أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم




1 ـ صفات واضع الشريعة تقتضي كمالها ودوام صلاحيتها:

ـ كمال علمه.

ـ كمال عدله.

ـ كمال قيوميته.

ـ كمال حكمته.

ـ كمال رحمته.

2 ـ نصوص وتفاصيل وتجارب تدل على كمال هذه الشريعة.

3 ـ ميزات الشريعة الإسلامية: الكمال، السمو، الدوام.

4 ـ أسباب سوء الظن بالشريعة الإسلامية:

1-الجهل بحقائقها

2-والتشويه المتعمد لحقائقها.

3- إقصاؤها عن التطبيق في الحياة

4-التقليد الأعمى.

1 ـ صفات واضع الشريعة تقتضي كمالها ودوام صلاحيتها:

يتصف واضع الشريعة سبحانه، بكمال العلم المنافي للجهل، وبكمال العدل المنافي للظلم، وبكمال القيومية المنافية للغفلة والسنة والنوم، وبكمال الحكمة المنافية للطيش والعشوائية والخَرَق، وكمال الرحمة المنافي للغلظة والقسوة.

ـ كمال علمه:

فكمال علمه تعالى يقتضي أن يشرع لعباده شريعة كاملة لا نقص فيها، صالحة لكل زمان ولجميع البشر في كل الأجيال، مهما اختلفت مستوياتهم الثقافية والاقتصادية والاجتماعية والصناعية، إذ علمه محيط بالماضي والحاضر والمستقبل وتغيرات الأحوال، كما أنه محيط بالنفس الإنسانية وما يصلحها وما يفسدها، وإنما يأتي نقص التشريع من جهل الْمُشرِّع بتلك الأمور أو أحدها والله تعالى منزه عن ذلك، فقد أحاط بكل شيء علماً.

ـ كمال عدله:

وكمال عدله يقتضي أن يبرأ وينزه عن الهوى والمحاباة لأحد من المخلوقين، أو ظلم أحد منهم، فهو يشرع لجلب مصالحهم ودفع المفاسد عنهم جميعاً، في كل الأحوال؛ لأن العدل صفة ذاتية لله تعالى، وقد حرم الظلم على نفسه وجعله بين عباده محرماً، وهذا بخلاف غيره من خلقه فإنهم معرضون لارتكاب الظلم، محاباة لقريب أو صديق، أو نكاية بعدو، أو اتباعاً لهوى، أو غير ذلك من العوارض التي تعرض للبشر، كما قال تعالى عن نفسه: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(18)}[ىل عمران].

وقال: {وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7) أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ(8) [الرحكم].

وقال تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)5)}[الأنعام].

وأكثر سبحانه من أمر عباده - المعرضين للظلم والهوى والمحاباة - بالعدل. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ(8)}[المائدة]. وقال تعالى: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى(158)}[الأنعام]. وقال تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوْ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً(153)}[النساء].

وقال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمْ(15)}[الشورى]. والآيات في ذلك كثيرة.

ـ كمال قيوميته:

وكمال قيوميته يقتضي أن يكون تعالى منزهاً من الغفلة والنسيان والسنة والنوم.

وبذلك يكون تشريعه محيطاً بكل مصالح العباد التي وضع شريعته لجلبها، وبجميع المفاسد التي وضع شريعته لدفعها أو رفعها، ولهذا كان من أسمائه تعالى: {الْحَيُّ الْقَيُّومُ} المقتضيان نفي السنة والنوم عنه، كما قال تعالى: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ(255)}[البقرة].

ونفى عن نفسه تعالى الغفلة، فقال: {وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ(74)}[البقرة]. وغيرها كثير.

ـ كمال حكمته:

وكمال حكمته يقتضي أن يضع كل شيء في مكانه المناسب الذي لا يقال فيه ليته كان كذا، أو ليته لم يكن كذا، ولهذا يكثر تعقيب الله تعالى على كثير من أحكامه باسميه الكريمين {الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}، كقوله تعالى ـ وهو يحدد أنصباء الورثة ـ: {آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً(11)}[النساء]. ومثل قوله تعالى ـ في تشريع أحكام القتل ـ :{ تَوْبَةً مِنْ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً(92)}[النساء].

ـ كمال رحمته:

وكمال رحمته يقتضي أن يشرع لعباده ما هو الأيسر لهم أو الأكثر نفعاً في الدنيا والآخرة، فلا يكلفهم ما فيه حرج عليهم، وقد يكون في بعض مايكلفهم شيء من المشقة، ولكن تلك المشقة أيسر لهم من المشقة التي تنزل بهم لو لم يكلفهم الله ذلك، ومن أقرب الأمثلة على ذلك أنه تعالى شرع لهم الجهاد في سبيله، دفعاً للعدوان، أو فتحاً للأبواب ودكاً للسدود التي يضعها الطغاة في طريق الدعوة إلى الله، فلا يدفع ذلك العدوان ويحطم تلك الأبواب ويدك تلك السدود إلا الجهاد في سبيل الله، وفيه من مشقة بذل الأموال وإزهاق الأرواح وخراب الديار وغلاء الأسعار وفقد السلع، ما لا يخفى من المشقة على المباشرين للجهاد وغيرهم من النساء والذرية وكبار السن وغيرهم..

ومع ذلك لو قورن بين تلك المشقات وما يترتب عليها من ثمار، كرفع راية الإسلام وتحطيم راية الكفر، ونيل الناس حريتهم من استعباد الطغاة لهم وصدهم عن سبيل الله وإكراههم المباشر أو غير المباشر على الكفر والفسوق والظلم والعدوان، وما يترتب على الجهاد من أمن وعدل وعبادة لله وحده، ومن قوة المسلمين وإرهابهم لعدوهم الذي أمرهم الله تعالى به في كتابه، وسلامة بلدان المسلمين من الاحتلال والاعتداء، كل تلك المشقات التي تنال المسلمين من الجهاد في سبيل الله لا تعد شيئاً بجانب ثمراته العظيمة ما ذكر منها وما لم يذكر[راجع في ثمرات الجهاد وأضرار القعود عنه: (الجهاد في سبيل الله حقيقته وغايته) (2/411) للمؤلف.].

قال تعالى ـ نافياً إرادته الحرج على أمته فيما يشرع لهم ـ: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ(6)}[المائدة]. وقال تعالى: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ(78)}[الحج]. وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً(29)}[النساء].

2 ـ نصوص وتفاصيل وتجارب تدل على كمال هذه الشريعة:

وإضافة إلى ما مضى فقد نص الله تعالى في كتابه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه على كمال هذه الشريعة، ودلت تفاصيلها الواردة في الكتاب والسنة على أنها شريعة كاملة، ودلت على ذلك التجربة من أول مجيء هذه الشريعة إلى يومنا هذا..

ـ النصوص:

أما النصوص الدالة على كمال هذه الشريعة، فمنها قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً(3)}[المائدة]. و منها قوله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ(19)}[آل عمران].

وجه الدلالة من هذه الآية أن الله نفى أن يقبل من أحد غير هذا الدين، ولولا أن هذا الدين كامل لما صح النفي إذ نقصه يقتضي الحاجة إلى تكميله، وتكميله - مع وجود نقص فيه -
لا بد أن يكون من غيره، وغيره منفي القبول، فلزم أن يكون كاملاً لا نقص فيه.

ومنها قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً(59)}[النساء].

وجه الدلالة من هذه الآية أن الله أمر بطاعته وطاعة رسوله وأولي الأمر من المؤمنين، ثم عقب على ذلك بالأمر برد ما اختلفوا فيه من شيء إلى الله والرسول، فدل على أنه ما من شيء يختلف فيه المسلمون - بما فيهم الرعية وولاة أمرهم - إلا وفي هذه الشريعة له حكم فصل، ولو كانت هذه الشريعة ناقصة لما صحت هذه الإحالة العامة، والرسول عليه الصلاة والسلام، إنما أمر بالإحالة إلى مليء، فلا يحال إلى غير مليء، فالشريعة مليئة، أي كاملة.

