابة رجال أعاظم، وأفاضل، ويحفتظ بهذه المعلومة دون أن ينقلها لغيره، فيكون كتمانه لهذا العلم الذي عنده فيه خطر عظيم عليه وعلى الأمة، وعلى الناس أجمعين، بعد هذا الكلام ينطق جابر بن عبد الله رضي الله عنه بكلام في غاية الخطورة يقول:فإن كاتم ذلك العلم، ككاتم ما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم. أي فكأنما أنزلت عليه الرسالة وكتمها، فمعنى هذا أن من سمع أحدًا يسب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يرد عليه فقد ارتكب هذا الإثم العظيم، لماذا؟
    لأن هذا الدين كله جاءنا عن طريقهم، فهم الذين نقلوا لنا القرآن الكريم، وهم الذين نقلوا لنا سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فكيف يكون الأمر إذن إذا رأينا من يطعن في أبي بكر، أو عمر، أو عثمان، أو غيرهم من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم جميعًا.فنقل العلم إلى الغير إذن من أهم الضوابط التي يجب أن يُلتفت إليها، ولا يصح أن يحتفظ الإنسان بالعلم لنفسه، بل لا بد من أن تسعى إلى تعليم الغير ما تعلمته، ولو كان آية واحدة والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً.الضابط الرابع: عدم الفتوى بغير علمهذه مشكلة كبيرة، وإن شئت فقل كارثة عظيمة يقع فيها كثير من الناس، وهي الفتوى بغير علم، سواء في أمور الدين، أو في أمور الدنيا، كارثة بالفعل أن يُفتى بدون علم في أمور الإسلام، أو الطب، أو الصناعة، أو التجارة، حتى في وصف الطريق، فمجرد التخمين في وصف طريق ما لأي إنسان إنما هو تضييع لوقته.ليس من العيب أن يقول الإنسان لا أعرف، وإنما العيب أن يفتي الإنسان بغير علم.

    وقد تعلم الصحابة رضي الله عنهم هذا الأمر من الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم، فهو عليه الصلاة والسلام مع عظمته، وحكمته، وعلمه، وفضله لا يستحيي أن يقول عن شيء لا يعرفه لا أعلم، روى الإمام أحمد بسنده عن جبير بن مطعم رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الْبُلْدَانِ شَرٌّ؟ قَالَ: فَقَالَ:لَا أَدْرِي.
    فَلَمَّا أَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام، قَالَ: يَا جِبْرِيلُ، أَيُّ الْبُلْدَانِ شَرٌّ؟ قَالَ:لَا أَدْرِي، حَتَّى أَسْأَلَ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ.
    فَانْطَلَقَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام، ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَمْكُثَ، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ:يَا مُحَمَّدُ، إِنَّكَ سَأَلْتَنِي: أَيُّ الْبُلْدَانِ شَرٌّ؟ فَقُلْتُ: لَا أَدْرِي.
    وَإِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ: أَيُّ الْبُلْدَانِ شَرٌّ؟ فَقَالَ: أَسْوَاقُهَا.الأسواق لأنها تلهي الناس عن ذكر الله، ويكثر فيها الكذب، والحلف على غير الحقيقة، والشحناء، والبغضاء بين المسلمين، والفتنة بالمال، والاختلاط، ومثل هذه الأمور.فالرسول صلى الله عليه وسلم مع كونه أحكم البشر وأعلمهم صلى الله عليه وسلم لم يتجرّأ على الفتوى بغير علم، بل كان شديد الإنكار على من أفتى بغير علم من صحابته رضي الله عنهم ففي سنن أبي داود عَنْ جَابِرٍ قَالَ: خَرَجْنَا فِي سَفَرٍ، فَأَصَابَ رَجُلًا مِنَّا حَجَرٌ، فَشَجَّهُ فِي رَأْسِهِ، ثُمَّ احْتَلَمَ، فَسَأَلَ أَصْحَابَهُ، فَقَالَ: هَلْ تَجِدُونَ لِي رُخْصَةً فِي التَّيَمُّمِ؟فَقَالُوا: مَا نَجِدُ لَكَ رُخْصَةً، وَأَنْتَ تَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ. فَاغْتَسَلَ، فَمَاتَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُخْبِرَ بِذَلِكَ، فَقَالَ: قَتَلُوهُ، قَتَلَهُمْ اللَّهُ، أَلَا سَأَلُوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا، فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ، إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ، وَيَعْصِرَ- أَوْ :يَعْصِبَ.

    شَكَّ مُوسَى، وهو أحد الرواة- عَلَى جُرْحِهِ خِرْقَةً، ثُمَّ يَمْسَحَ عَلَيْهَا، وَيَغْسِلَ سَائِرَ جَسَدِهِ. الشاهد من هذه القصة أن الرسول صلى الله عليه وسلم اتّهم هؤلاء بقتل هذا الرجل؛ لأنه أفتوا بغير علم، فالقضية في منتهى الخطورة، فهذا الضابط الرادع المهم جدًا هو أن تتعلم أن تقول: لا أعلم. إذا كنت لا تعرف، وهذا بإذن الله من فضائل العلماء، وليس من العيب كما ذكرنا أن تقول لا أعلم، بل العيب أن تقول بغير علم.الضابط الخامس: العمل بالعلمفي الحقيقة بدون هذا الضابط لا قيمة للعلم، ولا فائدة لكل ما سبق في هذه الصفحات عن قيمة العلم وفضله، ما الفائدة في أنّ إنسانًا ما جمع خبرات كثيرة، وتراكمت لديه خبرات طويلة، وقرأ كتبًا عظيمة، وحضر من الدروس والمجالس الكثير، ثم هو لا يعمل بما علم، أين قيمة العلم إذن؟!
    روى الدارمي بسنده عَنْ عَلِيٍّ قَالَ:يَا حَمَلَةَ الْعِلْمِ اعْمَلُوا بِهِ، فَإِنَّمَا الْعَالِمُ مَنْ عَمِلَ بِمَا عَلِمَ، وَوَافَقَ عِلْمُهُ عَمَلَهُ، وَسَيَكُونُ أَقْوَامٌ يَحْمِلُونَ الْعِلْمَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ يُخَالِفُ عَمَلُهُمْ عِلْمَهُمْ، وَتُخَالِفُ سَرِيرَتُهُمْ عَلَانِيَتَهُمْ، يَجْلِسُونَ حِلَقًا فَيُبَاهِيَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا.أي أنهم إنما يتعلمون العلم ليشار إليهم، ويُقال هؤلاء هم العلماء، يتعلمون للفخر، والمباهاة، ويحاول كل منهم أن يجعل حلقته من الطلاب أكبر الحلقات، وأعظمها، فهؤلاء ليسو علماء.

    يقول سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه: حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيَغْضَبُ عَلَى جَلِيسِهِ أَنْ يَجْلِسَ إِلَى غَيْرِهِ وَيَدَعَهُ.

    فهو يريد الفخر والتباهي، وأن يكون العلم عن طريقه هو، وليس عن طريق غيره، وهذا والعياذ بالله من أول من تُسعر بهم النار يوم القيامة؛ لأنه تعلم العلم لغير الله تعالى.يقول سيدنا علي: أُولَئِكَ لَا تَصْعَدُ أَعْمَالُهُمْ فِي مَجَالِسِهِمْ تِلْكَ إِلَى اللَّهِ.

    فقد حبط عمله؛ لأنه فقد الإخلاص، فلا يرفع له عمل.وأختم بكلمات بليغه عميقة رائعة للعالم الصحابي الجليل معاذ بن جبل رضي الله عنه وأرضاه يوضح فيها قيمة العلم يقول:تعلموا العلم، فإن تعلمه لله خشية، وطلبه عبادة، ومدارسته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة، وبذله لأهله قربة، وهو الأنيس في الوحدة، والصاحب في الخلوة.

