أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


فتح الكريم الوهاب في الرد على مقال الكفراوي المسمى بفصل الخطاب حول نسبة كتاب البشارة من الإشارة
دار جدلٌ ونقاش سابقاً بيني وبين الأستاذ أبو يوسف الكفراوي محمد توفيق حديد في مجلة مركز ودود ، وملتقى أهل الحديث ، حولَ نسبة كتاب البشارة من الإشارة في القراءات العشر ، واختيار أبي حاتم السجستاني للإمام المقرئ الحاذق المحقق فخر الإسلام عبد الحميد بن منصور بن أحمد العراقي ، وكنتُ قد اعتمدتُّ في تحقيق الكتاب على ثلاث نسخ خطية وهي : نسخة معهد الاستشراق بطرسبورغ ، ونسخة المكتبة البريطانية ، ونسخة مكتبة الملك عبد العزيز العامة بالرياض .
وأبو يوسف الكفراوي لم يكن لديه اطلاع على نسخة معهد الاستشراق/ بطرسبورغ 1/ 53 [ 347 B - 2355 ) ] – ( ورقة 79 ب – 93 ب ] ) ، فكان يعتقد أنَّ نسخة بطرسبورغ مختلفة عن نسخة المكتبة البريطانية ونسخة مكتبة الملك عبد العزيز ، وأن مؤلفها مختلف تماماً عن مؤلف النسختين الآخرتين ، لكن ظهرَ جميعها أنها نسخ متشابهة لنفس نص كتاب البشارة!!..
وقد طلبَ مني كنوعٍ من التَّحدي وضع صورة لنسخة بطرسبورغ ليتأكد أنها لنفس الكتاب ، وذلك لصعوبة الوصول والحصول على هذه النسخة الموجودة بمعهد الاستشراق بطرسبورغ روسيا ، وقد وضعتُ في المرفقات أنموذج من نسخة بطرسبورغ تثبت أنها لنفس كتاب البشارة الذي بين أيدينا، وهذه النسخ الثلاث تشير إلى نفس النص في المقدمة مع اختلاف يسير في بعض الكلمات - كعادة النسخ المخطوطة أثناء المقابلة- وهو : (( الحمد لله على سابغ أفضاله ، والصلاة على رسوله وآله.
أما بعد : فإن شيخنا – رحمة الله عليه – لما اختصر " كتاب البشارة من كتاب الإشارة" بألطف العبارة تقمن فيه إيجازاً ، لكن تضمن فيه إعجازاً ، أوجزه فأعجزه ، وأبرزه فأحرزه ؛ رجاء أن يفهم منه ما أبهم ، ويسأل عنه ما أهمل ، فأحببت أن أذكر في كتابي هذا ما أهمله ، وأنشر فيه ما أجمله ، حالياً بأقوال الأحبار ، خالياً عن أباطيل الأخبار ، فصرفت كل شيء إلى موضعه ، بعد ما عرفته من موقعه ، وسميته : " كتاب البشارة من كتاب الإشارة " ؛ ليتلى ولا يلغى ، ويحفظ ولا يلفظ ، وأسأل الله عزَّ مسئولاً ، وجلَّ مأمولاً ، الصواب على ما رويته ، والثواب على ما نويته ؛ إنه بالإجابة جدير ، وعلى الإثابة قدير.
ذكر تسمية الأئمة المتقدمين منهم ... )) .
أما الأدلة التي أتى بها الأخ محمد توفيق أبو يوسف الكفراوي في نسبة الكتاب إلى غير عبد الحميد بن منصور فهي وهمية غير مقنعة بتاتاً..
