أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


المقدمة
الحمد لله الذي خلقنا في أحسن تقويم، وفضلنا برحمته على جميع خلقه من العالمين، ولم يرض لنا أن نكون عبيدا لسواه ، وحرّرنا من الذل والعبودية، وساوى بين جميع الخلق من البشر ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد بن عبد الله المبعوث رحمة للعالمين، ومخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومخرجهم من جورالأديان إلى عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت، وهو حي لا يموت، وهو على كل شيء قدير، وإليه المصير، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله بلّغ الرسالة وأدّى الأمانة ونصح الأمة وكشف الغمة وترك الناس على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، أللهم صلّ وسلّم عليه تسليما كثيرا واجعلنا من شفعائه يوم القيامة، واسقنا من حوضه الشريف شربة لا نظمأ بعدها أبداً، برحمتك يا رب العالمين، وصلّ اللّهم على آله وصحبه وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد :
أهمية الموضوع :
فقد كان تسلط الإنسان على أخيه الإنسان واستعباده له على مر التاريخ هو السبب الأساسي في إيقاع البشر في المآسي والمعاناة الدائمة ، كما كان السبب الأساسي أيضاَ في إهدار آدمية الأفراد وانتهاك حرماتهم وتجريدهم من حقوقهم وحرياتهم ، وعمل على تقسيم المجتمع الإنساني إلى طبقتين مختلفتين "طبقة الأسياد" وهي التي كانت تحكم وتسود وتنعم برغد الحياة وتتلذذ بنعيمها ، وقد كانت طبقة ظالمة استباحت لنفسها إذلال الناس واسترقاقهم والتحكم فيهم .
"وطبقة العبيد والأرقاء"وكانت طبقة محرومة من كل شيء في المجتمع حتى أنها جردت من حقها في التمتع بإنسانيتها حيث كان أفراد تلك الطبقة يباعون ويشترون في الأسواق كالسلع تماماَ .
وقد جاء استذلال تلك الطبقة وانتهاك حرماتها وتجريدها من حقوقها وحرياتها كنيجة للفلسفة التي اعتنقها الناس والتي نادى بها الساسة والفلاسفة وهي ، "إن الله خلق العبيد لخدمة الأسياد".
وقد شاءت إرادة الخالق – جلّ جلاله – أن تنتهي تلك المآسي البشرية ، فأوحى بشريعة الإسلام، والتي بنصوصها وتعاليمها وضعت حدا لمعاناة البشرالذين اصطلوا كثيرا بنارالذل والهوان والاسترقاق الذي كان على أيدي أناس نصبوا أنفسهم آلهة وحكاما ليكونوا سفاكي دماء، ظلمة، مستبدين، جبارين في الأرض، فجاءت الشريعة الإسلامية بتعاليمها السمحة وحكمت أن الإنسان مخلوق محترم له حقوق وحمى لا يجوز الاعتداء عليها ولا انتهاكها بحال، وبينت أن الناس جميعهم عباد الله، وأنه لا معبود ولا إله سوى الله – عز وجل- وأن الناس جميعهم سواسية لا فرقبينهم ولا فضل لأحدهم على غيره إلا بقدر تقواه، قال تعالى " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ"([1])
فخلصت الانسان من العبودية وحررته من الاسترقاق، قال تعالى" قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ"([2])
لقد كان ذلك إعلاناً صريحاً بإلغاء العبودية والخضوع لغير الله عزوجل وقاعدة عريضة تبين مساواة الناس بعضهم ببعض .
فإن الإسلام قررالحرية للإنسان وجعلها حقاً من حقوقه واتخذ منها دعامة لجميع ما سنه للناس من عقيدة وعبادة ونظم وتشريع، وتوسع في إقرارها ولم يقيد حرية أحد إلا فيما فيه مصالح الناس المعتبرة واحترام الآخرين بعدم التدخل في شؤونهم وإلحاق الضرر بهم، لا في أعراضهم ولا في أموالهم ولا في أخلاقهم ولا في أديانهم ومقدساتهم وغير ذلك.فالحرية في الإسلام لا تعني الفوضى وارتكاب الموبقات والمنكرات واستباحة محارم الله والانغماس في الشهوات المحرمة، فالحرية التي تبيح هذه المحظورات ليست من الحرية في شيء وإنما هي فوضى بمعناها الشامل، وتصور خاطئ للحرية، وقد صحح الإسلام هذا التصور الخاطئ وقرر حرية الناس منذ ولادتهم، وأنه لا يجوز استعبادهم كما لا يجوز تقييد حرياتهم، لكنّهم مطالَبون بفرائض وواجبات مقابل حقوقهم، وذلك ليكون هناك توازن في الحياة .