    نعم هذا هو العلم في منظور معاذ بن جبل رضي الله عنه، ورضي الله عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أجمعين، نسأل الله عز وجل أن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه.













  7. #82
    ~ [ نجم ماسي ] ~
    تاريخ التسجيل
    Jul 2010
    المشاركات
    860

    رد: (ملف)..خير الناااس.الصحب الأطهار رضي الله عنهم

    أسامة بن زيد



    اسمه ونشأته

    هو أسامة بن زيد بن حارثة الكلبي، كان أبوه مولى لرسول الله، ويكنى أبا محمد، وهو مولى رسول اللهمن أبويه، وكان يسمى "حِبّ رسول الله". ولدبمكة سنة 7 قبل الهجرة، ونشأ حتى أدرك ولم يعرف إلا الإسلام لله تعالى ولم يدن بغيره، وهاجر مع رسول اللهإلى المدينة، وكان رسول اللهيحبه حبًّا شديدًا، وكان عنده كبعض أهله.

    وأمه هي أم أيمن رضي الله عنها، واسمها بركة مولاة رسول اللهوحاضنته، وكان زيد بن حارثة لخديجة فوهبته لرسول اللهفأعتقه رسول اللهوزوّجه أم أيمن بعد النبوة، فولدت له أسامة بن زيد.

    أثر الرسول في تربيته

    في العام السادس من بعثة النبيوُلد لأمّ أيمن أسامة بن زيد، فنشأ وتربىفي أحضان الإسلام، ولم تنل منه الجاهلية بوثنيتها ورجسها شيئًا، وكانقريبًا جدًّا من بيت النبوة، وملازمًا دئمًا للنبي؛ ففي مسند الإمام أحمد عن أسامة بن زيدقال: كنت رديف رسول الله(أي كان يركب خلفه) بعرفات، فرفع يديه يدعو، فمالت به ناقته فسقط خطامها. قال: فتناول الخطام بإحدى يديه وهو رافع يده الأخرى. ومن ثَمَّ كان تأثره شديدًا برسول الله، وكان النبييحبه حبًّا شديدًا؛ ففي البخاري بسنده عن أسامة بن زيدحدَّث عن النبيأنه كان يأخذه والحسنفيقول: "اللهم أحبهما؛ فإني أحبهما".

    بل وكان النبييأمر بحبِّ أسامة بن زيد؛ فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: لا ينبغي لأحد أن يبغض أسامة بعد ما سمعت رسول اللهيقول: "من كان يحب الله ورسوله فليحب أسامة". وكان نقش خاتم أسامة بن زيد: (حِبّ رسول الله). وقد زوّجه النبيوهو ابن خمس عشرة سنة.

    أتشفع في حد من حدود الله ؟!

    روى البخاري بسنده عن عروة بن الزبير -رضي الله عنهما- أن امرأة سرقت في عهد رسول اللهفي غزوة الفتح، ففزع قومها إلى أسامة بن زيديستشفعونه. قال عروة: فلما كلمه أسامةفيها، تلوّن وجه رسول اللهفقال: "أتكلمني في حد من حدود الله؟!" قال أسامة: استغفر لي يا رسول الله. فلما كان العشي قام رسول اللهخطيبًا، فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: "أما بعد، فإنما أهلك الناس قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، والذي نفس محمد بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها". ثم أمر رسول اللهبتلك المرأة فقطعت يدها، فحسنت توبتها بعد ذلك وتزوجت. قالت عائشة: فكانت تأتي بعد ذلك، فأرفع حاجتها إلى رسول الله.

    دور أم أيمن في تربية أسامة بن زيد

    أم أيمن -رضي الله عنها- هي حاضنة النبي، وهي إحدى المؤمنات المجاهدات اللاتي شاركن في المعارك الإسلامية مع رسول الله، فقد شهدت أُحدًا، وكانت تسقي المسلمين، وتداوي الجَرْحَى، وشهدت غزوة خيبر. وقد روت أم أيمن -رضي الله عنها- بعضًا من أحاديث رسول الله. قال ابن حجر في الإصابة: كان النبييقول عنها: "هذه بقية أهل بيتي". هذه المرأة المؤمنة التقية الورعة المجاهدة كانت أحد المحاضن التربوية التي تخرَّج فيها أسامة بن زيد.

    وقد استشهد زيد بن حارثةزوج أم أيمن ووالد أسامة في مُؤْتة، واستشهد أيمن ابنها وأخو أسامة من أمه في حُنين، ففي هذه الأسرة المؤمنة المجاهدة نشأ هذا القائد الفارس الفذّ، وتربى على معاني الجهاد والدفاع عن الإسلام؛ مما جعل رسول اللهيوليه إمارة الجيش الإسلامي وهو في الثامنة عشرة من عمره وفي الجيش كبار الصحابة من المهاجرين والأنصار وأصحاب السبق في الإسلام.

    قائد جيش المسلمين في غزو الروم

    ولاَّه النبي-على صغر سنِّه- قيادة جيش المسلمين المتوجه لغزو الروم في الشام، وقال له: "يا أسامة، سر على اسم الله وبركته حتى تنتهي إلى مقتل أبيك، فأوطئهم الخيل، فقد وليتك على هذا الجيش، فأغر صباحًا على أهل أُبْنَى وحرق عليهم، وأسرع السير تسبق الخبر، فإن أظفرك الله فأقلل اللبث فيهم، وخذ معك الأدلاء، وقدم العيون أمامك والطلائع". ثم عقد الرسوللأسامة اللواء، ثم قال: "امض على اسم الله". وقد اعترض بعض الصحابة على استعمال هذا الغلام على المهاجرين الأولين، ولما علم رسول اللهبذلك، غضبغضبًا شديدًا، فخرج وقد عصب على رأسه عصابة وعليه قطيفة ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: "أما بعد، يا أيها الناس، فما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة بن زيد؟ والله لئن طعنتم في إمارتي أسامة لقد طعنتم في إمارتي أباه من قبله، وايم الله إن كان للإمارة لخليقًا، وإن ابنه من بعده لخليق للإمارة، وإن كان لمن أحب الناس إليَّ، وإن هذا لمن أحب الناس إليَّ، وإنهما لمخيلان لكل خير، فاستوصوا به خيرًا؛ فإنه من خياركم".

    وقبل الخروج مع أسامة جاء المسلمون يودعون رسول الله، فأمرهمبإنفاذ بعث أسامة. وركب أسامة إلى معسكره وصاح في الناس أصحابه باللحوق بالعسكر، فانتهى إلى معسكره ونزل وأمر الناس بالرحيل وقد مَتَعَ النهار، فبينا أسامة يريد أن يركب من الجُرْف أتاه رسول أم أيمن -وهي أمه- تخبره أن رسول اللهيموت، فأقبل أسامة إلى المدينة معه عمر وأبو عبيدة بن الجراح -رضي الله عنهما- فانتهوا إلى رسول اللهوهو يموت، فتُوفِّي رسول اللهحين زاغت الشمس يوم الاثنين لاثنتي عشرة خلت من ربيع الأول، ودخل المسلمون الذين عسكروا بالجُرْف المدينة.

    وبعد وفاة النبيبويع لأبي بكر، وقد ارتدَّ من العرب من ارتد عن الإسلام، دخل على أبي بكر كبارُ الصحابة، فقالوا: "يا خليفة رسول الله، إن العرب قد انتقضت عليك من كل جانب، وإنك لا تصنع بتفريق هذا الجيش المنتشر شيئًا، اجعلهم عُدَّة لأهل الردة ترمي بهم في نحورهم، وأخرى لا نأمن على أهل المدينة أن يغار عليها وفيها الذراري والنساء، فلو استأنيت لغزو الروم حتى يضرب الإسلام بِجِرَانِه[1]، وتعود الردة إلى ما خرجوا منه أو يفنيهم السيف، ثم تبعث أسامة، حينئذٍ فنحن نأمن الروم أن تزحف إلينا". ولكن الصديق أصر على إنفاذ بعث أسامة قائلاً: "والذي نفسي بيده، لو ظننت أن السباع تأكلني بالمدينة لأنفذت هذا البعث".

