أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم




من ويكيبيديا

يحيى بن الحكم البكري الجياني (156هـ - 250 هـ الشهير بلقب يحيى الغزال، هو شاعر أندلسي عاصر خمس أمراء للدولة الأموية في الأندلس،وبرع في شعر الغزل والحكمة. وقد سمي بالغزال لجماله وظرفه وتأنقه.

تأثر يحيى الغزال بشعر أبي نواس وأبي تمام

في عام 225 هـ، كلفه الأمير عبد الرحمن الأوسط بسفارة إلى بلاط الإمبراطور البيزنطي ثيوفيلوس ردًا على سفارة كان الإمبراطور أرسلها لطلب ود عبد الرحمن.[4] كما أرسله عبد الرحمن في سفارة أخرى إلى بلاط هوريك الأول ملك النورمان في رحلة عاد منها بعد عشرين شهرًا عام 232 هـ.

وحدث أن هجا يحيى الغزال زرياب بشعر، فاشتكاه زرياب للأمير عبد الرحمن، فأمر بنفيه من الأندلس، فرحل إلى العراق، وتجول في المشرق لفترة، حتى سمح له الأمير بالعودة.

ومن شعره في الحكمة، قوله:

وخيرها أبوها بين شيخ ..... كثير المال أو حدثٌ فقير
فقالت كلاهما خسف وما ..... أن أرى حظوة للمستخير
ولكن إن عزمت فكل شيء ..... أحب إليّ من وجه الكبير
لأن المرء بعد الفقر يثرى ..... وهذا لا يعود إلى صغير[7]

وتوفي الغزال سنة 250 هـ / 860 م.







ترجمة أخرى من الموسوعة العربية



الغَزَال (يحيى بن حَكَم البكري ـ)
(156ـ 250هـ/772 ـ 864م)

يحيى بن حكم البكري، الجياني، المشهور بلقب الغزال وهو من الشخصيات الأندلسية التي تركت آثاراً مهمة في عدد من الجوانب، وهو كما تدل نسبته ينتمي في أسرة عربية أصيلة، وبلدته التي خرجته هي (جَيّان) التي كانت مركز كُورة في الأندلس. أما الغزال فهو لقبٌ لزمه، حتى إن الأمير الأموي عبد الرحمن الأوسط استقبله مرة بشطر من الشعر، فقال: «جاء الغزال بحسنه وجماله»، وأجاز الغزال شطر الأمير فقال:
قـال الأميـر مداعبـاً بمقالـه
جاء الغزال بحسنه وجماله
أين الجمالُ من امرئ أربى على
متعدد السبعين من أحواله
في قطعة شعرية حسنة، والخبر يدل على استمتاع الغزال بجماله وحسن هيئة إلى شيخوخته.
والغزال يدخل في كبار الشعراء، ويعد في أوائل الرحّالين الأندلسيين، وهو أشهر دبلوماسي لهذه المدة المبكرة من حياة الإسلام في الأندلس، وكان للغزال مشاركة قوية في العلوم العقلية، واشتهر بلقب «العرّاف» لخبرته في علم النُّجوم (الفلك)، إضافةً إلى خبرته ومعرفته بالعلوم النقّلية.
أدرك يحيى بن حكم في حياته إمارة خمسة من حكام الأندلس الأموييّن: عبد الرحمن الداخل (ت 172) وهشام ابن عبد الرحمن (ت 180) والحكم بن هشام (ت 206) وعبد الرحمن الأَوسط ابن الحكم (ت 238) ومحمد بن عبد الرحمن (ت 273)، ومن هنا قال الغزال:
أدركتُ بالمِصرِ ملوكاً أَرْبَعِهْ
وخامساَ هذا الّذي نَحنُ مَعَهْ
ولم تذكر التواريخ مكان ولادته، ويَرْجُح أنه ولد ونشأ في (جَيّان)، ثم العاصمة قرطبة، حيث عاش فيها سائر حياته، واحْتَفظ بنسبته إلى بلدته الأصلّية الجَيّاني.
