صحى حامد من نومه ونظر إلى ساعة هاتفه وهي تشير إلى الساعة السادسة صباحا ً ..
ثم نهض متثاقل الخطى ماسكا برأسه من شدة الصداع .. بمجرد سقوط قطرات المياه
البارده على رأسه عادت إليه ذكريات الليلة الماضية والحوار الذي دار بينه وبين
زوجته .. لم يكن هذا الحوار غريباً فهو نفس الحوار يتكرر لستّة سنوات .ولكن
نهايته هي الغريبة لأنه انتهى بالاتفاق على الطلاق وأن يذهب وأبنائه لأهلها بعد
نهاية العمل .
مرت جميع لحظات الحوار في رأس حامد وقطرات الماء الباردة تنهال عليه ،
لم يكن الحوار طويلا فقد استمر فقط لستة دقائق ، أغلق حامد الماء وأخذ نفسا
عميقا وهو يمسح وجهه من الماء بكفيه شاداً شعر رأسه كي يخف الصداع ولكن
بلا فائدة وكلمات الليلة الماضية كالمعاول تضرب رأسه .!
.
أدار حامد محرك السيارة وعلا صوت الراديو أتوماتيكياً : ( كما خلّف الإنفجار ستة قتلى
وستة جرحى ). فأطفأ الراديو متمتما أصبحنا واًصبح الملك لله . كان الطريق إلى العمل
غريبا فجميع إشارات المرور الستة كانت خضراء في طريقه وكأنها كانت تمهد الطريق
له كي ينهي يوم عمله سريعا ويعود ليتمّم وعده .
جميع حوارات خلافه مع زوجته لازمته منذ أن صحى من نومه حتى وهو يلبس ملابسه
حتى أنه اضطر لأن يربط جزمة العمل أكثر من مرة بسبب قلة تركيزه . توقف حامد عند
أحدى البوفيهات لكي يأخذ افطاره ، كأس شاي وساندويتش ، كم الحساب ؟ : ستة ريالات ،
أخذ حامد محفظته وأخرج ستة ريالات بالرغم أنه يعلم ان الحساب أقل من ذلك .
لم يغب عن إنتباه حامد السيارة التي امامه والتي كانت لائحتها 666 ولم أيضا يغب
عن انتباهه أنه أوقف سيارته في الموقف رقم 66 !! في مواقف الشركة .


نورة :

لا تجعل أهلك يقفون بيننا ، فنحن من المفروض أن تكون روابطنا اقوى من اي شئ
أنا أهلك وأنا التي من المفروض أن تكون في المرتبة الأولى من أولوياتك .!

حامد :

أهلي ؟ الأهل يا نوره من أخذنا أهليتنا منهم ؟!أهلي أخوتي وأخواتي وابي وأمي !
الأبناء غيرهم ابناء والزوجة غيرها زوجات ! ولكن اهلي لا يتغيرون !


ذهب حامد في الساعة التاسعة لمبنى التقنية رقم 2 وإذا بلافتة مكتوبا عليها : تم نقل
الإجتماع للغرفة رقم ستة . ذهب حامد هناك ولم يجد أحداً .. وجلس لوحده يراجع أفكاره.


نوره :

لم اقل شيئا بحق أهلك ، هم من يفتعلون المشاكل ، هم من لا يجعلونني أحظر
مناسباتهم فلست أنا الملامة هنا ، أنت أضعف من أن تواجههم فتصب جام غضبك علي !

حامد :

أنا رجل ، فلا تنعتيني بالضعف ، أنا من يقدر الأمور مهما قلتي عن أهلي فمن المفروض
أن تحترميهم من إحترامي وأنا اعلم تماماً أنكِ سبب جميع المشاكل !

