أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


لو كان مجلس أمن حقا، لأدان الحكومات التي تسببت في أزمة العراق وغيره من أزمات العالم الإسلامي، كأفغانستان وبعض الدول العربية التي لا زالت تتفجر فيها الأزمات.

إنه مجلس الإمبراطوريات الظالمة في هذا العصر، وعلى رأسها أمريكا التي علت في الأرض كما علت قبلها أمم الطغيان، بسبب ما تملكه من القوة، وبسبب الهيمنة التي مكنتها من السيطرة على عقول زعماء الدول الذين سلموا زماهم لها تتصرف فيهم وفي ثروات شعوبهم كما تشاء وتتقوى بها، وتعتدي على من تشاء، بدون رادع من ضمير أو قانون، وهي تدعي أنها تدعي الدعوة إلى الديمقراطية ودعم حقوق الإنسان في كل العالم، وهي تدوس على الديمقراطية وتنحر حقوق الإنسان من الوريد إلى الوريد، في العالم.

أليس كان الأولى بهذا الملعب المسمى بـ"مجلس الأمن" زورا وبهتانا أن يدين أمريكا ومن قادتهم من دول العالم إلى احتلال العراق وأفغانستان، وغيرهما، الاحتلال الذي سلم العراق لإيران على "طبق من ذهب" وكان بعد أن دمر كل شيء فيه، بما في ذلك الجيش العراقي، الذي كان أقوى جيش في دول الجامعة العربية، وكان اليهود والأمريكان وحلفاؤهم يفهمون ذلك، وكان الجيش الوحيد الذي يستطيع أن يجعل اليهود في هلع مستمر، إضافة إلى تحطيم الغزو الأمريكي ما يسمى بـ"أجهزة الأمن العراقية" التي كانت ذراع الطاغية "صدام" كغيره من الحكام الذين لا يعدون اتلك الأجهزة إلا لحماية أنفسهم وضربهم بها - وبالجيش كذلك - من يقف من عقلاء الأمة في تلك الشعوب ضد ظلمهم وطغيانهم، ومع ذلك فإن وجودهم، قد ينفع الله به، إذا تمكنت قوة في الشعب من اقتلاع من يستغلونهم لتثبيت أنفسهم.

إننا نرى حركات كثيرة في الشعوب الإسلامية، ومنها الدول العربية، وغيرها من دول العالم، يظن عامة الناس أنها حركات ذاتية، أو حركات تتحالف على وجودها دول ضد دول، أو دول لمصلحة دول، وهي في حقيقة الأمر مخطط لها من قبل أمريكا وحلفائها من بعض الدول الأوربية - وبخاصة أم الدواهي العظمى "بريطانيا" و من اليهود الذين يرعبهم اجتماع المسلمين واتفاقهم على تحقيق مصالحهم، وعلى دفع المضار عن شعوبهم.

وقد يسألني سائلون كثيرون: هل تؤمن بالمؤامرة؟ فأجيب بدون تردد: نعم أومن بالمؤامرة، وأومن بأنها غالبا لا تضر من يتصدى لها ليدفع عن نفسه ضررها، وأما الذي يستسلم لها ويستسيغ الآثار المترتبة عليها، فهو يعيش عيشة ذليلة، ويتحمل عبوديته للناس، بدلا من أن يعبد الله وحده.

ألم تبدأ المؤامرة من عدو الله وعدونا "إبليس"، من أول يوم خلق الله أبانا آدم، وكانت سببا في إخراجه من الجنة، الذي أغراه بأسلوبه الإعلامي المخادع الذي جعله يعصي ربه ويطيعه نسيانا لتحذير الله له من طاعة الشيطان، كما حكى الله تعالى تلك المؤامرة في كتابه، قائلا: {فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنْ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (117) إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى (118) وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَجى (119) فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى (120) فَأَكَلا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى (122) قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى (123)} [طه]

ألم يتآمر فرعون وملأه على موسى ليقتلوه، فقيض الله ذلك الرجل المؤمن الذي نقل إليه خبر المؤامة وحذره منها، كما قال الله تعالى: {وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنْ النَّاصِحِينَ (20) فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21)} [غافر]

وألم يذكر الله في كتابه،َ مؤامرة قوم ثمود على صالح، وتخطيطهم وأسلوب دفعهم عن أنفسهم إذا اتُّهِموا بقتله، كما قال الله تعالى عن ذلك: {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ (48) قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (49) وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (50)} [النمل].

بل ألم يتآمر كفار قريش على رسولنا محمد عليه الصلاة والسلام، كثيرا، وكان أخطر مؤامرتهم عليه ليلة خروجه من بيته في مكة مهاجرا إلى المدينة: كما قال تعالى: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30)} [الأنفال].

