أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد :
يقول عثمان بن الصادق بن أحمد أبو محمد الصادق التغزوتي غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين آمين يا رب
هذا بحث قدمته في مقياس العقيدة في الجامعة للسنة الأولى آداب وعلوم إسلامية فأردت إفادة إخواني به والإستفادة منهم لعلي أكمله وأخرجه في حلة تقر عيني وعين إخواني بها
وها أنا أقدمه على فصول ومطالب لتسهل قراءته على من أراد ذلك والله ولي التوفيق
المطلب الثاني: بذور الإرجاء وجذورها
الفصل الأول: سبب ظهور الإرجاء، ومتى؟
(( فلا شك (أن معرفة أصول الأشياء ومبادئها) واستطلاع العوامل المؤدية إلى نشأتها وظهورها (وأصل ما تولد فيها من أعظم العلوم نفعًا، إذ المرء ما لم يحط علمًا بحقائق الأشياء يبقى في قلبه حسكة)[1].
وإن الناظر في هذا الفكر – فكر الإرجاء – والباحث في عوامل نشأته وظهوره لابد أن يعيده إلى سببين أصليين، ذكرهما الشاطبي[2] فقال: (.. الاختلاف الحاصل بين الأمة له سببان .. أحدهما لا كسب للعباد فيه ، وهو الراجع إلى سابق القدر ، والآخر هو الكسبي، وهو المقصود بالكلام)))[3].[4]
من أبرز عوامل النشأة والظهور، المواقف المضادّة:
لا شك أن البذور والبدايات الأولى للإرجاء وجدت بعد صفين ، إما من المعادين للخوارج أو من المنشقين عنهم، كالشأن في ردود الأفعال، ولكن بروز الرأي والمجادلة فيه وبه تأخرت عن ذلك، وكان ظهورها في وقت الفتنة والاضطراب الكبير الذي عم البلاد، حين كان للأمويين دولة، ولابن الزبير دولة، وللخوارج دولة ، برز الإرجاء حينئذ نتيجة المجادلات المستمرة بين الفرق -لا سيما بين الخوارج و غيرهم- و كانت الفتنة من أسباب التسرع في الرد و قدح الرأي؛ إذ لم يكن المجال ميسورا للسؤال و التأكد و الأمور هائجة و الأحداث متلاحقة، و كان هذا في أواخر عصر الصحابة .

[1] - ما بين القوسين تضمين من مجموع الفتاوى [10/368] . والحسكة: الشوكة .

[2] - الإعتصام للشاطبي (2/390)طبعة دار شريفة

[3] - الكلام الذي في الفصل الأول من المطلب الثاني للشيخ هاني بن عبد الله الجبير بتصرُّف واختصار مع حواشيه بعد التأكد فجزاه الله كل خير فقد حذفت العامل الأول من عوامل النشأة والظهور، وأدمجت عنوان الأول في عنوان + +الثاني، واكتفيت بأخذ العنوان فقط من عند الشيخ بارك الله فيه وأعانه على طاعته .وموضوعه هذا موضوع في شبكة الإسلام اليوم في قسم الدراسات العلمية والرسائل الجامعية بعنوان عوامل ظهور الإرجاء والتكفير .

[4] - فأما القدر فإن الله تعالى أراد –لحكمة عظيمة– أن لا يكون الناس كلهم أمة واحدة، بل منهم الشقي والسعيد؛ كما قال تعالى: "ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم". فأتباع الرسول الأمين هم المرحومون وهم الفرقة الناجية ، ومن سواهم فهو من أهل الوعيد على اختلاف درجاتهم.
أما الأسباب الكسبيّة فهي التي ستكون موضع تناولنا في هذه العجالة الموجزة، بعد إيضاح مقدمتين:
المقدمة الأولى: الأفكار لا تموت! .
إن أية فكرة تطرأ على المجتمع فإنها تبقى مهما شاخت وأصابها الهرم، وهذا مما لا ينكر، فإن الناظر في التاريخ الإسلامي ومذاهبه يجد أن التيارات الفكريّة، تقوى حينًا وتستفحل، وتخبو حينًا وتضعف، ولكن لا تموت بل تبقى ضعيفة حتى تجد من يثيرها، وهكذا فإن أي مذهب وجد في تاريخ الأمة فإنه لا يستغرب أن يظهر إذا وجد من يتبناه، سواء كان ظهورًا تامًا أم ناقصًا؛ وسواء ظهر بصورته الأولى أو بصورةٍ مختلفة.
والاتجاه التكفيري والإخراج من الإيمان بفعل الكبائر، اتجاه له وجود في التاريخ الإسلامي في مذهبي الخوارج والمعتزلة، وهو اتجاه بقي وإن كان على ضعف إلى هذا العَصْر.
كما أن مذهب الشيعة يعتمد على تكفير الغالي ممثلاً في تكفير الصحابة رضي الله عنهم، وهذا الفكر موجود في الأمة بقوّة في أماكن مختلفة يمثله طوائف متعددة. وكما أن التكفير موجود، فالإرجاء أمره أظهر وأبين، فإنه انتشر في الأمة في العصور المتأخرة انتشارًا قويًا ، وحسبك أن تعلم أن الأشاعرة والماتريديّة يتبنون هذا الفكر، لتعلم بعد ذلك كم من المعاهد الإسلامية الكبرى قد تبنَّت هذا الاتجاه .
المقدمة الثانية : تغيير الظاهر لا يغير الباطن .
فإن من المعلوم أن العبرة بحقائق الأشياء ومعانيها، وليس بصورها ومبانيها، ولذا كان مما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سيشرب ناسٌ من أمته الخمر يسمونها بغير اسمها.
وهذا العصر شهد ظهورًا للإرجاء، وقد ألبس ثياب منهج السلف ؛ فنسب إليه، واستدل بأقوالهم على إثباته، وادعى بأنه هو اعتقاد الفرقة الناجية، وربما ترك من الاتجاه أفكارًا معينة لتبرأ ساحة معتقده إذ لا يوافقهم في هاتيك الأفكار .
مع أنه لا يلزم عند نسبة طائفة إلى اتجاه عقدي أن تتلاقى جميع الأفكار بينهما بل العبرة في الاتفاق في أساس الاتجاه، ولذا لما عدد العلماء الفرق المبتدعة ردوها إلى فرقٍ أمات لها مع التفاوت بينها في الآراء .
ولما ذكر أبو الحسن الأشعري المرجئة، ذكر اختلافهم في الإيمان على اثنتي عشرة فرقة. وكذلك لما شرع في مقالات الخوارج ذكر جماع رأيهم، ثم اختلافهم بعد ذلك وتكفير بعضهم لبعض!
قال شيخ الإسلام ابن تيميّة رحمه الله: (... لأن هؤلاء وأمثالهم لم يكونوا خبيرين بكلام السلف، بل ينصرون ما يظهر من أقوالهم بما تلقوه عن المتكلمين من الجهميّة ونحوهم من أهل البدع، فيبقى الظاهر قول السلف، والباطن قول الجمهيّة الذين هم أفسد الناس مقالة في الإيمان).

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبة ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين