أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


هل يصح القول ( الثقة بالنفس أو ثق بنفسك )
بسم الله الرحمن الرحيـم
كتبه الشيخ/ عبدالرحمن السحيـم حفظه الله تعالى

الثقة بالنفس

كثيرا ما يقول بعض الناس : ثِق بِنفسك، أو يقولون :تَجِب الثقة بالنفس .. ونحو ذلك

وهذه كلمة تتردَّد وتَتَكَرَّر على ألْسِنَة بَعض الناس ، وخُصُوصًا على ألْسِنَة الْمُرَبِّين .. وسبق أن أشَرْتُ قَدِيـمًا إلى هذه الكلمة ، وذلك هنا :
اضغط هنا

وأزِيد هنا :

لا تجوز الثقة بالـنَّفْس ؛ لِعِدّة اعتِبارات :
الأول : أن الـثِّقَـة لا تَكون إلاَّ بالله ، ولِذا قال الله تبارك وتعالى : (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ) ، وقال عزّ وَجَلّ : (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ) .. وهذا يُفيد أن التوكّل – كما سبَق – لا يَكون إلاَّ على الله ، والثِّقَة جُزء من التوكّل .. إذ قد عَرّف ابن القيم التوكّل بأنه : اعْتِمَاد القَلَب على الله وحْدَه ، واليأس مما في أيدي الناس .

قال في كِتاب " الفوائد " : وسِرُّ التَّوَكًّل وحَقِيقَتُه : هو اعْتِمَادُ القَلَبِ عَلى اللهِ وحْدَه .

الثاني : أنّ من اعْتَمَد على نَفسِه فقد اعتَمَد على عَجِز وضعف وعورة .. ومَن وُكِل إلى نَفسه فقد خُذِل ..

وفي الْحَدِيث : " مَن تَعَلَّق شَيئا وُكِل إليه " رواه الإمام أحمد والترمذي ، وحسّنه الألباني . وذلك أنَّ القَلب متى اعتمَد على غير الله ورَكَن إليه وُكِلَ الإنسان إلى ما وَثق به ، أو إلى من اعتمَد عليه ..

الثالث : أنّ الله عزّ وَجَلّ إذا أراد خُذلان عَبْد وَكَله إلى نَفْسِه . وهذه عُقوبة مِن عُقوبات الذُّنُوب .


قال ابن القيم رحمه الله في ذِكْر عَقوبات الذُّنُوب :فَيُنْسِيه عُيوب نَفْسه ونَقصها وآفاتها ، فلا يَخْطُر بِبَالِه إزالتها وإصلاحها . وأيضا فَيُنْسِيه أمْرَاض نَفسه وقَلبه وآلامها ، فلا يَخْطُر بِقَلْبِه مُدَاواتها ولا السَّعْي في إزالة عِللها وأمراضها التي تؤول بها إلى الفساد والهلاك ؛ فهو مَريض مُثْخَن بِالْمَرَض ، ومَرَضُه مُتَرَامٍ به إلى الـتَّلَف ولا يَشْعُر بِمَرَضِه ولا يَخْطُر بِبَالِه مُداواته .

وهذا من أعظم العقوبة للعامة والخاصة . فأيّ عقوبة أعظم من عقوبة مَن أهْمَل نَفْسَه وضَيَّعَها ونَسِي مَصَالِحَها وداءها ودَواءها ، وأسباب سعادتهما وصلاحها وفلاحها وحياتها الأبدية في النعيم المقيم . اهـ .

الرابع : أنه قد جاء في الحديث : " ولا تَكِلْنِي إلى نَفْسِي طَرْفَة عَين "
والواثِق بِنفسه مَوْكُول إلى نَفسه كما تَقَدَّم .

قال الشيخ الفَاضِل بَكر أبو زَيد في " مُعْجَم الْمَناهي اللفْظِية " : في تَقْرِير للشيخ محمد بن إبراهيم -رحمه الله تعالى - لما سُئِل عن قَول مَن قَال : " تَجِب الثِّقَة بالـنَّفْس " أجَاب : لا تَجِب ، ولا تَجُوز الـثِّقَة بالـنَّفْس . في الحديث : ولا تَكِلْنِي إلى نَفْسِي طَرْفَة عَين .

قال الشيخ ابن قاسم مُعَلِّقًا عليه : وجاء في حديث رواه أحمد : وأشْهَد أنك إن تَكِلْنِي إلى نَفْسِي تَكِلْنِي إلى ضَيْعَة وعَوْرَة وذَنْب وخَطِيئة ، وإني لا أثِق إلاَّ بِرَحْمَتِك . اهـ .

أقول : لفظ الحديث في مُسنَد أحمد :
مَن قَال : اللهم فَاطِر السَّمَاوَات والأرْض عَالِم الغَيْب والشَّهَادة إني أعْهَد إلَيْك في هَذه الْحَيَاة الدُّنيا أني أشْهَد أن لا إله إلاَّ أنْت ، وحْدَك لا شَرِيك لك ، وأنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُك ورَسُولُك ، فإنك إن تَكِلْنِي إلى نَفْسِي تُقَرِّبنِي مِن الشَّرّ ، وتُبَاعِدْني مِن الْخَير ، وإني لا أثِق إلاَّ بِرَحْمَتِك ، فاجْعَل لي عِنْدك عَهْدًا تُوفِّينِيهِ يَوْم القِيَامَة ، إنك لا تُخْلِف الْمِيْعَاد ؛ إلاَّ قَال الله لِمَلائكَتِه يَوْم القِيَامَة : إنَّ عَبْدِي قَد عَهِدَ إليَّ عَهْدًا ، فَأوْفُوه إيَّاه ، فَيُدْخِله الله الْجَنَّة .

والله تعالى أعلم .
12/9/1427 هـ .