ومن ذلك وصف كتابه الذي هو المصدر الأول لشريعته بأنه هدى، وأنه يهدي للتي هي أقوم، كما في قوله تعالى: {الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ(2)}[البقرة]. وقوله تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ(9)}[الإسراء].

ـ التفاصيل:

أما التفاصيل فإن الذي يطلع على تفاصيل هذه الشريعة العظيمة ويعلم منهجها في التشريع، فسيجدها شاملة كاملة كافية، في كل باب من أبواب حياة البشر، تكفلت بجلب جميع مصالح العباد، ودفع أو رفع كل المفاسد عنهم، ما تمسكوا بها وأطاعوا الله في أمره ونهيه، منها ما نص عليه ومنها ما دخل في عموم النصوص أو شملته عللها، ومنها ما سكتت عنه لإباحته.

وكلف الله تعالى علماء الأمة الذين تتوافر فيهم شروط الاجتهاد أن يبينوا للناس ما يجد من قضايا في حياتهم، ولا بد أن يجد العالم المجتهد الذي يستفرغ وسعه في أي قضية من القضايا النازلة بالأمة حكماً في هذه الشريعة..

ولهذا قال ابن القيم، رحمه الله ـ مبيناً كمال شريعة الله: "وقد توفي الرسول عليه الصلاة والسلام، وما طائر يقلب جناحيه، إلا ذكر للأمة منه علماً، وعلمهم كل شيء، حتى آداب التخلي، وآداب الجماع والنوم، والقيام والقعود، والأكل والشرب، والركوب والنزول، والسفر والإقامة، والصمت والكلام، والعزلة والخلطة، والغنى والفقر، والصحة والمرض، وجميع أحكام الحياة والموت، ووصف لهم العرش والكرسي، والملائكة والجن، والنار والجنة، ويوم القيامة وما فيه حتى كأنه رأي العين..

وعرفهم معبودهم وإلههم أتم تعريف حتى كأنهم يرونه ويشاهدونه بأوصاف كماله ونعوت جلاله، وعرفهم الأنبياء وأممهم وما جرى لهم وما جرى عليهم حتى كأنهم كانوا بينهم، وعرفهم من طرق الخير والشر دقيقها وجليلها ما لم يعرفه نبي لأمته قبله.

وعرفهم، عليه الصلاة والسلام، أحوال الموت وما يكون بعده في البرزخ وما يحصل فيه من النعيم والعذاب للروح والبدن ما لم يعرف به نبي غيره، وكذلك عرفهم، عليه الصلاة والسلام ، من أدلة التوحيد والنبوة والمعاد والرد على جميع الفرق أهل الكفر والضلال ما ليس لمن عرفه حاجة من بعده، اللهم إلا إلى من يبلغه إياه ويبينه ويوضح ما خفي عليه..

وكذلك عرفهم عليه الصلاة والسلام ، من مكايد الحروب ولقاء العدو وطرق النصر والظفر ما لو علموه وعقلوه ورعوه حق رعايته لم يقم لهم عدو أبداً، وكذلك عرفهم عليه الصلاة والسلام ، من مكايد إبليس وطرقه التي يأتيهم منها وما يتحرزون به من كيده ومكره ما يدفعون به شره ما لا مزيد عليه، وكذلك عرفهم عليه الصلاة والسلام عليه الصلاة والسلام، أحوال نفوسهم وأوصافها ودسائسها وكمائنها ما لا حاجة لهم معه إلى سواه، وكذلك عرفهم، عليه الصلاة والسلام، من أمور معايشهم ما لو علموه لاستقامت لهم دنياهم أعظم استقامة.