    وبالفعل خرج جيش أسامة، واستطاع هذا الجيش أن يقوم بمهمته على خير وجه، ويعود ظافرًا إلى المدينة. وظهرت موهبة أسامة الفذة في قيادة الجيش، وأثبت أنه كان -على صغر سنِّه- جديرًا بهذه القيادة.

    أهم ملامح شخصيته

    الجانب القيادي

    تربّى أسامةعلى يد رسول الله، وقد ربّاه النبيعلى أن يكون قائدًا، واكتشف عناصر هذه القيادة في شخصيته، وقد كاندقيقًا في تنفيذ أوامر رسول الله، ويظهر ذلك من مواقفه المتعددة، ومنها عندما كان قائدًا للجيش الذي غزا الروم في الشام، ومدى الدقة التي التزم بها في تنفيذ تعليمات رسول الله، فضلاً عن ذلك فقد شهد له رسول اللهأنه خليق بالولاية وأنه أهلٌ لها، وقد نجحفي مهمته التي انتدب لها أعظم نجاح، وأدى دوره على أفضل ما يكون الأداء؛ فعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول اللهبعث بعثًا وأمَّر عليهم أسامة بن زيد، فطعن الناس في إمارته، فقام رسول اللهفقال: "إن تطعنوا في إمارته فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبل، وايم الله إن كان لخليقًا للإمارة، وإن كان لمن أحب الناس إليَّ، وإن هذا لمن أحب الناس إليَّ بعده".

    بعض المواقف من حياته مع الرسول

    عن محمد بن أسامة بن زيد، عن أبيه قال: كساني رسول اللهقُبطيَّة كثيفة أهداها له دحية الكلبي، فكسوتها امرأتي، فقال رسول الله: "ما لك لا تلبس القبطية؟" قلت: كسوتها امرأتي. فقال: "مرها فلتجعل تحتها غلالة؛ فإني أخاف أن تصف عظامها".

    وعن أسامة بن زيد قال: قلت يا رسول الله، لمْ أرَكَ تصوم شهرًا من الشهور ما تصوم من شعبان. قال: "ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين؛ فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم".

    بعض المواقف من حياته مع الصحابة

    مع عمر بن الخطاب

    عن هشام بن عروة، عن أبيه: لما فرض عمر بن الخطابللناس فرض لأسامة بن زيدخمسة آلاف ولابن عمر ألفين، فقال ابن عمر رضي الله عنهما: فضلت عليَّ أسامة وقد شهدتُ ما لم يشهد!! فقال: "إن أسامة كان أحب إلى رسول اللهمنك، وأبوه أحب إلى رسول اللهمن أبيك".

    مع خلاد بن السائب

    عن خلاد بن السائبقال: دخلت على أسامة بن زيدفمدحني في وجهي، فقال: إنه حملني أن أمدحك في وجهك أني سمعت رسول اللهيقول: "إذا مُدح المؤمن في وجهه ربا الإيمان في قلبه".

    من مواقفه مع التابعين

    مع مروان بن الحكم

    عن عبيد الله بن عبد الله قال: رأيت أسامة بن زيد يصلي عند قبر رسول الله، فخرج مروان بن الحكم فقال: تصلي إلى قبره؟! فقال: إني أحبه. فقال له قولاً قبيحًا ثم أدبر، فانصرف أسامةفقال: يا مروان، إنك آذيتني، وإني سمعت رسول اللهيقول: "إن الله يبغض الفاحش المتفحش"، وإنك فاحش متفحش.

    أثره في الآخرين

    روى عنه أحاديثَ النبيثلاثون من الصحابة والتابعين، وممن روى عنه من الصحابة سعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وأبو هريرة (رضي الله عنهم أجمعين). وممن روى عنه من التابعين سعيد بن المسيب، وإبراهيم بن سعد بن أبي وقاص، وعامر بن شرحبيل، وشقيق بن سلمة، وغيرهم.

    ويعلم مولاه عمليًّا

    عن مولى أسامة بن زيد أنه انطلق مع أسامة إلى وادي القرى في طلب مال له، فكان يصوم يوم الاثنين ويوم الخميس، فقال له مولاه: لمَ تصوم يوم الاثنين ويوم الخميس وأنت شيخ كبير؟ فقال: إن نبي اللهكان يصوم يوم الاثنين ويوم الخميس، وسئل عن ذلك فقال: "إن أعمال العباد تعرض يوم الاثنين ويوم الخميس".

    الأثر العالمي لبعث أسامة

    كان لهذا البعث أثرٌ كبير في تثبيت وتوطيد دعائم الدولة الإسلامية بعد وفاة النبيوارتداد الكثير من القبائل، وكان من شأنه أن ألقى الفزع والهلع في قلوب القبائل العربية التي مرَّ عليها في شمال الجزيرة العربية، وكانوا يقولون: لو لم يكن للمسلمين قوة تحمي المدينة وما حولها ما بعثوا جيشًا إلى هذه المسافات البعيدة. وقد وصل جيش أسامة إلى تخوم الروم؛ ومن أجل ذلك كانت حركة الردة في تلك المناطق أضعف منها بكثير من غيرها من المناطق الأخرى.

    بعض الأحاديث التي رواها عن الرسول

    روى البخاري بسنده عن أسامة بن زيد، عن النبيقال: "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء".

    وروى مسلم في صحيحه عن أسامة بن زيدأن النبيقال: "لا يرث المسلم الكافر، ولا يرث الكافر المسلم".

    وفاته

    اعتزل أسامة بن زيدالفتن بعد مقتل عثمانإلى أن مات في أواخر خلافة معاوية، وكان قد سكن المِزّة غرب دمشق، ثم رجع فسكن وادي القرى، ثم نزل إلى المدينة فمات بها بالجُرْف.
    [1] أي: قرّ قراره واستقام، كما أن البعير إذا برك واستراح مد عنقه على الأرض.













