أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


الحمد لله رب العالمين و به نستعين و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد و على آله و أصحابه و تابعيه بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد ,,,

قال تعالى "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ"

تأملوا عباد الله هذه الآية فيها معنى مهم جدا وهو حصر الإيمان في من اتصف بهذه الصفات
فمعلوم في اللغة أن ( إنما ) تفيد الحصر
فيمكن القول أن الآية تعطي تعريفا للمؤمن وهو الذي:
- آمن بالله ورسوله ء ومن ثم من كل ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله من الكتب والرسل السابقين والملائكة والقدر ء بلا ريب
وهو نفس تعريف الإيمان في حديث جبريل المشهور لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم (ما الإيمان) فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أن تؤمن بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، وتؤمن بالقدر خيره وشره)
- وجاهد في سبيل الله بالمال والنفس ء إن استطاع إلى ذلك سبيلا (فالأوامر الشرعية كلها منوطة بالاستطاعة)

قال ابن جرير الطبري:
يقول ء تعالى ذكره ء للأعراب الذين قالوا آمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبهم : إنما المؤمنون أيها القوم الذين صدقوا الله ورسوله ، ثم لم يرتابوا ، يقول : ثم لم يشكوا في وحدانية الله ، ولا في نبوة نبيه ء صلى الله عليه وسلم ء ، وألزم نفسه طاعة الله وطاعة رسوله ، والعمل بما وجب عليه من فرائض الله بغير شك منه في وجوب ذلك عليه ( وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله ) يقول : جاهدوا المشركين بإنفاق أموالهم ، وبذل مهجهم في جهادهم ، على ما أمرهم الله به من جهادهم ، وذلك سبيله لتكون كلمة الله العليا ، وكلمة الذين كفروا السفلى . اهـــــ

فالجهاد جزء لا ينفك من الإيمان بل هو ركن من أركانه لمن استطاع
ودليل أنه ركن الآية السابقة التي حصرت المؤمنين في من قام بهذه الفريضة وقد ذم الله كثيرا المتخلفين والمتقاعسين عن الجهاد في سبيله طلبا للسلامة ونعتهم بأوصاف النفاق والكفر وتوعدهم بالعذاب
قال تعالى "إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ"

إذا تعين الجهاد أو لم تحصل الكفاية في بابه فالناس موعودون بالعذاب الأليم في الدنيا قبل الآخرة. وهذا مشاهد في أمتنا رغم كل ما تملكه من ثروات طبيعية وأعداد بشرية ومواقع جغرافية إلا أن العذاب والذل ضرب عليها من الأمم الأخرى ويطال هذا الوعيد بلاد المسلمين بلدا بلدا فالأمس فلسطين وبعده أفغانستان ثم الشيشان ثم العراق ثم مصر وسوريا ولبنان وسوريا وهذا لا شئ بجانب عذاب الآخرة الذي ينتظر من قدر على الجهاد وقعد عنه

وقال تعالى "قُلْ إنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاَللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ"
قال أبو بكر بن العربي:
قوله تعالى { قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا } : هذا بيان فضل الجهاد ، وإشارة إلى راحة النفس وعلاقتها بالأهل والمال .

وقال المفسرون : هذه الآية في بيان حال من ترك الهجرة ، وآثر البقاء مع الأهل والمال وفي الحديث الصحيح : { إن الشيطان قعد لابن آدم ثلاثة مقاعد : قعد له في طريق الإسلام ، فقال : أتذر دينك ودين آبائك وتسلم . فخالفه وأسلم . وقعد له في طريق الهجرة ، فقال له : أتذر أهلك ومالك فتهاجر ، فخالفه ثم هاجر . وقعد له في طريق الجهاد ، فقال له : تجاهد فتقتل ، وتنكح أهلك ، ويقسم مالك ، فخالفه فجاهد فقتل . فحق على الله أن يدخله الجنة } .