وسأذكر موضعين لبعض الأدلة الصريحة في توثيق نسبة كتاب البشارة لعبد الحميد بن منصور العراقي ، وذلك فيما اتَّبعَ به عبد الحميد والده في كتابه :
قال الحافظ ابن الجزري في كتابه النشر (1/315) في رده لوهم من جوَّز قصر المتصل : (( ولما وقف أبو شامة رحمه الله عل كلام الهذلي رحمه الله ظن أنه يعني أن في المتصل قصراً فقال في شرحه: "ومنهم من أجرى فيه الخلاف المذكور في كلمتين" ثم نقل ذلك عن حكاية الهذلي عن العراقي ، وهذا شيء لم يقصده الهذلي ولا ذكره العراقي التفاوت في مده فقط ، وقد رأيت كلامه في كتابه الإشارة في القراءات العشر ، وكلام ابنه عبد الحميد في مختصرها البشارة فرأيته ذكر مراتب المد في المتصل والمنفصل ثلاثة: طولى ، ووسطى ، ودون ذلك ، ثم ذكر التفرقة بين ما هو من كلمة فيُمد ،وما هو من كلمتين فيُقصر ، قال : "وهو مذهب أهل الحجاز غير ورش وسهل ويعقوب واختلف عن أبي عمرو"...))
الشاهد هذه الجملة : " وهو مذهب أهل الحجاز غير ورش وسهل ويعقوب واختلف عن أبي عمرو" ، وهو كلام أبو نصر العراقي في كتابه الإشارة المخطوط : (الورقة : 15) .
وللتأكد من هذه الجملة في كتاب البشارة لابنه عبد الحميد من النسخ التي بين أيدينا وذلك بعد ذكره لمرتبة القصر ، والاختلاف في مد أبي عمرو : " وروى غيره بل يُفرق عنهما ، وهو مذهب أهل الحجاز غير ورش وسهل ويعقوب وهشام وهذا هو المشهور.. " .
موضع آخر : قوله تعالى : { أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم } (49) سورة آل عمران ، حيث ذكر أبو نصر العراقي في كتابه الإشارة أنَّ نافع وحده قرأها بكسر الألف حيث قال في الإشارة (الورقة:34) : " قرأ نافع بكسر الألف ، والباقون بفتح الألف " ، وقد تبعه على ذلك ابنه عبد الحميد في كتابه البشارة في النسخ المخطوطة بين يدي : " { أَنِّي أَخْلُقُ } : مكي وأبو عمرو وزيدٌ ، { إِنِّيَ أَخْلُقُ } نافع " ، وقد نبَّه الإمام الهذلي في كتابه الكامل على هذا الوهم .
كيفَ وقد نسبَ شيخ القراء والمقرئين الحافظ ابن الجزري كتاب البشارة إلى عبد الحميد بن منصور لما ترجم له : ( عبد الحميد بن منصور بن أحمد بن إبراهيم فخر الإسلام ابن الشيخ منصور العراقي مقرىء حاذق متصدر، تلا بالروايات على أبيه ،واختصر كتابه الإشارة وسماه البشارة من الإشارة في القراءات العشر واختيار أبي حاتم وقفت عليه ولا بأس به، لا أعرف من قرأ عليه) ، فيكفي أنَّ ابن الجزري ذكر عبد الحميد بن منصور دون ذكر غيره في اختصار كتاب والده ، كما أنَّ أصحاب المعاجم المعتنين بالمصنفات وأصحابها لم يذكروا سواه في اختصار كتاب والده "الإشارة" وهو من أهم كتب القراءات لدى العلماء المتقدمين..
إلى غير ذلك من الأدلة التي أثبتها المحقق في قسم دراسة الكتاب ، مبحث توثيق نسبة الكتاب إلى المؤلف ، وهي قرائن قطعية تؤكد نسبة الكتاب لعبد الحميد بن منصور العراقي دون غيره ، والعلم عند الله تعالى .
وبعدُ : فقد كَشَفت لنا هذه النقول كشفَ مناصف ، لا نميل لنا ولا علينا فيما نقول ولا نجازف ، وسيحمدنا المطَّلعَ عليها إن كانَ مُنصفاً والواقف ، وَيعلمُ أنَّا أولى بالصَّحيحِ منَ المخالف ، والله الموفِّقُ لأرشد الطُّرقِ وأهدى المعارف..
وكتبه : عمير الجنباز حامداً مصلياً مسلماً..

الصور المصغرة للصور المرفقة