  8. #83
    ~ [ نجم ماسي ] ~
    تاريخ التسجيل
    Jul 2010
    المشاركات
    860

    رد: (ملف)..خير الناااس.الصحب الأطهار رضي الله عنهم

    أسعد بن زرارة

    هو أسعد بن زرارة الأنصاري الخزرجي النجاري، قديم الإسلام، شهد العقبتين وكان نقيباً على قبيلته ولم يكن في النقباء أصغر سناً منه، ويقال أنه أول من بايع ليلة العقبة.
    إسلامه:
    خرج أسعد بن زرارة وذكوان بن عبد قيس إلى مكة يتنافران إلى عتبة بن ربيعة، فسمعا برسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأتياه فعرض عليهما الإسلام، وقرأ عليهما القرآن، فأسلما ولم يقربا عتبة بن ربيعة، ورجعا الى المدينة فكانا أول من قدم بالإسلام بالمدينة...
    قال ابن إسحاق: فلما أراد الله إظهار دينه وإعزاز نبيه، وإنجاز موعوده له، خرج رسول الله صلى الله عليه سلم في الموسم الذي لقيه فيه النفر من الأنصار، فعرض نفسه على قبائل العرب كما كان يصنع في كل موسم، فبينا هو عند العقبة لقى رهطاً من الخزرج أراد لله بهم خيراً.
    قال:"أمن موالي يهود؟" قالوا: نعم قال:" أفلا تجلسون أكلمكم؟" قالوا: بلى، فجلسوا معه فدعاهم إلى الله وعرض عليهم الإسلام، وتلا عليهم القرآن، قال: وكان مما صنع الله بهم في الإسلام أن يهود كانوا معهم في بلادهم فكانوا إذا كان بينهم شئ قالوا: إن نبياً مبعوثاً الآن قد اظل زمانه تتبعه، نقتلكم معه قتل عاد وإرم. فلما كلم رسول الله صلى الله عليه وسم أولئك النفر ودعاهم إلى الله. قال بعضهم لبعض: يا قوم تعلمون والله إنه النبي الذي توعدكم به يهود فلا يسبقنكم إليه، فأجابوه فيما دعاهم إليه بأن صدقوه وقبلوا منه ما عرض عليهم من الإسلام وقالوا له: إنا قد تركنا قومنا، ولا قوم بينهم من العداوة والشر ما بينهم وعسى الله أن يجمعهم بك فسنقدم عليهم فندعوهم إلى أمرك وتقرض عليهم الذي أجبناك إليه من هذا الدين، فإن يجمعنهم الله عليك فلا رجل أعز منك ثم انصرفوا راجعين إلى بلادهم قد آمنوا وصدقوا...
    قال أبو نعيم أنه - أي أسعد بن زرارة - أول من أسلم من الأنصار من الخزرج...
    أهم ملامح الشخصية:
    1- سرعة استجابته للحق:
    ويتضح ذلك عندما عرض الرسول صلى الله عليه وسلم على النفر الذين جاءوا إلى عتبة فلقيهم النبي صلى الله عليه وسلم وعرض عليهم لإسلام وتلا عليهم القرآن فأسلموا وقيل أن أول من قدم بالإسلام إلى المدينة كان أسعد بن زرارة وقد ذكرنا ذلك في قصة إسلامه.
    وسبق القول بأنه ربما يكون أول من بايع بيعة العقبة الثانية...
    2- إيجابيته في الدعوة:
    فقد كان يسعى مع سيدنا مصعب بالمدينة ويتضح ذلك في قصة إسلام سيدنا أسيد بن حضير وسيدنا سعد بن معاذ رضي الله عنهما وعنه وعن صحابة رسوله صلى الله عليه وسلم جميعًا...
    3- عمق فهمه مع حداثة سنه وتقديره للبيعة:
    ويظهر ذلك من موقفه في بيعة العقبة الثانية، يقول جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: فقمنا نبايعه - أي رسول الله صلى الله عليه وسلم - فأخذ بيده أسعد بن زرارة وهو أصغر السبعين فقال رويدا يا أهل يثرب إنا لم نضرب إليه أكباد المطي إلا ونحن نعلم أنه رسول الله إن إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة وقتل خياركم وأن تعضكم السيوف فإما أنتم قوم تصبرون على السيوف إذا مستكم وعلى قتل خياركم وعلى مفارقة العرب كافة فخذوه وأجركم على الله عز وجل وإما أنتم قوم تخافون من أنفسكم خيفة فذروه فهو أعذر عند الله قالوا يا أسعد بن زرارة أمط عنا يدك فوالله لا نذر هذه البيعة ولا نستقيلها فقمنا إليه رجلا رجلا يأخذ علينا بشرطة العباس ويعطينا على ذلك الجنة.
    من مواقفه مع الرسول صلى الله عليه وسلم:
    روى الإمام احمد بسنده عن جابر قال مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عشر سنين يتبع الناس في منازلهم بعكاظ ومجنة وفي المواسم بمنى يقول من يؤويني من ينصرني حتى أبلغ رسالة ربي وله الجنة حتى إن الرجل ليخرج من اليمن أو من مضر كذا قال فيأتيه قومه فيقولون احذر غلام قريش لا يفتنك ويمشي بين رجالهم وهم يشيرون إليه بالأصابع حتى بعثنا الله إليه من يثرب فآويناه وصدقناه فيخرج الرجل منا فيؤمن به ويقرئه القرآن فينقلب إلى أهله فيسلمون بإسلامه حتى لم يبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رهط من المسلمين يظهرون الإسلام ثم ائتمروا جميعا فقلنا حتى متى نترك رسول الله صلى الله عليه وسلم يطرد في جبال مكة ويخاف، فرحل إليه منا سبعون رجلا حتى قدموا عليه في الموسم فواعدناه شعب العقبة فاجتمعنا عليه من رجل ورجلين حتى توافينا فقلنا يا رسول الله نبايعك قال تبايعوني على السمع والطاعة في النشاط والكسل والنفقة في العسر واليسر وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأن تقولوا في الله لا تخافون في الله لومة لائم وعلى أن تنصروني فتمنعوني إذا قدمت عليكم مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم ولكم الجنة قال فقمنا إليه فبايعناه وأخذ بيده أسعد بن زرارة وهو من أصغرهم فقال رويدا يا أهل يثرب فإنا لم نضرب أكباد الإبل إلا ونحن نعلم أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة وقتل خياركم وأن تعضكم السيوف فإما أنتم قوم تصبرون على ذلك وأجركم على الله وإما أنتم قوم تخافون من أنفسكم جبينة فبينوا ذلك فهو عذر لكم عند الله قالوا أمط عنا يا أسعد فوالله لا ندع هذه البيعة أبدا ولا نسلبها أبدا قال فقمنا إليه فبايعناه فأخذ علينا وشرط ويعطينا على ذلك الجنة.
    بعض المواقف من حياته مع الصحابة:
    ذهب أسعد بن زرارة يوماً ومعه مصعب بن عمير إلى بستان من بساتين بني عبد الأشهل - أحد بطون الأوس - فجلسا فيه، واجتمع حولهما عدد من الذين أسلموا، فرآهما سعد بن معاذ وأسيد بن الحضير وهما يومئذ سيدا بني عبد الأشهل، ومن سادة الأوس أيضاً، فقال سعد بن معاذ لأسيد بن حضير: لا أبا لك انطلق إلى هذين الرجلين اللذين قد أتيا دارنا ليسفها ضعفاءنا فازحجرهما واتهمها عن أن دارنا، فإنه لولا أن أسعد بن زرارة مني حيث قد علمت كفيتك ذلك هو ابن خالتي، ولا أجد عليه مقدماً فأخذ أسيد بن حضير حربته، ثم أقبل إليهم، فلما رآه أسعد بن زرارة قال لمصعب بن عمير هذا سيد قومك قد جاءك فأصدق الله فيه، قال مصعب: إن يجلس أكلمه، فوقف عليهما متشمتاً فقال: ما جاء بكما إلينا تسفهان ضعفاءنا؟ اعتزلانا إن كانت لكما بأنفسكما حاجة، فقال له مصعب: أو تجلس فتسمع: فإن رضيت أمراً قبلته، وإن كرهته كُفّ عنك ما تكره؟ فقال: أنصفت، ثم ركز حربته، وجلس إليهما فكلمه مصعب بالإسلام وقرأ عليه القرآن، فقالا: والله لقد عرفنا في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم في إشراقة وتسهله، ثم قال: ما أحسن هذا الكلام وأجمله! كيف تصنعون إذا أردتم أن تدخلوا في هذا الدين. قالا له: تغتسل فتطهر، وتطهر ثوبك، ثم تشهد شهادة الحق، فقام واغتسل وطهر ثوبيه وشهد شهادة الحق، ثم قام فركع ركعتين، ثم قال لهما: إن ورائي رجلاً إن اتبعكما لم يتخلف عنه أحد من قومه، وسأرسله إليكما الآن، وهو سعد بن معاذ، ثم أخذ حربته، وانصرف إلى سعد وقومه وهم جلوس في ناديهم، فلما نظر إليه سعد مقبلاً، قال أحلف بالله لقد جاءكم أسيد بغير الوجه لذي ذهب به من عندكم، فلما وقف على النادي، قال له سعد: ما فعلت؟ قال كلمت الرجلين، فو الله ما رأيت بهما بأساً وقد نهيتهما فقالا: نفعل ما أحببت، وقد حدثت أن بني حارثة قد خرجوا إلى أسعد بن زرارة ليقتلوه، وذلك أنهم قد عرفوا أنه ابن خالتك ليخفروك فقام سعد مغضباً مبادراً، تخوفاً للذي ذكر له من بني حارثة، فأخذ الحربة من يده، ثم قال والله ما أراك أغنيت شيئاً، ثم خرج إليها فلما رآهما سعد مطمئنين عرف أن أسيداً إنما أراد أن يسمع منهما، فوقف عليهما متشمتاًَ، ثم قال لأسعد بن زرارة يا أبا أمامة! والله لولا ما بيني وبينك من القرابة ما رمت هذا مني، أتغشانا في دارنا بما نكره وقد قال أسعد بن زرارة لمصعب بن عمير: أي مصعب جاءك والله سيد من وراءه قومه، إن يتبعك لا يتخلف عنك منهم اثنان فقال له مصعب: أو تقعد فتسمع فإن رضيت امراً أو رغبت فيه قبلته، إن كرهته عزلنا عنك ما تكره؟ قال سعد: أنصفت، ثم ركز الحربة، جلس فعرض عليه الإسلام وقرأ عليه القرآن قالا: فعرفنا والله في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم لإشراقة وتسهله ثم قال لهما: كيف تصنعون إذا أنتم أسلمتم ودخلتم في هذا الدين؟ قالا تغتسل فتطهر ثوبيك ثم تشهد شهادة الحق، ثم تصل ركعتين...
    أثره في الآخرين:
    قال ابن إسحاق: عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك قال: كنت أقود أبي حين ذهب بصره فكنت إذا خرجت به إلى الجمعة فسمع الآذان بها صلى على أبي إمامة أسعد بن زرارة قال: فمكثت حيناً على ذلك لا يسمع لآذان الجمعة إلا صلى عليه واستغفر له. قال: فقلت في نفسي والله إن هذا بي لعجز، ألا أسأله؟ فقلت: يا أبتِ ما لك إذا سمعت الأذان للجمعة صليت على أبي إمامة؟ فقال: أي بني إنه كان أول من جمع بنا بالمدينة، في هرم البيت من حرة بني بياض في بقيع يقال له بقيع الخضمات قال: قلت وكم أنتم يومئذ؟ قال: أربعين رجلًا...
    وفاته:
    قال محمد بن إسحاق: وتوفي في تلك الأشهر - أي بعد الهجرة مباشرة - أبو أمامة أسعد بن زرارة والمسجد يبني - أي مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، أخذته الزبحة أو الشهقة، رحمه الله ورضي عنه.
    وذكر الواقدي أنه مات على رأس أشهر من الهجرة رواة الحاكم في المستدرك من طريق الواقدي عن أبي الرجال، وفيه جاء بنو النجار فقالوا يا رسول الله مات نقيبنا فنقب علينا فقال:"أنا نقيبكم" وقال البغوي أنه أول من مات من الصحابة بعد الهجرة وأنه أول ميت صلّى عليه النبيُّ صلى الله عليه وسلم وروى الواقدي من طريق عبد الله بن أبي بكر بن حزم قال: أول من دفن بالبقيع أسعد بن زرارة وهذا قول الأنصار.
    وأما المهاجرون فقالو: أول من دفن به عثمان بن مظعون.
    من مراجع البحث:
    الإصابة في تمييز الصحابة............ ابن حجر العسقلاني
    البداية والنهاية.......................... ابن كثير
    التاريخ الإسلامي...................... محمود شاكر













