عناصر اللياقة البدنية المرتبطة بالصحة
وطرق قياسها وتنميتها
ماذا نعني باللياقة البدنية المرتبطة بالصحة؟
هناك علاقة وثيقة بين الصحة والنشاط البدني، وتعرف اللياقة البدنية المرتبطة بالصحة على أنها: "تلك العناصر التي ترتبط أو تؤثر في الصحة، وتتضمن اللياقة القلبية التنفسية، والتركيب الجسمي، واللياقة العضلية الهيكلية". وتعرف إجرائيًا على أنها: "مقدرة الفرد الأدائية في اختبارات تعبر عن التحمل الدوري التنفسي ( اللياقة القلبية التنفسية )، والتركيب الجسمي، وقوة العضلات الهيكلية وتحملها ومرونتها ( اللياقة العضلية الهيكلية )". وهذه العناصر ترتبط بالصحة الوظيفية للفرد، وهو ما يعكسه التوجه المعاصر لمفهوم اللياقة البدنية في وقتنا الحاضر ، والمدعوم بالعديد من الدلائل والمؤشرات العلمية.
اللياقة البدنية المرتبطة بالصحة وكيفية قياسها:
تتكون عناصر اللياقة البدنية المرتبطة بالصحة من ثلاثة عناصر هي:
1 - اللياقة القلبية التنفسية.
2 - اللياقة العضلية الهيكلية.
3 - التركيب الجسمي.
وفي الفقرات التالية سنلقي الضوء باختصار على هذه العناصر وكيفية قياسها على النحو التالي:
1 - اللياقة القلبية التنفسية:
يعد عنصر اللياقة القلبية التنفسية مهماً في المحافظة على الصحة بشكل عام حيث تعد أمراض القلب المزمنة وما يسبقها من علامات تحذيرية تسمى عوامل الخطر كارتفاع نسبة الدهون في الدم وارتفاع ضغط الدم وعدم انتظام ضربات القلب، تعتبر ذات علاقة بأسلوب حياة الفرد نفسه. فالتوتر العصبي والتدخين وتناول الدهون وقلة النشاط البدني، كلها عادات معيشية لها ارتباط وثيق بأمراض القلب المزمنة. وهناك صلة بين قلة النشاط البدني وبين تطور العديد من عوامل الخطر الأخرى المتعلقة بأمراض القلب المزمنة.
وتؤكد الدراسات على أنه يمكن خفض العديد من تلك الأعراض - بمشيئة الله - من خلال ممارسة النشاط البدني بشكل منتظم والمحافظة على الصحة البدنية بالقدر الذي يكفي لتحسين اللياقة البدنية. ويمكن تعريف اللياقة القلبية التنفسية على أنها: "قدرة الجهاز القلبي التنفسي على أخذ الأكسجين من الهواء الخارجي (بواسطة الجهاز التنفسي)، ثم نقله (بواسطة القلب والأوعية الدموية) ومن ثم استخلاصه من قبل خلايا الجسم(وخاصة العضلات) لتوفير الطاقة اللازمة للانقباض العضلي".
ويتم قياس اللياقة القلبية التنفسية بطريقة مباشرة في المختبر، وذلك بتعريض المفحوص على جهد بدني متدرج حتى التعب مع قياس غازات التنفس، ثم تحديد أقصى استهلاك للأكسجين لديه. كما يمكن تقديريها بطريقة غير مباشرة من خلال اختبارات ميدانية من أهمها قياس الزمن اللازم لقطع مسافة محدودة ( جريًا ، ومشيًا )، وعادة ما تكون هذه المسافة من 1 كلم إلى 3 كلم، معتمدًا ذلك على نوع الاختبار المستخدم، والعينة المراد قياس لياقتها البدنية، والإمكانات المتوافرة، والوقت المتاح.
2 - اللياقة العضلية الهيكلية:
يتمثل هذا العنصر في كل من:
أ ) القوة العضلية:
وتعني: "أقصى قوة يمكن أن تنتجها عضلة أو مجموعة عضلات أثناء انقباض عضلي إرادي أقصى لمرة واحدة". إن قوة وتحمل عضلات أعلى الجسم لها أهمية في أداء العديد من الأعمال اليومية التي تتطلب رفع أغراض أو سحبها أو دفعها. وفي الحالات الخاصة نجد أن قوة عضلات الفرد في الجزء العلوي من الجسم يمكن أن تكون هي الفيصل بين حدوث الإصابة أو تفاديها
ب ) قوة عضلات البطن وتحملها:
وتعني: "مقدرة العضلات على إنتاج قوة دون القصوى بشكل متكرر أو المحافظة على انقباض عضلي لمدة زمنية معينة". إن آلام أسفل الظهر لها علاقة بضعف عضلات البطن. فعندما تكون عضلات البطن ضعيفة، فإنها تسهم في إضعاف عضلات منطقة أسفل العمود الفقري مؤدية بذلك إلى تزايد إجهاد عضلات تلك المنطقة من الظهر ويمكن من خلال تحسين قوة وتحمل عضلات البطن، تقليل خطورة وإمكانية حدوث آلام الظهر.
