أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


بسم الله وبعد :
لقد اختلفت الأحاديث في توقيت فتح القسطنطنية ، أهو قبيل خروج الدجال، أم قبل ذلك بكثير ، وفيما يلي هذا البحث الذي سنجيب فيه على التسالات التالية :
ما هو وجه الجمع بين الأحاديث المتعارضة حول هذا الفتح ؟
وهل هناك عدة قسطنطنيات، حتى يُحمل كل حديثٍ على واحدة منها ؟
وإن كان ذلك كذلك فمن هي القسطنطنية التي تُفتح أوَّلا ؟
كل هذا وغيره ما سنحاول الإجابة عنه في هذا المبحث المقسم إلى المطالب التالية :
المطلب الأول : المراد بالقسطنطنية والتفريق بين مسمَّياتها :
الأظهر أنّ المُسلمين كانوا يطلقون هذه المدينة على ثلاثة مدن أو أربعة :
قال الدينوري في الأخبار الطوال (402) في ولاية المعتصم :" ومن ذلك فتح عمورية وهي القسطنطينية الصغرى ، والأخرى فتحها الله على يديه ".
وأما الوسطى فيحتمل أن تكون تلك التي قد فتحت في زمن الصحابة والتابعين : لما روى بلج عن أبي شيبة المهري وكان قاضي الناس بقسطنطينية قال: قيل لثوبان: حَدِّثنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال :« رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر ».
وهناك القسطنطنية الرومية الشرقية، المنفصلة عن قسطنطنية اسطنبول، فهذه هي التي لا تُفتح إلاّ في آخر الزمان ، وهي وَمَا قبلها هما اللتان قال عنهما محمود بن غيلان :" والقسطنطينية هي مدينة الروم تفتح عند خروج الدجال، والقسطنطينية قد فتحت في زمان بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم".
وأما القسطنطينية البيزنطية الشرقية ، فهي اسطنبول مدينة هرقل ، التي سميت باسم مَلِكِهَا قسطنطين والذي أطلق عليها اسم روما الثانية ، وقد قال ابن حزم في الفصل (1/182) :" أول من تنصر من الملوك قسطنطين بعد نحو ثلاثمائة سنة من رفع المسيح ، فو الله ما قدر على إظهار النصرانية حتى رحل عن رومية مسيرة شهر ، وبنى بزنطية وهي قسطنطينية ثم أجبر الناس على النصرانية بالسيف والعطاء ".
وقال عماد الدين في المختصر عن قسطنطين :" انتقل من رومية إلى قسطنطينية وبنى سورها وتنصر، وكان اسمها البيزنطية فسماها القسطنطينية ".
وفي هذا الوقت انقسمت إمبراطورية الروم إلى قسمين، شرقي وغربي، فالشرقي عاصمته القسطنطينية الذين كوّنوا الإمبراطورية البيزنطية في سنة "335 م"،
وأما الغربي فأسسوا حكومة روما :
المطلب الثاني : أي قسطنطنية تفتح أولا :
لقد حاول المسلمون فتح القسطنطنية الشرقية عدة مرات لكنهم لم يفلحوا ، إلى أنْ فتحها محمد بن مراد خان الفاتح وأسس فيها ملك بني عثمان كما ذكر المقريزي والشوكاني في البدر الطالع.
وقد تم حصارها من طرف المسلمين لأمد كبير حتى تم الهجوم الأكبر يوم الثلاثاء 20 جمادى الأولى سنة 857هـ وقتلوا فيها الملك قسطنطين ، ثم استمروا في فتح بلاد أوروبا حتى سقطت الخلافة الإسلامية في هذا العصر الحديث وأبدلها أتاتورك اللعين بنظام دكتاتوري علماني حتى قيظ الله تعالى هذا الرجل الصالح الطيب أردوغان الذي بدأ يغير بالتدريج ملامح هذا النظام العلماني الخبيث ، فوفقه الله .
