أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


النوازلُ وأثرُها في التحوّلات الفكريّة

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى اله وصحبه اجمعين والتابعين لهم بإحسان الى يوم الدين ، أما بعد :

فإن من سنن الله في الخلق إحداثَ التغيير في المجتمعات الانسانية ، حيث يهيء الله لذلك الاسباب ويمهد السبل ، ومن شأن هذا التغيير ان تكون له اثارٌ ونتائجُ منها الحسنة ومنها غير ذلك .
وليس المراد هنا الإشارة الى التغيير الحادث في المجتمعات فهو امر كوني لا مدخل للعباد فيه ، الا ان المهم النظر في نتائج هذا التغير ومآلاته واثره على الافراد والجماعات .
ان الناظر في واقعنا يرى ان ثمة متغيراتٍ ومستجداتٍ ألمَّتْ بنا من شأنها احداثُ تغيير في الافكار واضطراب في الاراء ، وأبرز نازلة-في عصرنا الحديث- بعد احتلال فلسطين هو احتلال العراق وما رافقه من أحداث ، ومن النوازل ما تتعرض له سورية من مؤامرة اشترك فيها القريب قبل البعيد .
من تأمل في نتائج النكبة الفلسطينية يرى ان تداعياتها كثيرة جدا، سواء على المستوى السياسي او الاجتماعي ، وما يهمنا هنا التغيير المتعلق بالشأن الديني على وجه الخصوص مع الاشارة الى ان ثمة علاقة ًبين عموم النتائج والاثار .
ان الهزائم التي تعرضت لها الجيوش العربية في قتالها مع اليهود وما رافقها من شعور بالعجز عند عموم المسلمين، وقد ازداد هذا الامر شدة بعقد اتفاقيات جائرة بين دول الطوق والكيان الصهيوني كل ذلك أسهم إسهاما واضحا في انتشار افكار متباينة ، ومن ابرزها ما يميل الى العنف ، الا ان هذه الافكار تبلورت وظهرت في سجون عبد الناصر -رئيس مصر- حيث ظهرت الجماعة الاسلامية او ما يعرف اعلاميا بجماعة التكفير والهجرة .
وأما النازلة العراقية فقد افرزت كثيرا من الافكار المتباينة ، فمن فكر ومنهج يهوّن من شأن المعصية ويدعو الى طاعة غير محدودة ، وفكر ومنهج تمرد على كل شيء ولا يرى لأحد طاعة الا من أمرَّه على نفسه ، ومن رحم هذا الفكر ظهرت جماعات متعددة من أشهرها ما يعرف بتنظيم القاعدة ، وقد دخل تحت مسماها العديد من الجماعات .
وأما النازلة السورية فليست بمعزل عن النازلتين السابقتين من حيث أحوالُها وتداعياتُها .

ان المتأمل في الواقع السوري – الآن – وطريقة التعامل معه من قِبَلِ المجتمع الدولي بما فيها الدول العربية ، يرى تخاذلا في المواقف قد يفسر بمؤامرة على الشعب السوري وهذا الموقف يقابل بموقف آخر يدعم القضية السورية والشعب السوري و هؤلاء هم عموم المسلمين في العالم العربي والإسلامي .
ان الشعور الذي يسود عند عموم المسلمين بوجود مؤامرة على الشعب السوري بدأ يتحول الى افكار عند طائفة من المسلمين، وإذا اخذ بعين الاعتبار ما نتج عن النازلتين السابقتين ، حيث أصبح المناخ متاحا لتولد الافكار ، كذلك بشاعة الجرائم التي يرتكبها النظام البعثي النصيري ، ومن عاونه من مجوس ايران ولبنان والعراق .
اذن بدأت الثورة السورية –بما تحمله من ألم وهم تذوب منه القلوب – تشغل فكر الشباب المسلم ، وهو يجد نفسه عاجزا عن تقديم اي شيئ للثورة إلا بعض المساعدات المادية هنا وهنالك ،وهذا الامر -على جلالته- لا يلبي حاجة الشباب المسلم وهو يعلم يقينا ان الحل لا يكون الا بالقوة ومقارعة السن بالسن ، ومن هنا بدأنا نسمع صيحات من هنا وهناك – وان كانت مبعثرة وتقال على استحياء – الا انها بدأت ، فأصبحنا نسمع بوجوب الجهاد في سوريا على دول الجوار مع العلم ان علماء سوريا وهم اصحاب الشأن لم يقل احد منهم بهذا مع علمهم بواقع الحال ، وبدأنا نسمع احكاما تطلق على التخاذل تصل الى حد الكفر ... الى دعوات لا تكاد تنحصر ، وكأن التاريخ يعود من جديد بنفس الصورة .

