قصة دخول النائب الكويتي ( الدكتور وليد الطبطبائي ) لغزة الأبية
النائب الشريف الدكتور وليد الطبطبائي المشهور بمواقفه الإسلامية وله قصته المشهورة برفع عقاله للقائد إسماعيل هنية
ثم بعد ذلك رفع حذاءه لمحمود عباس
يروي دخوله لغزة فيقول :
تيسر لي، والحمد لله، زيارة فلسطين وتحديدا قطاع غزة الصامد والشامخ، وقد كانت هذه الزيارة على قصرها بالنسبة لي زيارة تاريخية تعلمت منها الكثير والكثير، تعلمت كيف يصنع الإباء والشموخ والعزة.. تعلمت كيف يكون الصبر، وكيف تكون التضحية، كانت غزة مدرسة للعالم بأسره، بل هي جامعة، كل طفل وامرأة ورجل وعجوز هم اساتذة هذه الجامعة و»بروفسوراتها«.. انت أمام اطفال غزة تلميذ، امام استاذ شامخ، وامام شبابها وفتياتها تل صغير امام جبال شامخة، اما المجاهدون في غزة فتحدث عن النجوم الزاهرة المتلألئة والكواكب المنيرة والمضيئة.. دخلت الى غزة ليلا وكانت مظاهر الخراب على الرغم من الظلام الدامس لا تخطئها العين.. وكيف تخطئها وانت في وسط الدمار والحطام.
دخلت غزة بداية عن طريق معبر رفح المصري.. وكان معي خطاب من سفارة الكويت لتسهيل امري خاصة وان لدينا مواد اغاثة فقال لي المسؤولون في المعبر لا يسمح بالدخول الا للطواقم الطبية والاعلامية فابرزت لهم بطاقة جمعية الصحافيين الكويتية فقالوا: ارجع الى سفارتك لتخاطب المركز الاعلامي بالقاهرة ليرسل لنا موافقة بالفاكس على دخولك بمعنى ان هذا الامر قد يحتاج الى يومين آخرين خاصة وان غداً السبت كان يوم عطلة والسفارة لا تعمل ولا ادري هل تصدر موافقة للمركز الاعلامي، واذا صدرت قد يتم تغيير القرار ولا يسمح وقتها بدخول الاعلاميين.
.. ولذلك اخترت ان اسارع بالدخول الى غزة لمشاهدة آثار العدوان قبل ان يتطاول عليها الزمن، فقررت الدخول الى غزة عبر الانفاق.
الانفاق.. ما المانع؟.. أليست الانفاق هي حديث العالم وهاجس اسرائيل الاول؟ أليست الانفاق هي الشريان الوحيد الذي يمد غزة بأسباب الحياة؟!! ثم لماذا لا ارى واعاين مدى ما يعانيه اهل غزة من آثار الحصار حتى ابتكروا هذه الوسائل البدائية؟.. ليكسروا شيئاً من الحصار وليكون متنفساً بسيطاً عند الحاجة والضرورة حيث تكون المعابر مغلقة؟!.. وبدأت رحلة الدخول الى غزة عبر الانفاق.. وتحت الارض.. فكيف كانت رحلة الانفاق؟
أنني اضطررت لأخذ خيار الدخول إلى غزة عبر الأنفاق وان هذا الخيار يكشف لنا عن عالم الانفاق وكيف عاش أهل غزة في ظل الحصار وكيف ابتكروا فكرة الأنفاق.
وقبل ان ادخل إلى تجربة الانفاق اود ان اعطي القارئ فكرة عن هذه الأنفاق:
* ظهرت هذه الانفاق بشكل كبير كبديل عن اغلاق المعابر وخصوصا معبر رفح المصري وخصوصا قبل 3 سنوات وهو وصول حماس إلى رئاسة الوزراء في غزة.
* كانت بيوت رفح المصرية والفلسطينية متلاصقة تماما وكان بالإمكان الدخول من منزل رفح المصرية والخروج من منزل آخر في رفح غزة بمجرد عمل فتحة في حائط بين المنزلين.
* عندما انسحب الصهاينة من غزة بأوامر شارون عمل على ازالة البيوت الفلسطينية في رفح المحاذية للحدود وعمل منطقة عازلة.
* وعندما بدأت فكرة الانفاق تتنامى في ظل الحاجة لبديل عن اغلاق معبر رفح بشكل شبه مستمر.
* عدد الانفاق يتجاوز 600 نفق.
تضرر عدد كبير من الانفاق بسبب القصف الاسرائيلي الكبير لها وبقى عدد كبير اخر مازال مستمرا في العمل مما يدل على فشل الحملة الصهيونية في احكام الحصار على أهل غزة.
* كانت الانفاق تعمل حتى اثناء العدوان على غزة.
* تم نقل الادوية وخاصة ادوية الجراحة والبنج في الايام الاولى عبر الانفاق بسبب عدم فتح المعابر.
* يتم استخدام هذه الانفاق لنقل المواد الغذائية بأنواعها، ونقل الوقود: البنزين والمازوت وينقل نحو مليون لتر يوميا عبر خراطيم موصلة من مصر الى غزة.
* يتم نقل اسطوانات الغاز السائل نظرا للحاجة الماسة هناك نظرا لتأخير وصولها عبر المعابر الرسمية الى غزة.
* تنقل الحيوانات مثل العجول والاغنام وحتى الخيول عبر هذه الانفاق.
* طول الانفاق يقارب 200 متر يقل أو يزيد احيانا.
* عرض الانفاق يتراوح بين دائرة قطرها متر ونصف فيضطر العابر الى الزحف احيانا او الانحناء وقد يتسع النفق احيانا ليصبح بالامكان المشي والسير والوقوف بشكل كامل.
يعتبر النفق ثروة لاصحابه حيث يأخذ صاحب النفق نحو 100 دولار عن كل كيس او كرتون يدخل النفق ويقوم هو بتوصيلها الى الطرف الاخر.
* يستغرق حفر النفق نحو 20 يوما تقريبا.
* يعتبر النفق فرصة للتواصل الاجتماعي بين أهالي رفح واقاربهم في الجهتين.
* عمق النفق تقريبا 20 مترا تحت الارض.
هذا هو النفق، وقد تيسر لي تجربة معاناة اهل غزة الذين اضطروا لاستخدام هذه الانفاق لنقل المواد الغذائية والوقود بسبب وقوف المعابر واغلاقها وحصارهم بشكل كبير، وهي معاناة كبيرة حيث يكون الهواء قليلا وروائح المازوت والبنزين متشعبة في النفق.. وقد كدت اختنق بسبب ذلك لأن النفق تعطل وانا ادخل مما تسبب في مكوثي وسط النفق الضيق لأكثر من ساعة كاملة.
وهكذا كانت تجربة الانفاق، واعتقد بأن من حق اهل غزة ان يكون لهم معابر مفتوحة فوق الارض ليخرجوا ويدخلوا كما يشاؤون وان يستوردوا المواد الغذائية والوقود بشكل رسمي، وان يفتح المطار والميناء لهم، ولا اعتقد بأنهم مسرورون من دخول الانفاق، ولكن ما حيلة المضطر الا ركوب الاهوال.
وعلى العموم دخلت غزة وهي قطعة من فلسطين الحبيبة ارض الحشر والمنشر وارض الرباط وبلد الاقصى والارض المباركة وكلي سعادة بهذه النعمة العظيمة، وبدأت رحلتي داخل غزة...