كان ليحيى عمر مديد، أتاح له أن يَبْرُز في أكثر من صعيد، وأن تتنوع جوانب حياته، وأن تكون له علاقات ومُداخلات في طبقات المجتمع المختلفة، وفي شعره الباقي ما يدل على هذه العلاقات الاجتماعية التي ترجمها شعُره إلى قصائد ذات مَزايا وخصوصيّة، وفيه مَا يُفصِح عن الجوانب المتعددة التي عالجها على الصَّعيد الشخصي والصعيد الرسمي.
كان في صفات الغَزال: الذكاء الذي يَرْقى إلى درجة الألمعيّة، والبساطة في مداورة شُؤون الحَياة المختَلفة، وروح الدَّعابة التي لاتفارقه في المواقف الصَّعبة، والجُرأة في النّقد الاجتماعي؛ حتى إنه طال في نقده الّلاذع وهجائه بعض كبار رجال الدّولة، وكان شعر الغزال مرآةً لهذه الأوصاف من شخصيته، وحكايةً لكثير من مجريات حياته، وتعبيراً عن مواقفه الّلاذعة، وتسجيلاً لجوانب من أَحداث زمانه.
كان الغزال موصول اليد بالدولة الأُمَويّة: تولّى الأعمال المختلفة، وتولّى السّفارة عنها في رحلتين مشهورتين، وكان من جلساء الأُمراء. وفي أخبار الغزال أنَّه رحل إلى المشرق، وأن رحلته كانت طواعيةً من عند نفسه، وليست نفياً كما وقع في بعض الدراسات المعاصرة.
قام الغزال برحلتين سفاريّتين مبعوثاً من الأمير الأمويّ عبد الرحمن (الأوسط)؛ إحداهما إلى القسطنطينية سنة 225هـ في رسالة جوابية إلى الإمبراطور تيوفيل (سماه أبو تمام في البائية: توفلس)، وكانت بيزنطة (دولة الروم) بعد هزيمتها في (عمّورية) سنة 223هـ رغبت في التقرُّب إلى دولة بني مروان بالأندلس؛ في محاولة لتّخفيف الضّغط عنها. وكانت الرّحلة السفارية الثانية على الأرجح إلى جُنْلَند (الدنمارك؛ بلاد النُّرمان) سنة 230هـ. وكانت رحلته رحلة جوابيّة ردّاً على رسالة، مع وفد دنمارك الذي قدم برغبة ملكهم في عقد علاقات سلميّة، ومعاهدة صداقة، وكان النرمانديون قد أغاروا على إشبيلية وغيرها ثم هزمهم الأندّلسيون. وللغزال في رحلته وفي لقائه الملك والملكة شعر حسَن. وعلّق كراتشكوفسكي هنا فقال: «إن الغزال أدى دور الدّبلوماسي مرّتين، وهو شاعر فنان، وعلى معرفة بعدد من اللّغات. وفي الملكة النرَّماندية يقول:
كلفّتِ في قلبي هوى متعباً
غالبْتُ منـه الضّيغمَ الأغَلْبَا
إنّي تعلَّقْتُ مَجُوســـِيَّة
تأبى لشمسِ الحُسْنِ أن تغربا
وقد نجحت مهمّة الغَزال، وسَجّل السبق بريادة السّفارات الديبلوماسّية الأندلسية.
نَظَم الغَزالُ، في أغراض شَتى من الشّعر: الغَزل والهِجَاء والتعريض، والمَدْح، والوَصْف، والحكمة، والتأمّل في شؤون الحياة، وبَرزتْ مقدرته على مُعالجة النقد الاجتماعيّ في موضوعات متعدّدة، ومن أغراض الشاعر البارزة في شعره الباقي الهجاء والتعريض، وممّن أصابه هجاء الغزال: المغنّي زرياب، ونَصْر الخصيّ ذو النفوذ، ويبرز في شعر النقد الاجتماعي قضايا الغنى والفقر، وعلاقة الرّجُل والمَرأة، والألعاب المُلِهية، واستغلال النفّوذ، وكان للشّاعر نَفَسٌ ممدودٌ في التعّبير عن ظُروفِ حياته.
ومن شعره الساخر:
إذا أُخبرتَ عن رجل بريءٍ
من الآفات ظاهره صحيحُ
فَسًلْهُم عنه: هل هو آدميّ ؟
فإن قالوا نعم فالقول ريحُ!
