أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


الفصل الرابع: نواقص التوحيد:

المبحث الأول :الوسائل التي توصل إلى الشرك الأكبر:

لما كان الشرك الأكبر أعظم ذنب عُصي اللهُ به ؛ حرَّم الله ورسوله صصصكل قول أو فعل يؤدي إليه ، أو يكون سبباً في وقوع المسلم فيه.

فالرسول صصصكان حريصاً على هداية أمته ، وسلامتها من كل ما يكون سبباً في هلاكها ، كما قال تعالى(لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) التوبة: 128 .

فالرسول صصصحمى جناب التوحيد من كل ما يهدمه أو ينقصه حماية محكمة ، وسد كل طريق يؤدي إلى الشرك ، ولأن الشيطان يزين للإنسان أعمال السوء ، ويتدرج به من السيء إلى الأسوأ شيئاً فشيئاً حتى يخرجه من دائرة الإسلام بالكلية إن استطاع إلى ذلك سبيلاً فمن انقاد له واتبع خطواته خسر الدنيا والآخرة.

وسنبين الوسائل التي توصل إلى الشرك وتوقع المسلم فيه ، والتي حذر منها نبينا محمد صصص، في المطالب التالية:

المطلب الأول الغلو في الصالحين:

لقد حذر النبي صصصمن الغلو على وجه العموم ، فقال صصص( إياكم والغلو، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو )النسائي وصححه الألباني.

وثبت أن الغلو في الصالحين كان هو أول وأعظم سبب أوقع بني آدم في الشرك الأكبر، فقد روى البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه أخبر عن أصنام قوم نوح أنها صارت في العرب ، ثم قال: (أسماء رجال صالحين من قوم نوح ، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصاباً وسموها بأسمائهم ، ففعلوا ، فلم تعبد ، حتى إذا هلك أولئك ، ونُسخ العلم ، عُبدت).
ولذلك ينبغي للمسلم أن يحذر من التساهل في هذا الباب ؛ لئلا يؤدي به أو يؤدي بمن يراه أو يقلده أو يأتي بعده إلى الوقوع في الشرك الأكبر.

ومن أنواع الغلو المحرم في حق الصالحين والذي يوصل إلى الشرك ما يلي:

1- المبالغة في مدحهم:

كما يفعل كثير من الرافضة ، وقلدهم في ذلك كثير من الصوفية ، وقد أدت هذه المبالغة بكثير منهم في آخر الأمر إلى الوقوع في الشرك الأكبر في الربوبية ، وذلك باعتقاد أن بعض الأولياء يتصرفون في الكون ، وأنهم يسمعون كلام من دعاهم ولو من بعد ، وأنهم يجيبون دعاءه ، وأنهم ينفعون ويضرون ، وأنهم يعلمون الغيب ، مع أنه ليس لديهم دليل واحد يتمسكون به في هذا الغلو ، سوى أحاديث مكذوبة أو واهية ومنامات ، وما يزعمونه من الكشف إما كذباً ، وإما من أثر تلاعب الشيطان بهم ، وقد أدى بهم هذا الغلو إلى الشرك في الإلوهية أيضاً ، فدعوا الأموات من دون الله ، واستغاثوا بهم ، وهذا والعياذ بالله من أعظم الشرك.

وقد حذَّر النبيُّ صصصمن الغلو في مدحه عليه الصلاة والسلام ، فقال(لا تُطروني كما أَطْرَتِ النصارى عيسَى ابنَ مريمَ ، فإنَّما أنا عبدُه ولكن قولوا : عبدُه ورسولُه) صحيح البخاري.

والإطراء :هو المبالغة والغلو في المدح.

وإذا كان هذا في حقه صصصفغيره من البشر أولى أن لا يزاد في مدحهم ، فمن زاد في مدحه صصص أو في مدح غيره من البشر فقد عصى الله تعالى.

2- تصوير الأولياء والصالحين:

من المعلوم أن أول شرك حدث في بني آدم سببه الغلو في الصالحين بتصويرهم ، كما حصل من قوم نوح عليه السلام ، وقد سبق ذكر قول ابن عباس في ذلك في مقدمة هذا المطلب.
ولخطر التصوير وعظم جرم فاعله وردت نصوص شرعية فيها تغليظ على المصورين ، وتدل على تحريم التصوير لذوات الأرواح بجميع صوره وأشكاله و من النصوص الواردة في ذلك ما يلي :

× قوله صصص ( إنّ أشدَّ الناس عذاباً يوم القيامة المصورون) رواه البخاري ومسلم.

