أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


بسم الله الرحمن الرحيم

هذه أيها الأحبة مقالة جديدة لشيخنا أبي عبد الله حمزة النايلي (وفقه الله)، نفعنا الله وإياكم بها.

تذكير أهل الإسلام بحقيقة المحبة في العزيز العلام

الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على أشرف المرسلين،نبينا محمد و على آله،وصحبه أجمعين.
أما بعد :
إن مما أخبرنا به نبي الرحمن أيها الأحبة والإخوان أن المحبة في الله جل وعلا هي من أوثق عرى الإيمان، وهي من الطرق الموصلة إلى رضا العزيز المنان، فعن البراء بن عازب –رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله". رواه ابن أبي شيبة في المصنف(7/80)، وحسنه العلامة الألباني –رحمه الله- في صحيح الترغيب(3030)
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- :" إن تحقيق الشهادة بالتوحيد يقتضى أن لا يحب إلا لله ولا يبغض إلا لله ولا يوالى إلا لله ولا يعادي إلا لله وأن يحب ما يحبه الله ويبغض ما أبغضه...".مجموع الفتاوى( 8/337)
فمما يُفرح المؤمن أيها الكرام أن يرى هذه المحبة سائدة بين أهل الإسلام! لعلمه بما ينتج عنها من ثمرات إيمانية يحبها رب البرية، ومن فوائد عظيمة مرضية تعود على أبناء الأمة الإسلامية في هذه الدار الفانية،وفي الحياة الأخروية، ومن ذلك :
-محبة الله جل وعلا للمتحابين فيه، فعن معاذ بن جبل –رضي الله عنه- قال : قال رسول صلى الله عليه وسلم:" قال الله عز وجل: وَجَبَتْ محبتي لِلْمُتَحَابِّينَ فيَّ، وَالْمُتَجَالِسِينَ فيَّ، وَالْمُتَزَاوِرِينَ فيَّ، وَالْمُتَبَاذِلِينَ فيَّ". رواه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده (5/233)، وصححه العلامة الألباني –رحمه الله- في صحيح الترغيب (2581).
وعن أبي هريرة-رضي الله عنه-أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"أَنَّ رَجُلًا زَارَ أَخًا له في قَرْيَةٍ أُخْرَى،فَأَرْصَدَ الله له على مَدْرَجَتِهِ مَلَكًا،فلما أتى عليه،قال:أَيْنَ تُرِيدُ؟قال:أُرِيدُ أَخًا لي في هذه الْقَرْيَةِ،قال:هل لك عليه من نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا؟،قال: لَا غير أنى أَحْبَبْتُهُ في اللَّهِ عز وجل،قال:فَإِنِّي رسول اللَّهِ إِلَيْكَ بِأَنَّ اللَّهَ قد أَحَبَّكَ كما أَحْبَبْتَهُ فيه".رواه مسلم (2567)
يقول الإمام النووي –رحمه الله- :"في هذا الحديث فضل المحبة في الله تعالى وأنها سبب لحب الله تعالى العبد". الشرح على صحيح مسلم (16/ 124)
- ما يُوجد في القلوب من حلاوة الإيمان ولذة عبادة الرحمن، فعن أنس –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ثلاثٌ من كُنَّ فيه وَجَدَ بِهِنَّ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ، من كان الله وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إليه مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إلا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ في الْكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ الله منه، كما يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ في النَّارِ".رواه البخاري (16) ومسلم (43)واللفظ له.
يقول الإمام النووي –رحمه الله- :" هذا حديث عظيم أصل من أصول الإسلام". الشرح على صحيح مسلم (2/13)
ويقول الإمام ابن رجب –رحمه الله-:"فهذه الثلاث خصال من أعلى خصال الإيمان،فمن كملها فقد وجد حلاوة الإيمان وطعم طعمه،فالإيمان له حلاوة وطعم يذاق بالقلوب كما يذاق حلاوة الطعام والشراب بالفم،فإن الإيمان هو غذاء القلوب وقوتها كما أن الطعام والشراب غذاء الأبدان وقوتها،وكما أن الجسد لا يجد حلاوة الطعام والشراب إلا عند صحته فإذا سقم لم يجد حلاوة ما ينفعه من ذلك،بل قد يستحلي ما يضره وما ليس فيه حلاوة لغلبة السقم عليه،فكذلك القلب إنما يجد حلاوة الإيمان إذا سلم من أسقامه وآفاته،فإذا سلم من مرض الأهواء المضلة والشهوات المحرمة وجد حلاوة الإيمان حينئذ،ومتى مرض وسقم لم يجد حلاوة الإيمان،بل يستحلي ما فيه هلاكه من الأهواء والمعاصي".فتح الباري لابن رجب (1/45)
