أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



قال ابن حجر رحمه الله: «قال العلماء: وكان في قصة أحد وما أصيب به المسلمون فيها من الفوائد والحكم الربانية أشياء عظيمة، منها تعريف المسلمين سوء عاقبة المعصية، وشؤم ارتكاب النهي؛ لما وقع من ترك الرماة موقفهم الذي أمرهم الرسول صلى الله عليه وسلم ألا يبرحوا منه.
ومنها أن عادة الرسل أن تبتلي وتكون لها العاقبة، والحكمة في ذلك أنهم لو انتصروا دائمًا دخل في المؤمنين من ليس منهم، ولم يتميز الصادق من غيره، ولو انكسروا دائمًا لم يحصل المقصود من البعثة، فاقتضت الحكمة الجمع بين الأمرين لتمييز الصادق من الكاذب، وذلك أن نفاق المنافقين كان مخفيًا عن المسلمين، فلما جرت هذه القصة، وأظهر أهل النفاق ما أظهروه من الفعل والقول عاد التلويح تصريحًا، وعرف المسلمون أن لهم عدوًا في دورهم، فاستعدوا لهم وتحرزوا منهم. ومنها أن في تأخير النصر في بعض المواطن هضمًا للنفس. وكسرًا لشماختها، فلما ابتلي المؤمنون صبروا، وجزع المنافقون.
ومنها أن الله هيأ لعباده المؤمنين منازل في دار كرامته لا تبلغها أعمالهم، فقيض لهم أسباب الابتلاء والمحن ليصلوا إليها. ومنها أن الشهادة من أعلى مراتب الأولياء فساقهم إليهم. ومنها أنه أراد إهلاك أعدائه، فقيض لهم الأسباب التي يستوجبون بها ذلك من كفرهم وبغيهم وطغيانهم في أذى أوليائه، فمحص بذلك ذنوب المؤمنين، ومحق بذلك الكافرين».


من فتح الباري بشرح صحيح البخاري، أحمد بن حجر العسقلاني، 7/ 347.