ديوان الغَزال سِفْر كبير غزير الشّعر، جَمَعَه حبيب بن أحمد الشّطجيري الأَندلسي، ورتبه على حروف المُعجم.
وألّف أيضاً تاريخاً منظوماً (أُرجوزة) ذكر فيها فتح الأندلس ومجريات الأحداث فيها إلى زمانه، وقد بقي من شعر الغزال قَدْرٌ جيد في كُتب التراث الأندلسي، وليس للديوان الذي جمعه الشطجيري ذِكرٌ في فهارس المكتبات المعروفة خاصة وعامّة، جمع الباقي من شعر الغزال أَوّل مرّة صالح بنداق وضم فيه بضعاً وثلاثين قصيدة وقطعة. ثم قمتُ بإعادة جمع شعره فوصل إلى نحو خمس وستين قصيدة وقطعة رُتبت على حروف المعجم، وصُنع لها شرح ومقدّمات.
وظهرت نصوص جديدة للغزال تضاف إلى مجموع شعره، في السفر الثاني من كتاب «المقتبس» لابن حَيّان.









ترجمته من كتاب تاريخ الأدب الأندلسي (عصر سيادة قرطبة)
المؤلف : إحسان عباس


1 - يحيى بن حكم الجياني
الملقب بالغزال
156 - 25ه
المطرب 125 - 141، والجذوة: 351، والنفح 1: 449، والمغرب 2: 57، وبغية الملتمس رقم: 1467.
كان عمره حين توفي عبد الرحمن الداخل ستة عشر عاما، ثم شهد عهد هشام بن عبد الرحمن (172 - 180) والحكم ابنه (180 - 206) وعبد الرحمن الحكم (206 - 238) وصدرا من خلافة محمد بن عبد الرحمن، ويبدو انه ذكر في أرجوزته التاريخية فقال (1) :
أدركت بالمصر ملوكا أربعه ... وخامسا هذا الذي نحن معه ومعنى ذلك انه عاصر كثيرا من أحداث الأندلس، وربما تمرس ببعض الحوادث، وكان عمره يوم الهيج الثاني لأهل الربض (202) ستا وأربعين سنة، ولكن الأخبار عنه قبل مجيء عبد الرحمن بن الحكم إلى الحكم مجهولة على نحو غريب يبعث على الدهشة، وفي مطلع إمارة عبد الرحمن
__________
(1) النفح 1: 449.
(1/111)
عبد الرحمن زرياب إلى الأندلس وتقول الروايات ان الغزال لم يرتح إلى هذا القادم فهجاه هجاء مقذعا، لسبب لا ندريه، فغضب منه عبد الرحمن عندما شكاه إليه زرياب فأمر بنفيه عن الأندلس فكلمه فيه أكابر دولته فعفا عنه، وتضيف إحدى الروايات انه لم يطب نفسا بالمقام في بلده فهاجر إلى المشرق، بعيد وفاة أبي نواس، وانه أقام مدة يتجول في البلاد المشرقية ثم حن إلى وطنه فعاد وهو قد شارف الستين. ولكن ليس هناك من الأسباب المقنعة ما يجعلنا نعتقد صحة هذه الرواية أو أن الغزال رأى المشرق أبدا.
وولاه الأمير عبد الرحمن قبض الأعشار ببلاط مروان واختزالها في الأهراء استجابة لرغبة عبر عنها في إحدى قصائده (1) . وفي ذلك العام ارتفعت الأسعار فباع الغزال كل ما لديه من مخزون، ثم نزل المطر ورخص الطعام، فلما علم الأمير بما فعله الغزال أنكره وقال: " إنما تعد الأعشار لنفقات الجند والحاجة إليها في الجهد فماذا صنع الخبيث؟ خذوه بأداء ما باع من أثمانها واشتروا به طعاما " ، وأبى الغزال ان يدفع ثمن ما باعه وقال: " إنما اشتري لكم من الطعام عدد ما بعت من الإمداد " فأمر الأمير بحمله مقيدا وسجنه بقرطبة، ومن السجن رفع الغزال إلى الأمير قصيدته التي مطلعها:
بعض تصابيك على زينب ... لا خير من الصبوة للأشيب وقد مدح فيها الأمير بالعدالة والهيبة فقال:
من مبلغ عني إمام الهدى ... الوارث المجد أبا عن أب
إني إذا أطنب مداحه ... قصدت في القول فلم أطنب
لا فك عني الله إن لم تكن ... أذكرتنا من عمر الطيب
وأصبح المشرق من شوقه ... إليك قد حن إلى المغرب
__________
(1) راجع المطرب: 128 وفيه أيضا تفصيل لفارة الغزال عند ملك النورمانديين 130 - 136.
