أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


في تعريف المحبة.. انتقاء من مدارج السالكين لابن القيم:
1- ((المحبة سفر القلب في طلب المحبوب، ولهج اللسان بذكره على الدوام.
قلت: أما سفر القلب في طلب المحبوب: فهو الشوق إلى لقائه، وأما لهج اللسان بذكره: فلا ريب أن من أحب شيئا أكثر من ذكره)).

2- ((إرادة غرست أغصانها في القلب، فأثمرت الموافقة والطاعة)).
((غض طرف القلب عما سوى المحبوب غيرة؛وعن المحبوب هيبة.
وهذا يحتاج إلى تبيين! :
أما الأول: فظاهر.
وأما الثاني: فإن غض طرف القلب عن المحبوب - مع كمال محبته - كالمستحيل. ولكن عند استيلاء الهيبة يقع مثل هذا. وذلك من علامات المحبة المقارنة للهيبة والتعظيم)).
3- ((أن تهب كلك لمن أحببت، فلا يبقى لك منك شيء)).
((أن تمحو من القلب ما سوى المحبوب. وهو للشبلي، وكمال المحبة يقتضي ذلك! فإنه ما دامت في القلب بقية لغيره ومسكن لغيره فالمحبة مدخولة)).
4- ((إيثار المحبوب، على جميع المصحوب.
وهذا حكم من أحكام المحبة وأثر من آثارها)).
5- ((موافقة الحبيب، في المشهد والمغيب.
وهذا أيضا موجبها ومقتضاها)).
6- ((استقلال الكثير من نفسك، واستكثار القليل من حبيبك.
وهذا قول أبي يزيد، وهو أيضا من أحكامها وموجباتها وشواهدها. والمحب الصادق لو بذل لمحبوبه جميع ما يقدر عليه لاستقله واستحيى منه، ولو ناله من محبوبه أيسر شيء لاستكثره واستعظمه)).
7- ((أن المحبة هي ما لا ينقص بالجفاء، ولا تزيد بالبر.
وهو ليحيى بن معاذ، بل الإرادة والطلب والشوق إلى المحبوب لذاته، فلا ينقص ذلك جفاؤه،ولا يزيده بره.
وفي ذلك ما فيه! فإن المحبة الذاتية تزيد بالبر، ولا تنقصها زيادتها بالبر؛ وليس ذلك بعلة.
ولكن مراد يحيى: أن القلب قد امتلأ بالمحبة الذاتية، فإذا جاء البر من محبوبه،لم يجد في القلب مكانا خاليا من حبه يشغله محبة البر، بل تلك المحبة قد استحقت عليه بالذات بلا سبب؛
ومع هذا فلا يزيل الوهم! فإن المحبة لا نهاية لها؛ وكلما قويت المعرفة والبر قويت المحبة، ولا نهاية لجمال المحبوب ولا بره، فلا نهاية لمحبته، بل لو اجتمعت محبة الخلق كلهم وكانت على قلب رجل واحد منهم، كان ذلك دون ما يستحقه الرب جل جلاله.
ولهذا لا تسمى محبة العبد لربه عشقا - كما سيأتي - لأنه إفراط المحبة، والعبد لا يصل في محبة الله إلى حد الإفراط، ألبتة. والله أعلم)).

8- ((من أجمع ما قيل فيها، قال أبو بكر الكتاني: جرت مسألة في المحبة بمكة - أعزها الله تعالى - أيام الموسم، فتكلم الشيوخ فيها.
وكان الجنيد أصغرهم سنا، فقالوا: هات ما عندك يا عراقي!.
فأطرق رأسه، ودمعت عيناه! ثم قال:
عبد ذاهب عن نفسه، متصل بذكر ربه، قائم بأداء حقوقه، ناظر إليه بقلبه، أحرقت قلبه أنوار هيبته،وصفا شربه من كأس وده، وانكشف له الجبار من أستار غيبه،فإن تكلم فبالله،وإن نطق فعن الله،وإن تحرك فبأمر الله،وإن سكن فمع الله،فهو بالله ولله ومع الله.
فبكى الشيوخ وقالوا: ما على هذا مزيد! جزاك الله يا تاج العارفين)).