مع الدكتور محمد الأحمد الرشيد
------------------------------------------------------------------------------
قضية دمج تعليم البنات والبنين أرهقتني .. ولكن
أعترف بأنني حركت بعض المياه الراكدة في وزارة التربية والتعليم.. وأغضبت الكثيرين
إعداد - عبدالله الحسني
عندما ودع معالي الدكتور محمد بن احمد الرشيد وزير التربية والتعليم عمله في الوزارة الذي استمر عشر سنوات وذلك في أواخر عام 1425هـ ألح عليه زملاؤه وشريحة واسعة من الوسط التربوي أن يكتب شيئا من سيرته الذاتية وتجاربه العمليـة للأجيال القادمـة وليطّلع عليها المهتمون بالشأن التربوي، خاصة إن وزارته كانت موضع حديث الناس في تلك الفترة،وتقاطعت كثير من المشاريع التي كان يعمل عليها مع بعض الآراء التي لها أولوياتها وقضاياها وأجندتها الخاصة.
من هنا سألت (اليوم) الدكتور الرشيد عمّا إذا كان سيحقق هذه الرغبـة بالفعل خاصـة بعد مرور عامين من انتهاء فترة عمله في الوزارة.. فكان الرد من معاليه أنه انتهى بالفعل من تأليف كتابه(مسيرة حياتي) وهو في مراحل النشر الأخيرة،ولم يمانع معاليه من إجراء هذا الحوار معه فيما اعتبره جزءا من النسخة الأولى من الكتاب التي يهديها لقراء (اليوم) .
وتضمن الحوار إجابات لمعاليه حول العديد من القضايا التي عايشها متضمنا حقائق ومعلومات يكشفها الوزير الرشيد تخص تجربته في وزارة المعارف (التربية والتعليم) التي تعد المرحـلـة الأهم والأكثر غزارة، فضلا عن عمله في مكتب التربية العربي ومجلس الشورى وجامعة الملك سعود قبل ذلك.
إشارات لأحداث ومواقف
تحدث الناس عن كتاب لك سوف يرى النور قريبا.. ماذا يمكن أن تقول لهؤلاء وهؤلاء بعد تجربتك كوزير؟
ــ جاء هذا الكتاب استجابة لشعوري بان النقلة الاجتماعية والتعليمية والثقافية والمادية التي عشت قبلها ومعها لم يكتب عنها بما فيه الكفاية، فأردت أن أضع أمام القراء الكرام، والناشئين خاصـة صورا عشتها مؤملا أن تنفعهم في مسيرتهم لبناء المستقبل المشرق بهم إن شاء الله، وهو ليس صورا من سيرة مقتضبة لصاحبه فحسب،وإنما هو ملامح من سيرة مجتمع في حقبة زمنية لا تتجاوز خمسين عاما، والمتحدث أنموذج لشريحة من أفراد المجتمع الذين عاصروا تلك النقلة ورأوها من الداخل وعايشوها من المواقع التي تنقل فيها، وأؤكد أنه ليس المقصود منه التأريخ التفصيلي لحياة المتحدث ولا إعطاء صورة شاملة لواقع المجتمع السعودي؛ لكنها إشارات لبعض الأحداث والمواقف والأعمال التي لها معنى خاص عندي، وفي تصوري أن واقعنا الحالي هو امتداد لها.
بمعنى أن العملية «ضربة معلم»؟!
- لعل وعسى.
فرصة للتأمل
ألا ترى أنك تأخرت في الإجابـة عن بعض الأسئلة التي تدور حولك؟
ـ أردت أن أمنح نفسي فرصة جيدة للتأمل وجمع ورصد حقائق وذكريات مرت منذ سنين طويلـة، بعضها لا يزال عالقا في الذاكرة وبعضها الآخر لم تتمكن من استرداده وأحتفظ بأمور أخرى لنفسي، ومن خلال (اليوم) أهدي إخوة دربي وأخواتي وكل المهتمين والحريصين على الحقيقة.. كتابي القادم داعيا الله لهم بالتوفيق.