(1/112)
منبره يهتف من شوقه ... إليك بالسهل وبالمرحب
أطربه الوقت الذي قد دنا ... وكان من قبلك لم يطرب
هفا الوجد فلو منبر ... طار لوافى خطفة الكوكب
إلى جميل الوجه ذي هيبة ... ليست لحامي الغابة المغضب
لا يمكن الناظر من رؤية ... إلا التماح الخائف المذنب ثم تعرض لذكر الطعام وبيعه والمال الذي قبضه فقال:
إن ترد المال فإني امرؤ ... لم أجمع المال ولم أكسب
إذا أخذت الحق مني فلا ... تلتمس الربح ولا ترغب
قد أحسن الله إلينا معا ... أن كان رأس المال لم يذهب وواضح من هذا كيف ان الغزال لا يستعمل التذلل للاستشفاع، وإنما يعتمد على شاعريته في المدح وعلى روحه الفكاهية.
غير أن تأريخ هذه القصة بأنها حدثت في أيام عبد الرحمن مما يستدعي شيئا من التوقف، فإنا لا نعلم قحطا حدث في أيامه، لكن هناك مجاعة حدثت سنة 199ه في أيام الحكم والد عبد الرحمن، فلعل للحكاية صلة بها، أو لعل هناك قحطا حدث في أيام عبد الرحمن نفسه ولم تحدثنا عنه كتب التاريخ، التي وصلت إلينا.
ومن أخباره في أيام عبد الرحمن صلته بقاضيين أخوين من بلده جيان، وهما يخامر الشعباني وأخوه معاذ، أما الأول فقد ولي القضاء سنة 220ه، فعامل الناس بخلق صعب ومذهب وعر فانبرى له الغزال يهجوه ويصفه بالبله والجهل، ومن شعره يشير إليه (1) :
فسبحان من أعطاك بطشا وقوة ... وسبحان من ولى القضاء يخامرا ثم ولي معاذ القضاء سنة 232 وكان طيبا ولى أحباس قرطبة رجلا ظن فيه خيرا فخاب ظنه فقال الغزال (2) :
__________
(1) قضاة قرطبة: 83.
(2) قضاة قرطبة: 86 والتكملة: 732 والعقد 1: 393 (ط. 1293ه).
(1/113)
يقول لي القاضي معاذ مشاورا ... وولى امرءا ؟فيما يرى - من ذوي الفضل
فديتك ماذا تحسب المرء صانعا ... فقلت وماذا يصنع الدب بالنحل
يدق خلاياها ويأكل شهدها ... ويترك للذبان ما كان من فضل كان الغزال حينئذ قد تجاوز الخامسة والسبعين وتهكمه بالقاضي وصاحب الاحباس ممزوج بالحكمة. وفي هذه السن أو في قريب منها كان ما يزال يروح ويجيء إلى عبد الرحمن في قصره، وذات يوم دخل على الأمير فحياه هذا بقوله (1) :
جاء الغزال بحسنه وجماله ... فطلب إليه ان يجيز فقال:
قال الأمير مداعبا بمقاله ... جاء الغزال بحسنه وجماله
أين الجمال من امرئ أربى على ... متعدد السبعين من أحواله
أين الجمال له، الجمال من امرئ ... ألقاه ريب الدهر في أغلاله
وأعاره من بعد جدته بلى ... وأحال رونق وجهه عن حاله وهي قصيدة طويلة، لم تبق منها إلا هذه الأبيات التي تدل على نسق جميل.
