أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إخواني، مشايخ الحديث وطلبته وباحثيه

حصل معي نقاش مع بعض الإخوة الأشاعرة في تايلاند في إثبات صوت الله تعالى، فكان من جملة الأدلة التي أتيت بها على إثبات صوت الله، وأنه عقيدة أهل السنة والجماعة، بلا تشبيه ولا تمثيل، ولا تحريف ولا تعطيل، حديث رواه عبد الله بن أحمد في كتاب السنة عن أبيه قائلا: حدثني أبي رحمه الله نا عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن الاعمش عن مسلم عن مسروق عن عبدالله إذا تكلم الله عز و جل بالوحي سمع صوته أهل السماء فيخرون سجدا حتى إذا فزع عن قلوبهم قال سكن عن قلوبهم نادى أهل السماء ماذا قال ربكم قال صلى الله عليه و سلم الحق قال كذا وكذا

فهذا الحديث فيه دلالة صريحة على سماع أهل السماء صوت الله تعالى، وقد صححه عدد من العلماء، غير أن الأخ الأشعري ضعفه، وعلله بالتدليس.

فكنت راجعت كلام العلماء في نسبة عبد الرحمن بن محمد المحاربي إلى التدليس، فوجدت في ترجمة تهذيب التهذيب ما نصه: وقال عبدالله بن أحمد عن أبيه بلغنا أنه كان يدلس.
ولا نعلمه سمع من معمر وقال عبدالله بن محمد عن عاصم حدثنا فقال لعله سمعه من سيف بن محمد عن عاصم يعني فدلسه (تهذيب التهذيب 6 / 239)

وقال ابن حجر في التقريب: وكان يدلس قاله أحمد (برقم: 3999)

وقد أخذ الشيخ الألباني بهذا الرأي وأكثر في كتابه من تضعيف حديث عبد الرحمن بن محمد المحاربي بحجة أنه مدلس، ولكن الشيخ سكت عند ذكره حديث الصوت، ولم يحكم بضعفه بالتدليس، فلعل ذلك راجع إلى كثرة أحاديث الصوت، فاكتفى بصحته بذلك. والله أعلم

ولكن الشيخ في غير ما حديث، ضعفه لكون المحاربي مدلسا.

مع أن الكلام الذي أورد ابن حجر في كتابه التهذيب لا يجزم بتدليسه، بل من البلاغات. فرجعت إلى المصدر الذي ورد هذا الكلام، وهو ضعفاء العقيلي، لأن ابن حجر في كتابه طبقات المدلسين، ص: 40، ذكر المحاربي في الطبقة الثالثة من المدلسين، وهم: من أكثر من التدليس فلم يحتج الائمة من أحاديثهم الا بما صرحوا فيه بالسماع ومنهم من رد حديثهم مطلقا ومنهم من قبلهم، فقال: عبد الرحمن بن محمد المحاربي محدث مشهور من طبقة عبد الله بن نمير وصفه العقيلي بالتدليس.

فوجدته في ضعفاء العقيلي ما نصه: حَدَّثنا عَبد الله بن أحمد بن حنبل قال عرضت على أبى حديثا حدثناه على بن الحسن أبو الشعثاء وأبو كريب قالا ، حَدَّثَنَا المحاربي عن معمر ، عَن الزُّهْريَ عن سعيد بن الْمُسَيَّب عَن أبِي سعيد الخدري قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التشبيه في الصلاة ؟ فقال : لا ينصرف حتى يسمع صوتا ، أو يجد ريحا فأنكره أبى واستفظعه ثم قال لي المحاربي عن معمر قلت نعم فأنكره جدا قال أبو عَبد الله ولم نعلم أن المحاربي سمع من معمر شيئا وبلغنا أن المحاربي كان يدلس. (2/ 347-348)

وقد اختلف المترجمون فنسب بعضهم هذا القول إلى عبد الله نفسه (انظر: أسماء المدلسين للسيوطي، ص: 72)، ونسبه آخرون إلى أبيه (انظر: التبيين لأسماء المدلسين لابن العجمي، ص: 38)

وكان بعض العلماء لم يذكر هذا التدليس في ترجمة المحاربي أصلا (على سبيل المثال: الثقات لابن حبان، 7/92، الثقات للعجلي 2/86، الجرح والتعديل لابن أبي حاتم، 5/282، الطبقات الكبرى لابن سعد 6/392)

وكان الإمام الذهبي ذكره في الرواة الثقات المتكلم فيهم بما لا يوجب ردهم، ص: 123، فقال: عبد الرحمن بن محمد المحاربي ثقة نبيل روى مناكير عن مجاهيل.