وقد أخبر النبي عليه السلام عن فتح القسطنطنية الشرقية قبل الغربية رُومَا ، ومن أدلة ذلك ما يلي :
الدليل الأول : قاله أبو بكر والإمام أحمد وغيرهما حدثنا يحيى بن إسحاق نا يحيى بن أيوب عن أبي قبيل قال: سمعت عبد الله بن عمرو وسئل: أي المدينتين يفتح أولا قسطنطينة أو رومية ؟ قال: فدعا عبد الله بن عمرو بصندوق له حلق فأخرج منه كتابا فجعل يقرأه قال فقال: بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتب إذ سئل: أي المدينتين يفتح أولا قسطنطينية أو رومية؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بل مدينة هرقل أولا تفتح "، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (6/219) رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح غير أبي قبيل، وهو ثقة "، وقد توبع يحيى بن أيوب من طرف سعيد بن أبي أيوب :
فقال الحاكم في مستدركه (4/468) أخبرنا أبو جعفر محمد بن محمد البغدادي ثنا هاشم بن مزيد (مرثد) ثنا سعيد بن عفير ثنا سعيد بن أبي أيوب عن أبي قبيل أنه حدثه أنه سمع عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما يقول : تذاكرنا فتح القسطنطينية والرومية فدعا عبد الله بن عمرو بصندوق ففتحه فقال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتب، فقال رجل : أي المدينتين تفتح قبل يا رسول الله ؟ قال : مدينة هرقل يريد مدينة القسطنطينية "، قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وفيه هاشم بن مرثد فيه ضعف لكنه ممن يعتبر به .
كذا رواه يحيى وسعيد ، وخالفهما ابن لهيعة فأوقفه وجعله من المزيد :
فقال ابن عبد الحكم في فتوح مصر(257) حدثناه أبو الأسود النضر بن عبد الجبّار حدثنا ابن لهيعة عن أبى قبيل عن [عمير بن مالك] أنه كان عند ابن عمرو فذكروا فتح القسطنطينيّة ورومية، أيّهما تفتح أوّل ؟ فاختلفوا فى ذلك؛ فدعا عبد الله بن عمرو بصندوق فيه قراطيس، فقال: تفتحون القسطنطينيّة، ثم تغزون بعثا إلى رومية؛ فيفتح الله عليكم، وإلّا فأنا عند الله من الكذّابين »، وهو موقوف لكن له حكم الرفع، لِجَزْم عبد الله بن عمرو بذلك ، وقدْ وَقَعَ فعلا مصداق هذا الحديث، ففتحت قسطنطنية هرقل أوّلًا من طرف محمد الفاتح كما أسلفنا ، وللحديث شاهد جيد آخر :
الدليل الثاني :
خرجه أحمد (4/335) عن عبد الله بن محمد بن أبي شيبة حدثنا زيد بن الحباب حدثني الوليد بن المغيرة المعافري حدثني عبد الله بن بشر الخثعمي عن أبيه رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لتفتحن القسطنطينية، ولنعم الأمير أميرها، ونعم الجيش ذلك الجيش»، تابعه علي بن المديني وأبو بكر وعثمان بن أبي شيبة وعبدة قالوا ثنا زيد بن الحباب به مثله، وقد تابع زيدا عبدةُ بن عبد الله الخزاعي حدثني الوليد به، خرجه عنه الحاكم وصححه هو والذهبي، وقال الهيثمي والصالحي في سبل الهدى: " رجاله ثقات"، ورواية أحمد والبغوي في الصحابة فيهما دليل صريح على أن عبد الله هو الخثعمي الثقة، ويقال عنه الغنوي أيضا كما في ترجمة أبيه من كتب الصحابة لابن منده وابن عبد البر والبغوي ، وكذا قال ابن أبي خيثمة ، فتعين أنه هو والحديث به صحيح .
بينما قال محمد بن العلاء وحده حدثنا زيد بن حباب نا الوليد عن عبيد –بدل عبيد الله- بن بشر الغنوي عن أبيه مثله، ورواه مرة فقال فيه عن الوليد بن مغيرة عن أبي بشر الغنوي عن أبيه به .