سفارة الغزال إلى بلاد النورمان (أو إلى القسطنطينية)
ومن أبرز الحوادث في حياة الغزال سفارته عن الأمير الأندلسي وقد قال ابن سعيد انه ذهب إلى ملك القسطنطينية (2) ، وأول من دون خبر هذه الرحلة هو تمام بن علقمة، معاصر الغزال، في تاريخ له ألفه، وذكرها ابن حيان في كتاب المقتبس، وعن أحدهما، فيما يبدو، نقل ابن دحية شيئا من خبر تلك الرحلة مفصلا في كتاب المطرب ولكنه جعل
__________
(1) ابن عذاري 2: 139.
(2) المغرب 2: 57.
(1/114)
أحداث الرحلة تتصل بسفارة الغزال إلى بلاد المجوس (النورمان) واستغرقت هذه الرحلة بين سفر وإقامة مدة عشرين شهرا.
ففي سنة 230ه هاجم النورمانديون في نحو ثمانين مركبا شبه جزيرة البيرة سالكين الطريق البحرية من اشبونة إلى قادس ثم إلى شذونة ثم توغلوا حتى اشبيلية قسرا وقتلوا كثيرا من أهلها واستمروا على ذلك سبعة أيام فلما سمع الأمير عبد الرحمن بذلك بعث بالجيوش لمهاجمتهم، وتزايدت قوة المجوس بمقدوم عدد جديد من السفن، وتغلغلوا إلى قرى أخرى في عمالة اشبيلية، وبعد ان فتكوا بالناس فتكا ذريعا عاد قسم كبير منهم إلى شذونة ثم إلى قادس. وفي أواخر صفر استطاعت جيوش عبد الرحمن ان تصيب في من بقي منهم مقتلا عند قرية طلياطة، وقتل قائد أسطولهم وصلب بعض من أخذ منهم على جذوع النخل باشبيلية، كل ذلك حدث في خلال اثنين وأربعين يوما، ويبدو انهم أحبوا الصلح بعد هذه المعارك فوفد رسول منهم على عبد الرحمن، فوافق هذا على الصلح وانتدب الغزال ليذهب إلى بلادهم، وبعث معه بهدية ثمينة، وهيء له مركب حاذى به مركب الرسول، وذهبوا جميعا إلى بلاد المجوس. وفي عودته، مر بشنت يعقوب، ثم صدر علة قشالة؛ ومنها إلى طليطلة ومنها إلى قرطبة.
إذن فان هذه الرحلة قد تمت بعيد سنة 230 ه وعمر الغزال يومئذ إذا حسبنا انه ولد سنة 156ه كان يناهز الخامسة والسبعين، الا ان تمام بن علقمة الذي سج تاريخ هذه الرحلة يقول انه كان قد شارف الخمسين، وعلى هذا فهناك خطأ ما في هذا الموقف، إما في حقيقة سن الغزال أو في التاريخ الذي ذهب فيه إلى بلاد المجوس؛ وللخروج من هذا الاضطراب علينا أن نفترض أن هناك سفارتين السفارة الأولى كانت إلى القسطنطينية وعمر الغزال خمسون سنة والثانية كانت إلى بلاد المجوس وعمره قد تجاوز السبعين.
(1/115)
والرحلة كما وصفها صاحب المطرب تتلخص في ان الغزال ذهب مع جماعة لم تذكر منهم المصادر الا واحدا هو يحيى بن حبيب، وهيأت له رحلته تجارب جديدة في الحياة، واستخرجت كثيرا من الشعر، ففي البحر قابلته العواصف، فوصفها الغزال ووصف تعلقهم بين الحياة والموت، وقدم لذلك بمطلع غزلي ثم قال:
قال لي يحيى وصرنا ... بين موج كالجبال
وتولتنا رياح ... من دبور وشمال
شقت القلعين وانبتت ... عرى تلك الجبال
وتمطى ملك المو ... ت إلينا عن حيال
فرأينا الموت رأي العين ... حالا بعد حال
لم يكن للقوم فينا ... يا صديقي رأس مال وفي هذه القطعة التحليلية الرقيقة تجد الغزال لا يزال في أشد حالات الكرب تشف نفسه عن الفكاهة العذبة في قوله: " لم يكن للقوم فينا يا صديقي رأس مال " ، وعرفته هذه الرحلات على بلاد غريبة وناس غرباء وعادات يراها لأول مرة، والحكايات التي تروى في هذه الرحلة ليست كلها من نسج الخيال وبخاصة رفض الغزال أن يسجد لملك المجوس، ثم إعجاب ملك المجوس برأيه وحكمته، ومجادلته للعلماء والحكماء هنالك، ألا أن العنصر النسائي غالب على قصص تلك الرحلة، وافتتان الغزال بزوجة الملك واسمها تود أو نود (1) - تصنعا لا حقيقة - يدل على دهائه في التقرب إلى القلوب، وإجادته السفارة السياسية، وقد سئل الغزال هل كانت الملكة من الجمال بالقدر الذي أطنبت فيه فقال لمحدثه تمام بن علقمة نفسه: " وأبيك لقد كان فيها حلاوة ولكني اجتلبت بهذا القول محبتها ونلت منها فوق ما أردت " . وقد خشي أصحاب الغزال عليه من كثرة تردده إلى الملكة أن يثير هذا الغيرة في نفس زوجها فلما قيل
__________
(1) يعتقد الأستاذ بروفنسال أنها هيTheodora زوج توفلس وابنها هو الأمير الطفل ميشيل.