المسألة الثانية : العشيرة : الجماعة التي تبلغ عقد العشرة ، فما زاد . ومنه المعاشرة ، وهي الاجتماع على الأمر بالعزم الكثير .

وقوله : { وأموال اقترفتموها } أي اقتطعتموها من غيرها والكساد : نقصان القيمة ، وقد تقدم حديث أبي هريرة في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { غزا نبي من الأنبياء فقال : لا يتبعني رجل تزوج امرأة ولما يبن بها ، أو بنى دارا ولم يسكنها . } الحديث .

المسألة الثالثة : قوله : { فتربصوا حتى يأتي الله بأمره } : قوله : فتربصوا صيغته الأمر ، ومعناه التهديد ، وأمر الله الذي يأتي فتح مكة على القول بأن المراد بمعنى الآية الهجرة ، ويكون أمر الله عقوبته التي تنزل بهم الذل والخزي ، حتى يغزوهم العدو في عقر دارهم ، ويسلبهم أموالهم . اهــــــ

قال تعالى "أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ"
قال الحافظ ابن كثير:
ثم قال : ( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين ) أي : أحسبتم أن تدخلوا الجنة ولم تبتلوا بالقتال والشدائد
كما قال تعالى في سورة البقرة : ( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب ) [ البقرة : 214 ]
وقال تعالى : ( الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين ) [ العنكبوت : 1 - 3 ] ،
ولهذا قال هاهنا : ( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين ) أي : لا يحصل لكم دخول الجنة حتى تبتلوا ويرى الله منكم المجاهدين في سبيله والصابرين على مقارنة الأعداء . اهـــــــــ

فالجنة لها ثمن غالي أيها الإخوة فثمنها ليس كثرة التحصيل والتصنيف وحيازة الإجازات ولا كثرة الكلام في العلم والمناظرات والردود على المخالفين التي هي أقرب للرياء والسمعة والعجب بالنفس منها إلى الإخلاص والبذل و التضحية والوقوف عند الدليل التي يتميز بها صادق الإيمان من مدعيه

ولابد لكل إنسان أن يفتن في حياته ويبتلى ليحصل الإختبار والتمحيص وإقامة الحجة
قال تعالى "وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ"

فالفتن والابتلاءات هي سنن كونية واقعة ولابد للتمحيص والتمييز
فالمؤمن الصادق عند الابتلاء يٌري الله من نفسه خيرا ويؤثر على نفسه ولو كان به خصاصة ويجاهد في سبيل الله بنفسه وماله وإن لم يتحقق ذلك إلا بالهجرة هاجر أو حاول الهجرة تأسيا بالسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار , فالقرآن لا يقص علينا قصص المهاجرين والأنصار لمجرد التسلية ولا يكفي أن نكتفي بحبهم والترضي عليهم ونقنع أنفسنا أننا بهذا نلنا مرضات الله ونتمنى على الله الأماني أن يلحقنا بهم , فمن أراد أن يلتحق بهم في الآخرة فليلتحق بهم في الدنيا وليهتدي بهديهم في الرباط على الثغور والدفاع عن الإسلام وأهله وعن المساجد والحرمات والأعراض وفي القيام بالواجبات الأخرى ومكارم الأخلاق والعدل والإنصاف و حسن الخلق وترك الكبائر والكبر والتباغض والتحاسد وسوء الخلق

وأما المنافق عند الابتلاء فيجد لنفسه الأعذار والمبررات للتهرب وإيثار السلامة في الدنيا والبعض الأكثر نفاقا لا يكتفون بالتهرب والتخلف عن الجهاد بل إنه يلمز المجاهدين ويرميهم بأنهم إرهابيون ومتطرفون وخوارج إلى آخر هذه الأوصاف التي تعلموها من الغرب واليهود والملاحدة هم و عملائهم ووكلائهم وأحذيتهم في بلاد المسلمين ونعتوا بها المؤمنين المجاهدين الصادقين وما ذاك إلا طمعا في رضا أسيادهم وحسدا من عند أنفسهم

اعلموا أن الجهاد فيه خير الدنيا والآخرة، وفي تركه خسارة الدنيا والآخرة، قال الله تعالى: "قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ"، يعني؛ اما النصر والظفر، واما الشهادة والجنة، فمن عاش من المجاهدين كان كريما له ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة، ومن مات منهم أو قتل فإلى الجنة.