-أن الله جل وعلا يُظل المتحابين فيه في ظله يوم لا ظل إلا ظله جل وعلا، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ الله في ظِلِّهِ يوم لَا ظِلَّ إلا ظِلُّهُ، الْإِمَامُ الْعَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأَ في عِبَادَةِ رَبِّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ في الْمَسَاجِدِ،وَرَجُلَانِ تَحَابَّا في اللَّهِ اجْتَمَعَا عليه وَتَفَرَّقَا عليه،وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فقال: إني أَخَافُ اللَّهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حتى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ ما تُنْفِقُ يَمِينُهُ،وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ". رواه البخاري (629) واللفظ له،ومسلم(1030)
يقول الإمام النووي –رحمه الله- :" (وَرَجُلَانِ تَحَابَّا في اللَّهِ اجْتَمَعَا عليه وَتَفَرَّقَا عليه)معناه : اجتمعا على حب الله وافترقا على حب الله، أي: كان سبب اجتماعهما حب الله واستمرا على ذلك حتى تفرقا من مجلسهما،وهما صادقان في حب كل واحد منهما صاحبه لله تعالى حال اجتماعهما وافتراقهما،وفي هذا الحديث الحث على التحاب في الله، وبيان عظم فضله وهو من المهمات، فإن الحب في الله والبغض في الله من الإيمان".الشرح على صحيح مسلم(7/121)
-أن المرء يحشر مع من أحب يوم القيامة،وإن كان الذي يُحبه في الله تعالى أعلى منه درجة وأرفع منه منزلة، فعن أنس-رضي الله عنه-قال:( أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النبي صلى الله عليه وسلم عن السَّاعَةِ؟ فقال: مَتَى السَّاعَةُ؟ قال:"وَمَاذَا أَعْدَدْتَ لها؟" قال:لَا شَيْءَ إلا أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم، فقال: "أنت مع من أَحْبَبْتَ".
فقال أنس-رضي الله عنه-:فما فَرِحْنَا بِشَيْءٍ فَرَحَنَا بقول النبي صلى الله عليه وسلم أنت مع من أَحْبَبْتَ، فَأَنَا أُحِبُّ النبي صلى الله عليه وسلم،وأبا بكر وعمر، وأرجو أن أكون معهم بِحُبِّي إيَّاهم وإِن لم أعمل بمثل أعمالهم).رواه البخاري (3485) واللفظ له،ومسلم(2639)
وعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: "جاء رجل إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّه، كيف تقول في رجل أحبَّ قومًا، ولم يلحق بهم؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: المرءُ مع من أحبَّ" .رواه البخاري (6169)، ومسلم (2640) واللفظ له.
يقول ابن بطال –رحمه الله-:"فدل هذا أن من أحب عبدًا في الله، فإن الله جامع بينه وبينه في جنته، ومُدخِلَه مُدخَلَه وإن قصر عن عمله، وهذا معنى قوله (ولم يلحق بهم) يعني في العمل والمنزلة، وبيان هذا المعنى- والله أعلم- أنه لما كان المحب للصالحين وإنما أحبهم من أجل طاعتهم لله،وكانت المحبة عملا من أعمال القلوب واعتقادًا لها أثاب الله معتقدًا ذلك ثواب الصالحين،إذ النية هي الأصل والعمل تابع لها،والله يؤتي فضله من يشاء".شرح صحيح البخاري لابن بطال( 9/333)
أيها الأحبة الكرام بعد أن عرفنا أهم الثمرات النافعة والطيبة التي تُقطف من شجرة المحبة في الله جل وعلا، ينبغي علينا أن نعلم أن هذه المحبة الدينية، ليست مجرد عبارات تُردد! ولا هي شعارات تُرفع! وأنها لا تكون متخفية وراء مطامع دنيوية ولا مصالح شخصية، فمن أحب إنسانا من أجل ذلك! فمحبته له ليست من أجل رب البرية!!.
سئل الإمام أحمد –رحمه الله- عن الحب في الله؟ فقال –رحمه الله-:" هو أن لا تحبه لطمع في دنياه". طبقات الحنابلة لأبي يعلى (1/57)
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- :"من أحب إنسانا لكونه يعطيه فما أحب إلا العطاء، ومن قال: أنه يحب من يعطيه لله، فهذا كذب ومحال وزور من القول، وكذلك من أحب إنسانا لكونه ينصره، إنما أحب النصر لا الناصر، وهذا كله من إتباع ما تهوى الأنفس، فإنه لم يحب في الحقيقة إلا ما يصل إليه من جلب منفعة أو دفع مضرة، فهو إنما أحب تلك المنفعة ودفع المضرة، وإنما أحب ذلك لكونه وسيلة إلى محبوبه، وليس هذا حبا لله ولا لذات المحبوب، وعلى هذا تجرى عامة محبة الخلق بعضهم مع بعض، وهذا لا يثابون عليه في الآخرة ولا ينفعهم، بل ربما أدى ذلك إلى النفاق والمداهنة، فكانوا في الآخرة من الإخلاء الذين بعضهم لبعض عدو إلا المتقين، وإنما ينفعهم في الآخرة الحب في الله ولله وحده، وأما من يرجو النفع والنصر من شخص ثم يزعم أنه يحبه لله، فهذا من دسائس النفوس ونفاق الأقوال ". مجموع الفتاوى (10 / 609)