ما تقدم بيانه من عرض وتصوير للنوازل التي حلت بالامة فيما مضى وكذلك النازلة السورية يوضح لنا الحاجة الملحة لوضع السبل الكفيلة بمنع انتشار الافكار المخالفة لمنهج اهل السنة ، وهذا دور طلاب العلم فضلا عن العلماء ، ولنا في التاريخ عبرة فاذا نظرنا في ظروف نشأة الجماعات المغالية نرى ان المُناخ الذي تيّسر في ذلك الوقت بدأت ملامحه بالظهور, فمن المهم اذن ان نستخلص اهم اسباب ظهورها واهم ما تميزت به للحيلولة دون انتشارها من جديد .

  • أسباب الغلو عند الجماعات والافراد :
يمكن ان نقسم اسباب الغلو والانحراف قسمين : عامة وخاصة :
اما العامة ، فهي :
1- قلة العلم بالشرع ، ومن مظاهر ذلك اتباع المتشابه وإساءة فهم النص لعدم توفر مقومات التعامل معه.
2- الطعن في العلماء ورد فهمهم للنصوص .
3- مقابلة الجفاء والتفريط الواقع من بعض التيارات الاسلامية .
وأما الاسباب الخاصة ، فهي :
1- عدم التصور الصحيح للنازلة ، والذي يقوم على الالمام بجزئياتها .
2- العجز عن العمل والقيام بقدر تبرأ به الذمة منه .
3- ان يتولى الامر صغار طلاب العلم او من لا يملكون الثقافة الشرعية .
اهم السمات الفكرية و السلوكية عند هذه الجماعات :
1- تَعُدُ الكتاب والسنة مصدرين وحيدين للاستدلال .
2- ترك الاحتجاج بأقوال العلماء المعاصرين ، وانما يكثر في كلامهم الاستشهاد بكلام شيخ الاسلام ابن تيمية او أئمة الدعوة النجدية ، وهذا الامر من الخطورة بمكان فإن علم هؤلاء العلماء ما نقل الينا واتصل اسنادنا به الا من قبل المعاصرين من اهل العلم .
3- تنتشر افكار هذه الجماعات في الغالب بين فئتين من الناس ، إما من قل علمه من العامة مثل سكان القرى والبوادي او الصعيد ونحو ذلك او حملة الشهادات غير الشرعية كالطب والهندسة وغير ذلك ، وهذا بطبيعة الحال يرجع الى البنية المعرفية عند هذه الفئة.
4- ترك كثير من الادلة الشرعية بل اعتبار من اخذ بها قد خالف المنهج الصحيح ، مثل المصلحة المرسلة – التي يعدونها طاغوتا - والاستحسان وغيرها من الادلة.
5- الاتجاه الظاهري في فهم النصوص، وهذا يعود الى ما سبق بيانه فإن ترك العلماء, والاعتماد على النفس في فهم الشرع، وترك كثير من الادلة يؤدي بصاحبه الى الاتجاه الظاهري وما ذلك الا لسهولة إلصاق الحكم بأدنى شبهة فهم .
6- الميل الى العزلة وترك التنعم والتزين .

ومن هنا فإني ادعو طلاب العلم والعلماء لموقف جاد تجاه هذه النازلة والنظر في مآلاتها وتداعياتها ، وطرح الحلول الممكنة لحماية الشباب المسلم لاسيما من له تعلق بالعلم الشرعي منهم وهذا من التعاون على البر والتقوى والقيام بالواجب الشرعي الذي اخذ عليه الميثاق ، واعود فأقول : إن لنا في التاريخ عبرةً.

واللهُ أعلم
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين.
كتبه : الشيخ عصر بن محمد النصر - وفّقه الله-.