بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وطــــــــن بلا حضانــــــــة !!
عجيب أمر الدولة النامية وغريب أحوال الأنظمة العربية البالية , حيث ينخر سوس الفساد في جميع أركانه , ويشل حركاته , وتصيب الغرغرينا شتى أعضائه , في وطن يسبح فوق بحر متلاطم من النفط بات بسببه أغلى الأوطان , ومن أكثرها أنتاجاً واحتياطاً , في هذا الوطن النفطي لايجد المريض سريرا يعالج به أمراضه , ولا يجد الطالب كرسياً يُكمل به أحلامه , ولا يجد الشاب اليافع قوتاً يسد به جوعه , ولا يجد الشيخ الطاعن دخلاً كريماً يستر به حاله , ولا تجد الفتاة الشريفة عملاً شريفاً يحفظ حياءها ويستر عفافها , ولا تجد الأرملة والمطلقة بيتاً ولامأوى يسترها بقية حياتها .
وفي هذا الوطن وفي قصة مكررة هذا ماعرفناه وأحطنا به ومالا نعرفه أكثر وأكبر والله المستعان , أقول في هذا الوطن يصارع إبن الوطن الموت ويسابق الدقائق بل الثواني من أجل أنقاذ طفله وفلذة كبده والذي شاء الله أن يخرج لهذه الدنيا قبل تمام حمله وكأنه يلاقي الموت ( الوطن ) وجهاً لوجه.
** يصارع إبن الوطن لكي يجد مستشفى يقبل بوضع إبنه في الحضانة لكي يكمل شهور حمله ولا يكاد يجد ويذهب ذات اليمين وذات الشمال والجواب الدائم ( لايوجد لدينا حضانة شاغرة ) في الوطن النفطي الكبير !
في هذه اللحظات يترآى أمام عينيه مصافي البترول ليس في البر فحسب بل في البحر, ويترآى أمام عينيه القصور الفاخرة على مد البصر ليس على البر فحسب بل في البحر , يترآى أمام عينيه الاحتفالات وتدشين المشروعات بمئات الملايين في وطن أصبح المليون فيه ريالاً واحداً واصبحت مشاريعه الملياريه ورقية فقط , يترآى أمام عينيه البذخ لحد الفسوق لفئام من الناس الطغاة في هذا الوطن الملكي الزاخر , يتاسبق إلى أذنيه تلكم الوعود البراقة والكلمات الرنانة المتلحفة بالخوف من الله والمتقلدة مراقبة الله وممتطية الأمانة والإخلاص والوفاء , إبتداءاً بأعلى الهرم إلى أصغر وزير وحسبنا وحسبهم الله وكفى به حسيبا ورقيبا .
** في هذا الوطن لايجد إبن الوطن حقه كافياً وافياً غير منقوص , وإذا أخذه أخذه بشق الأنفس وذل السؤال إلا من رحم ربي .
إنني سائل هذا الراعي وهذا المستأمن وهذا الوزير لو أن إبنك يصارع الموت ولم تجد له حضانة تحتضنه , ولو أن أمك أو زوجك اصابها مرض عضال ولم ولن تجد لها سريراً تتمدد عليه إنتظاراً للموت فماذا أنتم فاعلون !
** لا تعجب يا ابن الوطن البار المصابر فهذا الوزير اعتذر عن حضور جلسة نقاش وليست جلسة مساءلة عن دور وزارته وأدائها لدى مجلس الشورى فقدم إعتذاراً للملك فقبل إعتذاره بحجة إنه مريض فليس هذا محل للعجب فكلنا نمرض وإنما العجب أن يطير هذا الوزير لخارج الوطن ليعالج مرضه وألمه وليس هو المرض المميت فلربما هي نزلة برد أصابته من جراء التكييف المركزي الذي يضرب أطناب مكتبة وقصره الفاخر العامر ليل نهار , فهذا الوزير لم يأمن صحته في هذا الوطن فكيف نأمن هذا الوطن في ذمة هذا الوزير !! فمشافي الوطن لا تليق إلا بأنصاف البشر أمثالنا إذا وجدنا أسرة تحتضنا إنتظاراً للموت ! ولن يقف الأمر عند هذا الوزير المتعافي فمثله كثر لا كثرهم الله !
** وأخيراً : هناك ثمة تساؤلات تطرح نفسها أمام هذا المأزق الديني والإنساني والأخلاقي .. هل هناك شح في موارد هذا الوطن ؟ وهل هناك تقاعس وبخل في دعم الإحتياجات الخدمية لأبناء هذا الوطن من لدن ولاة الأمر ؟ وهل هناك قصور في متابعة ولاة الأمر لمن وثقوا فيهم ووضعوا في أعناقهم خدمة الوطن وابن الوطن ؟
هناك ذمم رخيصة وأنفس دنيئة تعبث بهذا الوطن الغني .