  9. #84
    ~ [ نجم ماسي ] ~
    تاريخ التسجيل
    Jul 2010
    المشاركات
    860

    رد: (ملف)..خير الناااس.الصحب الأطهار رضي الله عنهم

    وحشى بن حرب


    هو وحشى بن حرب الحنشى مولى بنى نوفل قيل كان مولى طعيمة بن عدى يكنى أبا سلمة وقيل أبا حرب.
    حاله في الجاهلية:
    كان وحشي عبدا حبشيا من الموالى عند العرب يقول وحشى عن نفسه كنت غلاما رقيقا لجبير بن مطعم ثم أصبح حرا بعد قتله لحمزة بن عبد المطلب.
    يقول وحشي:
    كنت غلاما لجبير بن مطعم وكان عمه طعيمة بن عدي قد قتل يوم بدر فلما سارت قريش إلى أحد قال لي جبير: إن قتلت حمزة عم محمد بعمي فأنت عتيق. فخرجت مع الناس حين خرجوا إلى أحد فلما التقى الناس خرجت أنظر حمزة وأتبصره حتى رأيته مثل الجمل الأورق في عرض الناس يهز الناس بسيفه هذا ما يقوم له شيء فوالله إني لأريده واستترت منه بشجرة - أو: بحجر - ليدنو مني وتقدمني إليه سباع بن عبد العزى فلما رآه حمزة قال: إلي يا ابن مقطعة البظور. وكانت أمه ختانة بمكة فوالله لكأن ما أخطأ رأسه فهززت حربتي حتى إذا رضيت منها دفعتها عليه فوقعت في ثنته حتى خرجت من بين رجليه. وخليت بينه وبينها حتى مات ثم أتيته فأخذت حربتي ثم رجعت إلى العسكر ولم يكن لي بغيره حاجة. فلما قدمت مكة عتقتى.(1)
    قصة إسلامه:
    يروى وحشى قصة إسلامه فيقول: فلما افتتح رسول الله مكة هربت إلى الطائف فلما خرج وفد الطائف ليسلموا ضاقت على الأرض بما رحبت وقلت بالشام أو اليمن أو بعض البلاد فولله إني لفي ذلك من همي إذ قال رجل: والله إن يقتل - أي لا يقتل - محمدا أحدا يدخل في دينه، فخرجت حتى قدمت المدينة على رسول الله فدخلت عليه في خفة وحذر، ومضيت نحوه حتى صرت فوق رأسه، وقلت أشهد أن لا إله إلا الله، فلما سمع الشهادتين رفع رأسه إلي، فلما عرفني ردَّ بصره عنى، وقال: "أوحشى أنت" قلت: نعم يا رسول الله فقال: "اقعد وحدثني كيف قتلت حمزة؟" فقعدت فحدثته خبره، فلما فرغت من حديثى أشاح بوجهه وقال: "ويحك يا وحشى، غيِّب عنى وجهك، فلا أرينك بعد اليوم".
    فما أجمل الإسلام وأعظمه، لا يغلق باب التوبة أمام الإنسان مهما فعل وصدر منه طالما أن ما صدر منه كان قبل أن يدخل الإسلام قلبه.
    وقد روي وحشي عن النبي صلي الله عليه وسلم أن أصحابه قالوا: يا رسول إنا نأكل ولا نشبع، قال: "فلعلكم تفترقون" قالوا: نعم قال: "فاجتمعوا على طعامكم، واذكروا اسم الله عليه، يبارك لكم فيه".
    بعض كلماته:
    كان يقول: قتلت بحربتي هذه خيرَ الناس - يقصد حمزة - وشر الناس - يقصد مسيلمة الكذاب - .(2)
    وكان يقول أكرم الله حمزة بن عبد المطلب والطفيل بن النعمان بيدي ولم يهني بأيديهما يعني لم يقتل كافرا.(3)
    متى توفي؟ أين دفن؟
    شهد وحشى اليرموك ثم سكن حمص ومات بها، وكان وحشى قد عاش إلى خلافة عثمان.(4)
    المصادر:
    1- أسد الغابة [جزء 1 - صفحة 1104]
    2- الاستيعاب [جزء 1 - صفحة 496]
    3- الطبقات الكبرى [جزء 3 - صفحة 573]
    4- الإصابة ج 5 ط. دار الفكر.