ج ) المرونة المفصلية:
وتعني: "مقدرة المفاصل العملية للحركة خلال المدى الكامل للحركة". حيث يعاني بعض الأفراد من متاعب العمود الفقري وذلك يرجع إلى الضعف في عضلات أسفل الظهر أو الشد العضلي لها، والملاحظ أن العديد من الأنشطة اليومية تزيد من ذلك الشد العضلي الذي يكون قد أصاب العضلات من خلال استخدامها ومن خلال الوضع الذي يكون عليه الجسم أثناء ذلك الاستخدام، وخاصة عضلات منطقة أسفل الظهر وعضلات الفخذ، ومن المعروف أن قلة النشاط البدني تسهم في حدوث مشاكل تدني القدرة الوظيفية لتلك العضلات، فضلاً عن تناقص المرونة بها. ومن ذلك يتضح أهمية ممارسة النشاط البدني لتفادي خطر الإصابة بمتاعب وآلام أسفل الظهر من خلال تمرينات خاصة بالإطالة والمرونة.
ويمكن استخدام اختبارات معملية أو ميدانية لقياس هذا النوع من اللياقة البدنية المرتبطة بالصحة. ومن الاختبارات الميدانية الشائعة لقياس القوة العضلية اختبار الضغط بالذراعين من وضع الانبطاح المائل، أو بالشد لأعلى بواسطة العقلة، كمؤشر على قوة عضلات الذراعين والحزام الصدري. كما يمكن استخدام قوة القبضة كمؤشر على القوة العضلية. أما التحمل العضلي فيتم قياسه عادة باختبار الجلوس من الرقود مع ثني الركبتين ولمدة دقيقة، كمؤشر على قوة عضلات البطن وتحملها. وتستخدم لقياس المرونة المفصلية اختبارات مباشرة وأخرى غير مباشرة، ومن الاختبارات غير المباشرة وأكثرها شيوعًا وسهولة اختبار مد الذراعين من وضع الجلوس مستخدمين صندوق المرونة.
3 - التركيب الجسمي:
يعرف التركيب الجسمي على أنه: "نسبة وزن الشحوم في الجسم إلى الوزن الكلي للجسم". ويمكن تقسيم جسم الإنسان إلى قسمين يشكلان معاً الوزن الكلي للجسم وهما وزن الكتلة الأساسية (العضلات والعظام والأعضاء الداخلية)، ووزن الشحوم. وللوصول إلى الصحة البدنية، فإنه ينبغي الحفاظ على المعدلات الصحيحة لوزن كل من الكتلة الأساسية والشحوم، وتحتاج مراقبة وقياس تلك النسبة إلى معلومات عن حالة كل من هذين القسمين بالجسم، وليس معرفة الوزن الكلي للجسم فقط. ومن المعروف أن السمنة التي هي عبارة عن تراكم الشحوم الزائدة، لها علاقة بعوامل الإصابة بأمراض القلب المزمنة والسكتة الدماغية ومرض السكري، ويمكن تقليل هذه المخاطر بخفض نسب الشحوم الكلية في الجسم. ويعتمد خفض نسبة الشحوم الكلية في الجسم على العادات المعيشية المرتبطة بالتمارين والتغذية.