(1/116)
لها في ذلك قالت: " ليس في ديننا نحن هذا ولا عندنا غيرة ولا نساؤنا مع رجالنا الا باختيارهن تقيم المرأة معه ما أحببت وتفارقه إذا كرهت " .
ونوادره مع الملكة مبنية على خفة ظله وميله إلى الدعابة، كأن تسأله عن سنه فيقول لها: عشرون، فإذا أبدت دهشتها قال لها وما تنكرين من هذا؟ ألم تري مهرا ينتج وهو أشهب، وربما تدخل في هذه الحكايات شيء من الخيال المشرقي عن الختان والخضاب وما أشبه. ويروى ابن سعيد أنها قد جاءته ذات مرة بخمر، وطلبت إليه ان يشربها، فأنى لأن ذلك لا يجوز في دينه ثم أدركته ندامة فقال من قصيدة يعبر عن ذلك (1) :
فقلت حماقة مني ونوكا ... فديتك لست من أهل الشمول
فأية غرة سبحان ربي ... لو اني كنت من أهل العقول شخصيته وخلقه
كان يحيى بن الحكم في صباه جميلا ومن اجل جماله لقب بالغزال، ويبدو انه كان فارع الطول، قوي البنية، وقد احتفظ بقوة بنيته هذه وهو في سن عالية، وقد وصفه معاصره تمام بن علقمة لأنه كان في اكتهاله وسيما، وانه حين سفر إلى بلاد المجوس كان ما يزال مجتمع الأشد ضرب الجسم حسن الصورة، وانه كان قد وخطه الشيب، وفي شيخوخته ما يزال الأمير عبد الرحمن يداعبه بذكر جماله، فينكر هذا ويؤكد أن الزمن قد غيره، وأحاله عن الحال الأولى، ولا ريب في أن اختياره للسفارة في بلاد أجنبية كان يشير إلى الجانبين البارزين من شخصيته: خلقه وخلقه، فأما الخلق فهو موصوف بحدة الخاطر وبديهة الرأي وحسن الجواب والنجدة والإقدام والحنكة السياسية، هذا إلى ثقافة جيدة، وبخاصة معرفته بعلم النجوم، كمعاصرة ابن الشمر منجم الأمير عبد الرحمن،
__________
(1) المغرب 2: 58.
(1/117)
وقد شهد الحميدي بأنه كان جليلا في نفسه وعلمه، وسماه المقري " عرافا " .