فالجهاد والقتال؛ هو التجارة الرابحة التي يُتاجر صاحبها فيها مع ربه سبحانه وتعالى بدون رأس مال؛ فيفوز، والتي عناها ربنا سبحانه وتعالى في قوله: "هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ"
ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: (مثل المجاهد في سبيل الله - والله أعلم بمن يجاهد في سبيله - كمثل الصائم القائم، وتوكل الله للمجاهد في سبيله؛ بأن يتوفاه أن يدخله الجنة، أو يرجعه سالما مع أجر أو غنيمة) [رواه البخاري].

وقال الفضل ابن زياد: سمعت أبا عبد الله – يعني أحمد ابن حنبل رضي الله عنه – وذكر له أمر الغزو، فجعل يبكي ويقول: (ما من أعمال البر أفضل منه).

وقال عنه غيره: (ليس يعدل لقاء العدو شيء، ومباشرة القتال بنفسه؛ أفضل الأعمال، والذين يقاتلون العدو هم الذين يدفعون عن الإسلام وعن حريمهم، فأي عمل أفضل منه، الناس آمنون وهم خائفون، قد بذلوا له مهج أنفسهم).

وأعلموا أيها الاخوة...

ان الرباط في ثغور الجهاد من أعظم القربات، قال الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ".

وعن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها، وموضع صوت أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها، والروحة يروحها العبد في سبيل الله أو الغدوة خير من الدنيا وما عليها) [رواه البخاري]

وفي صحيح مسلم عن سلمان، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (رباط يوم وليلة في سبيل الله خيراً من صيام شهر وقيامه، ومن مات مرابطاً أُجري عليه عمله وأُجري عليه رزقه من الجنة، وأمن الفتان - أو الفُتان -)، يعني؛ منكر ونكير.

وقال صاحب "المغني": (الرباط؛ الإقامة بالثغر مقوياً للمسلمين على الكفار، والثغر؛ كل مكان يخيف أهله العدو ويخيفهم).

وقال أحمد ابن حنبل رحمه الله: (ليس يعدل الجهاد عندي والرباط شيء، والرباط؛ دفع عن المسلمين وعن حريمهم، وقوة لأهل الثغر ولأهل الغزو، والرباط أصل الجهاد وفرعه).

فشتان - أيها الاخوة - شتان… بين من ربط نفسه في ثغر من الثغور، يُتوقع فيه نزول العدو، مجاهداً في سبيل الله، متربصا بأعداء الله، مقويا لشوكة المجاهدين، كل حركاته وسكناته أجر، أكله وشربه ونومه ومشيه وحرساته ورصده وقتاله؛ أجر عند الله تبارك وتعالى... شتان بينه وبين من قعد عن الجهاد، يلتمس لنفسه أقبح الأعذار.

و ثبت عنه صلى الله عليه وسلم، فيما رواه البخاري عن أنس رضي الله عنه: (ما أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا وله ما على الأرض من شيء، إلا الشهيد، يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيقتل عشر مرات، لما يرى من الكرامة).

وقال ابن بطال في هذا الحديث: (هذا الحديث أجل ما جاء في فضل الشهادة)، قال: (وليس في أعمال البر ما تبذل فيه النفس غير الجهاد، فلذلك عظم فيه الثواب).

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (والذي نفسي بيده لوددت أني أقتل في سبيل الله، ثم أحيا ثم اقتل، ثم أحيا ثم اقتل، ثم أحيا ثم اقتل) [رواه البخاري عن أبي هريرة].