وبالجملة فجاءهم بخير الدنيا والآخرة برمته، ولم يحوجهم الله إلى أحد سواه، فكيف يظن أن شريعته الكاملة التي ما طرق العالم شريعة أكمل منها، ناقصة تحتاج إلى سياسة [ذكر هذا النص وهو يتحدث عن اختلاف العلماء في العمل بالسياسة، وقرر أن السياسة العادلة هي جزء من شريعة الله، وأن كل ما خالف شريعة الله فليس بسياسة عادلة.] خارجة عنها تكملها، أو إلى قياس أو حقيقة أو معقول خارج منها؟!

ومن ظن ذلك فهو كمن ظن أن بالناس حاجة إلى رسول آخر بعده، وسبب هذا كله خفاء ما جاء به على من ظن ذلك وقلة نصيبه من الفهم الذي وفق الله أصحاب نبيه الذين اكتفوا بما جاء به واستغنوا به عما سواه، وفتحوا به القلوب والبلاد، وقالوا: هذا عهد نبينا إلينا، وهو عهدنا إليكم، وقد كان عمر رضي الله تعالى عنه يمنع من الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، خشية أن يشتغل الناس به عن القرآن، فكيف لو رأى اشتغال الناس بآرائهم وزبالة أذهانهم عن القرآن والحديث؟! فالله المستعان" [انتهى كلام ابن القيم من كتاب: إعلام الموقعين عن رب العالمين (4/375).].

قلت: كيف لو رأى ابن القيم اليوم اشتغال غالب قادة المسلمين من حكام، ومن يسمون بالمشرعين بزبالات أعداء الإسلام، من اليهود والنصارى والملحدين، وإحلالها محل القرآن والسنة وما استنبطه علماء الأمة منهما، ويرون أن هذه الزبالات هي التي تصلح لحياة الأمة، وليس الشريعة الربانية، بل إنهم ليحاربون كل من دعا إلى تطبيق شريعة الله، ويصفونه بأوصاف وضعوها للدلالة على الذم تنفيراً للناس منهم، كالرجعي، والأصولي، والمتزمت، والمتشدد والظلامي،... وإذا ما نبه الأمةَ الإسلامية منبهٌ إلى الخطر الذي حل بها من اعتداء أعدائها عليها باغتصاب أرضها وانتهاك حرماتها ونهب خيراتها، وذَكَّرَها بأمر ربها لها بجهاد عدوها وإخراجه من أرضها التي أجمعت الأمة على أن الجهاد لدفع العدوان عنها وحماية بيضة الإسلام فرض عين على جميع الأمة إذا لم تقم به طائفة كافية منها، إذا نبهها منبه وذكرها بقول الله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ(60) [الأنفال] ، وصفوه بأنه إرهابي متطرف متشدد! وهم يرون أعداء الله وأعداء الأمة يقتلون المسلمين في بلاد المسلمين التي اغتصبوها، ويسجنونهم، ويعذبونهم، وينتهكون أعراضهم ويمنعونهم من دخول مساجدهم ليعبدوا ربهم فيها!!

ـ التجارب:

أما التجارب فإن التاريخ في كل العصور من يوم جاء هذا الدين إلى اليوم - وسيبقى كذلك إلى يوم القيامة - شاهد على كمال هذه الشريعة، إذ لم تطبق في أي زمان أو مكان إلا أثبت تطبيقها كمالها، لنجاحها في تحقيق المصالح ودفع المفاسد التي عجزت قوانين الأرض عن تحقيقها، و قد ضرب مثالاً لذلك في هذا العصر الأستاذ عبد القادر عودة، رحمه الله بتطبيق الملك عبد العزيز آل سعود رحمه الله، الفقه الجنائي في الجزيرة العربية، ونجاحه نجاحاً منقطع النظير [راجع لهذا الموضوع ما سطره هذا العالم المسلم الخبير بالقانون الوضعي، الذي شمر عن ساعد الجد فدرس ـ بعد دراسة القانون ـ الشريعة الإسلامية، وخلص إلى حكم العالم المنصف الذي جزم بأن التجارب الكلية والجزئية دلت على عجز القانون الوضعي عن الوصول إلى بعض النتائج التي وصلت إليها الشريعة الإسلامية، التشريع الجنائي الإسلامي (2/708 ـ 716).].