ويشهد معاصروه انه كان قليل المال مهملا في الأمور المادية، وتدل حادثة بيعه للطعام أيام المجاعة حين ولي قبض الأعشار على انتهاز الفرص ليجد المال، وعلى تصرفه بما ليس له، وعلى تبديده المال الذي قبضه في وقت سريع. ويقولون انه كان مقبلا على اللهو ثم أقلع عن شرب الخمر بعد عودته من المشرق وكانت يومئذ قد علت به السن وشارف الستين، واتجه إلى الزهد عملا وقولا. وقد أورد له ابن عبد ربه قصيدة تدل على انه كان بعيدا من اللهو وانه لم ينقد للذاته أبدا، مطلعها (1) :
لعمري ما ملكت مقودي الصبا ... فأمطو للذات في السهل والوعر وفيما يتحدث عن قناعته بشربة ماء وبخبز وبقل دون لحم وانه لو عمر تسعين حجة ؟وقد عمر - ما اشتاق إلى الخمر والمزاهر، بل انه سمع من الناس ان الخمر مرة، ولم يذق لها طعما:
وبالله لو عمرت تسعين حجة ... إلى مثلها ما اشتقت فيها إلى خمر
ولا طربت نفسي إلى مزهر ولا ... تحنن قلبي نحو عود ولا زمر
وقد حدثوني أن فيها مرارة ... وما حاجة الإنسان في الشرب للمر فان كانت هذه القصيدة للغزال حقا، فأنها قد تغير النظرة إلى سيرته، وإلا فأنها مما قاله بعد ان نسك، على أننا نراه في رحلته يتعذر للملكة بان الخمر حرام في دينه، ولا يعتذر بكبر السن أو بما يقارب ذلك، ولا بد من ان نذكر دائما انه كان ميالا للمداعبة والفكاهة في كل أدوار حياته.
شعره
شاعر الأندلس المقدم ؟في نظري - على جميع شعراء هذه الفترة، وربما كان ابن شهيد أعمق منه ثقافة وأبصر بالنقد، وكلامه أشد أسرا
__________
(1) العقد 5: 352 (ط. اللجنة).
(1/118)
وأجزل جزالة، ولكن الغزال أقرب إلى الطبع وأبعد عن التكلف، وأعمق تجربة وأنفذ نظرا، وأغور حكمة، ومن قلة احتفاله بصقل المبنى الشعري تجد على شعره آثار الجفاء وقلة التحلية اللفظية، وطلب المعنى في قالب مستو وان لم يكن شديد الرصانة، وهو ميال إلى الجانب التحليلي أكثر من ميله إلى التركيز، ولذلك اعتقد أن إتقانه للقصص الشعري كان من سماته الشعرية البارزة كما في قطعته التي وصف فيها ركوب البحر مع يحيى بن حبيب، وكما في تصويره لهذه المشكلة القديمة الحديثة، تخيير الفتاة بين شيخ غني أو شاب فقير، إذ يقول (1) :
وخيرها أبوها بين شيخ ... كثير المال أو حدث فقير
فقالت خطتا خسف وما إن ... أرى من خطوة للمستجير
ولكن إن عزمت فكل شيء ... أحب إلي من وجه الكبير
لأن المرء الفقر يثري ... وهذا لا يصير إلى صغير ومما يميزه بين شعراء الأندلس ميزتان كبيرتان الأولى: قيام شعره على النظرة الساخرة، ووضوح نظراته الفلسفية القائمة على تجربيته، وهما خاصيتان عزيزتان في الشعر الأندلسي. فأما السخرية فأنها القاعدة الصلبة المتصلة بروحه الفكاهية، وهي لا تفارقه في أحرج المواقف أو في أشدها جدية، حتى في الغزل، في مثل قوله:
وهي أدرى فلماذا ... دافعتني بمحال
أترى أنا اقتضينا ... بعد شيئا من نوال وقد ترفع هذه السخرية إلى مستوى المرارة في النظر إلى حقائق الحياة كقوله:
قالت: أحبك، قلت: كاذبة ... غري بذا من ليس ينتقد
هذا كلام لست أقبله ... الشيخ ليس أحد
سيان قولك ذا وقولك ... إن الريح نعقدها فتنعقد
__________
(1) الجذوة: 252.
