الــلــغَــةُ هي تُـراثُ كُلِّ أُمَّةٍ وهي ركيزتُها الحضارية وجذورها الممتدة في باطن التاريخ، ولغتُنا العربيةُ يُسْرٌ لا عُسْرَ، ونحنُ نملكها كما كان القدماءُ يملكونها ،ومنذ زمن ليس بالبعيد كان اللحن أو الخطأ في اللغة نُطقا وكتابة أمرا خطيرا تهتز له أقلام المتخصصين، ويمتعضُ منه كل إنسان غيور على لغته وتراثه والآن أصبح الخطأ في اللغة لا يستحي منه المرء، ولا يكترث به رجال اللغة، ولم تَـعُـد الغـيـرة على اللغة كما كانت من قبل، وكما ينبغي أنْ تكون! بل إنَّ من خطورة الأمر أنْ يُصبح الخطأ أمرا عاديا طبيعيا، وتُصبح الغـيـرة على اللغة وردُّ الخطأ ضرباً من المبالغة والتحمس غير المحمود!! إننا نرى ونسمع ونشاهد كل يوم في وسائل إعلامنا وفي صحفنا وفي متاجرنا وشوارعنا وإعلاناتنا الخطأ تلو الآخر، نُطْقـا وكتابة في المذياع والتلفاز وفي غيرهما من وسائل الإعلام والإعلان، ولا نُـحَـرِّكُ ساكنا!!
إنه لمن المؤسف حقا أنْ ينصبَ الإنسانُ الفاعلَ ويرفعَ المفعولَ به والحال، ولا يعرف إعراب الصفة والمضاف إليه والأسماء الخمسة وماذا تفعل حروف الجر وعلام تدخُـل.. ولا يفـرِّق بين همزة الوصْل وهمزة القطع ولا بين ( أل) الشمسية و ( أل ) القمرية، ولا يعرف قواعد الهمزات ولا التنوين، ويُخطئ في الحركات فيتغيّر المعنى!!
لقد ثـَار العالم اللغويّ الشهير «الخليل بن أحمد الفراهيدي» في زمن الدولة العباسية على رجُـل كان جالسا يتلو بعض الآيات القرآنية من سورة التوبة :«وأذانٌٌٌ منَ الله ورسولِه إلى الناس يوم الحج الأكبر أنَّ اللهَ بريءٌ من المشركين ورسولُـه» نطقها الرجُل «ورسولهِ» بكسر اللام وليس بضمها كما نزلت على الرسول (صلّى الله عليه وسلّم)
وبالطبع يتغيـّر المعنى تماما بتغير حركة واحدة على حرف واحد.. فما كان من الخليل إلا أن ثـار على الرجل قائلاً : ماذا تقولُ يا رجُل» ؟! قُـلْ«ورسولُه» بضم اللام، فـبـرَّرَ الرجلُ خطأه بأنَّ المصحف في ذلك الوقت لم يكنْ به أية وسيلة تقيد القارئ بالنطق السليم ، وكانت البداية التي تحرك لها عقلُ ووجدان العالم الشهير، وعكف على دراسة مخرج لذلك حتى توصَّل إلى الحركات المتعارَف عليها الآن (الفتحة والكسرة والضمة والسكون» وذكر (ابن جني) في الخصائص أنّ رجُلا لحَن عند رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) فقال : أرشدوا أخاكم فإنه قد ضل» وقد كان (ابنُ عمر) (رضي الله عنهما ) يضرب ابنه على اللحن في الكلام.وسمع (الأصمعي) رجلا يدعو : يا ذو الجلال والإكرام، فقال له : منْ كم تدعو؟ قال: من سبع سنين دأباً، فلم أرَ الإجابة، فقال: ما اسمُـك؟ قال : ليْث ، فأنشأ يقول : ينادي ربَّه باللحن ليثٌ لذاك إذا دعاهُ فلا يُجيبُ فقال له : «قل يا ذا الجلال والإكرام».
وقال (عبد الملك بن مروان) :«اللحن في الكلام أقبح من الجُدريّ في الوجْه» ، وقال : «شيبني ارتقاءُ المنابر مخافةَ اللحْن».
وقَـرَعَ رجُلٌ بابَ نحْويّ وكان ضعيفا في اللغة فخرج ولدٌ له، فقال الرجل : يا صبي أباك أبيك أبوك هاهنا ؟ فقال الصبي: لا لِي لُو !!
وينقل (ابنُ قتيبة) : أنَّ رجلا دخل على زياد فقال : إنَّ أبينا هلك ، وإنَّ أخينا غصبنا على ميراثنا من أبانا ، فقال زياد : ما ضيعتَ مِنْ نفْسِك أكثر مما ضاع من مالك . ( والصواب : أبانا ، أخانا ) .
فهل آنَ الأوانُ كي نعرف أنَّ اللحن والخطأ في اللغة أمرٌ له خطورته من الناحية الإسلامية، وأنه يقلبُ المعنى رأسًا على عقِب !! وهل آنَ الأوانُ كي تُصححَ وسائلُ الإعلام هذه الأخطاءَ الصارخة التي تتكرر كل يوم !! وهل آنَ الأوانُ كي نهتم بلغتنا العربية لغة القرآن !! وهل آنَ الأوانُ كي يهتم الآباء بتعليم أبنائهم لغتهم العربية كما يهتمون بتعليمهم اللغات الأجنبية !! وإذا لم يكنْ قد آنَ فمتى يكونُ ذلك ؟!!
دمتم احبتي بكل ود