أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم




العلم بالله سبحانه هو أساس العلم النافع، وكل علم لم يُبْنَ على هذا الأساس فليس بنافع في الحقيقة، وإن اغترّ به أهله؛ لأنه لا يحقق لصاحبه سعادة في الدنيا ولا هداية فيها، ولا ينجيه من شقاء الآخرة وعذابها، بله أن يوصله إلى رضا الله ودار نعيمه.

والعلم به سبحانه يعني التعرف على أسمائه وصفاته وأفعاله، عن طريق كتابه وسنة رسوله صَلى الله عليه وسلم، مع العلم أنه يستحيل على المخلوق مهما بلغ من الاجتهاد في معرفة الله أن يحيط به سبحانه، كما قال تعالى {وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً} [طه 110].

والعلم بألوهيته تعالى التي لا يشاركه فيها أحد، هي الأساس الأول من أسس الإسلام، وإليها دعا جميع الأنبياء والرسل، من لدن نوح إلى خاتمهم محمد رسول الله صلى الله عليهم وسلم، أجمعين.

قال ابن تيمية رحمه الله: "وهذا حقيقة قول (لا إله إلا الله) وبذلك بعث جميع الرسل، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء 25]. وقال: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} [الزخرف 45]. والرسول صَلى الله عليه وسلم، ليس في حاجة إلى أحد يجيبه عن هذا السؤال الذي خاطبه الله تعالى به، لأنه على يقين تام أن الله تعالى لم يجعل في شريعة جميع الرسل آلهة تعبد من دونه، والذي يظهر أنه من الخطابات القرآنية الموجهة إلى الرسول والمقصود أمته. وقال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل 36 وجميع الرسل افتتحوا دعوتهم بهذا الأصل". [مجموع الفتاوى (10/51).]

والإله معناه المعبود بحق، وألوهيته سبحانه مطلقة كربوبيته، فكما أنه تعالى الربّ الخالق الذي لا ربّ ولا خالق سواه، فهو سبحانه الإله المعبود الذي لا إله سواه، وألوهيته تعالى توجب أن يكون المخلوق عبداً له لا لسواه.

والعبودية هي كمال الحب، وكمال الخضوع للإله سبحانه، وذلك يقتضي طاعته المطلقة والبعد عن معاصيه، فإن العبادة شاملة لكل حياة الإنسان، كما قال ابن تيمية رحمه الله: "العبادة هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة..." [مجموع الفتاوى (10/149 ـ 150).].

وقال ابن القيم رحمه الله في هذا المطلب: "فمشهد الألوهية هو مشهد الحنفاء، وهو مشهد جامع للأسماء والصفات، وحظ العباد منه حسب حظهم من معرفة الأسماء والصفات، لذلك كان الاسم الدال على هذا المعنى هو اسم الله جلّ جلاله، فإن هذا الاسم هو الجامع، ولهذا تضاف الأسماء الحسنى كلها إليه، فيقال: الرحمن الرحيم العزيز الغفار القهار من أسماء الله، ولا يقال: الله من أسماء الرحمن، قال تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى}[الأعراف 179].

فهذا المشهد تجتمع فيه المشاهد كلها، وكل مشهد سواه، فإنما هو مشهد لصفة من صفاته، فمن اتسع قلبه لمشهد الإلهية، وقام بحقه من التعبد الذي هو كمال الحب بكمال الذل والتعظيم والقيام بوظائف العبودية، فقد تم له غناه بالإله الحق، وصار من أغنى العباد، ولسان حال مثل هذا يقول:

غنيت بلا مال عن الناس كلهم،،،،،،،،وإن الغنى العالي عن الناس لا بهم

[طريق الهجرتين وباب السعادتين، ص: 78 ـ 79 طبع قطر.]

قلت: وإنما يكون الغنى بالله بالتزكية الربانية، التي تطهر الفرد من جميع المعاصي والأدناس وتملأ قلبه بحب الله وطاعته في أمره ونهيه، وتحمله على إيصال الخير إلى الناس وكف الأذى عنهم، والاستغناء بالله تعالى عن المخلوقين.

وقال سيد قطب رحمه الله: "يقوم التصور الإسلامي على أساس أن هناك ألوهية وعبودية، ألوهية يتفرد بها الله سبحانه، وعبودية يشترك فيها كل من عداه، وكما يتفرد الله سبحانه بالألوهية، كذلك يتفرد تبعاً لهذا بكل خصائص الألوهية، وكما يشترك كل حي، وكل شيء بعد ذلك في العبودية، كذلك يتجرد كل حي وكل شيء من خصائص الألوهية، فهناك إذاً وجودان متميزان: وجود الله ووجود ما عداه من عبيد الله، والعلاقة بين الوجودين، هي علاقة الخالق بالمخلوق والإله بالعبيد" [خصائص التصور الإسلامي ص:229 ـ 230، 263 الطبعة الثانية.].

وقال في موضع آخر: "إن توحد الألوهية وتفردها بخصائص الألوهية، واشتراك ما عدا الله ومن عداه في العبودية، وتجردهم من خصائص الألوهية، إن هذا معناه ومقتضاه أن لا يتلقى الناس الشرائع في أمور حياتهم إلا من الله، كما أنهم لا يتوجهون بالشعائر إلا لله، توحيداً للسلطان الذي هو أخص خصائص الألوهية، والذي لا ينازع الله فيه مؤمن ولا يجترئ عليه إلا كافر...".[نفس المرجع السابق والصفحات].

فالعبد مأمور أن يحقق العبودية لله، فيطيعه فيما أمره به من طاعته، ويبتعد عما نهاه عنه مما يسخطه تعالى من معصيته ، وإذا قام هذا المعنى في نفسه على الحقيقة، لم يعمل في الدنيا إلا خيراً، ولا يرتكب شراً يضره أو يضر غيره، فإن فعل شيئاً من ذلك، أسرع إلى التوبة النصوح. وبذلك يتحقق أمنه وأمن غيره معه.