ويتم قياس نسبة الشحوم بطريقة ميدانية وأخرى معملية. ومن أكثر الطرق الميدانية شيوعًا لقياس نسبة الشحوم في الجسم استخدام مقياس سُمك طية الجلد في مناطق معينة من الجسم، للاستدلال على كمية الشحوم الموجودة تحت الجلد والتي تعد مؤشرًا لشحوم الجسم عامة . ويمكن استخدام مقاييس طية الجلد بحد ذاتها كمعايير مستقلة للسمنة أو البدانة لدى الفرد، أو تحويل هذه المقاييس إلى نسبة شحوم باستخدام معادلات حسابية تنبؤية مخصصة لهذا الغرض. ويتطلب قياس سُمك طية الجلد تدريبًا جيدًا وخبرة، حتى يمكن إجراء القياس بدقة وثبات، ولهذا يلجأ البعض، عند عدم توافر الخبرة والتدريب الكافي إلى استخدام مؤشر كتلة الجسم كمؤشر للسمنة. [ويتم حساب مؤشر كتلة الجسم من خلال قسمة الوزن بالكيلوجرام على مربع الطول بالمتر]. وهذا المؤشر سهل الاستخدام ولا يتطلب أدوات، ولكنه ليس مؤشرًا دقيقًا جدًا للسمنة أو البدانة؛ لأنه يعد مؤشرًا لتناسب الوزن والطول فقط.
تنمية عناصر اللياقة البدنية المرتبطة بالصحة:
قبل التطرق إلى كيفية تنمية عناصر اللياقة البدنية المرتبطة بالصحة، لا بد أولاً من التأكيد على ضرورة مراعاة أسس التهيئة البدنية (أو الإعداد البدني)، ومن هذه الأسس أو القواعد: قاعدة التدرج، وتعني التدرج في شدة النشاط الممارس، وفي مدته، وفي تكراره الأسبوعي، فالتدرج ليس ضروريًا فقط لمنع حدوث الإصابة نتيجة للإجهاد الحاصل على الجسم، بل هو مطلبًا مهمًا حتى يمكن تنمية الصفة المراد تطويرها بشكل سليم ومقنن. فإذا أردنا تنمية التحمل الدوري التنفسي من خلال التمرينات الهوائية (المشي أو الهرولة مثلاً)، فلا بد من البدء بشدة منخفضة ثم زيادة المدة بالتدريج حتى الوصول إلى المدة المطلوبة وهكذا، أما إذا أردنا تنمية القوة العضلية فيمكن البدء بمقاومات محدودة، ثم بعد فترة من الزمن زيادتها، وهكذا بالنسبة للتكرار. ومن الضروري أيضًا عند تنمية القوة العضلية والتحمل العضلي البدء بالعضلات الكبرى من الجسم أولاً ثم العضلات الصغرى وعمل تناوب بين عضلات الجزء العلوي من الجسم وعضلات الجزء السفلي منه عند إجراء التمرينات البدنية كما لا بد من إجراء الإحماء العام للجسم من خلال تمرينات توظف عضلات كبرى من الجسم ( مثل المشي أو الهرولة أو التمرينات السويدية للعضلات الكبرى من الجسم )، مع عدم إغفال تمرينات الإطالة قبل ثم بعد التدريب.
ومن الأسس المهمة التي يجب مراعاتها عند تنمية عناصر اللياقة البدنية المرتبطة بالصحة قاعدة زيادة العبء، والتي تعني أنه لا بعد من زيادة جرعة التدريب (أما الشدة أو المدة أو التكرار أو مزيد منها) حتى يمكن إحراز تقدم في العنصر المراد تطويره. مثلاً، لزيادة التحمل الدوري التنفسي بعد فترة من التدريب، يلزم زيادة الشدة قليلاً، مع مراعاة قاعدة التدرج. وتجدر الإشارة هنا إلى أنه لا يلزمنا التدريب عند شدة مرتفعة جدًا للحصول على الفوائد الصحية، ذلك أن زيادة حجم التدريب فوق حد معين (سواء بالشدة أو بالمدة وبالتكرار) قد تقود إلى ارتفاع احتمالات الإصابات الهيكلية والعضلية والمفصلية للفرد.
1 - تنمية اللياقة القلبية التنفسية :
لتنمية اللياقة التنفسية (أو التحمل الدوري التنفسي، كما تسمى أحيانًا)، لا بد من الالتزام المنتظم بنوعية من الأنشطة البدنية، مع الممارسة عند شدة محددة، ولمدة محدد، وبتكرار محدد.
أ ) نوعية النشاط البدني:
لتنمية اللياقة القلبية التنفسية لا بد للنشاط البدني الممارس أن يكون هوائيًا، والنشاط الهوائي: هو ذلك النشاط الذي يأخذ طابعًا إيقاعيا ويمارس بشدة معتدلة (دون الشدة القصوى)، ويمكن للفرد الاستمرار في ممارسته فترة من الزمن دون أن يوقفه الإجهاد البدني.
