في يوم ثارت فيه العواصف الرملية واحتمت فيه الشمس الذهبية ،تلقيت اتصالاً من إدارة التعليم مفاده أن الوزارة ترغب في التعاقد معي كمعلم
أخبرتها أن تحدثني عن مميزات هذه المهنة ؟!
قالت بجفاء كجفاء تلك العاصفة "لا تسألي !... تريدين العمل ... أم غيرك الكثير".
وبعد مشاورة الأهل السريعة تم التوقيع بحرّة ، على عقد ليس فيه من الإنسانية ذرة ، جاء بعدها التثبيت بفترة
وأصبحت من امتهن رسميا هذه المهنة
بعد سنتين فقط نبضت مني الطاقة وكأنني أصبت بإعاقة، وفقدت الإبداع من جراء الصداع، وأحاط بي اليأس من شدة البأس، كرهت بعدهاالمهنة والديار فبئس هذا الخيار


فلنعود للبداية نكتشف معها تفاصيل الحكاية من واقع ميدان التدريس الذي يوحي بأنك تعمل لصالح إبليس

بدأت ذاك الدوام بكل حماس وحبور، وبمعارف نهلتُها من الغرب أصحاب العقول ، ومهارات تم صقلها منهم أرباب العلوم. وانضباط اكتسبته منهم أهل التمدن و الثبور.
حيث تصحى من فجر رب العباد ولا أحد يصحى في هذا الوقت سواك،
لكن قد تعزّي نفسك بالإنصراف الباكر حتى وإن جعل منك الخط الأحمر خاسر

ثم تكون بانضباط الساعة طوال النهار ، تترقب الأجراس والدقائق لدرجة الإنهيار. في بيئة تفتقد لأبسط مظاهر المرونة، فإن فاتتك دقيقة فتلك مصيبة ستعاقب عليها بلا ليونة، ،فتبدأ بالقفز من سلم لسلم ومن حجرة دراسية مكتظة لحجرة أخرى بنصاب 24 حصة.

نعم 24 حصة في الأسبوع ، تلهث فيها كالجربوع ، تعّلم و تربي و تنظم و تهذب و تحتوي 200 طفل أو مراهق يوميا، بمناهج ومراحل مختلفة جذريا ، تجمع شتات المعلومات والمهارات المتباينة وشخصيات الطلبة المتفاوتة ،تحاول التركيز حتى تكاد تشيب

تقف عليهم فمجرم أنت إن جلست ، وترفع صوتك بالشرح فسئ أنت إن سكت ، وتسكت إن تطاول و قل أدبه السفيه فأحمق أنت إن هذّبت وعاقبت ، واعط كل طالب حقه ، حتى وإن احتاج عقلك أن يتفتق.

ولا تنسى أجهزة و وسائل التعليم، تحملها على أكتافك حيث تسير ، اشتريتها من راتبك اليسير ، لزوم مواكبة التطور والتغيير، فجهاز الوزارة اليتيم، عليه انتظار طويل .

ومع هذا الروتين اليومي يبدأ تمزق العضلات وانزلاق الأضلاع وتبدأ معضلة القولون و التهاب الأعصاب ، وتضخم الدوالي واحتكاك الركبتان و يختنق الصوت و تتدلى اللوز و يتحشرج النفس لا تبتغي الأجر إلا من رب البريّة ، رغم أن هذا العناء لا يحدث حتى لمن يعمل في العسكرية.


ثم حين تريد أن تلتقط أنفاسك في وقت فراغك المحدود، تفزع من صوت مسؤول النشاط ،الذي تم تفريغه ليضربك بالسياط . قم وأنجز لوحة أو اختراع وإلا ستخسر درجة الإبداع، وجهّز الإذاعة الصباحية و إلا سيتم حسم درجاتك الوظيفية ،وتكفل بالمصروفات فالمدرسة لم تصلها أية امتدادات. ولا تنسى حصص النشاط الإضافية ولا تطلب عليها أيه جزّية حتى وإن وصل نصابك أرقام تعجيزية.

و سيفزعك صوت إداري يصرخ هذا معلم غائب قم خذ مكانه.
و مدير يستدعيك أين سجلاتك وملفات التحضير !

ثم متطلبات المشرفين ملفات إنجاز و أوراق عمل طلابية وورش عمل للضعفاء يتم اعدادها اسبوعيا. فاضرب عدد الطلاب بالأسابيع وقم بطباعة الأوراق والتصميم لغرض التطوير. وإياك أن تستخدم جهاز المدرسة للتصوير، ولا تنسى تكريم المتفوقين ، و تكفل بكل تلك المصروفات فالمدرسة لم يصلها أية إمدادات .

ثم تصحح و تقيّم وتراجع وتقوّم وتعالج مستوى كل طالب، وسيجتاز مهما كان مستواه بالسالب ، الأمر لا يخضع لمنظورك و القياس ، وما تعمله من مجهودات هي مجرد شكليات.

أصابني الهم ما أصاب وتعسرت الظروف أينما تعسر فاحتجت لإجازة استثنائية أسافر بها مع ابني لإجراء فحوصات طبية ، ترددت على المشرفين وهم في رفض تام حتى قابلت المسؤول فقال نحن في عجز للمعلمين شديد ولا حق لك في أي إجازة تطلبين، قلت أأترك ابني يموت ، قال استقيلي أن لم يعجبك الحال. سألته أهكذا يكرّم الأبطال؟!

هنا علمت أننا تحت إدارة عقول خرقاء ، مرقاء ، جاهلة ، حاسدة لا تعرف للمرونة والتطوير سبيل ،همهم جمع المال مهما كان ، هم حقيقة أحوج ما يكونوا إلى مايرمز به شعار ( التربية )

وفي الآخر ،

انجازات المعلم تحت وطأة هذا العناء يتم تكريمها ب

هيبة مسلوبة بلا تطبيب
و صحة تذبل بلا تأمين
وشباب يفنى بلا ترقيات
وإجازات محكورة المواصفات
وحوافز مسلوبة
وحقوق منسوفة
ونفسيات مسفوكة بقرارات تغيض
بتخبط وعشوائية تفيض


هذي معاناة لمخلوق تبرأ من تمثيله " سوبرمان " لكونه تصدر قائمة القصص التراجيدية لقوى خارت من عوامل الإهمال تارة والإنتقام تارة أخرى
إنها مأساة " معلم مان" مأساة عشت أنا تفاصيلها بكل حذافيرها فاترك لكم حرية نشرها عل وعسى تصادف عقلا مصلح رشيد[/quote]