الشباب بحاجـة إلى الحس الوطني
أحوال شبابنا في هذا العصر.. كيف تراها من خلال تجربتك؟
ــ لقد أدركت ـ بحكم مسؤولياتي ووظائفي التي تقلدتها، ومعظمها في المؤسسات التعليمية أن بعض الشباب في عصرنا الحالي لا يقدرون المكاسب والانجازات التي تحققت حق قدرها، وبعضهم يحتاج إلى مزيد من الحس الوطني الذي ينبغي أن يتجلى في حماس للعمل وحب للإتقان. كما أدركت أن كثيرا من القيم السامية النابعة من ديننا الحنيف، التي اعتنقها الآباء والأجداد وعملوا بها غشاها الغبش، فلم يعد الناس يبصرونها كما ينبغي أن يبصروها، ومن هنا يجب أن يُزال بعض هذا الغبش لتكون الرؤية أوضح، واقرب إلى الحقيقة. فالحكم الصحيح ينبني على رؤية صحيحة و(الحكم على الشيء فرع عن تصوره).
مشروعات إصلاحية
حققت التربية والتعليم أثناء توليكم العمل إنجازات كثيرة، وأخفقت في أخرى..إلى ماذا تعزون ذلك؟
ــ لقد اجتهدت حين أنيطت بي المسؤولية ـ ما وسعني الاجتهاد ـ في العمل لمصلحة ديني ووطني وحاولت مستعينا بالله ثم بالكثيرين من المخلصين الأخيار من أبناء هذا الوطن والمقيمين فيه أن أرقى بمستوى التعليم في بلادنا لإيماني بأن نهضة الأمم تبدأ من التربية والتعليم. ولم اتخذ أي قرار ذي بال حين كنت وزيرا قبل استشارة زملائي الأخيار في الوزارة،الذين كنت اجتمع بهم كل أسبوع اعرض عليهم ما عندي، ويعرضون علي ما عندهم فيكون لدى الجميع صورة عن الملامح الكبرى لما يجري، ونعقد العزم على التنفيذ، ولا يمكن لأي عمل بشري مهما اجتهدنا أن نجزم بأنه كامل بالكليـة أو ناقص بالكليـة. ولذلك فقد أوردت في بعض فصول كتابي المرتقب ما يبدو كأنه عرض لإصلاحات إدارية ووظيفية مهمة تمت في وزارة التربية والتعليم في المدة التي يتناولها الكتاب وما يبدو كأنه عرض لانجازات علمية وعملية حركت بعض المياه التي كانت راكدة في المجال التربوي والتعليمي، وحديث عما خططت له الوزارة في تلك الحقبة من عمرها وبعضه نجحت الوزارة في وضعه موضع التنفيذ، وبعضه الآخر لا يزال ينتظر همة المخلصين من أبناء هذا الوطن الحبيب ليصنعوا به غدا أفضل لأبنائنا وبناتنا.
تصحيح طريقة التفكير
هل يمكن القول إنكم تعرضتم للظلم؟
ــ الجحود للأسف الشديد أصبح صفة ظاهرة في بعض دوائر مجتمع لم يكن يعرفها من قبل، والتاريخ يجب أن يجد مادته الصحيحة من مصادرها المباشرة بدلا من أن يعتمد على روايات إن حفظ بعض الرواة تفاصيلها ينساها آخرون، فتتضارب الرؤى وتضيع الحقيقة، ومن جانب آخر فإنه من حق إخواني الذين أعانوني في مختلف أقسام الوزارة ووكالاتها وإدارتها أن يجدوا بعضا مما أنجزوه حاضرا فيما اسطره عن مرحلة زمنية مهمة من عطائهم العلمي المتميز وتفانيهم العملي، الذي لولاه لما كانت الحال في المؤسسات التعليمية والتربوية في بلادنا على ما هي عليه اليوم، غير أن أهم من المهم إبراء الذمة أمام الله تعالى، والقيام بواجب البيان الذي يمليه علي الموقع الذي كنت فيه، وقد أوردت نصوص بعض أحاديثي وكلماتي ومراسلاتي لأكشف الحقيقة لمن غابت عنه، ولأوضحها لمن غمضت عليه ولمن يحرصون على معرفتها بجلاء ولأصحح طريقة التفكير لدى بعض أبناء هذا الوطن الغالي الذين يسارعون في الحكم على نيات الناس، ولا يتثبتون من أقوالهم وأفعالهم مخالفين النصوص الصريحة في الكتاب والسنة هذا، بالإضافـة إلى أن الاطلاع على هذه الكلمات والأحاديث والمراسلات يعطي فكرة صادقة، وان لم تكن شاملة عن (فكري التربوي وفلسفتي في التعليم) ـ إن صح التعبير، إذ أن عددا من الزملاء الأفاضل والأصدقاء الأحباب كانوا يطلبون مني بصفة مستمرة أن اكتب في هذا الموضوع.