.
لا زالت حوارات الليلة الماضية تعبث بعقل حامد فكل دقيقة تمر وكأنها بستة دقائق ...
كان حامد يتمنى أن يحصل عطل في المصنع كي يهرب من أفكاره .
عاد حامد إلى البيت والوعد الذي بينه وبين زوجته لا زال قائماً ، وإذا بأبنائه الثلاثة
يجلسون جنبا على جنب على كنب الصالة الفاره ، الكبير منهم كانت عيناه حزينتان
فهو يعلم تماما أن هذه الرحلة سوف تكون نهاية حزينة لأنه كان موجودا في أغلب
الخلافات التي حصلت . والأوسط لم يكن ينظر إلى حامد فهو لا يعلم ما الموضوع
ولكنه يرى اخاه الأكبر حزينا ومن حزنه اخذ ينظر إلى الاسفل وهو يمص اصبعه
من حدة الجو المكهرب . والأصغر كانت عيناه سعيدتان فهو موعود برحلة بالسيارة
وعيناه تنطق سعادةً لا توصف ، ويا لأسفي أي سعادةٍ تنتظره ؟!فهو موعود بفقد أباه .

نظر حامد إلى الستة شنط والتي جهزتها نورة للعودة إلى بيت اهلها، وأخذ يحملها واحدة
تلوا الأخرى كانت حركة حامد جداً بطيئة لأنه كان يفكر في أمرٍ ما ؟!!! ..........
ما سر الرقم ستة في هذا اليوم ؟! هل هو عدد أعين ابنائي ! نعم ابنائي لهم ستة أعين !
هل كان الرقم ستة علامة تنبيه لي للتمسك بأبنائي ! . وقف حامد خلف سيارته لا يعلم
ماذا يعمل ، فهو للتو اكتشف سر الرقم ستة وعلم لماذا هذا الرقم كان يطارده في هذا
اليوم بالذات ، فالستة تعني أعين ابنائه .!
عاد بعد أن خفتت ضربات المعاول على رأسه لداخل البيت وأبنائه مازالوا في أماكنهم
وقال لن نذهب اليوم إلى مكان وأعاد الشنط للبيت . كانت ردّات الفعل متفاوتة
فالإبن الأكبر تهللت عيناه فرحا والأوسط ابتسم بالرغم أنه ما يزال يمص اصبعه
والأصغر أخذ يبكي لأنه لن يذهب في السيارة ، لم ينتظر حامد تعابير وجه نورة ابدا
فلقد رأى التعابير التي تكفيه في أعين أبنائه الثلاثة ذوو الستة أعين ، بل ذهب إلى سيارته
وقادها لا شعوريا لا يعلم أين يذهب فالموقف أشد من أن يبرره لأي سبب .وفي طريقه ليلاً
عادت له ذكريات هذا اليوم منذ البداية ، هذا اليوم الطويل الكئيب الممل القاتل للسعادة .

لم تكن الساعة السادسة صباحاً عندما صحى حامد هذا الصباح ، فالمنبه كان على الساعة
السابعة . قتلى الإنفجار الذي سمعه بالراديو لم يكونوا ستة وكذلك الجرحى بل كانوا أكثر من ذلك .
لم تكن إشارات المرور الست في طريقه للعمل ،فهو يعلم أنها اقل بالرغم فعلا أنها كانت خضراء .
لم يكن ثمن إفطاره ستة ريالات أبدا، فهو من أعطى صاحب المحل ستة ريالات لا شعوريا .
لم يكن رقم السيارة التي أمامه 666 فهو من تخيل ذلك فرقم السيارة كان لايحوي رقم
ستة أبدا وكذلك أيضا موقفه المحدد والذي يحمل منصبه كان رقم 11 خيل إليه أنه 66
وفي ذلك اليوم ، لم يكن الإجتماع في الغرفة رقم 6 أبدا فهو من خيل إليه أن الإجتماع
في الغرفة رقم ستة . كل مافي الأمر أن حامد نام وهو يفكر في أعين ابنائه الثلاثة
( الستــة أعين )!

عاد حامد وهو يقول إن كانت لأجل عين تكرم مدينة فلأجل ستة اعين ماذا يكرم ؟!

قالها حامد وهو ينظر للافتة الشارع رقم ستة وهو عائد لبيته .

.

انتهت .

بقلم/ فهد بن راشد