وثبت عن عبد الله في قوله: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ
قال: (أما إنا قد سألنا عن ذلك، فقال: "أرواحهم كطير خضر، تسرح في الجنة، في أيها شاءت، ثم تؤي إلى قناديل معلقة بالعرش، فبينما هم كذلك؛ إذا اطلع عليهم ربك اطلاعة، فيقول؛ سلوني ما شئتم! قالوا: ربنا وماذا نسألك، ونحن نسرح في الجنة في أيها شئنا؟! فلما رأوا أنهم لا يتركون من أن يُسألوا، قالوا: نسألك أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك، فلما رأى أنهم لا يسألون إلا ذلك؛ تركوا) [رواه ابن ماجة في سننه، وهو في الصحيحة، ورواه مسلم بلفظه عن ابن مسعود].

عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من مات ولم يغز ولم يحدث به نفسه مات على شعبة من نفاق) رواه مسلم

وعن سالم أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله وكان كاتبه قال كتب إليه عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف) متفق عليه

قال الإمام شمس الدين ابن القيم في نونيته:

يا أيها الرجل المريد نجاته*** إسمع مقالة ناصح معوان

كن في أمورك كلها متمسكا*** بالوحي لا بزخارف الهذيان

وانصر كتاب الله والسنن التي*** جاءت عن المبعوث بالفرقان

واضرب بسيف الوحي كل معطل*** ضرب المجاهد فوق كل بنان

واحمل بعزم الصدق حملة مخلص*** متجرد لله غير جبان

واثبت بصبرك تحت ألوية الهدى*** فإذا أصبت ففي رضا الرحمن

واجعل كتاب الله والسنن التي*** ثبتت سلاحك ثم صح بجنان

من ذا يبارز فليقدم نفسه*** أو من يسابق يبد في الميدان

واصدع بما قال الرسول ولا تخف*** من قلة الأنصار والأعوان

فالله ناصر دينه وكتابه*** والله كاف عبده بأمان

ولا تخش من كيد العدو ومكرهم*** فقتالهم بالكذب والبهتان

فجنود أتباع الرسول ملائك*** وجنودهم فعساكر الشيطان

شتان بين العسكرين فمن يكن*** متحيرا فلينظر الفئتان

وأثبت وقاتل تحت رايات الهدى*** واصبر فنصر الله ربك دان

واذكر مقاتلهم لفرسان الهدى*** لله در مقاتل الفرسان

وادرأ بلفظ النص في محر العدا*** وارجمهم بثواقب الشهبان

لا تخش كثرتهم فهم همج الورى*** وذبابه أتخاف من ذبان

واشغلهم عند الجدال ببعضهم*** بعضا فذاك الحزم للفرسان

وإذا هم حملوا عليك فلا تكن*** فزعا لحملتهم ولا بجبان

واثبت ولا تحمل بلا جند فما*** هذا بمحمود لدى الشجعان

فاذا رأيت عصابة الاسلام قد*** وافت عساكرها مع السلطان

فهناك فاخترق الصفوف ولا تكن*** بالعاجز الواني ولا الفزعان

وتعر من ثوبين من يلبسهما*** يلقى الردى بمذمة وهوان

ثوب من الجهل المركب فوقه*** ثوب التعصب بئست الثوبان

وتحل بالانصاف أفخر حلة*** زينت بها الأعطاف والكتفان

واجعل شعارك خشية الرحمن مع*** نصح الرسول فحبذا الأمران

وتمسكن بحبله وبوحيه*** وتوكلن حقيقة التكلان

فالحق وصف الرب وهو صراطه الـ***هادي اليه لصاحب الايمان

وهو الصراط عليه رب العرش أيـ***ضا وذا قد جاء في القرآن