(1/119)
أو أن تقولي: النار باردة ... أو أن تقولي: الماء يتقد وحين تبلغ سخريته هذا المستوى تلتقى بفلسفته الشكية الجانحة إلى التشاؤم وسوء الظن، وهذا هو حصاد تجربة طويلة جعلته يقول (1) :
إذا أخبرت عن رجل بريء ... من الآفات ظاهرة صحيح
فسلهم عنه هل هو آدمي ... فان قالوا نعم، فالقول ريح
ولكن بعضنا أهل استتار ... وعند الله أجمعنا جريح
ومن إنعام خالقنا علينا ... بأن ذنوبنا ليست تفوح
فلو فاحت لأصبحنا هروبا ... فرادى بالفلا ما نستريح
وضاق بكل منتحل صلاحا ... لنتن ذنوبه البلد الفسيح وهذه الفلسفة هي التي جعلته يرى العلاقة الاجتماعية شيئا شبيها بعلاقة القط والفأر والثعلب والدجاج في قولة:
لا ومن أعمل المطايا إليه ... كل من يرتجي إليه نصيبا
ما أرى ها هنا من الناس إلا ... ثعلبا يطلب الدجاج وذيبا أو شبيها بالقط ألقى بعينيه إلى فأرة يريد الوثوبا ... ويغرق في هذه النظرة الشكية الكافرة بالخير إذا هو استحضر ذكر المرأة، فالمرأة سرج للتداول، أو خان يتعاقب عليه النازلون أو ثمرة يأكلها أول مار بها (2) :
إن النساء لكالسروج حقيقة ... فالسرج ريثما لا تنزل
فإذا نزلت فان غيرك نازل ... ذاك المكان وفاعل ما تفعل
أو منزل المجتاز أصبح غاديا ... عنه، وينزل بعده من ينزل
أو كالثمار مباحة أغصانها ... تدنو لأول من يمر فيأكل وخلاصة فلسفة الغزال أن الناس جميعا متساوون لأنهم يتساوون في
__________
(1) الجذوة: 252.
(2) المطرب: 136.
(1/120)
العيوب ولا يتفاوتون في الفضائل، وكل واحد يرى عيب أخيه ولو كان صغيرا ويعمى عن عيب نفسه:
يستثقل اللمم الخفيف بغيره ... وعليه من أمثال ذاك جبال ويبدو أن الشيخوخة فعلت فعلها في نفس الغزال ومزجت نظرته إلى الحياة بمرارة شديدة وبعد أن كانت سخريته تريحه، ثقلت عليه وطأة السنين، وكان من جراء ذلك ان امتزج شعره بالموعظة، واتجه اتجاها زهديا فأخذ ينعى على أهل اليسار احتفالهم ببناء قبورهم كأنهم غافلون عما خرب من مدائن وقصور ويذكر الموت، وانه لم يفرق بين من يلبس الصوف ومن يلبس الحرير:
إذا أكل الثرى هذا وهذا ... فما فضل الكبير على الحقير وأخذ يرثي نفسه ويستشعر الغربة بين أجيال لا تعرفه، بل ربما حسدته على طول عمره (1) :
أصبحت والله محسودا على أمد ... من الحياة قصير غير ممتد
حتى بقيت بحمد الله في خلف ... كأنني بينهم من خشية وحدي
وما أفارق يوما من أفارقه ... إلا حسبت فراقي آخر العهد
أنظر إلي إذا أدرجت في كفن ... وانظر إلي إذا أدرجت في اللحد
واقعد قليلا وعاين من يقيم معي ... ممن يشيع نعشي من ذوي ودي
هيهات كلهم في شأنه لعب ... يرمي التراب ويحثوه على خدي وحتى في هذا الفن لا نحس أن الغزال كان يصطنع هذه الحكمة، ليقال انه مجرب، وإنما هي تفيض عن نفسه طبيعية معقولة ؟وان كانت مريرة - وفي بعض أشعار الزهد هذه تصح له ابتكارات المستغرق في ذات موضوعه كقوله (2) :
__________
(1) العقد 3: 58، 190 (ط. اللجنة).
(2) المطرب: 141.
(1/121)
ولو كانت الأسماء يدخلها البلى ... لقد بلي اسمي لامتداد زماني
وما لي لا أبلى لسبعين حجة ... وسبع أتت من بعدها سنتان
إذا عن لي شخص تخيل دونه ... شبيه ضباب أو شبيه دخان تلك هي النهاية التي انتهى إليها الغزال في الشعر، أما بدايته فكانت بصرا نافذا بالنقد في شبابه أيام كان يدرس في مسجد قرطبة، وعبثا لاذعا بمن حوله من الأشخاص الذين لا يعجبونه، ومحاكاة لأبي نواس في خمرياته ومجونياته، وهجاء مقذعا، وغزلا لا يتميز بالرقة، وربما كان اضعف فنونه، ثم حكمة قائمة على السخرية تنتهي إلى فلسفة شكلية مريرة متشائمة، ورثاء لشيخوخته وضعفه.