وتسمى الرياضيات الهوائية بذلك الاسم نظرًا لأنه يتم أثناء ممارستها استخدام الأكسجين من قبل خلايا الجسم في حرق الوقود بغرض إنتاج الطاقة اللازمة لانقباض العضلات، أي أن الطاقة المستخدمة قادمة من مصدر هوائي أو أكسجيني (وليس لأنها تمارس في الهواء الطلق ، كما هو شائع - خطأ – لدى البعض).
ومن أمثلة الأنشطة الهوائية: المشي السريع، والهرولة، والجري (للذين لياقتهم البدنية مرتفعة )، والسباحة، ونط الحبل، وركوب الدرجة ( الثابتة والعادية) والمشاركة في ألعاب مثل: كرة القدم، وكرة السلة، وكرة اليد، والاسكواش، والتنس، والريشة الطائرة.
ب ) شدة الممارسة:
لتنمية اللياقة القلبية التنفسية لا بد للنشاط البدني الممارس أن يكون عند شدة محددة. وهذه الشدة تكون لدى البالغين، على النحو التالي:
§ عند شدة تعادل 65 – 90% من ضربات القلب القصوى ( يمكن للمبتدئين ومنخفضي اللياقة البدنية البدء بشدة تعادل 55% من ضربات القلب القصوى ). ويتم تقدير ضربات القلب القصوى من خلال المعادلة التنبؤية التالية: 220 – العمر( بالسنوات ).
§ أو عند شدة تعادل 50 – 85% من احتياطي ضربات القلب القصوى ( يمكن للمبتدئين ومنخفضي اللياقة البدنية البدء بشدة تعادل 40% من احتياطي ضربات القلب القصوى ). واحتياطي ضربات القلب القصوى يساوي ضربات القلب القصوى مطروحًا منها ضربات القلب في الراحة.
والطريقة الثانية أكثر دقة من الطريقة الأولى لأنها تأخذ في الاعتبار ضربات القلب في الراحة، التي تتفاوت لدى الأفراد تبعًا للياقة البدنية والعمر.
مثال باستخدام الطريقة الأولى:
شخص عمره 20 سنة ويرغب في ممارسة الهرولة لتحقيق اللياقة القلبية التنفسية، ويريد معرفة الحد الأدنى من ضربات القلب التي عليه أن يحققها.
1 - نقدر ضربات قلبه القصوى:
220 - العمر .
220 - 20 = 200 ضربة / ق
2 - نحسب الحد الأدنى من ضربات القلب المستهدفة، وهو ( 65 % من ضربات قلبه القصوى ):
200×65
= 130 ضربة/ق
100
إذًا عليه أن يمارس الهرولة عند شدة ترفع ضربات قلبه إلى 130 ضربة /ق أو أكثر لتنمية اللياقة القلبية التنفسية .
مثال باستخدام الطريقة الثانية:
شخص عمره 20 سنة ويرغب في ممارسة رياضة الدراجات لتنمية اللياقة القلبية النفسية ، علمًا أن ضربات قلبه في الراحة تبلغ 80 ضربة/ق .
1 - نقدر ضربات قلبه القصوى :
220 – العمل
220 – 20 = 200 ضربة /ق
2 - نحسب احتياط ضربات قلبه القصوى :
ضربات قلبه القصوى – ضربات قلبه في الراحة
200 – 80 = 120 ضربة/ق
3 - نحسب الحد الأدنى من ضربات القلب المستهدفة ( وهو 50% من احتياط ضربات قلبه القصوى ).
120×50
= 60 ضربة/ق
100
4 - نضيف ذلك إلى ضربات قلبه في الراحة:
60+80=140 ضربة /ق
إذًا عليه أن يمارس ركوب الدراجة عند شدة ترفع ضربات قلبه إلى 140 ضربة /ق أو أكثر لتنمية اللياقة القلبية التنفسية.
واستخدام النسبة إلى ضربات القلب القصوى( أو إلى احتياطي ضربات القلب القصوى) إجراء سهل يمكن لأي شخص القيام به، حيث يتطلب فقط معرفة كيفية قياس ضربات القلب بواسطة تحسس النبض عند منطقة الشريان الكعبري ( عند رسغ اليد ) أو الشريان السباتي ( على جانبي الرقبة ) لمدى 10 ثوان، ثم ضرب الناتج في 6 لتحصل على معدل ضربات القلب في الدقيقة. والغرض كما أشرنا سابقًا هو أن تكون شدة الممارسة للنشاط البدني الهوائي كافية لتحقيق الفائدة القلبية التنفسية، والتي يمكن تسميتها هنا بضربات القلب المستهدفة ( أي التي نهدف للوصول إليها ).