فهد عامر الأحمدي(ج/الرياض )
حين هبطت المركبة الفضائية باثفايندر على المريخ (في الرابع من يوليو1997) رفع رجلان يمنيان قضية تعويض ضد وكالة ناسا في أمريكا بحجة عدم استئذانهما في الهبوط على المريخ.. فقد تقدم المواطنان عبدالله مسعد ومصطفى يوسف ببلاغ للنائب العام (في نفس الشهر) بدعوى امتلاكهما لكوكب المريخ عن طريق الوراثة الشرعية منذ 3000 عام. وطالب المدعيان بمثول السفير الأمريكي أمام المحاكم اليمنية كوكيل عن مؤسسة ناسا وزعما أن لديهما "وثائق دينية وتاريخية تثبت أن المريخ ملك لأحد أجدادهما الذي وهبه النبي سليمان هذا الكوكب تكريما له على مساهمته بنقل عرش بلقيس الى القدس"(حسب ما جاء في عريضة الدعوى)!
.. وهذه القضية مجرد أنموذج لادعاءات ملكية فضائية يتقدم بها أفراد يعتقدون فعلاً امتلاكهم لبعض الأجرام السماوية عن طريق الوراثة أو أسبقية وضع اليد..
وكان الأديب التشيلي "جينارو كاجاردو" هو أول من سجل القمر باسمه عام 1953 (واشتهر عالميا بهذه المبادرة لدرجة ان ناسا استأذنته من أجل إنزال مركبتها أبولو على القمر في عقد الستينات). ففي ذلك العام تساءل هذا المحامي الشاعر عما يمنعه من امتلاك القمر بحكم "أسبقية وضع اليد". وحين لم يجد مانعاً قانونياً خرج ببيجامة النوم (خشية أن يسبقه أحد) وسجله باسمه في دائرة أملاك مدينة تالكا. ويعد هذا الإجراء سليماً 100% لعدم وجود مالك سابق للقمر باستثناء ملايين العشاق طبعاً- وفي المقابل لم يخسر كاجاردو سوى 42 بيزوس دفعها لموظف المكتب!!.. وحين سمع فنان برازيلي يدعى "ميراندا جونيور" بهذا الخبر سارع لتسجيل كامل المجموعة الشمسية باسمه في مكتب سان باولو.. ويقول رئيس مكتب التسجيل في المدينة "أعرف أن هذا الطلب غريب لكنني لم أجد مانعاً قانونياً من تسجيله". وحتى اليوم باع جونيور سبعة كواكب و27 صخرة مدارية في حين باع كاجاردو التشيلي اكثر من 200 ألف قطعة لحالمين يأملون يوماً بالسكن على القمر!!
واليوم يوجد في أمريكا وحدها 2345 جهة مخولة ببيع وشراء النجوم والكواكب أكثرها عراقة "جمعية الباسفيك الفلكية" التي بدأت منذ السبعينات ببيع الأراضي على كواكب المجموعة الشمسية بسعر بخس (15 دولاراً لكل 140 ألف فدان).. وهناك أيضاً مايعرف باسم سجل النجوم الدولي (أي. إس. آر) الذي يحاول تنظيم ملكية النجوم بين مواطني العالم (ويوجد له فرع في دبي). وحتى الآن امتلك 455 ألف شخص نجوم معروفة وأخرى سموها بأنفسهم في الولايات المتحدة فقط!!
وفي الحقيقة، حتى على المستوى الدولي والسياسي لم يعد الأمر مزحة على الإطلاق؛ فهيئة الأمم المتحدة شكلت عام 1958 لجنة دولية لحل المنازعات العقارية المحتمل بروزها مع ازدياد الرحلات الفضائية. كما أنشأت مركزا للدراسات القانونية يبحث في شروط الملكيات الفضائية وحقوق الانتفاع بها مستقبلاً. وبين عامي 1967 و 1976 أصدرت خمس اتفاقيات دولية لتنظيم المنازعات الفضائية المحتملة وقعت عليها الدول الكبرى فقط!!
أتعرفون ما يقلقني حقاً..
أننا نحن من يعتقد دائما أن في الأمر مجرد مزحة ثم نكتشف أن الشعوب الغربية كانت أبعد نظراً في استيطان الأراضي الجديدة (في أستراليا والأمريكيتين) أو ضم الجزر البعيدة (كجزر المحيط الهادي وإقيانوسيا) أو أسبقية الوصول الى الكواكب (كما فعلت أمريكا مع القمر والمريخ) بل وحتى وضع أعلامها الوطنية في قيعان البحار والمحيطات (كما فعلت روسيا قبل عامين لإثبات امتلاكها للقطب الشمالي) ثم نكتشف بعد فوات الأوان أننا مازلنا في "جزيرة العرب"..على الأقل؛ حاول عبد الله ومصطفى منازعة الأمريكان حقهم في المريخ..