  10. #85
    ~ [ نجم ماسي ] ~
    تاريخ التسجيل
    Jul 2010
    المشاركات
    860

    رد: (ملف)..خير الناااس.الصحب الأطهار رضي الله عنهم

    يزيد بن أبي سفيان


    هو يزيد بن أبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي الأموي. أخو معاوية من أبيه، وقال أبو عمر: كان أفضل أولاد أبي سفيان وكان يقال له: يزيد الخير، وأمه أم الحكم زينب بنت نوفل بن خلف من بني كنانة، يكنى أبا خالد..
    حاله في الجاهلية:
    كان من العقلاء الألباء، والشجعان المذكورين..
    قصة إسلامه:
    أسلم يوم الفتح، وحسن إسلامه، وشهد حنين..
    بعض المواقف من حياته مع الرسول صلى الله عليه سلم:
    ـ شهد حنينا، فقيل: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- ; أعطاه من غنائم حنين مائة من الإبل وأربعين أوقية فضة.
    بعض المواقف من حياته مع الصحابة:
    وصية أبي بكر له:
    كان مما قاله أبو بكر ليزيد:
    (إني وليتك لأبلوك وأجربك وأخرجك فإن أحسنت رددتك إلى عملك وزدتك وإن أسأت عزلتك فعليك بتقوى الله فإنه يرى من باطنك مثل الذي من ظاهرك وإن أولى الناس بالله أشدهم توليا له وأقرب الناس من الله أشدهم تقربا إليه بعمله وقد وليتك عمل خالد فإياك وعبية الجاهلية فإن الله يبغضها ويبغض أهلها وإذا قدمت على جندك فأحسن صحبتهم وابدأهم بالخير وعدهم إياه وإذا وعظتهم فأوجز فإن كثير الكلام ينسي بعضه بعضا وأصلح نفسك يصلح لك الناس وصل الصلوات لأوقاتها بإتمام ركوعها وسجودها والتخشع فيها وإذا قدم عليك رسل عدوك فأكرمهم وأقلل لبثهم حتى يخرجوا من عسكرك وهم جاهلون به ولا ترينهم فيروا خيلك ويعلموا علمك وأنزلهم في ثروة عسكرك وامنع من قبلك من محادثتهم وكن أنت المتولي لكلامهم ولا تجعل سرك لعلانيتك فيختلط أمرك وإذا استشرت فاصدق الحديث تصدق المشورة ولا تخزن عن المشير خبرك فتؤتى من قبل نفسك واسمر بالليل في أصحابك تأتك الأخبار وتنكشف عنك الأستار وأكثر حرسك وبددهم في عسكرك وأكثر مفاجأتهم في محارسهم بغير علم منهم بك فمن وجدته غفل عن حرسه فأحسن أدبه وعاقبه في غير إفراط وأعقب بينهم بالليل واجعل النوبة الأولى أطول من الأخيرة فإنهما أيسرهما لقربهما من النهار ولا تخف من عقوبة المستحق ولا تلجن فيها ولا تسرع إليها ولا تخذلها مدفعا ولا تغفل عن أهل عسكرك فتفسدهم ولا تتجسس عليهم فتفضحهم ولا تكشف الناس عن أسرارهم واكتف بعلانيتهم. ولا تجالس العباثين وجالس أهل الصدق والوفاء وأصدق اللقاء ولا تجبن فيجبن الناس. واجتنب الغلول (الخيانة في المغنم) فإنه يقر بالفقر ويدفع النصر وستجدون أقواما حبسوا أنفسهم في الصوامع فدعهم وما حبسوا أنفسهم له
    ـ وهو أحد الأمراء الأربعة الذين ندبهم أبو بكر لغزو الروم، عقد له أبو بكر ومشى معه تحت ركابه يسايره، ويودعه، ويوصيه، وما ذاك إلا لشرفه وكمال دينه، ولما فتحت دمشق، أمره عمر عليه.
    وقال إبراهيم بن سعد: كان يزيد بن أبي سفيان على ربع، وأبو عبيدة على ربع، وعمرو بن العاص على ربع، وشرحبيل بن حسنة على ربع، يعني يوم اليرموك. ولم يكن يومئذ عليهم أمير، وأمَّره أبو بكر الصديق لما قفل من الحج سنة اثنتي عشرة أحد أمراء الأجناد، وأمَّره عمر على فلسطين، ثم على دمشق لما مات معاذ بن جبل، وكان استخلفه فأقره عمر.
    الوفاة:
    (موقف الوفاة والمكان):
    توفي يزيد في الطاعون سنة ثماني عشرة، ولما احتضر، استعمل أخاه معاوية على عمله، فأقره عمر على ذلك احتراما ليزيد، وتنفيذا لتوليته.
    ومات هذه السنة في الطاعون أبو عبيدة أمين الأمة، ومعاذ بن جبل سيد العلماء، والأمير المجاهد شرحبيل بن حسنة حليف بني زهرة، وابن عم النبي -صلى الله عليه وسلم- الفضل بن العباس وله بضع وعشرون سنة، والحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي أبو عبد الرحمن من الصحابة الأشراف، وهو أخو أبي جهل، وأبو جندل بن سهيل بن عمرو العامري، رضي الله عنهم.
    المراجع:
    الإصابة في تمييز الصحابة - أبو بكر الصديق.













  11. #86
    ~ [ نجم ماسي ] ~
    تاريخ التسجيل
    Jul 2010
    المشاركات
    860

    رد: (ملف)..خير الناااس.الصحب الأطهار رضي الله عنهم

    وبرة بن سنان



    هو وبرة بن سنان الجهني من مواقفه مع جعال أجير عمر بن الخطاب: كان مع عمر بن الخطاب أجيرا له من غفار يقال له: جعال، وكان معه فرس يقوده فحوض لعمر حوضا فبينما هو قائم على الحوض إذ أقبل رجل من الأنصار يقال له وبرة بن سنان الجهني وسماه أبو عمر: سنان بن تميم وكان حليفا لعبد الله بن أبي فقاتله فتداعيا بقبائلهما فقال عبد الله بن أبي: أقد تداعوا علينا لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل... ونزل فيهما "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى......"

    (1) المرجع: 1- الإصابة في تمييز الصحابة [ جزء 6 - صفحة













  12. #87
    ~ [ نجم ماسي ] ~
    تاريخ التسجيل
    Jul 2010
    المشاركات
    860

    رد: (ملف)..خير الناااس.الصحب الأطهار رضي الله عنهم

    وبر بن يحنس


    هو وبر بن يحنس الكلبي قال ابن حبان يقال له صحبة.

    (1) إسلامه: كان من الأبناء الذين كانوا باليمن فقدم على النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم.
    (2) وبعد أن دخل الإيمان قلبه بدأ يدعو إلي الله عز وجل فقدم وبر بن يحنس على الأبناء باليمن يدعوهم إلى الإسلام فنزل على بنات النعمان بن بزرج فأسلمن وبعث إلى فيروز الديلمي فأسلم وإلى مركبود وعطاء ابنه ووهب بن منبه فأسلموا.(3) فرضي الله عن الصحابي الجليل (وبرة بن يحنس).
    المراجع: 1- عمدة القاري [ جزء 16 - صفحة 891 ] 2- الطبقات الكبرى [ جزء 5 - صفحة 533 ] 3- تاريخ الطبري [ جزء 2 - صفحة 209 ]













  13. #88
    ~ [ نجم ماسي ] ~
    تاريخ التسجيل
    Jul 2010
    المشاركات
    860