ومن عجائب الدنيا الغريبة أن ضعفه بعضهم لأن فاتح القسطنطنية من الدولة العثمانية، ثم زعم بأن محمد الفاتح كان رجلا أشعريا ماتريديا، والله المستعان على من طعن في خيرة المسلمين .
وقد ورد حديث مشكل قد يكون شاهدا لما سبق :
الدليل الثالث : قال أحمد (4/193) ثنا هاشم ثنا ليث عن معاوية بن صالح عن عبد الرحمن بن جبير عن أبيه قال سمعت أبا ثعلبة الخشني صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم انه سمعه يقول وهو بالفسطاط في خلافة معاوية وكان معاوية أغزى الناس القسطنطينية فقال : والله لا تعجز هذه الأمة من نصف يوم، إذا رأيت الشام مائدة رجل واحد وأهل بيته فعند ذلك فتح القسطنطينية "، كذا أوقفه الليث، فهل له حكم الرفع ؟
نعم فقد رفعه ابن وهب، وعبد الله بن صالح مرة عن معاوية به ، ولفظه :" يعجز هذه الأمة من نصف يوم وإذا رأيت الشام مائدة رجل وأهل بيته فعند ذلك تفتح القسطنطينية "، وله شاهد آخر :
قال أبو داود 4350 : حدثنا عمرو بن عثمان حدثنا أبو المغيرة حدثني صفوان عن شُرَيح بن عبيد عن سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إني لأرجو ألا تعجز أمتي عند ربها أن يؤخرهم نصف يوم". قيل لسعد: وكم نصف يوم؟ قال: خمسمائة عام"،
وخرجه الحاكم وصححه (4/471) من طريق الوليد بن مسلم نا أبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم عن راشد بن سعد عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال مثله .
المطلب الثالث : ما ورد أن قسطنطنية اسطنبول هي التي تفتح قبيل الدجال والصواب في ذلك:
فقد ورد في حديث باطل :
فقال الطبراني في مسنده 671 حدثنا محمد بن حسان المازني ثنا محمد بن إسماعيل الوساوسي ثنا رواد بن الجراح العسقلاني ثنا الوضين بن عطاء حدثني عبد الأعلى بن الحكم الكلابي قال: أتيت دار أبي موسى فإذا حذيفة وابن مسعود فوق إجار فارتفعت فمنعني غلام فنازعته، فقال أبو موسى: خل عن الرجل فإذا عنده مصحف أرسل به عثمان، فكان بينهم كلام فذكر حذيفة ملك بني أمية ثم قال :" أنتم إذ سار المسلمون معهم الفؤوس والمعاول حتى يبلغون القسطنطينية مدينة الملك هرقل فينقضونها حجرا حجرا على لسان محمد صلى الله عليه وسلم , قلنا في زمن بني أمية قال: لا , ولكن على يدي فتى من بني هاشم , كيف أنتم إذا سار المسلمون معهم السبابجة حتى يعلقون عمدان مدينة الصين فينقضونها حجرا حجرا على لسان محمد صلى الله عليه وسلم، قلنا في زمن بني أمية قال: لا، ولكن على يدي فتى من هاشم، لا أعلم جيشا خيرا منهم إلا جيشا كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك لكعب فقال: ما أعظم جيشا أعظم أجرا من جيش يأتون الصين فيجيئون بملوك الصين وملوك العقبة في السلاسل , فإذا جاءوا بهم وجدوا ابن مريم قد نزل الشام "، وهذا حديث باطل موضوع من وضع محمد الوساوسي، وفيه رواد ليس بالقوي ، وعبد الأعلى مجهول .
لكن قد أخبر النبي عليه السلام في أحاديث أخرى عن فتح القسطنطنية قبيل الدجال، فاحتمل هذا أمورا :
إحداها أن قسطنطنية الشرق لما فتحت وسقطت الخلافة فيها ، رجعت إلى حكم أتاتورك وشيعته من العلمانيين الملحدين ، وأنها سترجع مرة أخرى إلى الحكم الراشد قبيل الساعة .