وما أكثر تآمر المنافقين على رسول الله عليه الصلاة والسلام! كما فعلوا في مسجد الضرار،
الذي قال الله تعالى فيه: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَاداً لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (107) لا تَقُمْ فِيهِ...(108)} [التوبة]

حيث تآمروا مع أبي عامر الراهب الذي ذكر المفسرون وكتاب السيرة النبوية، الذي كان ووقف ضد دعوة الرسول عليه الصلاة والسلام، وهو الذي أحدث بعض الحفر في أحد، ووقع فيها الرسول، وأصيب بما أصيب به من الجراحات، فهرب أبو عامر إلى هرقل ملك الروم يستنصره على النبي عليه الصلاة والسلام، وكتب إلى بعض المنافقين في المدينة، يطلب منهم أن يعدوا له معقلا، لاستقباله مع المدد الذي سيدعمه به هرقل، فبنوا ما سماه الله بـ"مسجد الضرار" وطلبوا من الرسول أن يصلي فيه، فوعدهم - وكان على سفر لغزوة تبوك - أن يصلي فيهـ بعد رجوعه، ولكن الله أخبره عن طريق وحيه بتآمرهم عليه، فأرسل بدلا من الصلاة فيه من يهدمه.

ومن تآمر المنافقين عليه، ترصد بعضهم له وهو راجع من غزوة تبوك، اليغتالوه عند العقبة وكان عددهم اثني عشر رجل، وسموا : أصحاب العقبة، كما روى ذلك أبو الطفيل رضي الله تعالى عنه، [رواه مسلم]

كما ذكره ابن الأثير، في جامع الأصول، وعلق عليه قائلا: "قد يظن بعض من لا علم عنده أن أصحاب العقبة المذكورين في هذا الحديث: هم أصحاب العقبة الذين بايَعوا النبي -صلى الله عليه وسلم، وحاشاهم من ذلك. إنما هؤلاء قوم عَرَضُوا لرسول الله عليه الصلاة والسلام، في عقبة صَعِدَها لما قَفَلَ مِنْ غَزوة تبوك، وقد كان أمر مناديا، فنادى: (لا يَطْلُع العقبة أحد لا يَطْلُع العَقَبَةَ أَحد). فلما أخذها النبي عَرَضُوا له، وهم مُلَثَّمُونَ، لِئَلا يُعْرَفوا، أرادوا به سوءا فلم يُقْدِرهم الله تعالى".

فالمؤامرات وجدت في كل زمان ومكان، وهي اليوم قد تكون أكثر انتشارا في العالم، ولا ينجو منها غالب بلدان العالم، ويشتد الأسف أن المؤامرات منتشرة في البلدان الإسلامية، وهي موجودة بين الأفراد والجماعات والأحزاب والحكومات، وأسوأها تآمر بعض المسلمين مع غير المسلمين، ويحاول كثير من الكتاب ووسائل الإعلام تغفيل الناس عندما يشكون من المؤامرات، أنه لا وجود لها، ولعل ما يحدث اليوم من فضح وسائل الاتصال لكثير من المؤامرات، يقي الناس من التضليل الإعلامي.
وإذا قارنا بين الوضعين - وضع عهد صدام، مع ظلمه والوضع الحالي - يظهر لنا أن الوضع السابق أخف إجرما وإزعاجا على أهله مما حل بهم بعد الغزو الأمريكي، فمنذ أكثر من عشر سنوات، قتل فيه الآلاف - إن لم نقل: الملايين - وشرد أكثر منهم وعذب الآلاف من قبل المحتلين الأمريكان والبراطانيين، وممن سلمتهم أمريكا الحكم من الروافض - ولا زالوا يعذبون - رجالا ونساء، ولم يهنأ بنومة واحدة في ليلة واحدة جميع سكانه حاكمين ومحكومين من أحزاب وجماعات، رجاله ونسائه وشبابه وأطفاله.
ولم تحصل الفتن الحالية في العراق وغيره، إلا بسبب الغزو الآثم من أمريكا وحلفائها، فلم تكن القاعدة وغيرها من الفئات المختلفة الأسماء لتطأ أقدامها في العراق وغيره، إلا بسبب هذا الغزو، أليس هو الأجدر بالإدانة، ولو كانت على الورق؟!
إن العالم كله يعرف أن مجلس الأمن، إنما هو أمن للدول القوية التي احتلت العالم قديما بقوتها، واليوم تغزوه وتعتدي عليه بشرعيتها الإجرامية التي يمدها به هذا المجلس، أما غيرهم من دول وشعوب العالم الضعيفة، فهو مجلس خوف لهم ورعب، ويكفي المسلمين معرفة لهذا المعنى أن ينظروا لإخوانهم الفلسطينيين، رجالا ونساء شبابا وشيبا، وأرضا وأماكن مقدسة كيف يعاملهم أعداء الله وأعداء دينه، يملئون بالفلسطينيين السجون والمعتقلات، ويقتلون الشيخ الكبير والطفل الصغير، والمرأة، ويهدمون على رؤوسهم منازلهم، أو يطردونهم منها، ويحلون محلهم شذا ذ الآفاق، من قومهم ويسلحونهم ليقتلوا المسلمين، والطفل الفلسطيني إذا رمى دبابتهم العدوانية بحجر، أمطروه بالرصاص الذي يمزق جسده إرْبا إربا!

فأين هو مجلس مجلس الظلم المسمى بـ"الأمن" ودع عنك ما يحصل للمسلمين خارج الدول العربية، كالروهنجا والفلبين وغيرها وتركستان الشرقية في الصين، بل إن الظلم ينزل بالمسلمين، ومنهم العرب، من حكامهم، والأمريكان وحلفاؤهم يدعمونهم على ذلك، ما دام في ذلك الظلم مصالح لهم ولليهود الذين لا يمكن للدول العربية - ولو أردت - أن تعيش آمنة مطمئنة، ماداموا يجثمون على صدورهم باحتلال الأرض المباركة.