أكثر من ربع قيمة التداولات في سوقنا تتم في الأغلب على شركات صغيرة هزيلة، وكثيرون في سوق الأسهم السعودية حوَّلوا هذه السوق إلى (طاولة قمار) وهم يشعرون أو لا يشعرون، وذلك بمضارباتهم المحمومة الملغومة على بعض أسهم الخشاش العاثرة ورفع أسهمها إلى أسعار لا تستحق عشرها، على حساب شركات العوائد الراسخة الرابحة وذات التاريخ العريق..

وهذا التصرف القماري.. الآني.. لن ينفع أسهم الخشاش فالقط لن يتحول إلى أسد أبداً.. وعرين الأسد لن يضيره وجود بعض الهُباب والخشاش في عرينه "أطنينُ أجنحة الذباب يضير؟" ولكن المراقب يؤلمه انجراف كثير من صغار المتداولين مع الخدعة الكبرى لرفع أسهم الخشاش فوق أسيادها أسهم العوائد الكبرى وقد كان زياد بن أبيه يقول:

- لئن ينزل عشرة من العلية خير من أن يرتفع واحد من السفلة!!

وذلك لأنه حين يرتفع من لا يستحق تختل الموازين وتنعدم الرؤية ويتوارى العدل خجلاً ويعزف المستثمرون الجادون عن سوق ترفع ما لا يستحق فوق قدره بأضعاف وتخفض ما يستحق الارتفاع إلى القاع..

وهذه الحال المضحكة، وشر البلية ما يضحك، تمر بالأسواق بعض الأحيان كما حصل في سوق النازداك أواخر التسعينات حين ارتفع الخشاش هناك إلى عنان السماء على حساب الشركات الراسيات كالجبال، ولكن العبرة بالنهاية فقد هوت تلك الشركات من حالق وفلست بأصحابها وظلت عمالقة الشركات راسخة كالأعلام مثمرة كالأشجار المباركة: ظل وثمر ونمو وخير ومنظر يسر العين، بينما شركات الخشاش التي طارت كالنمل الذي يطير حين يقترب أجله سقطت على وجهها كما تسقط النملة الطائرة على بطنها (وتتبعرص) قليلاً ثم تموت! وأسواق الأسهم لا تقوم دائماً على العقل والعدل بل تقوم أحياناً على أمزجة بعض الناس الذين ينفخهم (الهوس) مرة ثم يضربهم الاكتئاب..!

@ @ @

ولو كان الأمر يعود لهؤلاء المضاربين وحدهم لتركناهم في حالهم يفعلون ما يشاءون وإن كانت النصيحة واجبة.. ولكن الأمر أعم.. وأهم.. فهو يعم سوق الأسهم السعودية كلها.. ويشوه سمعتها.. ويصيب الكثير من المندفعين وراء خداع مضاربي الخشاش (وهم على شكل مجموعات تُبيت الخدع بليل وتدير المحافظ بسر وتربح الكبير على حساب الصغير) لهذا اصبح الموضوع شأناً عاماً يمس الاقتصاد والمجتمع ومستقبل الاستثمار.. ولهذا ينبغي ان يكف هؤلاء المضاربون عن اللعب بالنار، ورفع أسهم الخشاش فوق قيمته الحقيقية بأضعاف، وهم إما أن يكونوا جاهلين كمن زُيِّن له سوء عمله فرآه حسناً، وهنا يجب تنبيههم إلى خطورة ما يفعلون، خطورته عليهن هم وعلى من ينساق وراءهم وعلى سمعة سوق بلدهم، أو انهم - وهذا الأرجح - يعلمون انهم يلعبون بالنار، ولكنهم يريدون جمع أكبر عدد ممكن من الخفاش حول هذه النار لكي يحترق وينجوا هم.. وما أظنهم بناجين.. فأكثر أسهم الخشاش بأيديهم.. وبأعلى الأسعار.. وبعضهم عليه ديون.. وحالته حالة.. ومراقبته للشاشة مراقبة الشاة للجزار، كما قال الشاعر القديم:

نظرتء إليك بأعين محمرَّة

نظر التيوس إلى شغار الجازر

ونقول: الله يصلح الأحوال ويبعد المقامرين عن داء القمار فإنه الداء العياء الذي لا برء منه إذا تحكَّم في صاحبه.. وندعو الله ألا يخسر مسلماً، فإن الإنسان لا يحس بقيمة ثروته - مهما كانت في نظرة قليلة - حتى يفقدها.. لا سمح الله..

@ @ @

ان هناك من يقول:
المضاربة موجودة في جميع الأسواق.. وعلى كل الشركات..
ويقيس على هذا فيشجع ما يوجد في سوقنا من مضاربات ملغومة على أسهم الخشاش..
وهو قياس فاسد..

فهو كمن يقول:
ان قيادة السيارات موجودة في جميع شوارع العالم..
وبالتالي فإن (التفحيط) الذي في شوارعنا هو نوع من القيادة ولا غبار عليه..
التفحيط خطير على صاحبه وعلى الناس من حوله..
والمضاربة على أسهم الخشاش (بحيث وصل مكرر بعضها الى اكثر من (400) مرة غير التي بالسالب).
هذا أخطر من التفحيط بسيارة في الشارع، على خطورة التفحيط.
فإن هذه المضاربات (أو على الاصح المقامرات) تغر كثيراً من المتداولين غير الواعين، وتخسرهم الكثير، وتصيبهم بالأمراض الجسدية والنفسية بسبب القلق وشدة تقلبات السهم (بعضها من نسبة فوق لنسبة تحت في نفس اليوم والعكس صحيح).. هذا يختلف عن المضاربات الموجودة في أسواق الأسهم في العالم.

المضاربات في الاصل هي لتصحيح سعر السهم وايصاله لسعره العادل اما برفعه حين يستجد ما يوجب ذلك او لكون السوق لم ينصفه، او بخفضه حين يستجد ما يوجب ذلك او لكون السوق اعطاه اكثر من حقه.

المضاربة الصحية هي التي تسعى لوصول السهم لسعره العادل او القريب منه وهي بهذا تنفع وتساعد في تعديل ادارات الشركات المساهمة، فالإدارة الفاشلة يخسف المضاربون بسهمها لأسفل سافلين مما يجعل مساهموها يحتجون على مجلس ادارتها ويطيرونه اذا لزم الأمر، ويجعل مجلس الادارة يغير المديرين ويحاكمهم ان كانوا فاسدين او مفرطين، وكل هذا بفضل المضاربين الذين خسفوا بسعر السهم لسوء ادارته التي جعلت ربح الشركة يتناقص او جعلها تخسر.

اما لدينا فكثير من المضاربين يكافئون الادارات الفاشلة برفع اسعار اسهمها للعلالي، لمجرد ان اسهمها المتداولة قليلة، ولو كانت خاسرة!!.

ويكافئون الادارات الكفء الشريفة اتي تحقق لمساهميها الارباح والنمو بالبعد عن سهمها وتنزيله.

هذه ليست مضاربة صحية ابداً، بل هي ظاهرة مرضية، وقمار خطير العواقب، وحله بتوعية المتداولين، ومراقبة هيئة سوق المال لمن يغرر بالناس، ويقوم بالتدوير على السهم، حتى ان بعض اسهم الخشاش يتم في يوم واحد تداول اكثر من عدد اسهمها المصدرة، في تقلبات عنيفة لا تمت لأداء الشركة بأي صلة!.

تعميق السوق

وطرح العديد من الشركات للاكتتاب العام سوف يعمق السوق ويقلل من تلاعب المضاربين على المدى البعيد، اما على القصير فإنه قد يشجعهم نظراً لكثرة الشركات الجديدة التي طرحت واسهمها قليلة جداً فسوف تصبح مثل (كرة التنس) بين أيدي المضاربين.

علاوة الاصدار

تقترح على هيئة سوق المال الموقرة ان توقف طرح اي شركة بعلاوة اصدار حتى تنتهي من طرح جميع الشركات الجديدة التي بدون علاوة اصدار، لأن الأخيرة - اذا كانت مدروسة الجدوى وهي كذلك كما يفترض) هي التي:

1- توفر فرص عمل جديدة للمواطنين.
2- توفر فرص استثمار مربحة للمكتتبين.
3- تساهم في الناتج الوطني.
4- تقدم سلعاً وخدمات جديدة.
5- تساعد على توجيه الموارد النادرة (الاموال) للقطاعات المنتجة

عبدالله الجعيثن