أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


الباب السابع :عصمة الأنبياء:

المقصود بالعصمة: المنعة ، والعاصم : هو المانع الحامي ، والاعتصام : هو الامتساك بالشيء ، والمراد بالعصمة هنا حفظ الله لأنبيائه من الذنوب والمعاصي ، وتفصيل العصمة على النحو التالي.

1- العلماء متفقون على أن الأنبياء معصومون فيما يخبرون عن الله سبحانه وفي تبليغ رسالاته:


ولهذا ؛ وجب الإيمان بكل ما أتوه ؛ كما قال تعالى:(قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)البقرة137.
وهذه العصمة الثابتة للأنبياء هي التي يحصل بها مقصود النبوة والرسالة فالعصمة فيما يبلغونه عن الله ثابتة ؛ فلا يستقر في ذلك خطأ باتفاق المسلمين أي لا يكون هناك خطأ فيما يخبرون به عن الله.

2- واختلف العلماء في عصمتهم من المعاصي:


× فقال بعضهم بعصمتهم منها مطلقا ؛ كبائرها وصغائرها : لأن منصب النبوة يجل عن مواقعتها ومخالفة الله تعالى عمداً ، ولأننا أمرنا بالتأسي بهم ، وذلك لا يجوز مع وقوع المعصية في أفعالهم ؛ لأن الأمر بالاقتداء بهم يلزم منه أن تكون أفعالهم كلها طاعة ، وتأوَّلوا الآيات والأحاديث الواردة بإثبات شيء من ذلك.

× وقال الجمهور بجواز وقوع الصغائر منهم : بدليل ما ورد في القرآن والأخبار ، لكنهم لا يصرون عليها ، فيتوبون منها ويرجعون عنها ، فيكونون معصومين من الإصرار عليها ، ويكون الإقتداء بهم في التوبة منها.

الأنبياء بشر :

ومن ثم يعتريهم ما يعترى البشر فيما لا علاقة له بتبليغ الأحكام فيأكلون ويشربون ويمشون ويضحكون ويتألمون ويجوعون ويشبعون وتمتد إليهم أيدى الظلمة وينالهم الإضطهاد والأذى وقد يقتل الأنبياء بغير حق.

الباب الثامن : دين الأنبياء عليهم الصلاة والسلام واحد:

إن دين الأنبياء عليهم الصلاة والسلام دين واحد ، وإن تنوعت شرائعهم : قال تعالى:(شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) الشورى13.
وقال تعالى:(يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ) المؤمنون51 ـ 52.
وقال النبي صصص: (إنا معاشر الأنبياء ديننا واحد)صححه بن تيمية.

ودين الأنبياء هو دين الإسلام ، الذي لا يقبل الله غيره ، وهو الاستسلام لله بالتوحيد ، والانقياد له بالطاعة ، والخلوص من الشرك وأهله :

