أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



الأضرار الرئيسة المترتبة على الكذب.

لو أردنا استعراض الأضرار المترتبة على الكذب لطال الكلام على ذلك ولذلك نكتفي بالأضرار الرئيسة الآتية:

الضرر الأول: القول على الله بالباطل بعلم أو بغير علم.

وهذه صفة علماء السوء من أهل الكتاب ومن اقتدى بهم من المنتسبين إلى العلم من هذه الأمة، كما قال تعالى: {فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم، ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون}. [البقرة 79]

وصفة الجهلة من المشركين أيضا، كما قال تعالى: {قل آلذكرين حرم أم الأنثيين أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين أم كنتم شهداء إذ وصاكم الله بهذا فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم إن الله لا يهدي القوم الظالمين}. [الأنعام 144]

الضرر الثاني: تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل.

وهو مترتب على القول على الله بعلم أو بلا علم، مع نسبة ذلك إلى الله تعالى كذبا وبهتانا، فيجمعون بذلك بين الكذب والافتراء على الله - عن علم أو عن غير علم - وتحريم الحلال وتحليل الحرام، ويدخل في هذا كل حلال وحرام، أو محاربة دينه وشريعته بإنكارهما، وادعاء حق التشريع ادعاء صريحا، ويصدرون أنظمة وقوانين تحرم ما أحل الله للناس وتضيق عليهم ما وسع الله لهم، أو تحلل ما حرم الله من المعاصي المتنوعة بحسب الأهواء في التحليل والتحريم معا، وليس عن تأويل معتبر، أو خطأ في اجتهاد، وهذا قد يكون من الجهلة المتعالمين، أو من علماء السوء.

الضرر الثالث: الكذب السياسي المدمر.

وهذا يحصل من الطغاة المحاربين للإسلام و للحق وأهله، عندما تعوزهم الحجة ويصرعهم برهان الحق، ومن الأمثلة الواضحة على هذا موقف فرعون من دعوة موسى وأخيه هارون عليهما السلام، فقد حاول محاورة موسى فغلبه موسى، وحاول الاستعانة عليه بالسحرة والحشود الجماهيرية فغلبه موسى، فلجأ إلى الكذب والافتراء مدعيا أن موسى إنما جاءهم بما جاء به، ليستولي على الحكم ويخرج أهل مصر من بلادهم ويتكبر عليهم -كما يقول المثل -: "رمتني بدائها وانسلت":

قال تعالى عن فرعون - بعد ذكره حوارا طويلا معه -: { قَالَ لِلْمَلإٍ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (34) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (35) قَالُوا أَرْجِهِ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (36) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ (37) فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (38) وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ (39) لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمْ الْغَالِبِينَ (40) فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (41) قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَمِنْ الْمُقَرَّبِينَ (42) قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ (43) فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ (44) فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (45) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (46) قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (47) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (48) قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمْ الَّذِي عَلَّمَكُمْ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لأقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلأصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (49) قَالُوا لا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ (50) إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ(51)} إلى قوله تعالى: {ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ (66)}. [طه 34-66]

تلك هي عاقبة أهل الباطل الكاذبين من الطغاة الذين يدمرون أممهم بكذبهم عليهم، كما حصل لفرعون و قومه، وهذه هي عاقبة أهل الحق الصادقين الذين ينصحون لقومهم ويبلغونهم الحقائق، بدون زيف ولا افتراء كما حصل لموسى عليه السلام ومن معه، ومنهم سحرة فرعون الذين قادهم البرهان إلى الإيمان به وبربه.

وما أكثر صنف فرعون وقومه الذين يكذبون على أممهم في كل شئ ويستخفونهم فيطيعونهم، ويحاول أهل الحق إنقاذهم من سياسات ألئك الطغاة، فتوضع أمام محاولاتهم العقبات، ثم لا يتبين القوم كذب ساستهم إلا عندما ينزل بهم الدمار، فيندمون ولات ساعة مندم.

وهذه الأمم اليوم تساق إلى دمارها وهلاكها بكذب طغاتها عليها وقلبهم الحقائق لها، وهذه الشعوب في الأرض تُدمر في دينها ونفسها وعقلها ونسلها وعرضها ومالها، ولا تعتبر بما جرى ويجري من المصائب النازلة بها، ولا زالت تسير وراء طغاتها كالشياه وراء الراعي الأحمق، لم تستبن رشدها الذي دعاها إليه الصادقون من رجالها، على حد قول دريد بن الصمة:

أمرتهمُ أمري بمنعرج اللوى،،،،،،،،،فلم يستبينوا النصح إلا ضحى الغد