البخل غريزة نفسية يمتلكها أكثر الناس بشكل أو بآخر 000 دافعها الخوف 00 فالذي يخاف الله يبخل بالمعاصي والذي يخاف الفاقة يبخل بالمال وهكذا00 والذي يتغلب على ما أفسده الطمع يستطيع أن يرفع هامته عاليا ليقول عن نفسه بأنه ( كريم ) والكرم لا يتأتى إلا للذي حقق انتصارا عظيما على تطويع النفس وجلبها على مكارم الأخلاق 0 والعرب من أكرم الأمم وأشهرهم ( حاتم الطائي ) القائل :
أماوي ان المال غاد ورائح
ويبقى من المال الأحاديث والذكر
وقد علم الأقوام لو ان حاتما
أراد ثراء المال كان له وفـــــــــر
والرسول صلى الله عليه وسلم أقر ماكان عليه العرب من كرم لأن الكرم من الصفات التي تجعل من الإنسان يتفهم أحاسيس الآخرين ومعاناتهم 0 وعن ما يقابل الكرم قال سيد المرسلين ( إياكم والشح فان الشح اهلك من كان قبلكم ) وقالت أم البنين أخت عمر بن عبد العزيز( ان البخل لو كان قميصا ما لبسته أو كان طريقا ما سلكته ) 00لكل هذا فإن ( البخل ) في أجواء العرب صفة مذمومة تؤدي إلى احتقار المجتمع لحاملها خصوصا وانها اقترنت بسمو الأخلاق من عدمه 0 والجميع منذ القدم يحاول انتفاء تلك الصفة الرعناء عن نفسه ويحاول الظهور بالمظهر المألوف في محيطه الاجتماعي إلا أن الطبع يغلب التطبع ومعنى ذلك أن البخيل سيظل بخيلا مهما حاول تفنيد تلك المزاعم 0
والإمام أبو عثمان عمرو الجاحظ توغل في ناس زمانه واخرج لنا بعد لأي كتابه المشهور ( البخلاء ) وهو أول كتاب يتناول النواحي السلوكية للإنسان بأسلوب فكاهي 0
وبادئ ذي بدء قلت بأن البخل غريزة نفسية يمتلكها أكثر الناس لاقلتهم 0 واكرر القول بأن الكريم لا يصبح كريما في يوم وليلة ولكن هو يسعى إلى تطويع نفسه عندما يستشعر بمداركه وحواسه الصواب من الخطأ 00 وبالقياس الفلسفي أي العقلي لا التجريبي فإننا نسمع بان ألا سكتلنديين مشهورون بالبخل من أقصاهم إلى أدناهم0 وبخلهم الجماعي ماهو إلا دليل على ان مداركهم استمدت من واقعهم المعيشي تلك الصفة المذمومة 0 وهي عندهم غير ذلك لأن البخل في نظرهم يحافظ على بقاء الثروة وهم من أجل ذلك لا يؤمنون ولن يؤمنوا في المستقبل بأي نظرية اقتصادية تدعو إلى تدوير رأس المال 00 إلا إذا كان ذلك التدوير لا يتعدى كفي اليدين فان الأمر يختلف كليا ويصبح ايجابيا بعد ان كان سلبيا 0
ومما قاله الشعراء في البخلاء وطعامهم ومن أهجى ما قيل فيهم قول جرير في بني تغلب :
قوم إذا أكلوا اخفوا كلامهم
واستوثقوا من رتاج الباب والدار
قوم إذا استنبح الأضياف كلبهم
قالوا لأمهم بولي على النـــــــار
فتمنع البول شحا أن تجود به
وما تبول لهم إلا بمقــــــــــدار
وقال آخر :
تراهم خشية الأضياف خرسا
يقيمون الصلاة بلا أذان
وقال آخر وقد أجاد :
فصدق إيمانه ان قال مجتهدا
لا والرغيف فذاك البر من قسمه
فان هممت به فاعبث بخبزته
فان موقعها من لحمه ودمه
قد كان يعجبني لو ان غيرته
على جرا دقة كانت على حرمه
وقيل ان بخلاء العرب أربعة ( الحطيئة وحميد الأرقط وأبو الأسود الدؤلي وخالد بن صفوان ) 0
وفي التراث ما عظم من قصص البخلاء ونوادرهم ولكن انتقيت ما رأيت فيه الابتسامة وعدم ا لإطالة لألج إلي بخلاء عصرنا الذين هم امتداد طبيعي لأولئك السلف 0
فقد كنت لا أعرف عن رفاق السوء حتى عرفهم لي أحد البخلاء بقوله : إنهم أولئك الذين يستدينون منك أكثر مما أنت تستدين منهم 00 وكان هناك مجموعة من الأصدقاء دأبوا على تسمية احد أفرادهم ( رحلة الشتاء والصيف ) وكنت اعتقد بأن ذلك الشخص رجل أعمال لأنهم قارنوه بتجارة قريش ولم أتبين حقيقة الأمر حتى قال لي أحدهم : أن المذكور رغم ماايسر الله عليه من نعم يصر على عدم تغيير ملابسه ( للنظافة ) سوى مرتين في السنة 0 وسمعت ان هناك من لا يجلس على القهوة إلا إذا كان صديق له جلس قبله ليدفع عنه الحساب 0 وأيضا بذلك البخيل الذي وصف المرأة بقوله : إنها الكارثة الوحيدة التي تدخل بيت المرء بمحض أرادته 0 ويوجد في عصرنا هذا من يلبس ملابس الفقراء وهو من أصحاب الأموال الطائلة 0 وتلك الفئة حرصت على الكم وأفقدها البخل الكيف 0 وأيضا يوجد العكس وهم ليسوا ببخلاء ولكنهم عبيد المظاهر وهم أولئك يركبون أفخم أنواع السيارات وهم فارغوا الوفاض لا يملكون من الدنيا سوى القليل 0
والبخل قد لا يكون مقصورا فقط على البخلاء فهناك نقاط جمعتها ووجدت أن الكثير يعمل بها تلقائيا دون ان يلحقه منها الملامة أو العتب وعلى سبيل المثال :
1ـ إيهام المرء نفسه بأن ملابسه نظيفة رغم العكس
2ـ إرجاع عداد السيارة كلما أكل الدهر عليها وشرب
3ـ التصديق بأن الفول يقوم مقام اللحمة
4ـ تأبط بعض المصلين لتعلهم داخل المسجد رغم ان ما يحملونه لا يتعدى ماركة ( زنوبة ) 0
5ـ الإضراب عن الزواج بحجة غلاء المهور
6ـ المكوث بمغسلة المطعم أطول مدة ممكنة عندما تكون بصحبة الغير
وهناك الكثير من النقاط ولكن لأني أطلت فاني اقتصر على ما تناولته 0
رد مع اقتباس
-new.gif)