× قال تعالى عن نوح:(وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) النمل91.
× وقال عن إبراهيم:(إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) البقرة131.
× وقال عن موسى:(وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ) يونس84.
× وقال عن المسيح:(وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ) المائدة111.
× وقد قال تعالى فيمن تقدم من الأنبياء وعن التوارة(يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا) المائدة44.
× وقال تعالى عن ملكة سبأ:(رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) النمل44.
فالإسلام هو دين الأنبياء جميعا ، وهو الاستسلام لله وحده ، فمن استسلم له ولغيره كان مشركا ، ومن لم يستسلم له كان مستكبرًا ، وكل من المشرك والمستكبر عن عبادة الله كافر.
والاستسلام لله يتضمن عبادته وحده ، وأن يطاع وحده ، وذلك بأن يطاع في كل وقت بفعل ما أمر به في ذلك الوقت ، فإذا أمر في أول الإسلام بأن يستقبل بيت المقدس ، ثم أمر بعد ذلك باستقبال الكعبة ؛ كان كل من الفعلين داخلاً في الإسلام ؛ فالدين هو الطاعة ، وكل من الفعلين عبادة لله ، وإنما تنوع بعض صور الفعل ، وهو توجه المصلي ؛ فكذلك الرسل دينهم واحد ، وإن تنوعت الشرعة والمنهاج والوجه والمنسك ؛ فإن ذلك لا يمنع أن يكون الدين واحداً ؛ كما لم يمنع ذلك في شريعة الرسول الواحد ؛ كما مثلنا باستقبال بيت المقدس أولاً ثم استقبال الكعبة ثانيا في شريعة محمد صلى الله عليه وسلم .
فدين الأنبياء واحد ، وإن تنوعت شرائعهم؛ فقد يشرع الله في وقت أمرًا لحكمة ، ثم يشرع في وقت آخر أمرًا لحكمة ، فالعمل بالمنسوخ قبل نسخه طاعة لله ، وبعد النسخ يجب العمل بالناسخ ، فمن تمسك بالمنسوخ وترك الناسخ ؛ ليس هو على دين الإسلام ، ولا هو متبع لأحد من الأنبياء ، ولهذا كفر اليهود والنصارى ؛ لأنهم تمسكوا بشرع مبدل منسوخ.
والله تعالى يشرع لكل أمه ما يناسب حالها ووقتها ، ويكون كفيلاً بإصلاحها ، متضمنا لمصالحها ، ثم ينسخ الله ما يشاء من تلك الشرائع لانتهاء أجلها ، إلى أن بعث نبيه محمدًا خاتم النبيين إلى جميع الناس على وجه الأرض وعلى امتداد الزمن إلى يوم القيامة ، وشرع له شريعة شاملة صالحة لكل زمان ومكان ؛ لا تبدل ولا تنسخ ؛ فلا يسع جميع أهل الأرض إلا إتباعه والإيمان به صلى الله عليه وسلم: قال تعالى:(قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً) الأعراف 158.
وقال تعالى(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً) سبأ: 28.
وقال تعالى(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) الأنبياء107.
وقال تعالى(مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ) الأحزاب 40..
والمقصود أن دين الأنبياء عليهم الصلاة والسلام واحد ، وهو إخلاص العبادة لله ، والنهي عن الشرك والفساد ، وإن تنوعت شرائعهم حسب الظروف والحاجات ، إلى أن ختموا بمحمد صلى الله عليه وسلم ، الذي عمت رسالته الخلق ، وامتدت إلى آخر الدنيا ؛ لا تبدل ولا تغير ولا تنسخ ، وهي صالحة ومصلحة لكل زمان ومكان ، ولا نبي بعده عليه الصلاة والسلام إلى آخر الزمان .

الباب التاسع :ما هي الواجبات علينا نحو الرسل عليهم الصلاة والسلام؟

1- يجب علينا تصديقهم .
2- يجب علينا الإعتقاد بأنهم بلغو جميع ما أرسلوا به على ما أمروا به وبينوه بيانا واضحا شافيا كفايا .
3- الإيمان بأنهم معصومون عن الكذب والخيانة والكتمان وأنهم معصومون من الكبائر وأما الصغائر فقد تقع منهم ولكن لايقرون عليها بل يوفقون للتوبة منها .
4- يجب إحترامهم وأن لا نفرق بينهم .
5- يجب الإهتداء بهديهم والإئتمام بأمرهم والكف عن ما نهوا عنه .
6- يجب الإعتقاد بأنهم أكمل الخلق خلقا وعلما وعملا وصدقا وبرا .
7- يجب محبتهم وتعظيمهم ويحرم الغلو فيهم ورفعهم فوق منزلتهم من العبودية إلى الربوبية.

من كتاب السراج المنير في شرح العقيدة الإسلامية





لتحميل الكتاب أدخل على الرابط التالي - في الملتقى - المرفقات أسفل الموضوع