    رد: (ملف)..خير الناااس.الصحب الأطهار رضي الله عنهم

    هلال بن أمية


    هو هلال بن أمية بن عامر بن قيس واسمه مالك الأنصاري الواقفي.
    وكان قديم الإسلام كان يكسر أصنام بني واقف وكانت معه رايتهم يوم الفتح.(1)
    وشهد هلال بن أمية بدرا وأحد.(2)
    من مواقفه مع الرسول صلى الله عليه وسلم:
    تخلف هلال بن أمية عن رسول الله في غزوة تبوك فقد ذكر ابن كثير أن قوله تعالي "وآخرون مرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم والله عليم حكيم"
    أنهم هم الثلاثة الذين خلفوا أي عن التوبة وهم مرارة بن الربيع وكعب بن مالك وهلال بن أمية قعدوا عن غزوة تبوك في جملة من قعد كسلا وميلا إلى الدعة والحفظ وطيب الثمار والظلال لا شكا ونفاقا فكانت منهم طائفة ربطوا أنفسهم بالسواري كما فعل أبو لبابة وأصحابه وطائفة لم يفعلوا ذلك وهم هؤلاء الثلاثة المذكورون فنزلت توبة أولئك قبل هؤلاء وأرجي هؤلاء عن التوبة حتى نزلت الآية الآتية وهي قوله { لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار } الآية { وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت }.
    وقد ذكر البخاري قصة الثلاثة الذين خلفوا عن غزوة تبوك:
    يقول كعب بن مالك "حتى إذا مضت أربعون ليلة من الخمسين إذا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيني فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تعتزل امرأتك فقلت أطلقها أم ماذا أفعل؟ قال لا بل اعتزلها ولا تقربه. وأرسل إلى صاحبي مثل ذلك (يقصد هلال بن أمية ومرارة بن الربيع) فقلت لامرأتي الحقي بأهلك فتكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر فجاءت امرأة هلال بن أمية رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن هلال بن أمية شيخ ضائع ليس له خادم فهل تكره أن أخدمه؟ قال ( لا ولكن لا يقربك ). قالت إنه والله ما به حركة إلى شيء والله ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومه
    فقال لي بعض أهلي لو استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأتك كما أذن لامرأة هلال بن أميه أن تخدمه؟ فقلت والله لا أستأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يدريني ما يقول رسول الله{ صلى الله عليه وسلم} إذا استأذنته فيها وأنا رجل شاب؟ فلبثت بعد ذلك عشر ليال حتى كملت لنا خمسون ليلة من حين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلامنا فلما صليت صلاة الفجر صبح خمسين ليلة وأنا على ظهر بيت من بيوتنا فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر الله قد ضاقت علي نفسي وضاقت علي الأرض بما رحبت سمعت صوت صارخ أوفى على جبل سلع بأعلى صوته يا كعب بن مالك أبشر قال فخررت ساجدا وعرفت أن قد جاء فرج وآذن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} بتوبة الله علينا حين صلى صلاة الفجر فذهب الناس يبشروننا وذهب قبل صاحبي مبشرون ".(3)
    قصة اللعان:
    وفي أحد الأيام لاعن هلال بن أمية زوجته، وأقسم لرسول الله ( صلي الله عليه وسلم ) إنه لصادق.
    عن ابن عباس: أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم بشريك ابن سحماء فقال النبي صلى الله عليه وسلم (البينة أو حد في ظهرك) . فقال: يا رسول الله إذا رأى أحدنا على امرأته رجلا، ينطلق يلتمس البينة، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (البينة وإلا حد في ظهرك) . فقال هلال: والذي بعثك بالحق إني لصادق فلينزلن الله ما يبرئ ظهري من الحد، فنزل جبريل وأنزل عليه "والذين يرمون أزواجهم" - فقرأ حتى بلغ - "إن كان من الصادقين". فانصرف النبي (صلى الله عليه وسلم) فأرسل إليها فجاء هلال فشهد والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب. ثم قامت فشهدت فلما كانت عند الخامسة وقفوها وقالوا إنها موجبة. قال ابن عباس فتلكأت ونكصت حتى ظننا أنها ترجع ثم قالت لا أفضح قومي سائر اليوم، فمضت فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أبصروها فإن جاءت به أكحل العينين، سابغ الأليتين، خدلج الساقين، فهو لشريك بن سحماء. فجاءت به كذلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن.(4)

    المصادر:
    1- أسد الغابة [ جزء 1 - صفحة 1093 ]
    2- أسد الغابة [ جزء 1 - صفحة 1093 ]
    3- صحيح البخاري [ جزء 4 - صفحة 1603 ]
    4- صحيح البخاري [ جزء 4 - صفحة 1772 ]













  14. #89
    ~ [ نجم ماسي ] ~
    تاريخ التسجيل
    Jul 2010
    المشاركات
    860

    رد: (ملف)..خير الناااس.الصحب الأطهار رضي الله عنهم

    هاشم بن عتبة

    هو هاشم بن عتبة بن أبي وقاص بن عبد مناف الزهري الشجاع المشهور المعروف بالمرقال ابن أخي سعد بن أبي وقاص..
    قال الدولابي: لقب بالمرقال؛ لأنه كان يرقل في الحرب أي يسرع، من الإرقال وهو ضرب من العدو.
    وكان صالحا زاهدا وهو أخو مصعب بن عمير لأمه أسلم يوم الفتح وذهبت عينه يوم اليرموك.
    وهو الذي افتتح جلولاء فعقد له سعد لواء ووجهه وفتح الله عليه جلولاء.
    إسلامه:
    قال الخطيب:أنه أسلم يوم فتح مكة..
    بعض مواقف من حياته مع الصحابة:
    ـ لما جاء قتل عثمان إلى أهل الكوفة قال هاشم لأبي موسى الأشعري تعال يا أبا موسى بايع لخير هذه الأمة: (علي) فقال: لا تعجل.!**** فوضع هاشم يده على الأخرى فقال: هذه لعليّ وهذه لي..
    ـ عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: شهدنا صفين مع علي وقد وكلنا بفرسه رجلين فإذا كان من القوم غفلة حمل عليهم فلا يرجع حتى يخضب سيفه دما، قال: ورأيت هاشم بن عتبة وعمار بن ياسر يقول له: يا هاشم
    أعور يبغي أهله محل... قد عالج الحياة حتى ملا
    لا بد أن يفل أو يفلا
    بعض الأحاديث التي رواها عن الرسول صلى الله عليه وسلم:
    عن جابر بن سمرة عن هاشم بن عتبة: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- يقول: يظهر المسلمون على جزيرة العرب وعلى فارس والروم وعلى الأعور الدجال.
    الوفاة:
    وأخرج يعقوب بن سفيان من طريق الزهري قال: قتل عمار بن ياسر وهاشم بن عتبة يوم صفين.
    المراجع:
    الإصابة في تمييز الصحابة - تاريخ الإسلام - الاستيعاب.













  15. #90
    ~ [ نجم ماسي ] ~
    تاريخ التسجيل
    Jul 2010
    المشاركات
    860

