أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا

أما بعد
أيها الأحبة هذه مقالة عن شهر شعبان لشيخنا أبي عبد الله النائلي الجزائري حفظه الله وهي من سلسلة مقالات عن هذا الشهر الفضيل نشرت في جريدة الشرق القطرية أنقلها إلى هذا الملتقى المبارك حتى تعم الفائدة للجميع

بسم الله الرحمن الرحيم
(1)جاءكم شهر عظيم الشأن يا عباد الرحمن
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين ، نبينا محمد و على آله وصحبه أجمعين .
أما بعد :
قد أحاط الله شهر شعبان بشهرين عظيمين ، هما شهر الله الحرام رجب ، وشهر رمضان ، فتنبه له أيها المسلم، وتقرب فيه بالطاعات إلى العزيز المنان .
فهذا شهر يغفل عنه كثير من الناس لاشتغالهم بما سبقه وما سيأتي بعده ، فعن أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ،لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان؟! ، فقال صلى الله عليه وسلم :" ذلك شهر يغفل عنه الناس، بين رجب ورمضان ، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم". رواه النسائي (2357) وصححه العلامة الألباني.
يقول الإمام ابن رجب-رحمه الله -:"اكتنفه شهران عظيمان:الشهر الحرام -رجب -وشهر الصيام –رمضان- ، اشتغل الناس بهما عنه ، فصار مغفولا عنه ، وكثير من الناس يظن أن صيام رجب أفضل من صيام شعبان، لأنه شهر حرام ، وليس كذلك ". لطائف المعارف(ص153)
أيها الأحبة إن للعبادة في زمن الفتن و غفلة الناس عنها فضل عظيم و أجر كبير عند العزيز القدير ، فعن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال:قال صلى الله عليه وسلم:"سبق الْمُفَرِّدُونَ"قالوا:وما الْمُفَرِّدُونَ يا رسول الله؟ قال:"الذاكرون الله كثيرا والذاكرات".رواه مسلم (2676)
قال الحافظ المناوي – رحمه الله- :" أي المنفردون المعتزلون عن الناس، من فرد إذا اعتزل وتخلى للعبادة، فكأنه أفرد نفسه بالتبتل إلى الله أي سبقوا بنيل الزلفى، و العروج إلى الدرجات العلى".فيض القدير(4/92)
وعن معقل بن يسار-رضي الله عنه- قال:قال صلى الله عليه وسلم:"العبادة في الهَرْج كهجرة إلي"،رواه مسلم (2948)
قال الإمام النووي -رحمه الله-: "المراد بالهرج هنا الفتنة واختلاط أمور الناس، وسبب كثرة فضل العبادة فيه أن الناس يغفلون عنها ويشتغلون عنها ولا يتفرغ لها إلا أفراد
".الشرح على مسلم (18/88)
قال ابن رجب – رحمه الله-: "وفي إحياء الوقت المغفول عنه بالطاعة فوائد منها:أنه يكون أخفى و إخفاء النوافل و إسرارها أفضل لا سيما الصيام،فإنه سر بين العبد وربه ، ولهذا قيل إنه ليس فيه رياء ".لطائف المعارف (ص137)
أيها الأحبة الأفاضل إن من الأمور المشروعة في شهر شعبان الإكثار من الصيام ، فقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يكثر من الصيام فيه و يحث عليه ،فعن أم المؤمنين عائشة- رضي الله عنها - قالت: "ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا رمضان، وما رأيته في شهر أكثر صياماً منه في شعبان" .البخاري (1969)، ومسلم (1156)
قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-:"وفي الحديث دليل على فضل الصوم في شعبان" . فتح الباري ( 4/253)
وعنها –رضي الله عنها- أيضا: قالت: " كان أحب الشهور إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصومه شعبان ثم يصله برمضان ". رواه أبو داود ( 2431) وصححه العلامة الألباني .
قال الحافظ ابن رجب -رحمه الله-: " قيل في صوم شعبان: إن صيامه كالتمرين على صيام رمضان؛ لئلا يدخل في صوم رمضان على مشقة وكلفة، بل يكون قد تمرن على الصيام واعتاده، ووجد بصيام شعبان قبله حلاوة الصيام ولذته، فيدخل في صيام رمضان بقوة ونشاط". لطائف المعارف(ص153) .