ومن ناحية أخرى فإن المتأثرين بروح الحضارة الغربية ، يريدون تعديل جوهر الشريعة الإسلامية حتى تتلاقى مع مفهوم الحرية السائدة في ثقافة العولمة والتي تعبر عنها مثلاً إتفاقية سيداو - إتفاقية إبطال التمييز ضد المرأة –(CEDAW)، والثقافة الإسلامية لا تقبل هذه الإتفاقية مجملا ولا تبطلها . ولكن توافق علي كثير من محتوياتها إلا أنها لا تقبل قاعدة أن المرأة مثلا حرة في التصرف في بدنها وحرية التواصل الجنسي خارج إطار الزوجية وحرية الإجهاض.
وقد حرص الإسلام على تطبيق مبدأ الحرية في إطار الحدود التي وضعها في شؤون الحياة المختلفة، وأخذ به في جميع القضايا التي تقتضي كرامة الفرد في شؤونها، وهي المناحي المدنية والدينية ومناحي التفكير والتعبير، ومناحي السياسة والحكم حتى وصل إلى شأن رفيع لم تصل إلى مثله شريعة أخرى من شرائع العالم قديمها وحديثها .
وأيضاً من جانب آخر نجد أن ظاهرة الاسترقاق ما زالت مستمرة، فالرق إنما ألغي كمؤسسة قانونية، لكنه قائم كمؤسسة واقعية.ففي النطاق الدولي نجده متخفيا تحت اسم الاستعمار والتمييز العنصري والتفريق العنصري. وفي غير هذا النطاق، نجده متخفيا تحت ستار البغاء وتجارته المعروفة باسم الرق الجنسي.وهو يمارس في صوره المتعددة في كثير من أنحاء العالم .
لأجل ذلك جاءت هذه الدراسة المتواضعة لتدلو بدلوها في علاج هذه القضايا المثارة من حين إلى آخر في ضوء السنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والتسليم .
سبب اختيار الموضوع :
1. أهمية هذا الموضوع، وخطورته وحساسيته، وكثرة طرقه في مجالات مختلفة، وعبر وسائل متعددة، وتباين وجهات النظر فيه، وتأثيره في أوساط مختلفة، وقد سبقت الإشارة إلى شيء من أهميته في استهلال البحث .
2. إننا ونحن نعيش في هذا القرن أصبحنا نسمع كثيرا عن الاهتمام العالمي بحقوق الإنسان وحرياته، سواء كان ذلك من قبل الدول أو من قبل منظمات مختلفة، حيث أصبحت قضية حقوق الإنسان وحرياته تتردد كثيرا في المحافل، فأردت أن أبحث عن الموضوع الذي بات يشغل بال سكان الأرض بشكل ملفت للغاية من وجهة نظرة إسلامية للاطلاع على موقف الشريعة الإسلامية من تلك الحريات، ولأرى ما هي نظرتها للإنسان وكيف معاملتها له .
3. لقد عانى الناس كثيرا على مراحل التاريخ المختلفة من الظلم والحرمان والعبودية والاسترقاق، ثم شاع أن الإسلام أباح الاسترقاق وسمح به، فأردت أن أبرز الحقائق وأن أضع النقاط على الحروف.
4. حرصي الشديد أن أكون من الباحثين الذين يدفعون الشبهات عن الإسلام في ما يتعلق بقضية الحرية بأنواعها المختلفة، وكذلك الإسلام والاسترقاق.
5. رغبتي في إبراز موقف شريعة الإسلام من الحرية والاسترقاق .
6. الإفادة من مضامين البحث .
الدراسات السابقة :
تناول المتقدمون هذه القضية (الحرية) في كتبهم، واستخدموا لها مصطلح "العتق" كما هو شائع في كتبهم التي بين أيدينا وكانوا يعنون به الحرية، فلم يصرّحوا بالحرية كما فعل المتأخرون الذين جاؤوا من بعدهم فإنهم ذكروا "الحرية" صراحةً في كتبهم ، كجزء من حقوق الإنسان، كما أنني لم أجد كتاباً خصص لبيان موضوع "الاسترقاق المعاصر" إلا كتاب الشيخ عبد السلام الترمانيني (كتاب الرق) لكنه اكتفى بجعل مبحث واحد للاسترقاق المعاصر.
ومن هذه الكتب :
1. حقوق الإنسان بين تعاليم الإسلام وإعلان الأمم المتحدة : للشيخ محمد الغزالي ، شركة نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع ، الطبعة الرابعة 2005. (228 صفحة) تحدث فيه عن الحرية كجزء من حقوق الإنسان .