× عن عائشة رضي الله عنها قالت : قدم رسول الله صصصمِن سفرٍ ، وقد سَترتُ بِقِرَامٍ لي على سَهْوَةٍ لي فيها تماثيلُ ، فلما رآهُ رسول الله ؟َتَكَهُ وقال(أشدُّ الناسِ عذابًا يومَ القيامةِ الذين يُضَاهُونَ بخلقِ اللهِ)قالتْ : فجعلناهُ وسادةً أو وسادَتَينِ)صحيح البخاري.

والمقصود بالقرام :الستارة .
سهوة :طاقة في الحائط (فجوة).
لي فيها تماثيل :أي صور.
تكه : شقه وقطعه.
والمقصود أن السيدة عائشة كانت تستر الطاقة الموجودة في الجدار بستارة فيها صور فأنكر النبي ذلك وشقه وقال إن أشد الناس عذابا يوم القيامة الذي يضاهون بخلق الله أي يتشبون بالله في خلقه للأشياء ، لأن من يصور تلك الصور يتشبه بالله في الركن الأول من أركان الربوبية وهي الخلق.

× و عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه أتاه رجل فقال: إني رجلٌ أصوّر هذه الصور ، فأفتني فيها ، فقال له: سمعت رسول الله صصصيقول(( كل مصور في النار، يجعل له بكل صورة صورها نفساً فتعذبه في جهنم)) وقال: إن كنت لا بد فاعلاً فاصنع الشجر وما لا نفس له) صحيح مسلم.

أي أن الصور التي يصورها المصور يجعل الله له نفسا وروحا يوم القيامة وهي التي تتولى تعذيب المصور في النار.

× وعن أبي هريرة أن رسول الله صصصقال((أتاني جبريلُ فقالَ : إنِّي كنتُ أتيتُكَ البارحةَ فلَم يمنعني أن أَكونَ دخلتُ عليكَ البيتَ الَّذي كنتَ فيهِ إلَّا أنَّهُ كانَ في بابِ البيتِ تمثالُ الرِّجالِ ، وَكانَ في البيتِ قِرامُ سترٍ فيهِ تماثيلُ ، وَكانَ في البيتِ كَلبٌ ، فمر برأسِ التِّمثالِ الَّذي بالبابِ فليُقطعْفيصيَّركَهَيئةِ الشَّجرَةِ ،ومُر بالسِّترِ فليُقطَعْ ويجعلُ منهُ وسادتينِ منتبذَتينِ تُوطآنِ ، ومُر بالكلبِ فيُخرَجُ)) الترمذي وصححه الألباني.

والمقصود بستر فيه تماثيل :أي ستارة فيها صور .

× وعن أبو هريره أن رسول اللهصصص قال(تخرج عنق من النار يوم القيامة لها عينان تبصران ، وأذنان تسمعان ، ولسان ينطق ، يقول : إني وكلت بثلاثة : بكل جبار عنيد ، وبكل من دعا مع الله إلها آخر ، وبالمصورين) الترمذي وصححه الألباني.

× وثبت عن الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال لأبي الهياج الأسدي(ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ألا تدع صورة إلا طمستها ، ولا قبراً مشرفاً إلا سويته) صحيح مسلم.

ولذلك فإنه ينبغي للمسلم ألا يتساهل في أمر التصوير بجميع أنواعه ، سواء منه ما كان مجسماً ، كالتماثيل وغيرها مما له ظل - وهو أشد حرمة وأعظم إثماً- أم ما كان على ورق أو جدار أو خرقة أو غيرها ، ويعظم خطر التصوير إذا كان المصوَّر من كبار أهل العلم ، أو ممن لهم منزلة كبيرة في قلوب الناس.

ما هو التصوير الذي توعد الله صاحبه بأنه أشد الناس عذابا يوم القيامة؟

التصوير الذي توعد الله صاحبه بهذا الوعد الشديد وهو أنهم أشد الناس عذابا يوم القيامة : هو الرسم أو النحت أو صناعة التماثيل لذوات الأرواح من إنسان أو حيوان أو طير، فهو يشمل ما يلي:
1- الرسم بالريشة على الورق أو الجدران .
2- صناعة التماثيل من أي مادة سواء كانت الجص أو الخشب أو البرونز أو النحاس أو غيرها .
3- النحت سواء كان في جحارة أو في خشب أو في غيره.

ما هو حكم التصوير الفوتوغرافي؟

اختلف علماء هذا العصر في حكم التصوير الفوتوغرافي ، وهو التصوير بالآلة (الكمرة) .