قد تتساءلون سددكم الله، عن سبب إكثاره صلى الله عليه وسلم من الصيام في شعبان مع تصريحه بأن أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم ؟ فعن أبي هريرة –رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم " . رواه مسلم (1163)
قال الإمام النووي –رحمه الله- :
فالجواب لعله لم يعلم فضل المحرم إلا في آخر الحياة قبل التمكن من صومه أو لعله كان يعرض فيه أعذار تمنع من إكثار الصوم فيه كسفر ومرض وغيرهما ".الشرح صحيح مسلم ( 8 /37)
قال الحافظ ابن رجب -رحمه الله- : صيام شعبان أفضل من صيام الأشهر الحرم ، وأفضل التطوع ما كان قريب من رمضان قبله وبعده ، وتكون منزلته من الصيام بمنزلة السنن الرواتب مع الفرائض قبلها وبعدها وهي تكملة لنقص الفرائض ، وكذلك صيام ما قبل رمضان وبعده ، فكما أن السنن الرواتب أفضل من التطوع المطلق بالصلاة فكذلك يكون صيام ما قبل رمضان وبعده أفضل من صيام ما بَعُد عنه، ويكون قوله صلى الله عليه وسلم :"أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم "محمولا على التطوع المطلق بالصيام ، وأما ما قبل رمضان وبعده ،فإنه يلتحق به في الفضل".لطائف المعارف(ص153)
قال الشيخ ابن عثيمين –رحمه الله- : " اختلف العلماء –رحمهم الله - أيهما أفضل صوم شهر محرم أم صوم شهر شعبان ؟ فقال بعض العلماء صوم شهر شعبان أفضل لأن النبي صبى الله عليه وسلم كان يصومه إلا قليلا منه ،ولم يحفظ عنه أنه كان يصوم شهر المحرم لكنه حث على صيامه بقوله ( إنه أفضل الصيام بعد رمضان) ، وقالوا لأن صوم شعبان ينزل منزلة الراتبة قبل الفريضة ، وصوم المحرم ينزل منزلة النفل المطلق ، ومنزلة الراتبة أفضل من منزلة النفل المطلق ، وعلى كل فهذان الشهران يسن صومهما".الشرح الممتع (6/469)
وقد تتساءلون رعاكم الله ونفع بكم، عن الصيام بعد نصف شعبان ، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال :" إذا بقي نِصف من شَعبان فلا تصوموا " رواه الترمذي (738) وصححه العلامة الألباني .؟
قد أجاب علماءنا جزاهم الله خير الجزاء عنا على هذا :
قال الإمام الترمذي –رحمه الله- :( ومعنى هذا الحديث عند بعض أهل العلم أَن يكون الرجل مُفطِرًا فإذا بقي من شعبان شيء أخذ في الصوم لحال شهر رمضان ، وقد روي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يُشبه قولهم حيث قال صلى الله عليه وسلم:" لا تقدموا شهر رمضان بصيام إلا أن يُوافق ذلك صوْما كان يصومه أحدكم"، وقد دل في هذا الحديث إنما الكراهية على من يتعمد الصيام لحال رمضان) سنن الترمذي (3/115)
و أجاب ابن القيم –رحمه الله- عن هذا بعد أن صحح الحديث ، حيث قال : " وأما ظن معارضته بالأحاديث الدالة على صيام شعبان فلا معارضة بينهما وإن تلك الأحاديث تدل على صوم نصفه مع ما قبله وعلى الصوم المعتاد في النصف الثاني وحديث العلاء يدل على المنع من تعمد الصوم بعد النصف لا لعادة ولا مضافا إلى ما قبله".
تهذيب السنن(6/ 331)
وسئل الشيخ ابن باز –رحمه الله- عن حديث النهي عن الصيام بعد نصف شعبان، فقال : "هو حديث صحيح كما قال الأخ العلامة الشيخ ناصر الدين الألباني ، و المراد به النهي عن ابتداء الصوم بعد النصف، أما من صام أكثر الشهر أو الشهر كله فقد أصاب السنة ". فتاوى ابن باز ( 15/385)
لذا أيها الأفاضل ينبغي علينا أن نبادر باغتنام أيام هذا الشهر الفاضلة بالصوم وبسائر الطاعات ، فإن الأيام تمضي و الساعات تنقضي ولا ندري هل نوفق لإدراك هذا الشهر في العام المقبل أو لا ؟
أيها الأحبة بعد أن عرفتم هدي النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الشهر وتخصيصه بكثرة الصيام دون بقية الشهور، فقد يتبادر لأذهانكم سؤال ، وحق لكم ذلك ، زادكم الله حرصا ، ألا وهو هل ثبتت فضائل أخرى في شهر شعبان لنحرص عليها ، كما سنحرص بإذن الله على الصيام ؟ هذا ما سنجيبكم عنه بإذن الله في تتمة المقال ، سائلين الله لنا و لكم البركة في الأوقات و التوفيق للمزيد من الطاعات .
وصلي اللهم وسلم على نبينا محمد و على آله وصحبه أجمعين .
أبو عبد الله النايلي