ولهذا فإن المحبة الحقيقية في العزيز العلام أيها الكرام، لا تزيد ولا تَنقص بأسباب دنيوية فانية!، يقول الإمام يحيى بن معاذ -رحمه الله-:" حقيقة الحب في الله أن لا يزيد بالبر ولا ينقص بالجفاء ".فتح الباري (1/62)
فعلى كل من أحب مؤمنا في الله تعالى أيها الأحبة الكرام أن يُعلمه بذلك، لأن ذلك مما يزيد في أواصل المحبة ويقوي روابط الإخوة في الله سبحانه، فعن أنس-رضي الله عنه- قال:أَنَّ رَجُلًا كان عِنْدَ النبي صلى الله عليه وسلم فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ، فقال:يا رسول الله إني لَأُحِبُّ هذا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم" أَعْلَمْتَهُ؟"، قال: لَا، قال: "أَعْلِمْهُ "، قال: فَلَحِقَهُ فقال: إني أُحِبُّكَ في اللَّهِ فقال: أَحَبَّكَ الذي أَحْبَبْتَنِي له). رواه أبو داود (5125)، وصححه الشيخ الألباني –رحمه الله-.
يقول الإمام الشوكاني –رحمه الله-:" وفيه –أي الحديث- مشروعية الإعلام بالحب لأن في ذلك بعثا على الوداد من الجانب الآخر وبه يكون التراحم والتعاطف وينبغي أن يكون الجواب كما تضمنه الحديث ومن أحبه الله سبحانه وتعالى فقد فاز ".تحفة الذاكرين بعدة الحصن الحصين للشوكاني (ص 289)
وعلى المتحابين في الله جل وعلا أيها الأفاضل أن يَسعوا لتحقيق ما تَستوجبه هذه المحبة الدينية من التناصح والتذكير في الله جل جلاله، والتعاون فيما بينهم على البر والتقوى،وأن يجتهد كل واحد منهما في خدمة الآخر والوقوف معه خاصة عند الحاجة،وليتذكرا دائما قول نبينا صلى الله عليه وسلم :"مَا تَحَابَّ اثْنَانِ فِي اللَّهِ، إِلا كَانَ أَفْضَلَهُمَا أَشَدُّهُمَا حُبًّا لِصَاحِبِهِ".رواه ابن حبان (566) من حديث أنس –رضي الله عنه-، وصححه الشيخ الألباني –رحمه الله- في السلسة الصحيحة(450)
يقول المناوي –رحمه الله-:"(أشدهما حبا لصاحبه )أي: في الله تعالى لا لغرض دنيوي، والضابط أن يحب له ما يحب لنفسه من الخير، فمن لا يحب لأخيه ما يحب لنفسه فأخوته نفاق".التيسير بشرح الجامع الصغير ( 2/346)
فعلى كل من وفقهم الله رب البرية إلى تحقيق هذه المحبة الدينية أن يشكروه سبحانه على ما منَّ عليهم من فضله،وأنعم عليهم بكرمه، وعليهم أن يبتعدوا عن كل ما يَقدح في هذه المحبة ،كأن تشوبها بعض الأطماع الدنيوية أو الأغراض الشخصية،وليحذروا أشد الحذر من أن يدخل بينهم الشيطان! فيجرهم إلى الآثام والعصيان! وذلك بأن يجعل قلوبهم متعلقة ببعض!! ويصرفها عن التعلق ومحبة العزيز الرحمن! فإن حصل ذلك!فإنه من الخذلان والخسران!.
يقول الإمام ابن القيم –رحمه الله-:" أعظم الناس خذلانا من تعلق بغير الله، فإن ما فاته من مصالحه وسعادته وفلاحه أعظم مما حصل له ممن تعلق به، وهو معرض للزوال والفوات، ومَثل المتعلق بغير الله:كمثل المستظل من الحر والبرد ببيت العنكبوت أوهن البيوت". مدارج السالكين ( 1/458)
وكذلك عليهم أن يحذروا من ارتكاب المعاصي والذنوب فإنها كذلك تؤدي إلى إفساد وقطع أواصل المحبة بين المتحابين في علام الغيوب، فعن أنس -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ما توادَّ اثنان في الله جل وعز أو في الإسلام، فَيُفَرقُ بينهما إلا بذنب يُحدثُه أحدُهُما".رواه البخاري في الأدب المفرد(413)،وصححه الشيخ الألباني -رحمه الله- في صحيح الجامع (5603)
يقول الإمام المزني –رحمه الله-:" إذا وجدت من إخوانك جفاء فتب إلى الله فإنك أحدثت ذنبا وإذا وجدت منهم زيادة ود فذلك لطاعة أحدثتها فاشكر الله تعالى ".فيض القدير للمناوي ( 5 / 438)
فالله أسأل بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يجعل محبة المؤمنين لبعضهم البعض خالصة لوجهه الكريم، وأن يُبعد عنها كل من يقدح فيها من شوائب وشرور، فهو سبحانه ولي ذلك، والعزيز الغفور.

وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

أبو عبد الله حمزة النايلي