وقال في كتابه المغني في الضعفاء، 2 / 385: عبد الرحمن بن محمد المحاربي ثقة مشهور قال ابن معين يروي المناكير عن المجهولين وقال أبو حاتم صدوق يروي عن المجهولين أحاديث منكرة فيفسد حديثه بذلك

وقال في الميزان: ثقة صاحب حديث، ثم قال: وقد قال عبدالله بن أحمد بن حنبل، عن أبيه: بلغنا أن المحاربي كان يدلس، ولا نعلمه سمع من معمر. (ميزان الاعتدال، 2 / 585)

فالإمام الذهبي مع معرفته بهذا النقل عن الإمام أحمد، لم يعتبره ولم يأخذ به، فكان يطلق القول عليه بالثقة، ولم ينسبه إلى التدليس أصلا.

وكان بعض العلماء المتقدمين ممن ألف في التدليس كالنسائي لم يذكره في عداد المدلسين، فاستغربت من الشيخ الألباني رحمه الله مع اطلاعه الواسع على أقوال العلماء في الجرح والتعديل، فكيف أخذ بقول ابن حجر في تقريبه بأنه مدلس. والأغرب من ذلك كيف أدخله ابن حجر في كتابه طبقات المدلسين في الطبقة الثالثة، وهم المكثرون من التدليس. مع أن الكلام الوارد عن الإمام أحمد بن حنبل لم يفد جزما على تدليسه أصلا، بل بلغه ذلك. ولم يعرف ذلك عنه، فلو كان مكثرا لذكره المتقدمون تدليسه، ولاعتبره الذهبي.

ثم وجدت كلاما للشيخ ناصر بن حمد الفهد في كتابه منهج المتقدمين في التدليس ، 1 / 68-69، ما نصه: هذا مجموع ما وجدته من كلام الأئمة المتقدمين عن تدليسه، وفيه أمور :
الأول : أن قول عبد الله بن أحمد ( بلغنا أنه كان يدلس ) يدل على أنه ليس مشهوراً عنه ولم يقف عبيه بنفسه .
الثاني : أن قوله قبل ذلك ( ولم نعلم أن المحاربي سمع من معمر ) يدل على أن تدليسه المقصود به ما اصطلح المتأخرون على أنه ( المرسل الخفي ) .
الثالث : أن قصة حديث ( دجلة ودجيل ) لم يذكر عبد الله بن رواها له فربما كانت لا تصح عنه ، قال الذهبي رحمه الله تعقيباً على كلامه :
قلت : لم يذكر عبد الله من حدثه بهذا عن المحاربي فهو إن صح أن المحاربي حدث به قوي الإسناد على نكارته ) اهـ .
وعلى كل ، فإن هذه الحادثة لو صحت عنه لا تجعله معروفاً أو مشهوراً بالتدليس ، وقد ذكره الحافظ في ( المرتبة الثالثة ) من مراتب المدلسين وقال : ( عبد الرحمن بن محمد المحاربي ) : محدث مشهور ، من طبقة عبد الله بن نمير ، وصفه العقيلي بالتدليس ) اهـ .
وفيه أمور :
الأول : أن المحاربي لم يذكره أحد من المتقدمين بالشهرة أو الكثرة .
الثاني : لم يذكر أحد من المتقدمين أنه لا يقبل عنعنته حتى يكون فيها خلاف .
الثالث : أن العقيلي لم يصفه بالتدليس بل نقل كلام عبد الله بن أحمد فيه .
الرابع : أن ما ثبت في وصفه بالتدليس هو قول عبد الله بن أحمد ( وبلغنا أنه كان يدلس ) وهي مشعرة بضعف هذه الصفة .
الخامس : أن المقصود من تدليسه المشار إليه هنا هو الإرسال كما سبق .

فغالب ظني أن ابن حجر أخطأ في كلامه، وأخطأ الشيخ الألباني في تقليده، والصواب قول من قال: إنه ثقة.

وأرجو من المشايخ والإخوة الأفاضل إثراء هذا الموضوع، وجزيتم خيرا