2. الإسلام ومفهوم الحرية : كتبته حورية يونس الخطيب ، دار الملتقى للطباعة والنشر ، الطبعة الأولى 1993(117صفحة)ذكرت في الكتاب مفهوم الحرية ومجالاتها المختلفة بإختصار.
3. الإسلام وحقوق الإنسان : للدكتور محمد خضر ،(85 صفحة) في الكتاب تحدث عن الحرية وعن أنواعها.
4. حرية الإنسان في ظل عبوديته للّه :للدكتور محمد سعيد رمضان البوطي ،دار الفكر المعاصر ، بيروت لبنان ، تكلم في كتابه عن الحرية الأساسية وهي إخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ثم عن مشكلات الحرية في الإسلام إجمالاً ، (132 صفحة) .
5. حقوق الإنسان في التصور الإسلامي :للشيخ فرج محمود أبو ليلى، دار الثقافة للنشر والتوزيع ، الطبعة الأولى 1994م ، (213 صفحة) وذكر في ضمن حقوق الإنسان الحرية بأنواعها المختلفة في فصل من فصول الكتاب بدون تتبعها في السنة النبوية .
6. كتاب الرق :ألفه الشيخ عبد السلام الترمانيني ، ونشر ضمن سلسلة عالم المعرفة ، (229 صفحة) وذكر فيه عن الرق ، ماضيه وحاضره (الاسترقاق)وعن مراحله عبر التاريخ .
7. نظام الرق في الإسلام : للشيخ عبد الله ناصح علوان ، دار السلام للنشر والطباعة والتوزيع والترجمة ، (110صفحة) تحدث فيه عن مراحل الرق عبر التاريخ ، ومعاملة الإسلام مع الرقيق في عتقهم باختصار.
كل هذه الكتب التي ذكرتها لا تحيط بموضوعات البحث المختلفة، لأنها تناولت قضية الحرية والاسترقاق إما أنها جزء من حقوق الإنسان، وإما مقارنة حقوق الإنسان في الإسلام بمواثيق الأمم المتحدة، وإما كبحث مستقل ثم تحدث عن الحرية وأنواعها ومشاكلها وعن الاسترقاق باختصار شديد، وأما بحثي هذا فسأقوم فيه إن شاء الله بمعالجة مشاكل الحرية وأنواعها وتطبيقاتها، وتحديد مفهومها مع المقاصد الشرعية والمقارنة بين الرؤية الإسلامية ورؤية مفكري الغرب للحرية ، وقضية الاسترقاق في صوره الحديثة وموقف الإسلام منها مع المقارنة بين رؤية مفكري الغرب بالتفصيل في ضوء السنة النبوية .


مشكلة البحث :
بات موضوع الحرية والاسترقاق يشغل بال الكثيرين، سواء كانوا متدينين أو فلاسفة أو مشرّعين، وقد كانت هنالك محاولات كثيرة ومتعددة للتأكيد على حرية الإنسان ومنع استرقاقه، ولكن هذه المحاولات لم تكلّل بالنجاح في جميع الأحوال، فالمواثيق التي توصّل إليها الغربيون حول الحرية الإنسانية، مثلاً إتفاقية سيداو - إتفاقية إبطال التمييز ضد المرأة –(CEDAW) ومنع الاسترقاق، نتجت عنها وجهات نظر مختلفة، حول ما منحه الإسلام للإنسان من حرية، وما شرعه من الأحكام حفاظاً على كليات الدين، فظهرت شبهات مختلفة حول الحرية في الإسلام وقضية الاسترقاق. فكان من الأهمية بمكان معرفة موقف الإسلام من قضية الحرية والاسترقاق ومدى نجاحه فيها، ومعرفة حقيقة الشبهات التي تثار حول موقف الإسلام منها.
1. ففي ضوء هذا نريد أن نعرف ما هي نظرة الإسلام للحرية (أنواعها) ومبادئها الأساسية وتطبيقاتها، والفرق بين الرؤية الإسلامية والرؤية الغربية للحرية وضوابطها .
2. وكذلك نعرف أنواع الاسترقاق المعاصر هذه، وموقف السنة النبوية –على صاحبها أفضل الصلاة والتسليم- من هذه القضية، ثم مقارنة موقف الإسلام من هذه القضية بمنظور الغرب، ودفع الشبهات المثارة حول الإسلام في قضية الاسترقاق .
كل هذه القضايا سوف أجيب عنها – بإذن الله تعالى- في ضوء السنة النبوية ، في هذا البحث .


([1]) سورة الحجرات ، الآية : ١٣".

([2]) سورة آل عمران ، الآية : ٦٤"