أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم




وفيه مقدمة وستة فصول، وخاتمة

ـ المقدمة.

ـ الفصل الأول: الإيمان بالله.

ـ الفصل الثاني: الإيمان بالملائكة.

ـ الفصل الثالث: الإيمان بكتب الله المنزلة وبخاصة القرآن الكريم.

ـ الفصل الرابع: الإيمان بالرسل عليهم الصلاة والسلام جميعاً.

ـ الفصل الخامس: الإيمان باليوم الآخر.

ـ الفصل السادس: الإيمان بالقدر.

ـ خاتمة.

المقدمة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد إن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعد:

فإن الإيمان بالغيب هو أساس التسليم المطلق لله تعالى في أمره ونهيه وإسلام الوجه له، ولهذا كان أول الصفات التي وصف الله بها عباده المتقين ورتب عليها فلاحهم، كما قال تعالى: {الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ(5)}[البقرة].

ومثل ذلك قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9) أُوْلَئِكَ هُمْ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ(11)}[المؤمنون].

وبهذا يتضح المنهج الذي سلكه الرسول عليه الصلاة والسلام - بأمرٍ من ربه - في العهد المكي، الذي زاد على عشر سنوات، وهو يدعو قومه إلى الإيمان بوحي الله وما تضمنه من البيان والهدى، ـ وهم - لعدم إيمانهم بهذا الوحي الذي أنزله الله على رسوله عليه الصلاة والسلام - لا يزدادون إلا عتواً في الأرض واستكباراً، ويطلبون منه أن يأتيهم بآيات محسوسة تدل على صدقه كما قال تعالى: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً (89) وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنْ الأَرْضِ يَنْبُوعاً (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَقْرَؤُه قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَراً رَسُولاً(93)}[الإسراء].


ولما كان الإيمان بالغيب هو الأساس في التسليم المطلق لله تعالى؛ لم يستجب الله تعالى لتعنت الكافرين الذين طلبوا من رسوله أن يأتيهم بآية من عند الله محسوسة حتى يصدقوه بزعمهم بل تعجب من عدم اكتفائهم بهذا القرآن الذي هو أعظم آية دالة على صدقه وأن الله وحده كاف في الشهادة بينه وبينهم، كما قال تعالى: {وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51) قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ(52)}[العنكبوت].

وعندما يثبت الإيمان بالغيب في قلب المؤمن، لا تجده يعترض على شيء أمر الله به أو نهى عنه، محكماً عقله أو هواه أو ما جرت به العادة، كما قال تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً(65)}[النساء].

وقال تعالى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ(68)}[القصص].

وقال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً (36)}[الأحزاب]

وهذا ما سار عليه أتباع رسل الله ومنهم صحابة رسل الله صلى الله عليهم وسلم، وأتباعهم بإحسان، فقد كانوا لشدة إيمانهم بالغيب، لا تؤثر فيهم أساليب أعداء الله التي تشكك في وحي الله ورسالته.

تأمل موقف سحرة فرعون وكيف اختلف عندما آمنوا بالغيب، عنه حينما كانوا لا يؤمنون به، فالذي يؤمن بالغيب لا يرده عن طاعة الله راد، ولا يصده عنها صاد، ولو كان في ذلك ذهاب ماله وولده ونفسه، ففي قصتهم مع فرعون عبرة لمن اعتبر، فقد كانوا رهن إشارة فرعون قبل إيمانهم بالله طلباً للحظوة عنده، وخوفاً من بطشه، ولكنهم في لحظة واحدة وقفوا أمامه متحدين بطشه زاهدين في ماله وجاهه.

قال تعالى: {قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى (65) قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (66) فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى (67) قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى (68) وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (69) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى (70) قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمْ الَّذِي عَلَّمَكُمْ السِّحْرَ فَلأقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلأصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَى (71) قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72) إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنْ السِّحْرِ (73)}[طه]. تأمل قول الطاغية فرعون الذي هدد به السحرة بعد إيمانهم بالله: {وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَى} وما أجابه به السحرة بعد أن ثبت الإيمان بالغيب في نفوسهم: {وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى}.

ولقد شهد الله تعالى للرسول عليه الصلاة والسلام، ولأصحابه -وكذا من تبعهم من أمة الإسلام-بهذا الإيمان الراسخ الذي ذكره في أول سورة البقرة، في آخر آياتها، فقال تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285)}[البقرة]. وفي أواخر آيات آل عمران -وفي غيرها-كما قال تعالى: {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ (193)} [آل عمران].