بل لقد زعم بعضهم بأن أهلها سيرتدون ثم تُفتح بلادهم مرة أخرى، وهو قول باطل والله أعلم .
والاحتمال الثاني وهو الأصح أن تكون هناك قسطنطنية أخرى وهي الغربية بروما، هي والتي ستفتح في آخر الزمان ، إلا أنَّ الإشكال المطروح : لِمَاذا سُميت الأخرى بالقسطنطنية ؟ والجواب عنه من وجهين :
أولاهما : أن القسطنطنية الثانية الغربيةَ هي فرعيةٌ عن القسطنطنية الشرقية الأم ، والتبعُ له حكم متبوعه ، وما قرب أو تفرع عن الشيء أخذ حكمه .
والثاني : أن تكون هذه الثانية - روما - قد سُميت بهذا الإسم أيضا ، فقد مر أن هذه التسمية قد أطلقت على عدة مدن، منها مدينة روما التي ستفتح عند ظهور المهديّ ، قبيل الدجال والساعة :
المطلب الرابع : قسطنطنية روما هي التي ستُفتح قرب الساعة والأدلة على ذلك :
قال الترمذي 2239 حدثنا محمود بن غيلان حدثنا أبو داود عن شعبة عن يحيى بن سعيد عن أنس بن مالك قال: فتح القسطنطينية مع قيام الساعة ", قال محمود: هذا حديث غريب ، والقسطنطينية هي مدينة الروم تفتح عند خروج الدجال، والقسطنطينية قد فتحت في زمان بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ".
وقال عبد الرزاق 20816 أخبرنا معمر عن بن أبي ذئب عن سعيد المقبري قال قال أبو هريرة :" لا تذهب الليالي والأيام حتى يغزو العادي رومية فيفعل إلى القسطنطينية، فيرى أن قد فعل، ولا تقوم الساعة حتى يسوق الناس رجل من قحطان "، والله أعلم بمعنى الجزء الأول منه .
وروى الناس عن عن قيس بن الربيع عن أبي حصين عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطوله الله عز وجل حتى يملك رجل من أهل بيتي، يملك جبل الديلم والقسطنطينية ».
وهكذا حديث عبد الله قال : بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتب إذ سئل: أي المدينتين يفتح أولا قسطنطينية أو رومية؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بل مدينة هرقل أولا تفتح ".
وأما المدينة الثانية – روما وضواحيها والواقعِ شطرها على الماء - فسيفتتحها من أسلم من الفرنجة :
وأوضح دليل ما خرجه مسلم (2920) عن ثور عن أبي الغيث عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سمعتم بمدينة جانب منها في البر وجانب منها في البحر؟» قالوا: نعم، يا رسول الله قال: " لا تقوم الساعة حتى يغزوها سبعون ألفا من بني إسحاق، فإذا جاءوها نزلوا، فلم يقاتلوا بسلاح ولم يرموا بسهم، قالوا: لا إله إلا الله والله أكبر، فيسقط أحد جانبيها - قال ثور: لا أعلمه إلا قال - الذي في البحر، ثم يقولوا الثانية: لا إله إلا الله والله أكبر، فيسقط جانبها الآخر، ثم يقولوا الثالثة: لا إله إلا الله والله أكبر، فيفرج لهم، فيدخلوها فيغنموا، فبينما هم يقتسمون المغانم، إذ جاءهم الصريخ، فقال: إن الدجال قد خرج، فيتركون كل شيء ويرجعون "، خرجه الحاكم ثم قال:" يقال : إن هذه المدينة هي القسطنطينية قد صحت الرواية أن فتحها مع قيام الساعة ".
المطلب الخامس : عوامل وأسباب فتح رومية وقيام معركة الملحمة الكبرى :
أخبرت السنة أن لهذا الأمر سببان :