وإليك قول شيخنا محمد بن صالح بن عثيمين :

فقال عن التصوير الفوتوغرافي (الصور الفوتوغرافية الذي نرى فيها ؛ أن هذه الآلة التي تخرج الصورة فوراً ، وليس للإنسان في الصورة أي عمل ، نرى أن هذا ليس من باب التصوير ، وإنما هو من باب نقل صورة صورها الله - عز وجل - بواسطة هذه الآلة ، فهي انطباع لا فعل للعبد فيه من حيث التصوير ، والأحاديث الواردة إنما هي في التصوير الذي يكون بفعل العبد ويضاهي به خلق الله ، ويتبين لك ذلك جيداً بما لو كتب لك شخص رسالة فصورتها في الآلة الفوتوغرافية ، فإن هذه الصورة التي تخرج ليست هي من فعل الذي أدار الآلة وحركها ، فإن هذا الذي حرك الآلة ربما يكون لا يعرف الكتابة أصلاً ، والناس يعرفون أن هذا كتابة الأول ، والثاني ليس له أي فعل فيها ، ولكن إذا صور هذا التصوير الفوتوغرافي لغرض محرم ، فإنه يكون حراماً تحريم الوسائل‏) .
ولهذا إذا كان الغرض من التصوير الفوتوغرافي محرماً كان حراماً ، وإذا كان الغرض مباحاً صار مباحاً ؛ لأن الوسائل لها أحكام المقاصد ، وعلى هذا فلو أن شخصاً صور إنساناً لما يسمونه بالذكرى فإن ذلك محرم ولا يجوز؛ لما فيه من اقتناء الصور لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة ، وهذا يدل على تحريم اقتناء الصور في البيوت ، وأما تعليق الصور على الجدران فإنه محرم ولا يجوز، فالملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة.
وإذا كان التصوير لغرض مباح كما يوجد في البطاقة والرخصة والجواز وما أشبهه فهذا يكون مباحاً.

ما حكم التصوير السينمائي ؟

التصوير السينمائي المقصود به التصوير الفلمي والتصوير التلفزيوني وتصوير مقاطع الفيديو بشكل عام ، ذهب كثير من العلماء أنه ليس من التصوير المحرم أيضاً.

ما هو حكم النصب التذكارية؟

إقامة الأنصاب لمعروفين من الوجهاء أو من لهم شأن في بناء الدولة علميا أو اقتصاديا أو سياسيا وإقامة نصب لما يسمى بـ "الجندي المجهول" هو من أعمال الجاهلية ، وضرب من الغلو فيه ، ولذلك نجدهم يقيمون حفلات الذكرى حول هذه الأنصاب عند المناسبات ويضعون عليه الزهور تكريما لها ، وهذا شبيه بالوثنية الأولى ، وذريعة إلى الشرك الأكبر والعياذ بالله ‏.‏

الخــــــلاصـــــة

فيجب القضاء على هذه التقاليد محافظة على عقيدة التوحيد ومنعا للإسراف دون جدوى وبعدا عن مجاراة الكفار ومشابهتهم في عاداتهم وتقاليدهم التي لا خير فيها ، بل تفضي إلى شر مستطير، بالإضافة إلى أن بعض هذه النصب يكون عندها التماثيل والتي توعد الله صانعيها بأنهم أشد الناس عذابا يوم القيامة.


1- يجب عدم المغالاة في الصالحين سواء بالمبالغة في مدحهم أو بتصويرهم لأن ذلك وسيلة إلى الشرك.
2- أن أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون وهم الذين يصورون ذوات الأرواح من إنسان أو حيوان أو طير أما تصوير ما لا روح فيه فلا شيء فيه ، والمقصود بالتصوير النحت أوصناعة التماثيل أوالرسم بالريشة.
3- أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب أو تمثال لذوات الأرواح أو ستارة فيها صور.
4- التصوير الفوتوغرافي يكون حكمه حكم المقاصد ، فإذا كان المقصد والغرض منه حراما كان حراما مثل التصوير للذكرى وغيره ، وإذا كان المقصد والغرض منه مباحا كان مباحا كالتصوير للرخصة والبطاقة والجواز وما أشبه ذلك .
5- تصوير الفيديو لا شيء فيه إلا إذا كان التصوير لمحرم كما إذا صور نساء عارية أو ما شابه ذلك.
6- إقامة النصب التذكارية ذريعة إلى الشرك الأكبر وهي تشبه بأعمال الكفار وفيها الإسراف وحولها تكون التماثيل التي توعد الله أصحابها بأشد العذاب يوم القيامة.


من كتاب السراج المنير في شرح العقيدة الإسلامية

لتحميل الكتاب أدخل على الرابط التالي - في الملتقى - المرفقات أسفل الموضوع

http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=318807