    رد: (ملف)..خير الناااس.الصحب الأطهار رضي الله عنهم

    نعيم بن مسعود

    هو نعيم بن مسعود بن عامر يكنى أبا سلمة الأشجعى
    وكان صاحب صبوة، وخدين متعةن كان ينشدهما أكثر ما ينشدهما عند يهود يثرب فكان كلما تاقت نفسه لقينة أو هفا بسمعة لوتر شد رحاله من منازل قومة في نجد ويمم وجهه شطر المدينة حيث يبذل المال ليهودها بسخا ليبذلوا له المتعة بسخاء.
    ولما أكرم الله الإنسانية بإرسال رسوله (صلى الله عليه وسلم) بدين الحق والهدى كان نعيم بن مسعود مرخيا للنفس عنانها فأعرض عن الدين الجديد إعراضا شديدا خوفا من أن يحول دونه ودون متعه ولذاته.
    قصة إسلامه:
    خرجت غطفان من نجد بعدتها وعديدها بقيادة عيينة بن حصن الغطفانى وكان في طليعة رجال غطفان نعيم بن مسعود
    وفى أرض المعركة تسلل نعيم بن مسعود من معسكر قومة تحت جنح الظلام ومضى يحث الخطى إلى رسول الله فلما رآه الرسول ماثلا أمامه قال: نعيم بن مسعود، قال: نعم قال: ما الذي جاء بك قال: جئت لأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد عبد الله ورسوله، وأن ما جئت به الحق.
    وكان نعيم (رضي الله عنه) يتميز بصفات جليلة قلما تتوفر في رجال غير صحابة رسول الله (صلي الله عليه وسلم) ومن هذه الصفات الفطنة والذكاء، وقد استطاع أن يوقع الخلاف بين الحيين قريظة وغطفان في وقعة الخندق، فخالف بعضهم بعضا، ورحل الأحزاب عن المدينة.
    وكانت تربية الرسول صلى الله عليه وسلم سببا في تحويل حياة نعيم بن مسعود من حياة المجون والعبث والخلاعة إلى حياة الجد والعمل لدرجة أن يصبح هو حامل لواء غطفان يوم فتح مكة، ومعروف أنه لا يأخذ الراية إلا من يأخذها بحقها، ويكون على أتم الاستعداد أن يضحى بحياته من أجلها.
    من مواقفه مع الرسول صلى الله عليه وسلم:
    عندما أراد أبو سفيان بن حرب أن ينصرف يوم أحد نادى بيننا وبينكم بدر الصفراء رأس الحول نلتقي بها فنقتتل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب قل نعم إن شاء الله فافترق الناس على ذلك ثم رجعت قريش فخبروا من قبلهم بالموعد وتهيؤوا للخروج فلما دنا الموعد كره أبو سفيان الخروج وقدم نعيم بن مسعود الأشجعي مكة فقال له أبو سفيان إني قد واعدت محمدا وأصحابه أن نلتقي ببدر وقد جاء ذلك الوقت وهذا عام جدب وإنما يصلحنا عام خصب غيداق وأكره أن يخرج محمد ولا أخرج فيجتريء علينا فنجعل لك عشرين فريضة يضمنها لك سهيل بن عمرو على أن تقدم المدينة فتخذل أصحاب محمد قال نعم ففعلوا وحملوه على بعير فأسرع السير فقدم المدينة فأخبرهم بجمع أبي سفيان لهم وما معه من العدة والسلاح فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده لأخرجن وإن لم يخرج معي أحد فنصر الله المسلمين وأذهب عنهم الرعب واستخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة عبد الله بن رواحة وحمل لواءه علي بن أبي طالب وسار في المسلمين وهم ألف وخمسمائة وكانت الخيل عشرة أفراس وخرجوا ببضائع له.(1)
    موقفه المشهود في غزوة الأحزاب:
    ومن مواقفه مع الرسول بعد إسلامه كان له موقف مشرف سوف يظل التاريخ يذكره لهذا الصحابي الجليل في غزوة الأحزاب، وكان هذا الموقف أحد أسباب النصر علي قريش وحلفائها فنعيم بن مسعود الغطفاني أتى رسول الله فأسلم. وقال: إن قومي لم يعلموا بإسلامي فمرني بما شئت يا رسول الله. قال إنما أنت فينا رجل واحد فاخذل عنا ما استطعت فإن الحرب خدعة
    فأتى قريظة - وكان نديما لهم في الجاهلية - فقال لهم: قد عرفتم ودي إياكم. قالوا صدقت. قال: إن قريشا وغطفان ليسوا كأنتم البلد بلدكم به أموالكم وأولادكم ونساؤكم لا تقدرون على أن تتحولوا منه إلى غيره وإن قريشا وغطفان قد جاءوا لحرب محمد وأصحابه وقد ظاهرتموهم عليه وبلدهم وأموالهم ونساؤهم بغيره فليسوا كأنتم فإن رأوا نهزة أصابوها وإن كان غير ذلك لحقوا ببلادهم وخلوا بينكم وبين الرجل ببلدكم فلا طاقة لكم به إن خلا بكم فلا تقاتلوا مع القوم حتى تأخذوا منهم رهنا من أشرافهم يكونون بأيديكم ثقة لكم على أن يقاتلوا معكم محمدا حتى تناجزوه فقالو: لقد أشرت بالرأي.
    ثم خرج حتى أتى قريشا فقال لأبي سفيان ومن معه: قد عرفتم ودي لكم وفراقي محمدا وإنه قد بلغني أمر قد رأيت علي حقا أن أبلغكموه نصحا لكم فاكتموه علي. قالو: نفعل. قال: تعلموا أن معشر يهود قد ندموا على ما صنعوا فيما بينهم وبين محمد: وأرسلوا إليه أنا قد ندمنا على ما فعلنا فهل يرضيك أن نأخذ لك من القبيلتين قريش وغطفان رجلا من أشرافهم فنعطيكهم فتضرب أعناقهم ثم نكون معك على من بقي منهم حتى تستأصلهم. فأرسل إليهم: نعم. فإن بعثت إليكم يهود يلتمسون رهنا منكم من رجالكم فلا تفعلوا.
    ثم خرج فأتى غطفان فقال: يا معشر غطفان أنتم أصلي وعشيرتي وأحب الناس إلي ولا أراكم تتهموني. قالو: صدقت ما أنت عندنا بمتهم قال: فاكتموا عني. قالو: نفعل. ثم قال لهم مثل ما قال لقريش وحذرهم ما حذرهم.
    فلما كانت ليلة السبت من شوال وكان من صنع الله لرسوله أنه أرسل أبو سفيان ورؤوس غطفان إلى بني قريظة عكرمة بن أبي جهل في نفر من قريش وغطفان فقالو: إنا لسنا بدار مقام قد هلك الخف والحافر فاغدوا للقتال حتى نناجز محمد. فأرسلوا إليهم أن اليوم يوم السبت وهو يوم لا نعمل فيه شيئا وقد كان بعضنا أحدث فيه حدثا فأصابه ما لم يخف عليكم ولسنا مع ذلك بالذين نقاتل معكم محمدا حتى تعطونا رهنا من رجالكم يكونون بأيدينا ثقة لنا حتى نناجز محمدا فإنا نخشى إن ضرستكم الحرب أن تنشمروا إلى بلادكم وتتركونا والرجل في بلادنا ولا طاقة لنا بذلك.
    فلما رجعت إليهم الرسل بما قالت بنو قريظة قالت قريش وغطفان: والله لقد حدثكم نعمي بن مسعود بحق. فأرسلوا إلى بني قريظة: إنا والله ما ندفع إليكم رجلا من رجالنا فإن كنتم تريدون القتال فاخرجوا فقاتلوا.
    فقالت بنو قريظة حين انتهت إليهم الرسل بهذا: إن الذي ذكر لكم نعيم لحق ما يريد القوم إلا أن يقاتلوا فإن رأوا فرصة انتهزوه. وإن كان غير ذلك انشمروا إلى بلادهم. فأرسلوا إلى قريش وغطفان: إنا والله لا نقاتل معكم حتى تعطونا رهن. فأبوا عليهم. وخذل الله بينهم.(2)

    ودعا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أصحابه وصفهم صفوفا يوم حنين ووضع الرايات والألوية في أهلها فسمى حامليها وقال وكان في أشجع رايتان واحدة مع نعيم بن مسعود والأخرى مع معقل بن سنان.

    وروي نعيم بن مسعود عن رسول الله ( صلي الله عليه وسلم )
    قال نعيم بن مسعود قال رسول الله ( صلي الله عليه وسلم ) "لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذابا كلهم يزعم أنه نبي"(3)
    الوفاة:
    سكن نعيم بن مسعود المدينة ومات في خلافة عثمان وروى عنه ابنه سلمة ابن نعيم. وقيل: بل قتل ابن مسعود في الجمل الأول قبل قدوم علي مع مجاشع بن مسعود السلمي وحكيم بن جبلة.(4)
    المصادر:
    1- الطبقات الكبرى [ جزء 2 - صفحة 59 ]
    2- تاريخ الإسلام [ جزء 1 - صفحة 241 ]
    3- كنز العمال [ جزء 14 - صفحة 221 ]
    4- الاستيعاب [ جزء 1 - صفحة 476 ]
    <













صفحة 6 من 13 الأولىالأولى ... 4 5 6 7 8 ... الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •