أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



الدين الإسلامي ليس كغيره من الأديان، التي يؤدي أهلها شيئاً مما يعتقدونه عبادة في كنيسة أو معبد، ثم يذهب كل منهم فرادى وجماعات يتصرفون في حياتهم أحراراً لا تقيدهم أديانهم بحلال ولا حرام؛ لأن تلك الأديان ليس فيها تشريع مفصَّل يلزمهم بالعمل على نهجه، بخلاف هذا الدين الذي هو منهج حياة للمسلمين في حياتهم كلها.

إن التفقه في الدين فريضة على كل مسلم ومسلمة، في كل ما يُراد التقرب به إلى الله تعالى فعلاً، كالواجب والمندوب والمباح، أو تركاً كالمباح ـ إذا خيف من وقوع فاعله في بأس ـ و المكروه والمحرم، وهي الأحكام التكليفية الخمسة المعروفة في كتب أصول الفقه.

فإن الله تعالى لا يقبل من أحد عملاً إلا بعلم، هذا فيما يتعلق بالفروض والمندوبات والمباحات والمكروهات والمحرمات التي يتقرب بها الأعيان إلى الله تعالى فعلاً أو تركاً.

قال الإمام البخاري رحمه الله: "باب العلم قبل القول والعمل، لقول الله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ} فبدأ بالعلم" [صحيح البخاري (1/37) الآية من سورة محمد: 19.].

قال الحافظ رحمه الله: " قال ابن المنير: أراد به أن العلم شرط في صحة القول والعمل، فلا يعتبران إلا به، فهو متقدم عليهما لأنه مصحح للنية المصححة للعمل" [فتح الباري (1/160).].

وبهذا يعلم أن أفراد المسلمين لا يمكن أن يحفظ كل منهم دينه إلا بالتفقه في دين الله تعالى، بحيث يعلمون حقوق الله وحقوق أنفسهم وحقوق العباد عليهم، ليقوموا بما عليهم من الحقوق، ويأخذوا ما لهم منها على بصيرة وهدى من الله، فلا يَظلمون ولا يُظلَمون.

وهناك فروض الكفاية التي يجب أن يوجد في الأمة من يقوم بها قياماً كافياً، وهي العلوم والأحكام الدقيقة التي لا يعلمها إلا الخاصة من المسلمين، كالإفتاء والقضاء، وفقه المواريث، وفقه الأسرة، وفقه المعاملات، وفقه الجهاد، وفقه الحدود والقصاص والتعازير، والفقه السياسي، والفقه الاقتصادي، وعلم اللغة العربية وقواعدها، وعلوم الصناعة، وغيرها من العاديَّات.

فهذه العلوم وغيرها مما يحتاج إليه المسلمون في سلمهم وحربهم، يجب أن يوجد فيهم من يتقنها ويقوم بها قياماً كافياً؛ لأن حياتهم لا تستقيم إلا بها، ودينهم لا يحفظ إلا بوجود قائمين بها.

قال تعالى: {وَمَا كَانَ المؤمنون لِيَنفِروا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَر مِنْ كُلِّ فِرقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِروا قَوْمَهُمْ إِذَا رجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرونَ(122)}[التوبة]. فوجوب علم المسلم بما يجب عليهم هو أحد الأبواب الدالة على ضرورة حفظ هذا الدين.