أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


إذا أخلص طالب العلم لله وجد واجتهد في ضبط هذا العلم وإتقانه، عليه أن يعلم أن هناك عوائق تحول بينه وبين هذه الغاية، وبين الوصول إلى هذه المراتب العالية في ضبط العلم وإتقانه. وهذه العوائق والشواغل تثبط العباد عن طاعة الله عز وجل، وهي من امتحان الله لخلقه؛ ﻷنه ما من عمل صالح إﻻ وقد جعل الله بين العبد وبينه ابتﻼءات، وبقدر هذه اﻻبتﻼءات ترتفع الرتب وتعلو الدرجات، كما قال صلى الله عليه وسلم: (حفت الجنة بالمكاره). ومن أعظم ما يجابه المسلم وطالب العلم في طلبه للعلم عدم تقدير العلم والعلماء، الذي يكون من النفس اﻷمارة، تكون من إنسان ﻻ يعرف حق العلم وﻻ قدره وﻻ قدر العلماء، فتارة يستهزئ بالعلم الذي يتعلمه، وقد يشكك في الحق الذي تتعلمه، وتارة يستهزئ في جلوسك في مجالس العلم والعلماء. ولذلك تجد بعض العوام والجهلة يستخف بطﻼب العلم وأين يذهب؟! وأين يجلس؟! ويقول له: إنه يضيع عمره؛ ﻷنه لم يجده في تجارة وﻻ بيع وﻻ شراء، ﻻ يريده إﻻ في حطام الدنيا! فيستخف به، وربما وجد من الناس من يقول له: لماذا تضيع وقتك مع العلماء، وهؤﻻء العلماء فيهم وفيهم؟! فينتقص العلماء ويتكلم فيهم. وإن أعظم ثلمة في الدين -بعد ضياع حق الله عز وجل- إضاعة حق الرسل وحق ورثتهم من العلماء، فالتشكيك في العلماء، والطعن في مكانتهم وأمانتهم، وتتبع عثراتهم وزﻻتهم، ونزع ثقتهم من قلوب الناس أمر ﻻ خير فيه، بل هو شر، وبﻼء ﻻ عافية، وما عاشت هذه اﻷمة إﻻ على حب علمائها، وحسن الظن بصلحائها، واحترامهم وتقديرهم وحملهم على أحسن المحامل، فإذا نزعت هذه الثقة من قلوب الناس، من الذي يعلم الناس دينهم؟! ومن الذي يدلهم على ربهم؟! ومن الذي يرشدهم على خالقهم؟! وهب أن عند العلماء أخطاء، فهل معنى ذلك أن تتبع عوراتهم، وأن تكشف سوآتهم والعياذ بالله؟! فعلى طالب العلم أن يوطن نفسه بمحبة أولياء الله، وليعلم أن أهل العلم بشر يخطئون ويصيبون؛ ولكن ﻻ يستوي الذين يعلمون والذين ﻻ يعلمون، وﻻ يمكن أن يسوى من وضع الله في قلبه أنوار التنزيل بمن كان جاهﻼ بدين الله عز وجل، وﻻ يفقه شرعه، وﻻ يعرف حكمه؛ فإن الله تعالى يقول في كتابه: {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين ﻻ يعلمون} [الزمر:9]. فإذا وجدت من ينتقص العلماء ويثبطك عن طلب العلم في هذا الزمان فاحذر! إنها الفتن التي أصبح اﻹنسان فيها غريبا في كل شيء فيه طاعة الله ومرضاته، وهذا معنى قوله عليه الصﻼة والسﻼم (بدأ اﻹسﻼم غريبا وسيعود غريبا كما بدأ) فمن غربة اﻹسﻼم أن يصبح العلماء غرباء ﻻ يسلمون من العامة، وﻻ من الخاصة، إن تكلموا وبينوا ثلبوا، وإن سكتوا رعاية لمصالح نظروا إليها باجتهادهم ثلبوا، فهم ﻻ يسلمون ﻻ من هؤﻻء وﻻ من هؤﻻء: {وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون} [الشعراء:227]. عليك أن تحذر من هذه اﻵفة التي أصبح الناس يخبطون فيها خبط عشواء، وقل أن تجد إنسانا يتقي الله يكف لسانه عن ذلك، فضﻼ عمن يدافع عن أهل العلم ويحسن الظن بهم. فإذا وجد طالب العلم مثل هذا التخذيل فﻼ يلتفت إليه، ولو أن اﻷمة -في أزمنة الفتن والمحن- التفتت إلى هذه الفتن، وشغلت علماءها بها، وأصبحت تشكك في علمائها؛ لما انتقل الدين إلينا. حاصر الحجاج بن يوسف مكة ورمى الكعبة بالحجارة، وكان العلماء في مساجدهم يعللون ويبينون، ومنهم من آثر ما آثر من رعاية المصالح ودرء المفاسد مما يراه قربة لربه، وسيلقى الله باجتهاده، وفيهم من الصحابة رضوان الله عليهم أئمة العلم والفتوى وغيرهم، وهذا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه وأرضاه، الذين أمرنا باتباع سنته، المحدث الملهم- كان يمنع الفقهاء من الصحابة أن يخرجوا إلى الجهاد واﻷمة بحاجة إليهم، وكانت اﻷمة أحوج ما تكون إلى خروجهم إلى ثغور الشام للفتوحات. كان يحرم على الصحابة الذين كانوا على علم بالسنة أن يخرجوا من المدينة؛ لعظيم حق العلم وشدة الحاجة إليه، فﻼ يمكن لﻷمة أن تستغني عن علمائها، وﻻ يمكن لﻷمة أن تصيب الحق إذا نزعت الثقة من علمائها، علينا أن ندرك ذلك، وأن نعلم أنه ﻻ خير في طعن بعضنا في بعض، وتشكيك بعضنا في أمانة ونزاهة بعض. علينا أن نجد ونجتهد في محبة هذا العلم، والتضحية من أجله، والصدق في رغبته؛ لعل الله سبحانه وتعالى أن يرى منا ما يرضيه.