أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


القتال في سبيل الله جزء من الجهاد في سبيله

قال جل وعز: "وقاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله سميع عليم" وقال جل ذكره: "فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغال فسوف نؤتيه أجرًا عظيمًا" وقال سبحانه وبحمده: "فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرّض المؤمنين عسى الله أن يكفّ بأس الذين كفروا والله أشدّ بأسًا وأشدّ تنكيلًا"
وفي القرآن المجيد ثلاثة ألفاظٍ يحسُنُ التفريق بينها للخلط في فهمها عند الناس؛ القتال والجهاد والشهادة:

فالأول: القتال, وهذا لا يكون إلا في سبيل الله, فمن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله, دون من قاتل حميّة أو شجاعة أو ليُرى مكانه أو للمغنم أو غير ذلك من حُطَامِهَا.

والثاني: الجهاد, وهو عامٌّ وخاصٌّ, فالعامّ هو استفراغُ الجُهْدِ لإعلاء كلمة الله ونصر دينه وهداية خلقه كما قال سبحانه: "وجاهدهم به جهادًا كبيرًا" وقال سبحانه: "يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم" أما الخاص منه فهو الجهاد في سبيل الله في ميادين الوغى, وذلك يكون بالنفس والمال كما قال سبحانه: "انفروا خفافًا وثقالًا وجاهدوا في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون" وقال سبحانه: "لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم وأولئك لهم الخيرات وأولئك هم المفلحون"

والثالث: الشهادة, وهي مطلقةٌ ومقيدة, فالمطلقة: هي ما سُمي صاحِبُها شهيدًا في الشريعة, تفضّلًا من الله وتطوُّلًا على هذه الأمة المرحومة تكثيرًا لشهدائها, والمُقيّدة: هي ما استشهد صاحبها في القتال في سبيل الله.

وبينهما فرق كبير, فالمُطلقةُ بضعةُ أنواع كالغريق والحريق وصاحب الهدم وصاحب ذات الجنب _داء في البطن_ والمبطون _أي مات بداء البطن_ والمطعون _بالطاعون_ والقتيل ظُلمًا _عند بعض أهل العلم لذكر عمر وعثمان بالشهادة, وعندي أن شهادتهم لأنهم في سبيل الله وليس لمطلق المظلومية_ وغير ذلك مما سُمّي صاحبُه شهيدًا, فكل هؤلاء لهم مسمّى الشهداء في الدنيا والآخرة, فواحِدُهُم شهيدٌ, له مطلق الشهادة وهي دون الثانية بكثير, فهؤلاء شهداء, لكن لا يُقال لهم شهداء في سبيل الله, إلا إن كان ذلك ونحوه بسبب جهادهم في سبيله, كما في الحديث الصحيح عن نبيّنا صلى الله عليه وسلم قال: "ما تقولون في الشهيد فيكم؟" قالوا : القتل في سبيل الله, قال: "إن شهداء أمتي إذن لقليل, من قُتِلَ في سبيل الله فهو شهيد, و من مات في سبيل الله فهو شهيد, والمبطون شهيد, والمطعون شهيد, والغرق شهيد" (صحيح الجامع: 5602) وقال صلى الله عليه وسلم: "الشهادةُ سبعٌ سوى القتل في سبيل الله: المقتولُ في سبيل الله شهيد, والمطعون شهيد, والغريق شهيد, وصاحب ذات الجنب شهيد, والمبطون شهيد, و صاحب الحريق شهيد, والذي يموت تحت الهدم شهيد, والمرأة تموت بجمعٍ شهيدة" _والجمع هو النفاس_ رواه أحمد وغيره من حديث جابر بن عتيك وصححه الألباني في صحيح الجامع (3739) . فهؤلاء إنما وهبهم الله منزلة الشهادة فضلًا منه ورحمة دون قتال منهم في سبيله, فهم شهداء إما لموتهم دفاعًا عن أنفسهم أو عرضهم أو مالهم, أو لمصبية حلّت بهم رحمة الله, كالطاعون والهدم والغرق ونحو ذلك.

أمّا الشهادة المطلقة _وهي الكمال_ فهي منصرفةٌ للشهيد قتيلًا في سبيل الله, صابرًا محتسبًا مقبلاً غيرَ مُدبرٍ، ويكون قتالُه لتكون كلمةُ الله هي العليا, فصاحبها هو الذي حاز مرتبة الشهادة الكاملة بخصالها السّتِّ, مع الحياة البرزخية الحقيقية, مع جعل روحه في حواصل الطير الخضر في جنات النعيم. وهذه المرتبة هي غاية آمال المقرّبين بعد مرتبة الصّدِّيقيّة نسأل الله الكريم من واسع فضله وعميم كرمه وجزيل هباته وعظيم إحسانه, إنه الحي القيوم ذو الجلال والإكرام.
إبراهيم الدميجي