وأخبر عليه الصلاة والسلام، عمن يؤمنون بالغيب بعده من أمته، كما في حديث أبي هريرة، رضي الله تعالى عنه، أن رسول الله عليه الصلاة والسلام، أتى المقبرة فقال: (السلام عليكم دار قوم مؤمنين. وإنا، إن شاء الله، بكم لاحقون. وددت أنا قد رأينا إخواننا) قالوا: أولسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال (أنتم أصحابي. وإخواننا الذين لم يأتوا بعد). فقالوا: كيف تعرف من لم يأت بعد من أمتك يا رسول الله؟ فقال (أرأيت لو أن رجلا له خيل غر محجلة. بين ظهري خيل دهم بهم. ألا يعرف خيله؟) قالوا: بلى. يا رسول الله! قال (فإنهم يأتون غرا محجلين من الوضوء).[صحيح مسلم]

ومما يروى في السيرة النبوية: (موقف أبي بكر رضي الله تعالى عنه، في حادث الإسراء التي طارت بها طائرة المشركين استدلالاً بها على كذب محمد ـ حاشاه ـ عليه الصلاة والسلام، ليثنوا الناس وبخاصة أصحابه عن الإيمان به، فقالوا عندما سمعوا النبأ: والله إن العير لتطرد شهراً من مكة إلى الشام مدبرة، وشهراً مقبلة، أفيذهب ذلك محمد في ليلة واحدة ويرجع إلى مكة؟.

وذهب الناس إلى أبي بكر فقالوا له: هل لك يا أبا بكر في صاحبك، يزعم أنه قد جاء هذه الليلة بيت المقدس وصلى فيه ورجع إلى مكة. فقال لهم أبو بكر: إنكم تكذبون عليه، فقالوا: بل هو ذاك في المسجد يحدث به الناس. فقال أبو بكر: والله لئن كان قاله لقد صدق، فما يعجبكم من ذلك! فوالله إنه ليخبرني أن الخبر ليأتيه من السماء إلى الأرض في ساعة من ليل أو نهار فأصدقه، فهذا أبعد مما تعجبون منه. ثم أقبل حتى انتهى إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، فقال: يا نبي الله أحدثت هؤلاء القوم أنك جئت بيت المقدس هذه الليلة؟ قال: (نعم). قال: يا نبي الله فصفه لي، فإني قد جئته.. فجعل رسول الله عليه الصلاة والسلام، يصفه لأبي بكر، ويقول أبو بكر: صدقت، أشهد أنك رسول الله) [السيرة النبوة لابن هشام (2/33) الناشر مكتبة الكليات الأزهرية.].

تأمل من النص السابق المعاني الآتية:

( 1 ) تكذيب المشركين - كعادتهم - لعدم إيمانهم بالغيب.

( 2 ) عدم إسراع أبي بكر في تصديق الخبر الذي نقله له أعداء الرسول عليه الصلاة والسلام، لأمرين:

الأمر الأول: أنه لم يسمعه من الرسول بنفسه.

الأمر الثاني: خوفه من أن يكونوا كذبوا عليه.

( 3 ) احتياط أبي بكر لنفسه وتصميمه أمام المشركين على تصديق الرسول تصديقاً مطلقاً في كل ما يثبت أنه قاله : (والله لئن كان قاله لقد صدق).

( 4 ) تثبت أبي بكر رضي الله تعالى عنه، من الخبر بسؤال الرسول عليه الصلاة والسلام.

( 5 ) إنكار أبي بكر تعجب قريش من شيء قد صدقه هو فيما هو اعظم منه، (خبر السماء الذي يأتيه صباح مساء).

ولما كانت هذه هي منزلة الإيمان من الدين كان حقاً على العلماء والدعاة إلى الله أن يهتموا به قبل غيره من أمور الدين ليغرسوه في نفوس الناس، ليمتثلوا أمره ويجتنبوا نهيه، راضية بذلك نفوسهم مؤثرة ما عنده على ما سواه وبذلك تتربع الأمة الإسلامية على مقعد توجيه الأمم عن جدارة واستحقاق، وليس عن دعوى وافتراء، وبذلك أيضاً تُقبل أمم الأرض على هذا الدين لتدخل فيه أفواجاً كما فعلت الأمم قبلها عندما رأت في الأمة الإسلامية القدوة الحسنة.

وهذا هو السبب الرئيس الذي حفزني لكتابة هذا الكتاب، واجتهدت في ترقيته من مقدمة صغيرة لسلسلة من الكتاب، إلى كتاب مستقل وحاولت أن يكون سهلا على الأفهام، قاصرا على أصول الإيمان العظام التي تضمنتها بعض آي القرآن والأحاديث الصحيحة الواضحة البيان، كحديث جبريل المشهور.

فهذه الكتاب هي في الحقيقة أهم فصل من فصول تلك السلسلة شرعت في إعدادها وترتيبها وهي بعنوان: "أثر تطبيق الشريعة الإسلامية في صلاح الأمة" وقلت حيلتي عن إكمالها - وقد كنت جمعت كثيرا من مادتها - مؤثرا إتمام ما بدا لي أنه أولى بالإتمام وهو الإيمان الذي أثبت هنا حلقاته، وقد طبع مرتين ونفد من المكتبات، ولعل الله يعين على ترتيب السلسلة وإخراجها.