أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


«وقفاتٌ معَ الفراغ » !

من أتعسِ أيامِ الحياة ، تلكَ التي يقضيها المرءُ كقطبِ الرّحى ، يدورُ حولَ نفسِه ، لا يدري ما وجهتُه ، ولا يبصرُ مقصودَه أو يُدركَ -بالضّبطِ- غايتَه ؟!

لا برامجَ يوميّة مقترَحَة ، ولا كتُبَ في الأرففِ مجهّزةٌ ، استعدادا للمطالعةِ والقراءةِ خلالَ وقت محدد!
ولا مهامَّ ولا أنشطةَ ولا جهودَ تحتَ التخطيطِ أو الدراسة!

حياةٌ ضربُ عشواء ، حياةُ التعساءِ البؤساء !

متى سنشفقُ على ذا القلبِ الذي يستقرُّ خلفَ القضبانِ حبيسا ، ينتظرُ تغييرا ، وحركةً تثيرُ فيهِ دماءَ الجدِّ والسيْر ؟!

متى سنرحمُ ذا الخافقَ ، ونروي ظمأ عروقهِ ، ونــَــبُلّ ُ جنباتهِ وننعشَهُ بنورِ الإيمانِ والخيرِ إنعاشا ، حتّى يكد يتهوَّع ترَعا !

واللهِ ما أشفقَ على القلبِ ولا أرحمَ به من العكوفِ عليهِ ريّاً وسُقيا ، حتى يتغلغلْ الخيرُ والإيمانُ وحبُّ البذلِ في حشاه، حتّى يكونَ خيرَ دليلٍ ومرشدٍ لذي النّفسِ بين الحنايا ؛ فيرسي دعائمَها ، ويشُدَّ من بُنيانِها ، ويقوّي ساعدَها !

وحينَ تمكُّنِ محبةِ العظيمِ سُبحانهُ في النّفس ، هنا موطنُ الابتهاجاتِ والمسرّاتِ !
هنا الابتساماتُ الحقّة ، التي تخرجُ صادقةً خالصةً من قلبٍ مشبعٍ بحبِّ الباري و تعظيمِه !

نعم ، هنا المباهجُ والمسرّات !
هنا المسرّاتُ بعيدا عن نِفاقِ (فيس بوك) ، و فلسفةِ (تويتر) وغدراتِ وخافايا (يوتيوب) !
بعيدا عن فضولِ ( الزيارات ) ، و ثرثرةِ ( المهاتفات ) ، وعنجهاتِ الشلليّةِ وحظوظِ الأنفسِ الخفيّة !
ضحكاتُ (واتسب)، واستعراضاتِ (انستغرام) !

والعيشِ حولَ هالةٍ وسرابٍ من ملءِ الفراغ!
والسعادةِ المصطنعة التي أقسمُ بالقيّومِ غيرَ حانثة أنّها كالفقاعةِ ما تلبث أن تنتفش وتنتفش في نفسِ صاحبها حتّى ينظر لها يوما لا يكد يرَاها إلا سرابا وحلُما !

إلى متى نقلّبُ الساعات بين هذا وذاك ، وكأنّها أرخصُ ما قد حبانا المليك ؟!

إلى متى تُتخذُ هاتيكَ الطرائقِ والوسائل مخرجاً ومتنفّساً نهربُ به وجَلاً من أن نجالسَ أنفسَنا ونستصلحها ونستثمرَها ؟!!

نفسُكَ تئنّ فرَقا ، وقلبُكَ يشكو عطِشاً ؛ يستجديكَ راجيا!
فمتى يكونُ الريّ ؟!
منى ستراهُ وقد انتشى جذِلا منَ الفيضِ الربّانيّ ، وطارَ خفيفا رشيقاً ، ممتلئا من النّورِ الإيمانيّ ؟!

الطّويلبة الحنبليّة / أمّ الحارث . فجرَ ال14 شعبان - 1435 هجريّة .