والحق منصور وممتحن فلا*** تعجب فهذي سنة الرحمن

وبذاك يظهر حزبه من حزبه*** ولأجل ذاك الناس طائفتان

ولأجل ذاك الحرب بين الرسل والـ*** كفار مذ قام الورى سجلان

لكنما العقبى لأهل الحق أن *** فأتت هنا كان لدى الديان

فاجعل لقلبك هجرتين ولا تنم*** فهما على كل امرئ فرضان

فالهجرة الأولى الى الرحمن بالـ*** اخلاص في سر وفي اعلان

فالقصد وجه الله بالأقوال وال*** اعمال والطاعات والشكران

فبذاك ينجو العبد من أشراكه*** ويصير حقا عابد الرحمن

والهجرة الأخرى الى المبعوث بالـ*** حق المبين وواضح البرهان

فيدور مع قول الرسول وفعله*** نفيا وإثباتا بلا روغان

ويحتكم الوحي المبين على الذي*** قال الشيوخ فعنده حكمان

لا يحكمان بباطل أبدا وكل*** العدل قد جاءت به الحكمان

وهما كتاب الله أعدل حاكم*** فيه الشفا وهداية الحيان

والحاكم الثاني كلام رسوله*** ما ثم غيرهما لذي ايمان

فاذا دعوك لغير حكمهما فلا*** سمعا لداعي الكفر والعصيان

قل لا كرامة لا ولا نعمى ولا***طوعا لمن يدعو الى طغيان

وإذا دعيت الى الرسول فقل لهم*** سمعا وطوعا لست ذا عصيان

وإذا تكاثرت الخصوم وصيحوا*** فأثبت فصيحتهم كمثل دخان

يرقى الى الأوج الرفيع وبعده*** يهوي الى قعر الحضيض الداني

هذا وإن قتال حزب الله بالـ*** أعمال لا بكتائب الشجعان

والله ما فتحوا البلاد بكثرة*** أنى وأعداءهم بلا حسبان

وكذاك ما فتحوا القلوب بهذه الـ*** آراء بل بالعلم والايمان

وشجاعة الفرسان نفس الزهد في*** نفس وذا محذور كل جبان

وشجاعة الحكام والعلماء زهـ***ـد في الثناء من كل ذي بطلان

فإذا هما اجتمعا لقلب صادق*** شدت ركائبه الى الرحمن

واقصد الى الأقران لا أطرافها*** فالعز تحت مقاتل الأقران

واسمع نصيحة من له خبر بما*** عند الورى من كثرة الجولان

ما عندهم والله خير غير ما*** أخذوه عمن جاء بالقرآن

والكل بعد فبدعة أو فرية*** أو بحث تشكيك ورأي فلان

فاصدع بأمر الله لا تخش الورى*** في الله واخشاه تفز بأمان

واهجر ولو كل الورى في ذاته*** لا في هواك ونخوة الشيطان

واصبر بغير تسخط وشكاية*** واصفح بغير عتاب من هو جان

واهجرهم الهجر الجميل بلا أذى*** أن لم يكن بد من الهجران

وانظر الى الأقدار جارية بما*** قد شاء من غي ومن ايمان

واجعل لقلبك مقلتين كلاهما*** بالحق في ذا الخلق ناظرتان

فانظر بعين الحكم وارحمهم بها*** اذ لا ترد مشيئة الديان

وانظر بعين الأمر واحملهم على*** أحكامه فهما اذا نظران

واجعل لوجهك مقلتين كلاهما*** من خشية الرحمن باكيتان

لو شاء ربك كنت أيضا مثلهم*** فالقلب بين أصابع الرحمن

واحذر كمائن نفسك اللاتي متى*** خرجت عليك كسرت كسر مهان

واذا انتصرت لها فأنت كمن بغى*** طفي الدخان بموقد النيران

والله أخبر وهو أصدق قائل*** ان سوف ينصر عبده بأمان

من يعمل السوءى سيجزى مثلها*** أو يعمل الحسنى يفز بجنان

هذي وصية ناصح ولنفسه*** وصي وبعد سائر الاخوان


و الله الموفق وهو يهدي السبيل